الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطريق إلى شرم الشيخ 3 - تحدى التفاوضات العَسِرَة

ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)

2022 / 9 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


تتطلب العملية التفاوضية معرفة حصيفة بأطراف التفاوض جميعا، واتجاهاتهم وخططهم، وما يسعون للفوز به في كل مفاوضة، بل والتربيطات الجانبية فيما بينهم لاجل أن يميلوا بالقرار الي وجهة محددة يسوقون النتائج اليها...!!!

وللوقوف علي درجة التعقيد والصعوبة في العملية التفاوضية، ربما يكون من الضروري أن نطلع علي توجهات أطراف التفاوض في العملية كلها ..

تجمع التفاوضات تحت الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ المندوبين جميعا معاً من حوالى 200 دولة طرف في الاتفاقية، حيث تنسق الأطراف ذات الاهتمامات والظروف الوطنية المتماثلة أو المتشابهة مواقفها مسبقاً - وفيما بين جلسات التفاوض - فتختار لكل بند على أجندة التفاوض مندوبا من بينها يمثلها ويتحدث نيابة عن مجموعة الدول التي تنتمي إليها.

فضلاً عن ذلك فالممثلون من المجتمع المدنى والمنظمات الدولية المختلفة يؤدون دوراً متزايد الأهمية في مؤتمرات التغير المناخى، وهم يسهمون بدور المراقبين، وبإمكانهم حضور الجلسات الرسمية للتفاوض، لكنهم لا يسمح لهم بالتحدث أو حضور الاجتماعات غير الرسمية ( التي يتم فيها تنسيق المواقف)، غير أن المراقبين بإمكانهم جعل أصواتهم مسموعة بالتحدث في الاجتماعات الموسعة للأطراف جميعاً Plenary Sessions ، سواء المفتوحة أو المغلقة، وفى الأحداث الجانبية الخاصة، ومن خلال التعليقات وإصدار التقارير لجماهيرهم خارج المؤتمر.

وينخرط في التفاوضات تحت الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ حوالى اثنتا عشرة مجموعة من الأطراف، تدأب - على نحو منتظم - على تنسيق مواقفها، وبعض هذه المجموعات تنسق بشكل عام في إطار عمليات الأمم المتحدة كمجموعة الـ "77 والصين"، وهذه المجموعات التفاوضية تتميز عن المجموعات الإقليمية الخمس للأمم المتحدة التي تضم الدول الأفريقية، ودول آسيا الباسيفيك، ودول شرق أوربا، ودول أمريكا اللاتينية والكاريبى، ودول غرب أوربا والدول الأخرى . وهذه المجموعات الإقليمية تؤدى دورا بارزا في تعيين ممثلي الأطراف المتعددة، ويتم تدوير رئاسة مؤتمرات الأطراف للمناخ فيما بينها .

ومن ناحية أخرى تتجمع هذه المجموعات التفاوضية على الاهتمامات المشتركة، لا على التقارب الجغرافى، ورغم أنه توجد بعض الترجحات والمجموعات غير الناشطة على نفس المستوى في كل مؤتمر، فإننا بمستطاعنا أن نميز بينها المجموعات التالية:

1- مجموعة المظلة ( Umbrella Group): وهي تضافر من الدول المتقدمة يتضمن استراليا وبيلاروس وكندا وأيسلندا وإسرائيل واليابان ونيوزيلاندا وكازاخستان والنرويج والاتحاد الروسى وأوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

ومعظم أعضاء مجموعة المظلة لها حصص عالية من ابتعاثات غازات الدفيئة للفرد من السكان فيها، ولذلك فبعض أعضاء هذه المجموعة حذرون تجاه إجراءات التخفيف الطموح، والمجموعة بصفة عامة تدعو الدول النامية للمساهمة في التخفيف من ابتعاثات غازات الدفيئة . وفى التفاوضات تستهدف دول المظلة تذليل التباينات بين الدول المتقدمة والدول النامية التي كانت قد أدخلت على الاتفاقية . وبصفة عامة تدعو دول المظلة إلى مستوى عال من الشفافية في التقارير الصادرة عن الدول المتقدمة والنامية بشأن غازات الدفيئة.

2- مجموعة التكاملية البيئية (Environmental Integrity Group): وتتكون هذه المجموعة من ثلاث دول متقدمة صغيرة هي ليشتنشتاين وموناكو وسويسرا، وثلاث دول نامية بازغة هي المكسيك وجمهورية كوريا وجورجيا. وتدعو هذه الدول إلى إجراءات تخفيفية طموح لابتعاثات غازات الدفيئة من قبل جميع الدول بما فيها الدول النامية.

3- التحالف المستقل لأمريكا اللاتينية و الكاريبي ( Independent Alliance of Latin America and the Caribbean):
ويتكون هذا التحالف من شيلى وكولومبيا وكوستاريكا وجواتيمالا وهندوراس وبنما وباراجواي وبيرو، وهو يسعى إلى عبور التقسيمات والعراقيل بين الدول النامية والدول المتقدمة، ويدعو – كما دول مجموعة التكاملية البيئية – إلي إجراء تخفيفى طموح، ليس فقط من جانب الدول المتقدمة وإنما أيضاً من قبل الدول النامية، ومثل كل مجموعات الدول النامية يؤكد هذا التحالف على أهمية إجراءات التكيف مع التأثيرات المعاكسة لتغير المناخ، والدعم المالى والتكنولوجى، وبناء القدرات.

4- تحالف الدول الجُزُرية الصغيرة (Alliance of Small Island States): ويشتمل هذا التحالف على عدد 44 جزيرة ودولة نامية شاطئية صغيرة، وحيث تتعرض هذه الدول للتأثر - على نحو بالغ - بخطر ارتفاع مستوى سطح البحر، وبأحداث الطقس المتطرفة، فهى تقترح إجراءات تخفيفية طموح، وهى التي فرضت في تفاوضات اتفاق باريس خيار عدم تجاوز 1.5 درجة مئوية ارتفاعا لدرجة حرارة جو الأرض، الذى يبدو واقعياً كأضغاث أحلام.

وحيث يتشكل هذا التحالف من دول صغيرة منخفضة الدخل في الأغلب، فإنها تدعو لاستجلاب الدعم المتواصل مالياً، ولبناء القدرات في مجالات التكيف .

كذلك تظهر دول هذا التحالف اهتماماً بالغاً بجوانب "الفقد والتدمير" بسبب التغير المناخى، نظراً لمحدودية فرصها في التكيف مع آثار الارتفاع العالمى لمستوى سطح البحر.

5- الدول الأقل نمواً (Least Developed Countries): وهى مجموعة من 47 دولة، من الدول ذات الدخل المنخفض، والانتماء إليها يتبع معايير محددة، وتتم مراجعته على نحو دورى بواسطة لجنة التنمية التابعة للمجلس الاقتصادى والاجتماعى للأمم المتحدة.

وعلى مثال الدول الجُزُرية الصغيرة لا تحتاز الدول الأقل نمواً سوى قدرات محدودة جداً للاستجابة لآثار التغير الماخى، وهى تركز في التفاوضات على أهمية إجراءات التكيف، ومعالجة "الفقد والتدمير"، وتصوت دائماً في التفاوضات لدعم الدول النامية.

6- المجموعة الأفريقية للمفاوضين (African Group of Negotiators): وتشمل هذه المجموعة عدد 54 دولة أفريقية، وهى تركز - مثل كل مجموعات الدول النامية - على التحديات التي تواجهها في التكيف للآثار السلبية لتغير المناخ، وتسعى لإعطاء أهمية متساوية لقضايا التكيف ومسائل "الفقد والتدمير" - كما لقضايا التخفيف بالضبط - في كل العملية التفاوضية، وتنادى بمخصصات مالية لدعم جهودها في نقل التكنولوجيا، وبناء القدرات، والتكيف، والتعويض عن الفقد والتدمير.

7- مجموعة الأرجنتين والبرازيل وأوروجواى (Group of Argentina, Brazil & Uruguay):
وهى تؤلف بين ثلاث دول ذات إنتاج زراعى مهم، ولهذه الدول يتعين إدراك الدور المهم للزراعة في التخفيف والتكيف، فحيث تقود الأنشطة الزراعية إلى ابتعاثات غازات دفيئة معينة ( كالميثان وأكاسيد النيتروز ) إلى جانب ثانى أكسيد الكربون، تؤدى هذه الدول دوراً نشطاً في التفاوض بشأن احتمالات الدفيئة العالمية لمختلف غازات الاحتباس الحرارى.

8- التحالف البوليفارى لشعوب أمريكتنا (Bolivarian Alliance for the Peoples of Our America): وهذا التحالف هو عبارة عن تجمع لعشر دول من أمريكا اللاتينية والكاريبى ذات الحكومات الاشتراكية/الديموقراطية، وقد لعب هذا التحالف دوراً رئيسياً في دعم هموم واهتمامات الشعوب الأصلية indigenous peoples في تفاوضات المناخ.
ولقد اقترح هذا التحالف إدخال مفاهيم "العدالة المناخية" في اتفاق باريس، ويدعم المقاربات غير الأسواقية للتعاون بين الأطراف.

9 - الدول النامية ذات التوجه المتشابه (Like-Minded Developing Countries):
وتشمل هذه المجموعة عدد 24 دولة نامية هي : الجزائر، وبنجلاديش، وبوليفيا، والصين، والإكوادور، ومصر، والسلفادور، والهند، وإندونيسيا، وإيران، والعراق، والأردن، والكويت، وماليزيا، ومالى، ونيكاراجوا، وباكستان، والعربية السعودية ، وسيريلانكا، والسودان، وسوريا، وفنزويلا، وفيتنام.
وهذه المجموعة غالباً ما تتمسك بمبدأ "المسئوليات المشتركة ولكن متباينة" Common but Differentiated Responsibilities وتجعل منه الواجهة وحجر الأساس في كل مواقفها التفاوضية، وهي تدعو إلى الإجراءات الطموح والدعم من قبل الدول المتقدمة، وتركز على المسئولية التاريخية لتلصق كل الجهود المطلوبة لمكافحة تغير المناخ بالدول المتقدمة وحدها دون غيرها.

10- المجموعة العربية (Arab Group):
وتشمل هذه المجموعة عدد 22 دولة من الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، ولأجل وجود دول بترولية ضمن هذه المجموعة فإنها تعطى اهتماماً خاصاً للتأثيرات السلبية لإجراءات التخفيف (كالارتحال النهائي عن الوقود الأحفورى) على اقتصاداتها الوطنية، ولذلك فإن عنوان "تأثيرات تنفيذ إجراءات الاستجابة" هو بند تقليدى على أجندة التغيرات المناخية، تُصر هذه الدول على أن يتصدرها، ولذا تتشبث المجموعة العربية والدول النفطية الأخرى بفرض تحديات تنويع اقتصاداتها في الاستجابة لإجراءات التخفيف على كل التفاوضات، والعربية السعودية هي دولة التصويت الأبدى باسم المجموعة.

11- مجموعة الـ 77 والصين (G-77 and China):
إلى جانب كونها عضواً في واحد أو أكثر من المجموعات أعلاه، فإن معظم الدول النامية أعضاء ب "مجموعة الـ 77 آند تشاينا". ولقد تأسست هذه المجموعة داخل الأمم المتحدة من 77 دولة نامية في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن التجارة والتنمية عام 1967، ومنذ ذلك الحين راحت المجموعة تنمو أكثر وأكثر حتى بلغ عدد أعضائها 134 دولة، وفى تفاوضات التغير المناخى ألحقت الصين نفسها بالمجموعة، ولذلك فمجموعة الـ "77 آند تشاينا" هي أكبر مجموعة من الأطراف في تفاوضات التغيرات المناخية.

