الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور العرب في تكوين الفكر الأوربي للدكتور عبد الرحمن بدوي

عطا درغام

2022 / 9 / 3
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


امتزج الفكر العربي البالغ كمال تطوره وبين العقل الأوربي وهو بسبيل يقظته وتلمس طريقه في البداية، وتمت عملية التخصيب في منطقتين: الأولي في أسبانيا وفي مدينة طليطلة منها بخاصة،والثانية صقلية،وجنوب إيطاليا ،خصوصًا في عند ملوك النورمان وأشهرهم رجار الثاني المتوفي سنة 1157 وفردريك الثاني المتوفي سنة 1250 م...قثد كانت هاتان المنطقتان نقطتي التلاقي بين الثقافة العربية الزاهرة وبين العقلية الاوربية الناشئة ؛لانهما علي الحدود بين دار الإسلام وبين اوربا.
ويبدأ التبادل الثقافي بين الثقافة العربية في الأندلس وبين العقلية الأوربية في البلاد التي تقع إلي جوارها بالرحلة التي قام بها جربير دي أورياك الذي أصبح فيما بعد بابا باسم سلفستر الثاني رحلته إلي قرطبة"طلبًا للحكمة". ولم يعد الجادون من المؤرخين يشكون في قيامه بهذه الرحلة التي شهد بها معاصره المؤرخ أدمار دي شابان خصوصًا..ومن الثابت أنه زار أسبانيا وأمضي بها ثلاث سنوات من سنة 967 إلي سنة 970 ميلادية بجوار أسقف فتش، فماذا عسي أن يطلب العالم في قطالونيا خلال هذه السنوات؟
لم يكن في قطالونيا من العلم آنذاك ما يشغل ذهن هذا الراهب طيلة ثلاث سنوات.لهذا فمن المؤكد انه رحل من قطالونيا إلي حيث مركز العلم والثقافة في ذلك الحين؛نعني قرطبة الزاهرة في عهد الحكم الثاني(المتوفي سنة 366ه) ..فكان لهذه الرحلة أثرها البالغ في اهتمام جربير بالعلم العربي ومحاولة نشره في أوربا المسيحية.
وبلغ هذا التبادل في طليطلة بعد ان استردها الأسبان سنة 1085 فأصبحت علي الحدود بين الدولة الإسلامية في الأندلس وبيت الدولة النصرانية في سائر أسبانيا..وكانت مدينة جليلة الشأن منذ عهد بعيد إذ كانت عاصمة مملكة القوط الغربيين.
وفي عصر ملوك الطوائف بلغت مكانة كبري علي أيدي ملوكها من بني النون إلي أن استولي عليها الفونس السادس سنة 478 ه..فقد امتازت بمكانتها العظيمة ،خصوصًا وقد انتقل إليها آلاف المجلدات من المشرق.
وكان فيها ثلاث طوائف قوية تعيش إلي جوار بعضها البعض: المسلمين والنصاري واليهود..وتولت الطائفة الثالثة التوسط بين الطائفتين الأخريين، سواء في التجارة وفي نقل العلوم.
وشجع علي قيام حركة نقل الكتب العربية إلي اللاتينية- إما بتوسط اللغة العبرية أو اللغة الدارجة الرومانية- مطران طليطلة ريمدندو(1126-1152). وتلاه خلفاؤه حتي استمرت هذه الحركة طوال أكثر من قرم,,ولقد اعتاد المؤرخون أن يتحدثوا عن "مدرسة المترجمين" في طليطلة ،ولكن ليس المقصود وجود مدرسة بالمعني المادي؛أي هيئة وبناء يضمها يتولي القيام بالترجمة، مثل بيت الحكمة الذي أنشأه الخليفة المأمون للمترجمين من اليوناانية أو السريانية إلي العربية في سنة 215 ه، بل كان هناك جماعة حرة من المترجمين يعملون في طليطلة في نفس المكتبات،وبنفس الطريقة ، وفي ميدان واحد هو العلوم العربية.
لكن اول ما اهتم به هؤلاء المترجمون هو العلوم العربية المنقولة عن اليونانية،ذلك أن اوروبا كانت قد أقفرت او كادت من العلم اليوناني، وانحصرت بضاعتها العلمية في متون جافة، هي التي وضعها مارشيانو كابلا الذي عاش في شمال أفريقية في عهد الواندال في القرن الخامس ،أو التي وضعها بوتيوس في القرن السادس في إيطاليا في عهد القوط الشرقيين،أو تلك التي كتبها القديس"إيسيدور" الذ عاش في أسبانيا في القرن السابع علي عهد القوط الغربيين.وأخيرًا في القرن الثامن ما كتبه بيد الذي عاش قي بريطانيا.
وهذه المتون كانت مجرد خلاصات شاحبة لآثار ضئيلة من العلم اليوناني، فبقيت الدراسة في أوربا تافهة كل التفاهة محصورة في فئة نادرة من الرهبان. وما كان يمكن هذه الدراسة ان تغير مجراها إلا إذا امدها مصدر خصب جديد؛ فكان هذا المصدر هو العلوم العربية، وبخاصة ما تنطوي عليه من علوم اليونان. لهذا اتجه المترجمون إلي نقل الكتب العربية التي تتضمن علوم يونان أولًا.
وكان علي رأسهم الشماس دومنجو جونسالفو المتوفي حوالي سنة 1180 م. وبرز نشاطه في الفترة ما بين سنة 1130 وسنة 1170، ويُعد أشهر رجال الترجمة في العصر الوسيط من العربية إلي اللاتينية عن طريق الأسبانية العامية..فقد كانت الطريقة في الترجمة أن يقوم مستعرب بترجمة النص شفويًا إلي اللغة الأسبانية، ثم يتولي"جونسالفو) الترجمة إلي اللاتينية. ومن بين ما ترجمه "جونسالفو" علي هذا النحو بعض مؤلفات "الفارابي" و"ابن سينا"و"الغزالي"و"ابن جبير" وشاركه في الترجمة أحيانًا "خوان بن داوود" إذ اشتركا معًا في ترجمة"في النفس" لابن سينا. ويخلط أحيانًا بين "ابنداوود" هذا وشخص آخر هو "يوحنا الأسباني" الذي ترجم من العربية إلي اللاتينية عدة مؤلفات في الفلك والنجوم،ومن بينها كتب للخوارزمي، بفضلها انتقل الحساب الهندي إلي أوربا والنظام العشري في الحساب؛حتي عرفت العمليات الحسابية باسم (الجوراسمو) ..
ومن المرجح أن أول الأوربيين غير الأسبان الذين استفادوا من حركة الترجمة هذه من العربية إلي اللاتينية هو"أدلهر أوف باث" وكان رحالة وعالمًا،جال خلال فرنسا وصقلية وقليقية وسوريا حوالي سنة 115؛وترجم من الأسبانية سنة 1126م الذي الذي وضعه الخوارزمي وعرف باسم"السندهند"
أما المركز الثاني للتبادل الثقافي فكان في صقلية بعد أن استولي النورمان عليها سنة 484ه، وكان العرب قد فتحوها سنة 212ه علي يد الأغالبة فكأنها ظلت تحت حكم العرب 272 ه.
وأما التأثير العربي فقد ظل طوال عهد النورمان:فروجار الثاني" تأثر في كل مظاهر بلاطه بمظاهر الخلافة الفاطمية في مصر، فكان يظهر وعليه عباءة فاخرة مكتولب عليها بالحروف العربية الكوفية، وأنشأ أكاديمية كان يعمل فيها العلماء النصاري واليهود جنبًا إلي جنب، وأحسُّوا بالحاجة إلي ترجمة العلوم العربية إلي اللاتينية فبدأت حركة مناظرة لحركة"طليطلة" وإن تأخرت عنها بعشرات السنين.
ففي عهد"جيوم الأول" ابن روجار الثاني نشطت حركة الترجمة ليس فقط من العربية بل وأيضًا من اليونانية، حتي ان وزيره المشهور"إنريكو أرستيو" ترجم "الآثار العلوية" لأرسطو من اليونانية،وكذلك ترجم محاورتين لأفلاطون ،كما ترجم هو و"الأميرال بوجنيو دي بالرمه" كتاب"المجسطي" لبطليموس من العربية إلي اللالتينية حوالي سنة 1160م ،
كما اشترك في حركة الترجمة العربية مترجم فذ هو "جيرردو الكريموني"(114-1178) الذي رحل إلي طليطلة طمعًا في دراسة العلوم الفلكية،وعني خصوصًا بكتب الفلك لبطليموس،وعلي رأسها "المجسطي"،وهي كلمة يونانية تعني في أصلها : ) الأعظم)، وقد أطلقها اليونانيون علي أكبر كتب بطليموس في الفلكـوعربها العرب كما هي"المجسطي". فقام"جيرردو" بترجمته إلي اللاتينية سنة 1175 وهو لا يعرف أن الكتاب قد ترجمه أيضًا "أرستيبو" ؛علي ان ترجمته هي التي حظيت بالشهرة الأوسع..كذلك ترج "جيرردو" أكثر من سبعين كتابًا عربيًا في الفلك والجبر والحساب والطب.
واستمرت حركة الترجمة في طليطلة في القرن الثالث. واستقبلت طليطلة علماء أوربا الكبار مثل "ميخائيل أسكوت" الذي شارك أيضًا في حركة الترجمة؛ فترجم لابن سينا..ومن بين كبار المترجمين نذكر"ماركوس" شماس طليطلة الذي ترجم من العربية بعض مؤلفات جالينوس"الطبية كما ترجم القرآن الكريم،وبعض الكتب في علم التوحيد..كما نذكر خصوصًا هرمانوس المانوس الذي ترجم شرح"ابن رشد" علي الأخلاق لأرسطو سنة 1240 وتلخيص الخطابة لابن رشد.
وفي عهد "ألفونسو الحكيم" تنتشرت حركة الترجمة من العربية إلي الأسبانية الناشئة فترجمت "كليلة ودمنة" و"مختار الحكيم" للمبشر بن فاتك وعشرات من كتب الفلك من اللغة العربية إلي اللغة الاسبانية ، فكان لهذا أثره العظيم ليس فقط في تقدم الدراسات العلمية في أسبانيا ومنها غلي أوربا كلها بل وخصوصا في قيام اللغة الأسبانية.
ومن هذا كله نتبين مدي حركة الترجمة من اللغة العربية إلي اللغتين اللاتينية والأسبانية مما سيكون له أخطر الأثر في بعث العلم والأدب في أوربا..وقد تناول الدكتور عبد الرحمن بدوي هذا الأثر في كتابه(دور العرب في تكوين الفكر الأوربي)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة