الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض حجج الحدوث لدى الغزالي

هيبت بافي حلبجة

2022 / 9 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بعدما إنتقدناه في مفهوم السببية ، وكذلك في مفهوم العقل ، نود أن ندحض حججه في مسألة حدوث العالم ، ونفند إعتراضاته على قدم العالم .
المقدمة الأولى : في نقطة الأصل ، يعترض الإمام الغزالي على حجج الفلاسفة في مسألة قدم العالم ، بحجج أخرى تخص موضوع حدوث العالم لبيان تهافت حججهم ، لذا لامندوحة من البدء بمفهوم قدم العالم لديهم . حيث يؤكد هؤلاء الفلاسفة على أمر مفاده ، إن الحادث لايصدر من القديم وإستحالة الحدوث منه ، ومن القديم لايصدر إلا ماهو قديم .
إلى ذلك ، لدينا ، حسب هؤلاء الفلاسفة ، ثالوث متكامل ، الإله والعالم وإرادة الإله ، الإله قديم تعريفاٌ ، وإرادة الإله قديمة بالضرورة ، فلا إله بدون إرادة وطالما إنه قديم فإرادته قديمة مثله ، أي إن كلاهما قديمان أبديان أزليان سرمديان كليان مطلقان ، وأما العالم فيمكن أن يكون قديماٌ مثلهما أو أن يكون حادثاٌ لإنه ، ومن حيث التأصيل ، مستقل وجودياٌ عن الأثنين معاٌ .
لكن وحسب هؤلاء ، إن العالم ليس مستقلاٌ عنهما بذاته من حيث إنه هو هو ، من حيث هو في وجوده ، فلقد أصبح مستقلاٌ بعد أن تحقق شرط العلاقة الوجودية مابين الثلاثة ، وجوهر هذه العلاقة يكمن في إرادة الإله ، فإرادته إقتضت منذ القدم حدوث العالم .
وأما أن يكون العالم حادثاٌ فهذا أمر مرفوض حسب هؤلاء الفلاسفة ، لإن الحدوث يعني حدوث أمر طارىء ، حدوث ما إستجد بعد قدم الإله وقدم إرادته ، حدوث مافرض نفسه على إرادة الإله وغيرها وبدلها ، وجعلها ترضخ لإرادته الخاصة ، هذا مستحيل أن يحدث لإن إرادة الإله تكون حينها إرادة ناقصة غير كلية ولامطلقة ، إضافة إلى إنبثاق أسئلة مزعجة : من أين صدر هذا الذي إستجد ، وكيف فرض نفسه على إرادة الإله ، وماعلاقته بالإله وجودياٌ .
وهكذا لدينا ثلاثة شروط مسبقة في ذهن هؤلاء الفلاسفة :
الشرط الأول : إن الإله هو المسؤول عن العالم ، فالعالم لم يكن وماكان ولن يكون لولا الإله نفسه ، فلاوجود لأية لإمكانية أخرى تجعل من العالم وجوداٌ ، لا من غير الإله ولامن العالم نفسه .
الشرط الثاني : لقد حلت إرادة الإله محله وجودياٌ ، وكل ما إقتضته هذه الإرادة كان ، وكان منذ كانت ، منذ القدم ، منذ الإله ، منذ المنذ .
الشرط الثالث : إن كل مايحدث في هذا العالم كان مرهوناٌ تماماٌ وبالمطلق وبالكلي لهذه الإرادة الإلهية منذ المنذ ، فأنت أنت منذ تلك الإرادة ، وسيدنا إبراهيم هو سيدنا إبراهيم منذ القدم ، إذ لايمكن أن يستجد ما يستجد إلا إذا كان خارج إرادة الإله ، وهذا مرفوض ومنقوض .
المقدمة الثانية : وفي نقطة الأصل ، يعترض هؤلاء الفلاسفة على حدوث العالم من زاوية إن الحدوث يعني تقدم الإله على العالم في أمرين ، تقدم في الرتبة ، أوتقدم في الزمن .
وأما تقدم الإله في الرتبة ، فهو ليس تقدماٌ في الوجود الإنطولوجي ، إنما هو تقدم في الرتبة الوجودية ، والرتبة الوجودية لاتلغي عن العالم قدمه ، أي إن كلاهما ، الإله والعالم ، قديمان ، وليس صدور العالم عن الإله إلا منذ القدم ، إلا منذ كان الإله كان العالم ، فقد كان وقد كان ، والقدم هو عين القدم في ذاته وخاصه .
وأما تقدم الإله في الزمن ، هو الآخر باطل ، لإن زمن حدوث العالم يفترض بالضرورة وجود زمن ماقبل زمن الحدوث ، فالزمن ، إذاٌ ، أزلي قديم ، وطالما هو أساس الحركة في الكون ، فإن الحركة تكون آنها هي الأخرى أزلية قديمة ، وكما لاحركة بدون متحرك ، والمتحرك هو أساس وجود العالم ، فالعالم أزلي قديم .
المقدمة الثالثة : يعترض الإمام الغزالي على هذا التصور ، قائلاٌ إن الإله ووجوده وإرادته من جانب ، والعالم ووجوده من جانب آخر ، وهما جانبان متمايزان منفصلان ، فالإله وجود والعالم وجود آخر ، فإذا كانا قديمان لدل ذلك على وجود قديم آخر مستقل عن الإله إنطولوجياٌ ، ولدل على إن العالم شريك للآلهة في القدم ، وهذا محال .
المقدمة الرابعة : يعترض الإمام الغزالي على موضوع القدم من زاوية ثانية ، وهي إنه يتفق مع الفلاسفة في زعمهم إن الآلهة قديمة لإنها واجبة الوجود ، وإن إرادتها قديمة هي الأخرى ، لتلازمية الثانية مع إنطولوجية الأولى ، ويتفق معهم على إن إرادة الآلهة إقتضت وجود العالم منذ القدم ، منذ إن كانت وكانت الآلهة ، فلا أسبقية مابين هذه القضايا الثلاثة ، لكن ثم أمر يدعي الغزالي إنه غاب عن ذهن هؤلاء وهو : إن إرادة الالهة إقتضت وجود العالم ، وهذا هو شرط الإقتضاء ، شرط قدم الإقتضاء ، لكن بالمقابل ثم شرط آخر ، شرط يتعلق بحين حدوث العالم ، أي بحدوث العالم في إثناء حدوثه ، أي بحين تحقق وجود هذا الحدوث ، أي بحين تحقق موضوع الإقتضاء وهو حدوث وجود العالم . فإرادة الآلهة إقتضت منذ القدم أن ينوجد العالم ، وأن يتحقق شرط وجوده ، شرط حدوثه في عين في ، لاقبل ولابعد .
فإرادة الآلهة إقتضت وجود سيدنا إبراهيم منذ القدم ، كقرارين في قرار واحد ، كقرار قديم يتعلق بوجود سيدنا إبراهيم ، وقرار قديم يتعلق بوقت وبحين حدوث هذا الوجود ، وهكذا سيدنا عيسى وموسى ، وأفلاطون وهيجل ، وهو وهي .
المقدمة الخامسة : يعترض الإمام الغزالي على قدم العالم في موضوع عدد دورات دوران الكواكب والأجرام السماوية السيارة زاعماٌ ، لو كان العالم قديماٌ لكان عدد دورات دوران الكواكب موازياٌ لقدمها ، وقدمها يعني إن الدورات لامتناهية في عددها ، لكن ومن المعلول أن يكون عدد الدورات إما عدداٌ فردياٌ وإما عدداٌ زوجياٌ ، والحال إننا لانستطيع أن نهي عدد الدورات ، لا عند العدد الفردي ، ولا عند العدد الزوجي ، فهو إذاٌ فردي وزوجي معاٌ ، وهذا هو إجتماع النقيضين ، وهذا محال .
المقدمة السادسة : يعترض الإمام الغزالي على قدم العالم في موضوع الشمس تحديداٌ زاعماٌ ، لو كان العالم قديماٌ لكانت الشمس ، شمسنا هذه ، تحولت إلى كتلة لاحياة فيها ، لاضياء ولانور ولاأشعة . لإنها كانت ستفقد كل يوم مقداراٌ ، أي مقدار كان ، من طاقتها ، وبما إننا إزاء أيام لامتناهية في العدد لقدم العالم ، فإنها ولابد أن تفقد كافة طاقتها . والحال إنها مضيئة وتشعشع في سمائنا ، فلامندوحة من قبول فكرة إنها حادثة حدوثاٌ .
المقدمة السابعة : يعترض الإمام الغزالي على قدم العالم في موضوع حدوث الأشياء والقضايا على الأرض فيؤكد ، أو ليس من الغريب أن ننكر الحدوث وهو يتحقق أمام أعيننا في الأشياء ، أو ليس الحدوث أمر طبيعي حقيقي في الكون والطبيعة .
المقدمة الثامنة : يعترض أبو حامد الغزالي على قدم العالم في موضوع الزمن ، فإذا كان العالم قديماٌ فهذا يستلزم قدم الزمن ، فلاعالم بدون زمن ولازمن بدون عالم ، وإذا كان الزمن قديماٌ ماكنا ، نحن زمنياٌ ، في هذه اللحظة ، أي مابلغنا هذا الزمن الذي نحن فيه ، لوجود زمن لامنتهي قبل هذا الزمن وقبل هذه اللحظة ، وطالما إننا ، الآن ، في زمن هذا التوقيت الفعلي والحقيقي فإن الزمن ينبغي أن يكون بالضرورة حادثاٌ ، وحدوث الزمن يعني حدوث العالم ونفي قدمه .
المقدمة التاسعة : ويعترض الغزالي على ذلك من المفهوم الديني والعقائدي البحت ، في موضوع العلاقة مابين الخالق والمخلوق ، مابين الإله والعالم ، فحسب الرؤية الإسلامية لايمكن للآلهة إلا أن يخلق العالم ، يخلقه تحت ضرورة شرطين تامين ، شرط الإرادة الحرة ، وشرط الخلق من العدم ، مع إدراك تام ألا يرتبط الشرط الأول بشرط الضرورة ، وألا يرتبط الشرط الثاني بشرط ينفي عن العدم شرط وجوده الخاص .
وهذا ينم عن ثلاثة أمور متفاضلة :
الأمر الأول : إن صدور العالم عن الآلهة كما يعتقد أصحاب قدم العالم ، لايمكن أن يدرك إلا من خلال مفهوم الضرورة ، والضرورة شرط يلغي الإرادة الحرة لإن الصدور هو صدور الضرورة .
الأمر الثاني : إن صدور العالم عن الآلهة كما يعتقد أصحاب قدم العالم ، لايمكن أن يصدق إلا إذا صدق غياب صورة العالم من الزاوية الوجودية عن ذهن هذه الآلهة ، لإن العالم قد كان ، قد تحقق من الوجود الإنطولوجي للآلهة وليس من مفهوم الإرادة والإختيار .
الأمر الثالث : إن العدم هو شرط وجودي يسبق شرط الوجود ، شرط حدوث العالم نفسه ، فوجود العالم هو من وجود العدم ، وهكذا يغدو العدم شرط وجود العالم .
نكتفي بهذا القدر من الحجج لإن الحجج الأخرى هي إما ضعيفة وإما تافهة ، ونعترض على فكر أبو حامد الغزالي ، وعلى حدوث العالم وعلى قدمه على النحو التالي :
أولاٌ : سواء في قدم العالم ، سواء في حدوثه ، فإن الفريقين قد أصلا للفكرة من خلال قدم الآلهة ، وقدم الآلهة يستلزم قدم إرادتها ، وقدم إرادتها يستلزم بنفس الدرجة من الضرورة قدم قرارات الإرادة وقرارات الآلهة ، وقدم القرارات يشمل كافة القرارات دون أي أستثناء ، قرار حدوث العالم ، قرار ولادة أفلاطون في نفس اللحظة ووفاته في عين اللحظة ، فكل مايحدث وماحدث وماسيحدث في العالم منذ حدوثه إلى حيث لاوجوده الإفتراضي قد تقرر منذ القدم . فإلى ثم ماذا :
من ناحية : إن مفهوم القدم لايمكن إلا أن يكون بشرياٌ ، حسب المنطق البشري ، حسب العقل البشري ، حسب ماهو بشري ، ولايمكن لأي شخص أن يزعم إنه يدرك محتوى القدم خارج سياق حدود ذاتية الفهم البشري ، والقدم بشرياٌ كذبة فلسفية ومضمون لامضمون فيه وليس له ، إنما هو تعبير إستدراكي في تفادي مدلولات الحدوث ، فالإنسان حينما إبتكر محتوى الألهة لم يستطع أن يدرك خواصه إلا من خلال المفهوم المعاكس للحدوث ، إذ كيف يمكن أن تكون آلهة وهي حادثة . وإلإشكالية دقت في الفهم الأولي للوعي البشري ، فالشيء إما قديم وإما حادث ، ولاشكل ثالث لهذه الإطروحة ، وإستدام هذا الفهم السخيف بديمومة القصور العقلي لمحتوى إنطولوجية الوجود ، سيما إن الفلاسفة إستندوا في فهم الطبيعة من خلال العقل النظري المقارن .
والآن إذا قال أحدهم إن الآلهة قديمة ، ففي الحقيقة إنه يكذب ، لإن هذه الجملة لاتعني شيئاٌ ، تماماٌ مثل قولهم إن الألهة أزلية أبدية كلي القدرة كلي اللاتناهي ، فهذه مفردات خادعة ، لايدركها الإنسان لا في المبنى ولا في المعنى ناهيكم عن المضمون .
فالقديم هو قديم إما داخل السياق البشري أو خارج السياق البشري ، وفي الفرضين نحن إزاء تورط بشري في دلالات الإسطورة ، وإلا ، وكان هذا هو السؤال الأساسي ، ماهو القدم ، إنه سؤال في ( ...) ، سؤال مكون من أحرف فقط . وينطبق الأمر بالتمام ، من حيث فهم أساس المشكلة ، على موضوع الحدوث ، وكإننا ندرك موضوع الحدوث ، وكيفية الحدوث ، وماهو الحدوث ، لذلك فإن المعتقد الإسلامي إستنجد بأكذوبة عقائدية أخرى لتفادي محتوى الحدوث والقدم فزعم : إن الآلهة إذا أرادت شيئاٌ فتقول له : كن فيكون .
ومن ناحية ثانية : إن مفهوم القدم يلغي خاصية السؤال ، متى ، فلاقبل قبل متى ، ولاقبل بعد متى ، ولامتى إذ متى ، لإلغاء محتوى الحضور الوجودي ، إذ لايمكن تعيين متى في الحضور الوجودي ، ولا تعيين الحضور الوجودي في متى .
وهنا قد ينبري أبو حامد الغزالي للدفاع عن نفسه ، إن متى هي خاصية وجودية في محددات الزمن الإنطولوجي البشري ولاعلاقة لها ، أي لمتى ، بموضوع ماهو خارج السياق البشري ، فنقول له : أحسنت لكن كيف أدركت ذلك ، والقدم هو خارج السياق البشري ، فسيزعم لإن الآلهة موجودة ، ولا آلهة حادثة إنما هي قديمة بالضرورة . فنقول له : وهذه هي جذور الإشكال ، الجذور الفعلية لمعضلة الفلسفة والمنطق وحدود العقل وللفكر الإسطوري ، وهل تدرك ماهي الآلهة .
ومن ناحية ثالثة : إذا وجد ماهو قديم ، الآلهة مثلاٌ ، لأنتفى بالضرورة وجود قديم آخر ، أو حادث آخر ، إذ ، ومن المستحيل ، طبعاٌ نحن نعتمد على منطق تفكيرهم ، وجود قديم موازي لماهو قديم أصلاٌ ، أو وجود حادث له أو به ، فالقديم ينبغي بالتعريف وبالمحتوى وبالإنطولوجيا أن يكون هو الوجود ، كل الوجود ، لاوجود قبله ، لاوجود بعده ، أي القدم هو القدم ، أي القديم هو القديم ، أي القديم كما هو فلا حادث ولا حدوث ولا قديم ولا قدم آخر . وهذا يفضي إلى توضيح أمرين أثنين :
الأمر الأول : إذا وجدت الآلهة من حيث مفهومها المعتمد ، لأنتفت أية صيغة في موضوع الخلق والخالق والمخلوق ، أي من المستحيل أن يقوم هذا القديم بعملية خلق مهما كان نوعه ، فالآلهة إذا كانت آلهة فهي لاتخلق ، ولن تكون الخالقة ، ولامخلوق بها أو بأمرها .
الأمر الثاني : إذا وجدت الآلهة ، فمن المستحيل أن تكون لها إرادة موازية لها في القدم مهما حاولنا أن نبرر ذلك من خلال مثال الشمس وأشعتها ودفئها .
ومن ناحية رابعة : إذا وجد ماهو قديم ، الآلهة مثلاٌ ، فمن المستحيل أن يكون له إرادة ، لإن الإرادة هي دلالة على النقص ، دلالة على البحث عن شيء يسعى إليه القديم ، فلا إرادة للآلهة إن وجدت . وإذا زعم الإمام الغزالي ، إن الإرادة هي من خاصية الكمال المطلق وليس للبحث عن شيء ينقص الآلهة ، فنقول عندها : إن هذه الإرادة عاقرة كإنها غير موجودة لغياب جوهر تحقق موضوعها ، فإرادة بلا موضوع هي لا إرادة .
ومن ناحية خامسة : إذا وجد ماهو قديم ، الآلهة مثلاٌ ، فماهو علة وجود قراراتها ، ولماذا تتخذ قرارات ، وماهو موضوع قراراتها ، طالما هي قديمة . وإذا زعم البعض ومن بينهم الإمام الغزالي ، إن قراراتها تتعلق بحدوث العالم ومكوناته ، فهذه أضحوكة فلسفية ومصادرة على المبنى وتأصيل الفكرة ، لسبب بسيط ، إعتمده الإمام الغزالي نفسه ، إن العالم لم يكن وسوف يكون ، فلماذا سوف يكون ، أو ليست القرارات ، هنا ، تسبق الوجود .
ومن ناحية سادسة : لنفرض صدق فرضية وجود الآلهة وقدمها ، ووجود إرادتها وقدمها ، ووجود قراراتها وقدمها ، فما هي القيمة الموضوعية لوجود العالم ، والقيمة الفعلية للوجود البشري ، إذا كانت قرارات الآلهة قديمة مثلها ، وماقيمة قولها : إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، وماهي قيمة الفعل البشري إذا كنا محكومون بقرارات أبدية أزلية قديمة .
ثانياٌ : يزعم الإمام الغزالي إن إرادة الآلهة إقتضت حدوث العالم بعد بعد ، بعد حين ، وهذا الحدوث حدث من العدم الذي سبق الوجود ، حسب تعبيره ، فكانت الآلهة وكان العدم في البداية ، ثم إنبثق وجود العالم من وجود العدم ، وهنا نحن إزاء إحتمالين ، الإحتمال الأول أن يكون العدم مجرد تصور بشري ، والإحتمال الثاني أن يكون العدم وجود فعلي .
في الإحتمال الأول ، إذا كان العدم مجرد تصور بشري ، فلاوجود فعلي له ، فمن المستحيل إن يسبق العدم الوجود إنطولوجياٌ ، لإن الأول تصور بشري والثاني تحقيق فعل الإرادة الإلهية ، ومن المستحيل أن ينبثق الوجود من العدم بنفس الدرجة كما زعم أبو حامد الغزالي .
وفي الإحتمال الثاني ، إذا كان العدم وجود فعلي ، فهو وجود إقتضته الإرادة الإلهية ، أي إقتضت حدوثه ، بنفس درجة الإقتضاء لحدوث العالم ، وبالتالي لدينا أربعة مفارقات :
المفارقة الأولى ، يؤكد الغزالي إن العدم والوجود نقيضان ، فالعدم نقيض الوجود والوجود نقيض العدم ، فكيف إنبثق الوجود من العدم ، كيف ينبثق النقيض من نقيضه .
المفارقة الثانية ، نحن إزاء تناقض تام ، وكإن الآلهة ، حسب الغزالي ، قد خلقت الوجود من وجود سابق ، وكإن ثم شرط مقيد على القدرة الإلهية ، فبدون وجود سابق لايمكنها خلق العالم .
المفارقة الثالثة ، ماهو وجه ضرورة وجود العدم ، طالما هو العدم بعينه ، طالما هو اللامحدد واللامعين ، طالما هو مثل الغياب المطلق بالنسبة للإنسان .
المفارقة الرابعة ، هل وجود العدم تحقق بالإرادة الإلهية أم بخارجها ، ولايمكن أن يتحقق بدون تلك الإرادة لإنه آنها يلغي خاصية الألوهية عن الآلهة ، وإذا قد تحقق بفعل الإرادة ، فكيف تصورت الآلهة وجود العدم ، وكيف إقتضت إرادتها خلقه ، وأين وجود العدم الآن ، هل مازال حيثما كان ، أم .
ثالثاٌ : يزعم أبو حامد الغزالي إن إرادة الآلهة إقتضت حدوث العالم بعد بعد ، بعد حين ، وهذا البعد بعد يفرض علينا إحتمالين ، الإحتمال الأول إن الآلهة إكتمل لديها تصور العالم بالتمام والكمال ، الإحتمال الثاني لم يكن لدى الآلهة أي تصور عن العالم .
في الإحتمال الأول ، إن مجرد إكتمال تصور العالم في الذهن الإلهي ، في مجال الإرادة الإلهية ، فلابد ، وبالضرورة الأبدية الأزلية والمطلقة ، أن يتحقق الفعل الإلهي حال الوجود الإنطولوجي ، فمن المستحيل أن يكتمل التصور لدى الآلهة ويتحقق الفعل الوجودي لاحقاٌ . لإن الفعل الوجودي لايمكن أن يتأخر حال إكتمال التصور . أي ، وهذه حالة فرضية ، لو وجدت الآلهة لكان العالم قديماٌ ، لإمتناع الحدوث في الطبيعة الإلهية .
في الإحتمال الثاني ، أي لم يكن لدى الآلهة أي تصور عن العالم ، فمن المستحيل أن تتجه إرادتها إلى خلقه لا في القدم ولا في الحدوث ، لإمتناع الوجود غير المعروف من التحقق ، لإمتناع موضوع الفعل الوجودي الإلهي ، للاوجود موضوع الإرادة ، فالإرادة بدون موضوعها هي لا إرادة بالمطلق . وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة والثلاثين بعد المائة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على