الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران والمنطوق السياسي الفلسطيني (الجزء الأول)

سامي الاخرس

2022 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


إيران في المنطوق السياسي الفلسطيني
يرتبط المنطوق السياسي الفلسطيني في سرديته على عدة مواقف وتباينات في تحديد وصياغة الرواية أو الموقف، أو المنطوق السياسي في خطاب الوعي، وفق محددات وثوابت يتمَّ البناء عليها، وتحديد مسارها، وأيضًا تحديد المسار التفاعلي معها، ومن هذه المحددات على سيل المثال وليس الحصر:
أولًا: الموقف من القضية المركزية كثابت.
ثانيًا: الأيديولوجيا
ثالثًا: الإرتباط الوجداني بالقومي والقومية
رابعًا: الإرتباط الوجداني بالحزبي والحزبية
من واقع هذه المحددات يتمَّ تبني المنطوق السياسي الفلسطيني، أيّ بناء الموقف من خلال قاعدتين؛ القاعدة الثابتة وهي المحدد الأول، أيّ الموقف من العدو الصهيوني كقاعدة ثابتة في عملية التعريف، والبناء عليها، والقاعدة المتحركة التي تتمثل في العلاقة الهندسية ( الجمالية) التي يرتكز عليها في رسم السياسات الإنفعالية، والإنحياز في بعض القضايا والمسائل، وهذا ما يتمَّ اسقاطه على العلاقة أو المنطوق السياسي المتنوع نحو إيران.
الحالة الفلسطينية، حالة فريدة بتكوينها وتشكيلها، تحمل في طياتها حالة تشابكية مستمرة منذ انطلاق الثورة الفلسطينية التي تميزت بالتعددية الأيديولوجية، والتي من خلالها تباينت الرواية الحزبية في العديد من المتباينات السياسية، والمواقف حول العديد من القضايا والأسس، والمنطلقات وعلى سبيل المثال الموقف من الإمتداد العربي، والبًعد العروبي وفق تصنيفات هذا الإمتداد وفق قواعد متحركة منها تصنيف القوى التقدمية والرجعية، وكذلك التصنيف وفق القومية...إلخ من تجليات التباين في المنطوق الفلسطيني، ففي بدايات أو بواكير الثورة صنفت قوى اليسار العربي دول الخليج والأنظمة العربية من قوى الرجعية، في حين صنفت القوى العلمانية العلاقة مع هذه القوى بأنها علاقة ذات امتداد قومي للقضية الفلسطينية، وقوى تعتبر من أدوات ومكونات التحرير، وتساهم في الفعل السياسي والإستراتيجي لعملية التحرير. وهو التصنيف الذي اعتمد على (الأيديولوجيا)، كما انسجم النسيج الفلسطيني في تحديد روايته المنطوقة، وأدبياته نحو الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية(سابقًا)، وكذلك بعض الأنظمة العربية التي كان ينظر لها كأنظمة ثورية مثل (الجزائر) مع الاختلاف حول طبيعة التحالف مع النّظام السوري الذي كان يتباين الموقف معه وفق محدد الإرتباط الوجداني (الحزبي) والسياسي، أيّ وفق متغيرات المشهد وتطوراته. كذلك الموقف من إيران في حقبة الشاه بهلوي، حيث أتفق المنطوق الفلسطيني على حتمية تصنيفها كدولة عدوانية عدائية تنحاز للموقف المضاد للقضية المركزية (الفلسطينية)ـ وتبني علاقاتها مع أكثر القوى عدائية الولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال الصهيوني، ونسجت الثورة الفلسطينية علاقات متقدمة مع قوى الحرّاك الإيراني سواء القوى الدينية أو القوى الوطنية أو القوى اليسارية، وفق المحددات الأربعة سالفة الذكر، حيث يمكن اسقاط المحددات الأربعة على الموقف من إيران، وذهب البعض الفلسطيني أو بعض القوى باعتبار المظلومية الإيرانية هي نفس المظلومية الفلسطينية، وفي نفس السياق مثل حركة فتح على وجه التحديد، التي كانت ترتبط بعلاقات تكاملية مع قوى الثورة الإيرانية.
نجحت قوى الشعب الإيراني من الإنتصار، واسقاط نظام الشاه وإعلان الجمهورية الإيرانية، وعبّرت الثورة عن منطلقاتها الثورية منذ البيان الأول، وصنفت دولة الكيان الصهيوني من قوى الاستكبار العالمية، وحددت مواقفها وثوابتها وسياساتها وتحالفاتها بناء على العلاقة مع الكيان الصهيوني كثابت غير متغير منذ عام 1979، وكان لقوى الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات علاقة خاصة لم يتمتع بها أحد من القوى الأخرى سواء مستوى القوى الفلسطينية أو قوى الإقليم.
الموقف من الثورة الإيرانية:
على المستوى (السياسي وديبلوماسية المنطوق الفلسطيني لم تختلف القوى الفلسطينية في منطوقها السياسي النظري من الثورة الإيرانية التي تعتبر متحولًا هامًا في مواجهة العدو الصهيوني، وإن اختلفت في مفهوم التحالف، فالقوى التقدمية (اليسارية) وجدت فيها نظام ثيوقراطي ( ديني) لا يتوافق ومحددات (الإيديولوجيا) خاصة بعد أن تمَّ اقصاء قوى اليسار الإيرانية (حزب تودة، ومجاهدي خلق) وملاحقتهم، وهو المنطوق الذي اعتمد على محددي (الأيديولوجيا، والوجدان الحزبي)، في حين كان موقف حركة الإخوان المسلمين الدولي موقف مناصرًا ومؤيدًا عبّر عنه رموزها وقيادتها في الوطن العربي، رغم الاختلاف والتباين المذهبي ولكنها رأت فيها انطلاقة وانبعاث لمفهوم الدولة الدينية الإسلامية التي يمكن البناء عليها في مجابهة الدولة القومية، وتفكيك المنظومة القومية التي كانت سائدة في الإقليم، كما انبهرت بعض الشخصيات الإسلامية بالثورة الإيرانية، وأعادت تشكيل الوعي والتفكير الإستراتجي الثوري كما فعل الدكتور فتحي الشقاقي الذي ارتكز واستند عليها في بلورة رؤية إستراتيجية ثورية إسلامية، تكون مدخل لتحرير فلسطين والعمل الثوري الفلسطيني ليؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. أما على الصعيد الإقليمي، وخاصة الدول الخليجية فقد وجدت في النّظام الإيراني نقيضًا (مذهبيًا) بما أنّ إيران أو الجمهورية الإيرانية عبّرت عن هويتها المذهبية ( الشيعية) منذ بدايتها، وساهم في نمو هذه المخاوف والإرباك شعار أو مفهوم(تصدير الثورة) الذي رأت فيه دول الخليج (السنية) عدوًا توسعيًا يهدد وجودها، خاصة وأنّ لديها طوائف شيعية كبيرة شكّلت لها الثورة الإيرانية دافع ومحرك للتململ والتجرؤ بالمطالبة بحقوقهم كأقليات في داخل البلدان، وهو ما يعرف بالولاء لولاية (الإمام) أو (ولاية الفقيه) التي تستند إليها الشريعة الدستورية الإيرانية كما حددها الإمام الخميني في الحكم كإستراتيجية، أيّ انتماء الشيعة للإمام وليس للقطرية الوطنية.
الهوية الدينية (المذهبية) لإيران:
انعكست الهوية المذهبية على الرؤية السياسية نحو إيران من حيث المواقف في الإقليم، وكما أسلفت فإن دول الإقليم رأت في إيران عدوًا مذهبيًا يهدد وجودها وأمنها الداخلي، وبدت في الهم الخليجي أكثر خطرًا من العدو الصهيوني الذي يبتعد عنها جغرافيًا، لذلك كانت تشكل حلفًا جيوسياسيًا مع العراق في تصديه لإيران في حرب الثمانية أعوام، أيّ أنها أرادت لحربها ضد إيران بعدًا طائفيًا مذهبيًا بظاهره السياسي.
أما على مستوى المنطوق الفلسطيني فإن الموقف المذهبي للثورة الإيرانية لم يشكل محددًا رئيسيًا في العقد الثوري الذي كان أهم ركيزة، بل كان محدد الارتباط بالموقف من العدة الصهيوني هو المحدد في الموقف والرؤية استنادًا للمحدد الأول. رغم المحددات الأيديولوجية والمذهبية، وهو ما اتضح من الإلتفاف حولها من جماعة الإخوان المسلمين وبعض الشخصيات الدينية الفلسطينية مثل الدكتور فتحي الشقاقي.
الخلاصة أن إيران دولة طائفية ومذهبية، لكنها ارتكزت في علاقاتها على مبادئ وأسس ثابتة أطلقتها كمحددات منذ انتصار ثورتها، وأهمها محدد العداء للكيان الصهيوني في الإقليم، والمحدد الآخر بناء الدولة أو الجمهورية الإقليمية القوية والفتية، وهو ما اتضح جليًا بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية.
ما يمكن البناء عليه في الرواية الفلسطينية أو كما أطلقنا عليه المنطوق الفلسطيني أنّ الثورة الإيرانية عبّرت عن المظلومية الفلسطينية، وتمكنت من الحدّ من التمدد الصهيوني في الجغرافيا العربية والأسيوية بعدما استطاعت أنّ تنظم علاقات استراتيجية مع أكبر قوتين إسلاميتين هما تركيا أتاتورك، وإيران الشاه.
إيران والصدام مع الثورة الفلسطينية:
تدحرجت الأحداث، وبدأت الأزمات تأخذ طريقها على العلاقات الإيرانية – الفلسطينية، وخاصة مع حركة فتح التي تسيطر وتهيمن على القرار الفلسطيني، ومنظمة التحرير الفلسطينية الأقرب لإيران سياسيًا، وبدأت تطفو على السطح العديد من الأزمات بعد الانتقال من المعتقد الثوري إلى المعتقد الجمهوري الدولة. فإيران تحولت من ثورة إلى دولة ذات نظام سياسي ودستور ومنظومة علاقات إقليمية ودولية، وسياسات خارجية واستراتيجية حاكمة لمواقفها وعلاقاتها مع الأطراف الأخرى، كما أنها تحتكم للبُعد الديني كهوية ثابتة، وعليه فقد اصطدمت بهوية منظمة التحرير الفلسطينية، والهوية الفلسطينية المتنوعة أيديولوجيًا، كذلك في رؤية حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية لامتدادها العربي، وبدأت العلاقات تتخذ منحى آخر كانت خلالها الحرب العراقية – الإيرانية نقطة الحسم في نسيج العلاقات مع إيران، واحتكمت القيادة الفلسطينية لمحدد الامتداد القومي في تحديد مسار العلاقة، وعليه انحازت للجانب القومي العربي وللعراق كدولة عربية قومية، وهنا يمكن القول أنّ الوحدة السياسية أو الكتلة السياسية متعددة المشارب فلسطينيًا التقت معًا خلف محدد القومية والأيديولوجيا في الموقف من إيران، فحركة فتح ببعدها القومي، واليسار ببعده الأيديولوجي، مع الاختلاف في البُعد الديني الإسلامي، الذي لم يكن قد تبلور بعد في النُظام السياسي الفلسطيني.
واستع هذا الإنهيار مع توجه ياسر عرفات إلى مصر بعد الخروج من لبنان عام 1982 ممّا فسر إيرانيًا بأنه توجه لمسار سياسي آخر نحو السلام مع دولة الكيان الصهيوني، بما أنّ مصر والرئيس المصري السادات وقعا اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1979 وقطعت إيران علاقتها مع مصر بناء على طلب من ياسر عرفات آنداك، وأيضًا جاءت انتفاضة عام 1987 لتشكل فجوة عميقة في العلاقات الإيرانية – الفلسطينية، وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية والذي شهدت انطلاق حركة المقاومة الفلسطينية عام 1988 كذراع للإخوان المسلمين، مع انطلاق حركة الجهاد الإسلامي عام 1986 ليشكلا بديلًا يتوافق والرؤية الإيرانية دينيًا، وكذلك وجدت فيهما بديل مناسب لتبني النهج العدائي مع العدو الصهيوني، والذي يعتبر أحد الثوابت الإيرانية، حيث قامت إيران باستقطاب حركة حماس وفتحت لها مكاتب في طهران، بل ودعتها لمؤتمرات نظمتها إيران تحت عنوان " دعم الإنتفاضة الفلسطينية" ودعم المقاومة الفلسطينية، بما يعني أنّ إيران وجدت البديل التي يتوافق معها عقائديًا وسياسيًا، ويتوافق مع مصالحها، ويشكل معها نقطة إلتفاء وفق محدد الأيديولوجيا (الدينية)، ممّا باعد أكثر بين إيران ومنظمة التحرير الفلسطينية، ودفع بالعلاقات لأسوأ مراحلها، بل واستغلت إيران مشروع أوسلو عام 1993 الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية مع دولة الكيان لتتخذ موقف العداء من منظمة التحرير الفلسطيني وياسر عرفات، وتدفع باتجاه تبني القوى الإسلامية المعارضة (حماس والجهاد الإسلامي) احتكامًا لمحدد الأيديولوجيا كثابت رئيسي، وثمّ مبدأ العداء للكيان الصهيوني الذي أصبح منهج سائد في العرف السياسي الإيراني، وسياسة واضحة وثابتة سواء في فلسطين أو لبنان.
إذن فإنّ المنطوق السياسي الفلسطيني أصبح الأن أكثر انقسامًا من حيث الرؤية لإيران، فهناك قوى وجدت بها حليفًا ونصيرًا، وقوى وجدت بها عدوًا ونقيضًا. فتحول التحالف لتصادم وتناقض مع بعض القوى الفلسطينية، إلَّا أنّ إيران فتحت ذراعيها لقوى ما يطلق عليه قوى المقاومة ، وقدمت لها دعمًا ماليًا وعسكريًا غير محدود وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي وجاءت انتفاضة الأقصى عام 2000 لتشكل مدخلًا أكثر قوة لإيران لتقديم مزيدٍ من الدعم لهذه القوى، بل أنها قدمت لحركة فتح سفينة أسلحة(كارين إيه) وكانت حمولتها تشرف عليها إيران وحزب الله اللبناني عام 2002، بل وبدأت في التناغم مع بعض القوى اليسارية وعلى وجه التحديد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تصطف في محور المقاومة كما يطلق عليه.
المتتبع لهذه السياسة الإيرانية يرى إنها دولة تصيغ استراتيجيتها وفق مواقفها الثابتة من العدو الصهيوني، وأنّ كان البُعد المذهبي يؤثر في بعض تحالفاتها ورؤيتها، ومحاولات البحث عن وجودها في الخريطة الإقليمية كدولةٍ فاعلة ومؤثرة، وتحتكم لجملة مصالحها العليا في معركتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، ومواجهة العداء الخليجي، إلَّا أنّ هذا المحدد لا يمنع وفق الرؤية الإيرانية أنّ تعقد تحالفات مع قوى سنية تشترك أو تتقابل معها في بعض القضايا والمبادئ، وهو ما جسدته في علاقاتها على وجه التحديد مع حركة فتح في موضوع (كارين غيه)، وحركة حماس التي اتخذت موقف معاكس للموقف الإيراني في القضية السورية، وحافظت على مستوى الدعم المالي والعسكري للحركة,
إيران وفق انتصار ثورتها عام 1979 تقوم على سياسة الدفاع عن مصالحها العليا كدولةٍ إقليمية، وتتمتع بحكنة وذكاء في قيادة معاركها التكتيكية بل والإستراتيجية وهذا تجلى في العديد من القضايا والمسائل سواء في السابق أو في الوقت الحالي.
وبإطلالة سريعة يمكن البناء على العديد من المواقف والرؤى السياسية الواضحة والجلية في كيفية تعاملها مع بعض هذه القضايا المتمثلة في:
أولًا: العراق: قامت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بغزو العراق عام 2003، وهاجمت نظام صدام حسين المعادي لإيران، إلَّا أنّ الموقف الإيراني العلني كان رفض الغزو الأمريكي، مع إدراكها المطلق أنّ إزاحة نظام صدام حسين من أهم استراتيجياتها، لذلك اتخذت الموقف الذي يتوافق مع هذا الإتجاه (الحياد الإيجابي) أيّ الرفض الظاهري والتوافق الباطني مع الفكرة والهدف، حيث حركت إيران قواها وحلفائها في العراق(الشيعة)، واستطاعت بعد احتلال العراق أنّ تسيطر على العراق فعليًا، وبذلك تكون قد حققت أحد أهم أهدافها في الإقليم، السيطرة على العراق العدو اللدود لها، والدولة الإستراتيجية في الجغرافيا والموقع الجغرافي، والقوة الرئيسية التي تصدت لسياساتها وأهدافها.
ثانيًا: أفغانستان: حركت الولايات المتحدة حربها التي أطلقت عليها الحرب ضد الإرهاب بعد أحداث سبتمبر أيلول عام 2001 قواتها لأفغانستان للقضاء على حكم طالبان الراديكالي، وتنظيم القاعدة المتهم بتنفيذ أحداث أيلول عام 2001، وتعتبر طالبان والقاعدة من القوى الدينية (السنية) الأكثر راديكالية، وعداءً لإيران، وهو ما تعاملت معه إيران بسياسة (الحياد الإيجابي) كما وتعاملت فيما بعد مع العراق، واستطاعت أنّ تحتضن قيادات وأسر تنظيم القاعدة الذين خرجوا من أفغانستان، وأنّ تشكل حلفًا قويًا في أفغانستان من (الشيعة) المناصرين لها، وعليه تكون إيران حققت هدفًا رئيسيً في الجغرافيا والإقليم، هو القضاء على نظام معادي مذهبيًا لها، وفرض نفوذ قوي في أفغانستان.
ثالثًا: أسيا الوسطى: ترتبط إيران بحدود كبيرة مع جمهوريات أسيا الوسطي التي استقلت بعد تفكك الإتحاد السوفيتي(السابق)، وخاصة الجمهوريات الإسلامية، وعليه فقد استطاعت إيران من خلال سياساتها في هذه الجمهوريات من بناء جسور ممتدة من الثقة والمصالح المشتركة مع روسيا التي كان لديها تخوفات كبيرة على المستوى الأمني، وخشية من محاولات إيران العبث بأمن هذه الجمهوريات التي تعتبر جزء مهم وهام من الأمن القومي الروسي، بل مثلت إيران سدًا منيعًا في وجه أي أطماع غربية وأمريكية في هذه الجمهوريات، وعليه استطاعت أنّ تحدث اختراقًا كبيرًا مع روسيا وأنّ تبني معها علاقات عسكرية واقتصادية قوية، وتستغل التكنولوجيا الروسية في إنشاء وتأسيس مشروعها النووي، والإستثمار في الطاقة النووية الروسية، وكذلك في الصناعات العسكرية الروسية والأنظمة الصاروخية المتطورة.
رابعًا: لبنان: دخلت إيران لبنان بقوة ومن الباب الواسع، عندما استطاعت تشكيل وتأسيس حزب الله اللبناني الحليف القوي، والذي خاض معارك طويلة مع العدو الصهيوني في الجنوب اللبناني، وإرغام دولة الكيان الصهيوني على الانسحاب من الجنوب اللبناني عام 2000، وتحول هذا الحزب لقوى مسيطرة على لبنان فعليًا، وعليه أصبح حزب الله ذراع إيران القوي في لبنان والذي بدوره حقق هدفان، الأول التصدي للعدو الصهيوني الثابت والمركزي لإيران، وللشريعة والعقيدة الإيرانية التي لم تتغير منذ انتصار الثورة عام 1979، وتحول الحزب لقوة ردع قوية في وجه العدو الصهيوني، والتلويح دائمًا بورقته في وجه الكيان الصهيوني, والثاني التصدي للتمدد السعودي (الخليجي) في لبنان، ولأيّ محاولة من دول الخليج للتفرد بلبنان، وعليه أصبحت إيران قوة مؤثرة في الخريطة اللبنانية والسياسة اللبنانية عبّر حليفها حزب الله.
خامسًا: سوريا: تعتبر سوريا من أهم حلفاء إيران في المنطقة والإقليم، بل أنّ النّظام السوري (البعثي) كان ولا يزال حليفًا لإيران في حربها الطويلة مع العراق عام 1980، كما وتعتبر سوريا العدو المركزي للكيان الصهيوني في المنطقة، ورأس الحربة في المواجهة مع الكيان الصهيوني بعدما تخلت مصر عن حالة العداء مع الكيان وأصبحت ترتبط باتفاقيات دولية مع العدو الصهيوني، حولها من صف العداء إلى صف الأصدقاء. وعلى ذلك دفعت إيران بقواتها العسكرية وبقوات حليفها حزب الله إلى سوريا بعد أحداث عام 2011، ومواجهة القوى المعارضة المدعومة تركيًا وعربيًا وأمريكيًا لإسقاط نظام بشار الأسد البعثي حليفها الرئيسي، وفعلًا استطاعت إيران أنّ تحافظ على صمود وبقاء النّظام السوري، ومنع اسقاطه، بل واستطاعت أنّ تثبت وجوده دوليً.
سادسًا: اليمن: استغلت إيران اندلاع الأحداث اليمنية عام 2011 ضد نظام على عبدالله صالح ودعمت حليفها المركزي هناك حركة (أنصار الله) الحوثية الشيعية، والتي تمكنت من السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، والعديد من المحافظات اليمنية، كما استطاعت مواجهة الحلف العربي برئاسة السعودية والإمارات الذي شن حملة عسكرية منذ سنوات ضد الحركة وأنصارها، ولم تفلح القوة العربية أو الحلف العربي السعودي أنّ يحقق أيّ تقدم أو اختراق رغم كل ما استخدمه من قوة وضربات متواصلة، واستطاعت حركة أنصار الله الحوثية أنّ تفرض وجودها وتعزز أركان حكمها على اليمن.
سابعًا: الملف النووي: تستغل إيران ملفها النووي في رسم سياساتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي وهي تدرك جيدًا مدى أهمية وحيوية هذا الملف لما يشكله من قوة وأهمية ردع في وجه أيّ محاولات من دولة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، في حال أي مغامرة عسكرية أو سياسية ضدها، واستطاعت إيران أنّ تصمد في وجه العقوبات الأمريكية والغربية التي فرضت عليها على خلفية مشروعها النووي، وأنّ تقاوم كل المحاولات الضاغطة عليها في هذا الشأن وخاصة ملفاتها الداخلية التي حاولت بعض القوى إثارتها كسلاح في وجه النّظام الإيراني مثل ملف حقوق الإنسان، والملف الإقتصادي وتحريض الشعب الإيراني للثورة والتململ ضد النظام السائد، وتشكيل قوة ضغط شعبية ضد إيران، إلَّا أنها استطاعت الصمود والتعامل مع هذا الملف، بل واندفعت للأمام خطوات واسعة في بناء علاقات تحالفية مع الصين وروسيا ودول اقتصادية، وأنّ تضع نفسها كقوةٍ استراتيجية في منظومة المعسكر المتضاد مع الولايات المتحدة والغرب، والنجاح في تعزيز قوتها عبّر الصين وروسيا في مجلس الأمن الدولي والتصدي لمحاولات الولايات المتحدة الأمريكية من انتزاع أيّ قرار أممي يبيح للولايات المتحدة والغرب التحرك ضد إيران، كما تحاول إيران أيضًا للانضمام إلى قوى ومنظمات وتكتلات اقتصادية دولية. إذن فإيران تستخدم ملفها النووي الاستخدام الأمثل في تحقيق العديد من الأهداف الإستراتيجية التي ترسمها سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الحضور كقوةٍ إقليمية مؤثرة في الحدث والسياسات الإقليمية والدولية.
هذه القضايا التي استطاعت إيران من خلالها التمدد جغرافيًا وسياسيًا عبّر مجموعات من حلفائها في الإقليم، وتعبر من خلالها عن حضورها القوي والمؤثر كدولة إقليمية ترسم سياسات ومستقبل الإقليم، وأنّ تشكل محورًا قويًا تواجه من خلاله السياسات الأمريكية- الخليجية، وفرض سطوتها على المنطقة، والدفاع عن مصالحها العليا كدولةٍ صاحبة مشروع تسير من خلاله بخطوات ثابتة ومحددة.
بعد هذا الاستعراض التحليلي العام للواقع الإيراني الإقليمي والدولي يجب علينا أنّ نعود للحلقة الأساسية في محور هذا الاستعراض عبّر سؤال مركزي يجد الكثير من المحللين والمثقفين والأكاديميين، بل والمواطن العادي أمامه، هل إيران دولة صديقة أم دولة عدو؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة