الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 98

ضياء الشكرجي

2022 / 9 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قُلِ اللّاهُمَّ مالِكَ المُلكِ تُؤتِي المُلكَ مَن تَشاءُ وَتَنزِعُ المُلكَ مِمَّن تَشاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشاءُ بيدِكَ الخيرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (26) تولجُ اللَّيلَ فِي النَّهارِ وَتولجُ النَّهارَ فِي اللَّيلِ وَتُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَتَرزُقُ مَن تَشاءُ بِغَيرِ حِسابٍ (27)
هذا من الأدعية القرآنية الجميلة، رغم ما عليه من ملاحظات لاهوتية، أو على الأقل من أسئلة لمحاولة فهم التصورات والمباني اللاهوتية لمؤلف القرآن. فكون الله مالك الملك معنى دقيق لا غبار عليه، إذا ما سلمنا طبعا بوجوده جل جلاله، لأنه إذا كان العلة الأولى لكل الوجودات، من علل ومعلولات، وكان هو مبدع المادة والطاقة والروح والحياة وأسبابها، فمن الطبيعي والبديهي أن يكون كل شيء ملكه. لكن لنحاول أن نفهم ما المقصود من كونه «(يُؤتِي) المُلكَ مَن (يَّشاءُ) وَ(يَنزِعُ) المُلكَ مِمَّن (يَّشاءُ) وَ(يُعِزُّ) مَن (يَّشاءُ) وَ(يُذِلُّ) مَن (يَّشاءُ)». إذا كان المقصود إن الأسباب لامتلاك الأشياء، وأسباب فقدانها أو الحرمان ابتداءً من امتلاكها؛ أن كل ذلك من مخلوقاته، وبالتالي يكون هو المسبب لكل ذلك، فهذا أمر مقبول، ولكن لكونه قديرا على كل شيء، يفترض أن يعني أنه قادر على التدخل وتغيير مجريات الأمور، دون إلغاء قوانين العلية، فلم لا يفعل ذلك؟ قد يقال إنه يفعل ذلك، ولكننا لا ندرك تدخله وتغييره لمجريات الأحداث. فإذا سلمنا أن كل ما يحصل إنما يحصل لأنه يريده كذلك، فإننا نجد إن الحوادث لا تجري وفق موازين العدل، فإذا بقينا في كل من قضية إتيان أو انتزاع الملك، وقضية الإعزاز والإذلال، اللتين لا تكونان إلا بحسب ما يشاء، حسب هذه الآية، نجد أن كثيرا من السيئين والظلمة يبقون يعيشون حياتهم متمتعين بملك ما يشتهون وأعزاء أقوياء، وبعكسه نرى كثيرا من الطيبين الصالحين يبقون يعيشون حياتهم في حرمان وذل. وجواب المؤمنين بالدين معروف، فهم يقولون إن الإنسان السيئ يؤتى ما يؤتى في حياته الدنيا ليعذب بها في الآخرة، والإنسان الصالح يحرم ويعاني ليزاد في ثوابه ونعيمه في الآخرة. من جهة نجد أنفسنا واثقين من العدل المطلق لله، ونعلم علما حضوريا وليس حصوليا، ذلك بالمعايشة المباشرة أو غير المباشرة، أن العدل غير متحقق في هذه الحياة، مما يجعلنا نجزم بألّا بد من ثمة حياة أخرى لا نعرف طبيعتها، يقام فيها العدل المفتقد في هذه الحياة على أكمل وجه. لكن يبقى ما يحصل في هذه الحياة من الصعب علينا أن نفهمه وأن نستوعب فلسفته، وتبريرات الأديان والدينيين تبقى غير مقنعة. طبعا هذا حتى لو وضعنا جانبا مناقشة ما يراه الإسلام وما تراه سائر الأديان من معايير الجزاء الأخروي، ثوابا أو عقابا، فالمعيار حسب القرآن ذو شقين، الإيمان والعمل الصالح، وكلاهما وفق ما يراه الإسلام، فلا إيمان إلا بالإيمان بالإسلام، ولا عمل صالحا إلا في ضوء شرائع الدين الإسلامي، باستثناء ما يفرضه العقل الأخلاقي، وهذا ما لا يحتاج إلى دين، حتى باعتراف المدارس الدينية (الإسلامية) العقلية، التي تعتمد مقولة الحسن والقبح العقليين، بدلا من الحسن والقبح النقليين أو الشرعيين، وإلا فمن حيث المبدأ لا بد من اقتران الإيمان بنظرية ما وبمبادئ ومثل إنسانية بالسلوك المنسجم معها، ولو ليس على نحو التطابق المطلق، بل بمستوى الانسجام العام. وكثير من ناقدي الدين يفهمون أن هذه الـ(من يشاء) أو (ما يشاء) إنما تنسب المشيئة العشوائية والمزاجية لله، فهو يعز من يشاء ويذل من يشاء، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، يرحم من يشاء ويعذب من يشاء. فيدافع المؤمنون بالإسلام بعدة طرق حسب فهمهم للقرآن، وهو فهم بصور شتى، قد يناقض أحيانا بعضها بعضا، فبعضهم يقول إن المشيئة في الهداية والضلال تعود على المهتدي والضالّ وليس على الله، أي إن الله يهدي من يشاء لنفسه الهداية ويضل من يصر على سلوك طريق الضلال، ولكن هذا لا يمكن تطبيقه على موضوع الرحمة والعذاب، فلا يمكن أن يكون هناك إنسان يريد لنفسه العذاب، وهكذا بالنسبة للعز والذل. أما الشق التكويني في هذه الآية، أي كون الله «(يولجُ) اللَّيلَ فِي النَّهارِ وَ(يولجُ) النَّهارَ فِي اللَّيلِ وَ(يُخرِجُ) الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَ(يُخرِجُ) المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ» فلا اعتراض على ما جاء فيه، فهو تعبير لا يخلو من بلاغة وجمالية، فلا هو مناقض للحقائق العلمية، كما في آيات أخرى، ولا هو من نوع ما يحلو للكثير من المسلمين أن يسموه بالإعجاز العلمي. لكن ينبعث الإشكال من جديد، في العبارة الخاتمة، كون الله «يَرزُقُ مَن يَّشاءُ بِغَيرِ حِسابٍ». فلماذا لا يكون الرزق متكافئا، أو على الأقل بما يسد الحاجات الضرورية للحياة لكل البشرية، إذا تسامحنا قي قضية التوزيع العادل، ناهيك عن التوزيع المتساوي. سيقال إن التوزيع غير العادل للثروة هو من صنع الإنسان وظلمه. إذن إما أن يكون الله قد خلق الكون والأرض والإنسان وفوض إليه أمره دون تدخل منه، فينتفي قول أنه يهدي ويضل ويرزق ويحرم ويعز ويذل، وإما هو يفعل به ما يشاء، فيأتي السؤال عن سبب عدم مطابقة فعله الذي حصل بمشيئته لموازين العدل. كما لا يمكن القول أنه غير قادر على تغيير ما يحصل، فالقرآن يؤكد مرة بعد أخرى أنه «عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ»، وهذا ما يوجبه العقل الفلسفي المجرد. إذن تبقى كل الأسئلة بلا جواب مقنع ونهائي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س


.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: صيغة تريتب أركان الإسلام منتج بش


.. عشرات المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى




.. فلسطينية: العالم نائم واليهود يرتكبون المجازر في غزة