ومثل كل مجموعات الدول النامية تركز مجموعة الـ "77 آند تشاينا" على مبدأ "المسئوليات المشتركة ولكن متباينة"، والقدرات المعتبرة المرتبطة في الاتفاقية . ويتشدد أعضاء المجموعة في الاتهام بمسئولية الدول المتقدمة عن النصيب الأكبر من الابتعاثات التاريخية، التي يتعين عليها بالضرورة أن تأخذ بزمام القيادة في التخفيف من تغير المناخ.

ويتمحور التركيز الآخر للمجموعة حول النداء المتواصل لتقديم الدعم المطلوب من الدول المتقدمة، ولكن باختلافات واسعة في وجهات النظر بين الدول الأعضاء بالمجموعة.

12- الاتحاد الأوربي (European -union-):
وبين جميع المجموعات التفاوضية ينفرد الاتحاد الأوربي بوضع خاص، فالاتحاد الأوربي (كاتحاد إقليمى له صفته المستقلة) هو طرف في اتفاقية المناخ وفى اتفاق باريس، وكذلك كل دولة من الدول المنخرطة في عضويته؛ والوفود من الاتحاد الأوربي (ككل)، وكل دولة من دوَله على حِدَّة، ينسقون مواقفهم على مدار العام لإعداد مواقف مشتركة قبل كل دورة تفاوضية، ولكل بند من بنود الأجندة التفاوضية في مؤتمر التغير المناخى يتم اختيار ممثل ( من إحدى الدول الأعضاء أو من المفوضية الأوربية ) ليضطلع بالتفاوض نيابة عن الاتحاد الأوربي ودوله الأعضاء، والدول الأعضاء لا تتحدث عن نفسها في التفاوضات .

ويركز الاتحاد الأوربي في التفاوضات كلها على نقطة محورية هي زيادة إجراءات التخفيف، وتقليص ابتعاثات غازات الدفيئة، كما يقدم تزكية خاصة لأهمية مساندة الدول النامية، ويؤكد الجهود المرتبطة من قبل الاتحاد الأوربي ودوله الأعضاء، وينادى بالإقرارات الشفافة فيما يتعلق بالإجراءات والدعم.

ورغم أن الاتحاد الأوربي لا يشارك في التعاون الطوعى تحت اتفاقية المناخ، فهو يقدم الاقتراحات دائماً بالقواعد الحاكمة والشفافة لمثل هذا التعاون.

على أنه بقدر ما يتم اعتبار تأثير المواقف المتباينة لكل المجموعات على التفاوض، فإن القرارات كلها تتخذ دائماً بإجماع كل الأطراف، ولذلك فإن كل مجموعة مفردة تستطيع وحدها التأثير على مخرجات التفاوض .

ورغم ذلك فإن المجموعات ذات العدد الأكبر من الدول الأطراف تنفرد بميزة احتياز عدد كبير من الخبراء المتاحين ضمن وفودها لتغطية كل الموضوعات بالعمق المطلوب، وتقديم خلاصات أبحاثهم لخدمة وفودهم في الوصول إلى أعضاء الوفود الأخرى للمناقشة، والانتهاء إلى إجماع توفيقى مهم .

هذه البانوراما المرعبة من أطراف التفاوض، والمجموعات التفاوضية، جعلت الوصول للإجماع علي أي قرار أمرا أشبه بالمعجزة ، يحتاج إلي صولات وجولات وتوافقات وتربيطات وتنازلات مؤلمة، حتي لقد صارت العملية التفاوضية أشبه بحرب فكرية ومنطقية وعلمية وقانونية حقيقية شديدة الأوار !!!

وتلك هى أكبر التحديات التى تواجه التفاوضات فى القمة العالمية للمناخ القادمة بشرم الشيخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن