الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الفيتو- والقطب الواحد 4/8

سليم يونس الزريعي

2022 / 9 / 3
دراسات وابحاث قانونية


أدى انهيار الاتحاد السوفيتي إلى ترك المسرح الدولي مفتوحا لهيمنة القوى الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم انتهاء الحرب الباردة بين القطبين تلك الحرب التي لعبت دورا في إحداث نوع من التوازن داخل مجلس الأمن بين الكبار، وانتهاء تلك الحرب بذلك الشكل الدراماتيكي الذي تمت به، قد مكن الولايات المتحدة الأمريكية من فرض هيمنتها الكاملة على مجلس الأمن، والتصرف في المنظمة الدولية في بعض الأحيان كأحد الإدارات الملحقة بالخارجية الأمريكية، من خلال السيطرة على مجلس الأمن، وتوظيفه في خدمة مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وتأكيد هيمنتها على النظام الدولي وتكريس زعامتها للعالم(1).
إن انحلال الاتحاد السوفيتي كان زلزالا استراتيجيا هائلا قلب خريطة العالم من البحر الأدرياتيكي إلى حدود الصين بجذرية، وبمعدل رقمي أقل من أي وقت سابق في التاريخ، راسما حدودا ربما يعترض عليها الملايين، بل عشرات الملايين من البشر، وفاتحا بذلك الطريق أمام انطلاق عقال النزعات الشوفينية(۲)، وهوس القوة الغاشمة.
هذا الانحلال حيد أحد القطبين العالميين، مما أتاح وجود الزعامة الواحدة للعالم، ولا شك في أن الزعامة الأحادية تشكل عاملا أساسيا من عوامل عدم الاستقرار في العالم كله(۳)، ومن ثم فإن التغيرات التي طالت أحد قطبي المعادلة الدولية التي كانت سائدة لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية قد تركت المجال مفتوحا، للقطب الآخر ليفرض
هيمنته على المنظمة الدولية بصفة عامة ومجلس الأمن بصفة خاصة، لاسيما فيما
يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين.
وهو ما سمح للولايات المتحدة أن تنفلت من كل المعايير، وهي تسخر مجلس الأمن لخدمة مصالحها ومصالح حلفائها، في غياب أي موقف جدي من الدول الدائمة العضوية الأخرى يواجه الغطرسة والتحيز الأمريكي، ومن ثم فإن انفراد الولايات المتحدة بالتصرف باسم الشرعية الدولية شكل ويشكل تعديا على الأمم المتحدة ومجلس أمنها ومؤشرا بائسا على مصداقية تلك المنظمة.
حالة انفراد الولايات المتحدة كقطب وحيد، محملة بغطرسة القوة، جعلت الرئيس بوش يضغط مرارا على مجلس الأمن مستفيدا من حالة انعدام الوزن بالنسبة إلى روسيا الاتحادية وارثة الاتحاد السوفيتي، من أجل تبني سلسلة قرارات لم يسبق لها مثيل، أدت إلى ضمانة الصلاحية لأي دولة بناء على تقديرها الانفرادي المطلق، أن تستعمل "كل الوسائل الضرورية" لتنفيذ تلك القرارات.
ومن أجل ضمان الحصول على الأصوات اللازمة في مجلس الأمن، دفع الرئيس الأمريكي بوش مليارات الدولارات كرشاوي، وهدد بالانتقام الاقتصادي وتنفيذه، وبطرق أخرى حصل على أصوات بواسطة الغش والفساد(1).
ولا عجب والحال هذه أن يرى وزیر خارجية بلجيكا على ضوء هذا المشهد الدولي "أن الأمم المتحدة جثة هامدة بعد أن فقدت كل دور لها أمام القوة الأمريكية " كما يؤكد أن الأمم المتحدة لم تعد هيئة ضبط وتنظيم، وبعض الدول تستخدمها عندما يناسبها"(2).
فقد جرى استخدام مجلس الأمن مطية لتنفيذ السياسة الأمريكية، فشهد مجلس الأمن
خلال الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي، نشاطا غير معهود من قبل، في خدمة السياسة والأهداف الأمريكية في ظل مولود تلك المرحلة "النظام العالمي الجديد" وهو حسب قول الرئيس الأمريكي بوش الأب النظام العالمي الذي تسود فيه "مملكة القانون وليس قانون الغاب هو الذي يحكم القانون الدولي(1)، لينضم إلى نفس الجوقة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران الذي قال "لقد جاءت ساعة مملكة القانون الدولي"(2) ولنا أن نلغي عقولنا والوقائع الملموسة على مدار كل تلك الفترة الزمنية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي ونصدق الرئيسين الأمريكي والفرنسي.
ففي ظل مملكة القانون تلك التي جرى التبشير بها، وفي ظل النظام العالمي الجديد، والتفرد والهيمنة الغربية تصرف مجلس الأمن كوكيل لدولة، أو لحساب مجموعة من الدول في أحسن الأحوال، وبدت تلك الشرعية واضحة في مضمونها وتفاصيلها في القرارات التي تبناها ضد العراق.
ومن ثم لم تشهد الأمم المتحدة نشاطا مكثفا طوال ما يقارب الأربعة عقود ونيف التي سبقت انهيار الاتحاد السوفيتي، مثل الذي جرى منذ تفردت الدول الامبريالية بمصادر سفينة العالم مطلع العقد الأخير من القرن العشرين، فكان أن أصدر مجلس الأمن خلال عامين قرارات تعادل ما أصدره في العشرين عاما الأولى من تأسيسه، وهو ما أرضى الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب الذي خطب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أول تشرين الأول/أكتوبر1990 قائلا "لأول مرة بدا مجلس الأمن في هيئة الأمم المتحدة يتصرف بالطريقة المفترض أن يمارسها"(3).
وتلك الطريقة التي أرادها الرئيس الأمريكي هي التي حركت طاحونة الحرب ضد العراق احتراما لقرارات مجلس الأمن، في حين أن الكيان الصهيوني قد انتهك عرض القانون الدولي والشرعية الدولية عشرات المرات دون أن يفرض عليه احترام أي قرار من قرارات مجلس الأمن.
وهكذا تمخضت الظروف الدولية عن ولادة نظام عالمي جديد يدعى أن شرعيته تقوم على الالتزام بتطبيق القانون الدولي، وهو القانون الذي يفرضه مجلس الأمن الذي بقي راقدا في سبات عميق طيلة الحرب الباردة، ليصبح بعدها ذراع العدالة المزودة بيد من خمسة أصابع هم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن(1)، ومع ذلك إذا ما جارى استعراض عدد مرات استخدام الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لحق الاعتراض خلال عقد من الزمن لأدركنا أي مجلس أمن تريده الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين.
---------------.
1- فرانسيس بويل، مستقبل القانون الدولي والسياسة الخارجية الأمريكية، منشورات مركز دراسات العالم الإسلامي، الطبعة الأولى 1993، صفحة 17.
2- د. محمود صالح العادلي، مصدر سبق ذكره، صفحة21.
3- باتريك هيرمان، مصدر سبق ذكره، صفحة 26.
4- المصدر السابق، صفحة 37.
5- نفس المصدر، صفحة 34.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة


.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا




.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب