الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقتدى الصدر ظاهرة جديرة بالاحترام أم الخشية؟.. مخاوف الحكم النهائي على -الأحزاب الدينية- وحركاتها المسلحة

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2022 / 9 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



طالعت قبل سنوات ما كتبه الباحث العراقي الموقر عبد الحسين شعبان عن الانتفاضات العربية السلمية التي أسقطت الصنمية والمسلمات وفرضت سيرورة منطقية لحراك الجيل Y حيث يتطلع الشباب العراقي للانتفاضة ضد 18 من الحزبية الشكلانية كواجهة ديكورية للتيارات الدينية السيستانية الحشدية الايرانية أو الكردية أو حتى السنية المعاقبة الممنوعة من العمل السياسي، وهي نموذج مزيف عن ديمقراطية أسسها حاكم أمريكي وتسيرها شخصيات خاضعة للأوامر الايرانية. فعندما اندلعت حركات الاحتجاج الشبابي في السودان والعراق ولبنان والجزائر في الموجة الثانية 2019 تحدث عبد الحسين شعبان عن الثورات في دول اليسر ودول العسر، وقام بدمج متغير جديد بأن الدول النفطية نجحت ثوراتها جزئيا عكس دول العسر كلبنان والسودان. في الواقع شكلت حماية الجيش الجزائري للمتظاهرين واسقاطه لنظام بوتفليقة وسجن أكثر من 500 سياسي ورجل أعمال وضايط سامي بينهم 03 رؤساء وزراء سابقين وجنرالات سابقين تعرضوا لخفض الرتبة العسكرية، شكلت نموذجا انتظر الكثيرون حصوله في العراق، ولكن ما هي المشكلة؟.
سأحاول تقليد سلافوي زيزاك وسيلا بن حبيب في الكتابة بحرية دون روابط وحدود أكاديمية، ليس الغرض أن أتبع "منهج العادات البحثية السيئة" كما يقوم زيزاك وبن حبيب، لكن الكتابة حول ظاهرة "مقتدى الصدر" تقتضي حرصا أكبر بسبب حقل الألغام الي سأمر عبره بحثا عن النجاة، لست عراقيا، لكن ما حدث للعراق مرجعي ويؤثر في الوطن العربي بشكل واضح.
كتب الكثيرون عن مقتدى الصدر وخطابه المعادي لإيران، تبنيه لمطالب الشباب، لقاؤه بالقيادة السعودية، واحتمالات اتصاله بالأمريكان. أسئلة مشروعة لكنها مروعة في نفس الوقت، العراق لم يطور "سلطة مضادة" مثل الجيش الجزائري يمكنها وقف أخطاء السلطة، لقد تم تصميم السلطات الدستورية في بغداد ك"هيئات" أي أنه ليس لأي منها القدرة على اسقاط السلطة. كتبت نيوز ويك الأمريكية نهاية العام الماضي عن محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي الكاظمي بالدرون، وتغاضت بالطبع عن رعية قتل قاسم سليماني في الطريق نخو مطار بغداد بالدرون؟. تريد واشنطن تذكير طهران أن العراق برمته رقعة شطرنج تكون فيه واشنطن السلطة والسلطة المادة في وقت واحد (أي أن الأمريكي يلعب ضد نفسه)، لكن ما حدث بعد ذلك رهيب وخطير بحق، لأن داعش وقعت على اتفاقات سرية مع الحشد الشيعية لوقف الاحتراب بعد محو الموصل، والعراقيون لم يعودوا قادرين على قبول عودة نوري المالكي الذي كان مكتب التعذيب تحت مكتبه في بغداد كما صرح الأخضر الابراهيمي، فقد استمد المالكي ثقته من الخامنئي والسيستاني، لكن ما يحدث في ايران نفسها يتم تداوله بشكل سري مخيف، حيث يظهر المتشدد إبراهيم رئيسي (خليفة روحاني) كدمى، دورها تلهية الايرانيين عن دور أمريكي سري لتطبيع تولي مجبتى خامنئي مكان والده.
عموما، هذه التفاصيل لن تنسي باحثي علم السياسة المعطيات الثلاث لعصرنا العربي:
- أن الظاهرة الحزبية انتهت بسبب اللامعنى، فنتيجة للكبت واغلاق الفضاء العمومي أصبح الشعب العربي يفضل متابعة برامج السخرية مثل برنامج بشير شو و جو شو و باسم شو على متابعة دمى قرقوز الأحزاب.
