الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو دخول مدرسي مجتمعي بالمغرب

حنين الهندي
باحث وكاتب

(El Hindy Hanine)

2022 / 9 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


ترددت غير ما مرة في الكتابة عن هذا الدخول المدرسي (2022- 2023) بالمغرب، والذي لم يختلف عن سابقيه إلا في الشعار ولهيب الأسعار، ترددت رغم شدة وخزه وخزيه... لكن، لغة الاستفزاز كانت أكبر ولا ضير. فحينما تجد صفحات مختلف مديريات الوزارة تتباهى في عرض صور لمؤسساتها، وقد تشمّقت وتنمقت كالعروس بشتى صباغ، مما يزعمونها تأهيلا لفضائها واستعدادا لاستقبال متعلميها، فيما لا يعدو الأمر عن طلاء واجهات المدارس دون قاعاتها، حينها تدرك التمثل البئيس لمفهوم استقبال المتعلم عند أهل الشأن. ورغم إيجابية المبادرة إلا أنها غارقة في الاستفزاز؛ فهل ينحصر استقبال المتعلم في طلاء واجهات المؤسسات، بقرار فوقي لا يعلم حتى مجلس المؤسسة بحيثياته في أحايين كثيرة، فكيف بالمتعلم؟ وإن سلّمنا بقيمة نظافة بيئة التعلم فلما تُستثنى قاعات الدرس التي يقضي فيها المتعلم غالبية وقته؟ فهل هو استقبال للمتعلم أم تلميع لواقع لا يرتفع؟ وأين باقي الفضاءات ضمن هذه البيئة المدرسة المادية: هل سيتم فتح مكتبات مدرسية؟ وقاعات متعددة الوسائط؟ ومراكز للنسخ؟ أم أننا لا زلنا نأمل في توفير حجرات تحد من الاكتظاظ، أو مرافق صحية حتى؟
كيف سيكون استقبال متعلّم تعوزه وسائل الوصول إلى المؤسسة، وإن بلغها لم يجد حضنا تربويا واجتماعيا ونفسيا لائقا، فالتكوين الفعلي للأساتذة ومختلف الفاعلين بالمؤسسة تعطل منذ سنوات، والأدوات والأطر المعينة لهم في التدبير والتدريس شبه مفقودة، وقطاع عريض منهم هذه السنة زاد غضبه: بين من ينتظر مستحقات تفننت وزارته في تعذيبه دونها سنوات، و 120 ألف أستاذ(ة) يئن تحت شبح التعاقد المفروض، وبين من يأمل فقط في الإفراج عن نتائج مباريات بما فيها الامتحان المهني الذي مضت عليه سنة كاملة ولا زال يُترقب. فمن أولى بالعناية الجدران أم الإنسان، ومن يمثل الحضن الحق للمتعلم هل الفاعل التربوي الذي تم إهماله أم الجدار الذي تمت زخرفة واجهته، في عناية بالمظهر دون الجوهر. إن المؤسسة التي ازّينت لاستقبال هذا المتعلم هي التي ستُعذب والديه بين ناظريه من فحش غلاء محافظها، فأنى للصباغة أن تخلق إقبالا أو استقبالا في ظل هذا الواقع.
فمع الضجة الإعلامية التي حفّت الرؤية الاستراتيجية، والمرافعات الهيستيرية التي حظي بها القانون الإطار الخاص بمنظومة التربية والتكوين (51.17)، والأفق المثالي الذي رسمه، كنا ننتظر دخولا مدرسيا مخالفا، دخولا رَسا على إنجازات أكبر ورسم أفقا أفضل (بشريا، تقنيا، ماديا وفنيّا، حكامتيا)، لكن يبدو أن الإنجاز الوحيد الذي تحقق من هذا القانون هو فرنسة التعليم الذي تم في رمش العين، حتى قبل أن يخرج هذا القانون.
قد يفهم قارئ أني ألقي بكامل المسؤولية على الدولة، لكني وإن أوضحت أن حظها من ذلك كبير، فلا. إنَّ حدث الدخول المدرسي ينبغي أن يكون حدثا مجتمعيا، بدء بالنقاش العمومي المثمر والمُغير للواقع الذي يجب أن يصحب لحظة هذا الحدث الجلل، في تقييم للاختيارات والقرارات السابقة، وهذا دور النخبة المثقفة، إلى خطابات التحفيز على قيمة العلم ومركزية من يدور في فلكه التي ينبغي أن يروجها الإعلام، إلى العمل الخيري الذي يجب أن يكون مؤثرا في دعم الأسر والمؤسسات التعليمية، مما كان معتادا في بلدن حيث كانت مؤسسات تعليمية كبرى وغيرها تعيش على أوقاف أهل الإحسان، واليوم تجد من يبني مسجدا ويشد الرحال معتمرا مرات دون ان يلتفت إلى يتيم أو معوز انقطع عن الدراسة لمانع مادي، بل لربمّا هناك من لا يرى أجرا ولا خيرا في اقتناء حاسوب لطالب، أو طابعة لمؤسسة تعليمية، والحال أن العبادات المتعدية والمرتبطة ببناء الإنسان أثقل في ميزان الدين والدنيا. وقبل ذلك كله أين دور الجماعات الترابية؟ التي يجب أن تفقه أنها لن تتقدم بدون قدرتها على خلق الثروة، وأن هذه الأخيرة منوطة بالإنسان المتعلم. فلا تحسبن الاستثمار في أبنائها هدرا، فتبخل حتى بحضورها لاجتماعات مجالس المؤسسات التعليمية، ولا تُخضع ذلك لأي حساب سياسي مقيت، بل يجب أن ترعى أبناءها ووتتعهدهم كما يرعى فُلُوَّه أو من يقوم عل فسيل مثمر.
إن لحظة الدخول المدرسي لا يجب أن تكون حدثا عاديا داخل مجتمع يريد أن يرتقي في سلم التحضر والتنمية، ولا أن تبقى عملا وزاريا، ولا أن تتحول إلى لحظة عذاب أو اغتراب جماعي، بل يجب أن يكون حفلا بهيجا يفيض عن أسوار المؤسسة، وطربا متناغما تعزفه مختلف حساسيات المجتمع، بعيدا طبعا عن منطق الزواق والنفاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