- ثانيا أن الحكم الذي يسود هو الكليبوتوكراسي Kleptocracy للفساد الديمقراطي، وهو تأكيد على ما توصل إليه اللبناني غسان سلامة بأن من يسير الديمقراطية هم أشخاص غير ديمقراطيين "ديمقراطية دون ديمقراطيين"، ونتيجة للخوف من تشكيل حكم الدهماء السوقية والغوغاء أوكلوكراسي Ochlocracy بأن يتم السماح لشباب" غير متكون سياسيا" بالحكم دون دعم سياسي وانطلاقا من ديمقراطية الشوارع بروتستوكراسي Protestocracy، فإن البلد سيعيش حربا سرية بين الدولة العميقة Deep State والسبوكوكراسي Spookocracy حيث يكون تجسس الايرانيين والأمريكان بغرض استقطاب أشباه ساسة لتحريكهم من بعيد. وقد سمعنا بالفعل عن امكانية عودة بعثيين في الدولة العراقية العميقة، وهذا دعم لأطروحة هيئة العلماء المسلمين حارث الضاري ونجله أن التغيير في العراق بحاجة الى خليه مجهولين أصلاء يعيدون العراق لأهله (نفس مشكلة ليبيا رغم نجاح مالي وغانا وغينيا وبوركينافاسو). وعليه، فإن مقتدى الصدر لا يتصدى للسيستاني والمالكي والحشد الذين سربوا إهانات لأنصاره على يوتيوب بأنهم مرجفة طهران، بل يتصدى لخلية سنة العراق غي البعثيين التي ستنقذ العراق من الاحتلالين.
- ثالثا، أن العراقيين لا يفهمون بعد أن ثورة شبابهم الآن سيرورة طبيعية بسبب تحزل النظام الدولي، ورفض التطبيع، لن أطيل في هذا الموضوع لأن عدم إسراع العراقيين في الفكاك من الهيمنات هي فرصة تاريخية لن تتكرر، وقد تكون كلفتها باهة، لكن المطمئن اليوم، هو كشف الشباب لكل شيء عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تخاض فيها حروب احتكاكية دون دماء، فالعراق القوي بالهند والصين وروسيا قادر على الخلاص من الهيمنتين المزيفتين للرأسمالية والملالي. فإذا كان الأفغانيون قد تخلصوا من القاعدة بالجلاء الأمريكي فإن سيطرتهم على السلطة تطلبت دعما أمريكيا وهذا ما فعله الامريكيون بالقضاء على أيمن الظواهري، أرسل الأمريكيون رسائل للرياض والقاهرة أنهم حاضرون ضد القاعدة، لكن هذا التهديد لن يثنيهما عن الاقتراب من بيجين وموسكو.
ما ينقص العراقيين، تأليف سردية تلخص رؤية، خلف هذه الرؤية أفكا نظرية عن فك الارتباط، لا ايران ولا تركيا ولا الأمريكان يمكنهم المساعدة لأنهم لاعبون مشاركون، لكنهم جميعا منشغلون في قضايا أخرى.
هل مقتى الصدر بطل؟، ما فعله مقتدى هو "تغيير الملاعق، ونصب والمعالق"، هناك مثل جزائري يقول (قلنا لهم الشوربا مالحة، غيروا لنا الملاعق). فهل علق الصدر المعالق لكي يضع الساسة بذلاتهم للبس أخرى، ام لجلب بذلات جديدة لماريونات قرقوز جدد. هل مقتدى الصدر سياسي أم رجل دين؟، هل يمتلك سلطة مضادة بالفعل؟، هل هل سلطة اقتراح أم سلطة أمر؟، هل تزداد شراهته من طلب الاصلاح الى طلب التغيير؟، هل هو عراقي متواضع ذو جاه سياسي أم سياسي يهز كتفيه ويفرك شواربه؟
كتبت مجلة فورين بوليسي العام الماضي عن فضيحة مفادها أن القوات البريطانية قبل رحيلها، اتفقت مع قوات المالكي على خوض معارك ضد داعش حتى يرضى الرأي العام الانجليزي على قواته التي همشت في البصرة من طرف الأمريكان.
مثال بسيط يوضح ما يحدث للعراق الي سئم أهله المسرحيات السياسية والعسكرية والأمنية.
كيف يتم قصف السليمانية لأن فيها جواسيس صهاينة ولا يعلم العراقيون ما يجري على حددوهم؟. هل هزل وزن الكرد الى درجة تلقي الصفعات الايرانية أم أن طهران متفقة على أنقرة للانتقام منهم؟. هل سيتعرض العراقيون للعطش وجفاف أنهارهم بسبب السدود التركية؟، ومتى يعرف العراقيون الأرقام الصحيحة لمداخيل النفط؟. وهل سيعرف العراف محاكمات للساسة الفاسدين يمكنها أن تدخل الشباب الى بيوتهم لمشاهدة المحاكمة على هواتفهم بدل البقاء في الشوارع؟.
أصبح برنامج بشير شوى وسيلة التنفيس الأكثر متابعة من طرف العراقيين لان السخرية Political Humour/Irony/Sarcasm، أصبحت الوسيلة الأفضل لجعل (الآها مومنت Aha والهيه مومنت Hih وابتسامة الموناليزا) وسيلة هندسة وعي العراقي الجديد ليترجم ذكاءه الى برنامج للتغيير الشامل.
يمتلك العراق قوة عددية ونوعية للجالية في الغرب وكل عواصم العالم، ومع ذلك لا يتواصلون بعفوية من أجل العراق، فهل يعود السبب لسيكولوجيا المتابعات البعثية التي سيمر عليها عقدان اليوم، أم بسبب نموذج معارضة الخارج التي صنعها الكولونياليون الجدد؟، أم لخوفهم من القاعدة وداعش؟، أو لتسليمهم بوقوع العراق تحت هيمنة ايرانية تركية؟.
هل يمكن للجالية العراقية وشباب العراق وبشير شو ونفط العراق تقديم بديل سياسي؟، هل يجب على هؤلاء الانطلاق من موسكو وبيجين لخلق توازن جديد؟، أم أن عصر الاستقواء انتهى؟!.
مقتدى الصدر قوي أن ضعيف؟، حر في قراره أم مستغل وانتهازي جديد؟، ولماذا اعتزل السياسة وهل سيتحول الى قوة مسلحة؟.
تقول نظرية الحزب للقانوني القرنسي موريس دوفرجيه أن الحزب هو جماعة دائمة ومنتشرة تسعى للوصول الى السلطة، وعليه، فإن كل من لا يرغم في الوصول للسلطة هو لوبي جماعة ضغط تتخذ الظاهرة الحزب غطاء لتكون "صفوة غير حاكمة". العراق الجديد ككل دول العالم مطالب بالتحول الى حكم الدقة (الرقمنة والأتمتة والحوسبة والروبوتيك) وحكم اللجان الفنية (نظرية الكوميتولوجي Comitology) ليستفيد من مداخيله النفطية، يجب عليه أن يسمح للاقتصاديين بالحكم بالضرورة الحتمية ليلتحق بركب الحداثة، لا يعني ذلك حكم التكنوقراطيين بل حكم التكنولوجيا Technocracy، فللعراق حضارات هي الأعرق، ثلاث حضارات كبرى يمكن أن يتابع العراقيون تطورها في محاضرات خزعل الماجدي لابتكار عبقرية جديدة. إن خلاص العراقيين من" قابلية الاستعمار" التي كشفها الجزائري مالك بن نبي، أو "اشكالية التحيز" التي كشفها المصري عبد الوهاب المسيري، لا تختلف عن فكرة "النباهة والاستحمار" التي تحدث عنها علي شريعتي، لأن التيه وموت الأفكار سببه عدم كسر حاجز الخوف.
إن الكتابة عن الشأن العراقي ليس تجرؤا او تدخلا سافرا نعمل على تبريره، بل هو عقليا ومعرفيا، مد يد مساعدة، لأن العراق له فضل على البشرية جمعاء، الحل قريب دائما ويمكن إزالة الغشاوة بطرح شفاف دون رياء وكبرياء.
الغرب مأزوم وكشف بشكل مدهش ازمة تركية وايرانية واسرائيلية غير مسبوقة، كشفت فرصة للعراق للنهوض من جديد، أنصح العراقيين بمتابعة ما يقوم به العقيد الهاشمي غويتا في مالي جنوب الجزائر، غويتا خريج كتاتيب مصحف الجزائر وأكاديمية ضباط شرشال الجزائر، يقوم بطرد الفرنسيين. العراق بحاجة الى قائد يدعمه الشباب لطرد الهيمنات واستعادة المصير.
ليس الحديث عن هذا الامر سهلا، فلا أحد يزعم هنا أنه ألكسندر دوغين العرب، لكن السلطة المضادة ليست بالصعلكة الدروشية، بل بالمأسسة التي تعكس "حكم الذكاء"... هذه ليست ديماغوجيا فلقد ناقشنا مع الروس رأي الشباب في ميخائيل غورباتشوف، وهل فلاديمير بوتين على صواب؟. فكيف يكون صعبا أن نناقش المستوى السياسي والفكري لقادة الأحزاب العربية التي لا تستحق مكانتها المزيفة.
عذرا من الشيوعيين العراقيين الذين لم أذكرهم في هذا الموقع، فهم يخشون دخول موقع الألغام، فهل يمكن الحديث عن فك الارتباط من الهيمنات دون رأي التيار الشيوعي، لقد أبان الكثير من الشيوعيين العراقيين عن كتابات ذرائعية تبرر الترف الفكري الذي يسكنهم برجا عاجيا في عواصم الغرب، فهم قرييون من وضع السلوفيني سلافوي زيزاك، هناك مثل جزائري يقول: (هناك من يرغب في اللبن،لكنه يخفي الكأس خلف ظهره)... هل للشيوعيين العراقيين رأي ثوري حول ما يجب على جيل ااشباب فعله أم أنهم أعجز من التنظير لكيفيات اكتساب سلطة مضادة. هل سيضل الشيوعيون العراقيون سلبيين وفي" دكة الاحتياط" كما يقول علاء الأسواني؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