الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول مصطلح -الهاشمية السياسية- وأزمة الهُوية الوطنية!

عيبان محمد السامعي

2022 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


مُفتتح:

"يمانيونَ قبلَ أنْ يتمادى في غباءٍ شوافع وزيودْ..
يمنيًا أنا وأنتَ يمانْ رعرعتنا سهولَها والنُّجُودْ"

الشاعر الوطني الكبير/ يوسف الشحاري


أولاً: كلمة لابد منها:

أثارت مقالتنا، المعنونة بـ "في خطأ القول بالهاشمية السياسية"[1] جدلاً واسعاً في بعض الأوساط، وقد وصلتني تعليقات وردود كثيرة سواء عبر صفحتي بالفيسبوك، أو الواتس، أو وجهاً لوجه، وقد تباينت تلك الردود بشكل ملفت للنظر، وقبل أن نبيّنها ونعلّق عليها، أود أن أبوح بأمرٍ ما، لقد كتبت تلك المقالة قبل حوالي عامين، وظلّت حبيسة الأدراج، ولم أشأ أن أنشرها في ذلك الوقت لاعتبارات كثيرة لا مجال لشرحها هنا، ومؤخراً دفعتُ بها للنشر لأني شعرت بأنه من الضرورة فعل ذلك، لاسيما مع تزايد حُمّى الاستقطابات الهُوياتية، وتصاعد وتيرة تزييف الوعي الجمعي الذي تمارسه الكثير من وسائل الإعلام بأشكال وبطرق مختلفة ومتنوعة، ومنها: برامج ومسلسلات تلفزيونية تبثّها أكثر من قناة فضائية، فيديوهات ومنشورات تنضح بها وسائل التواصل الاجتماعي، كتابات صحفية في العديد من المواقع الإلكترونية، خطب دينية...إلخ.[2]

وقبل الإقدام على نشر المقالة، كنت أتوقع أن تُحدِث هذه الجِلبة من ردود الأفعال، وهذا أمر أتفهمه تماماً بالنظر للمناخ العام السائد في البلاد؛ ولا أبالغ في القول إن الحديث عن مثل هذه القضايا الإشكالية كمن يسير في حقل ألغام!

وبالعودة للردود التي وصلتني، ومن الناحية التخطيطية، يمكنني التمييز بين ثلاثة اتجاهات رئيسة:
الأول: هجومي، والثاني: احتفائي، والثالث: نقدي.

أما الاتجاه الأول (الهجومي)، فقد شنّ هجوماً على المقالة وصاحبها، وخلط بين الجانب الموضوعي المتمثل بمضامين المقالة والآراء الواردة فيها، وبين الجانب الشخصي، حتى أن أحدهم سألني بلؤم: هل لديك عِرق ما بالهاشمية حتى تدافع عنها بهذا الشكل؟؟!
يكشف هذا التساؤل مدى الإفلاس الفكري، كما يكشف طبيعة التعاطي مع الرأي الآخر المُختلف، والذي ينحو نحو مُحاكمة نوايا الكاتب، والتفتيش في ضميره وأصله الجيني، وإصدار الأحكام والتُّهم الجاهزة، بدلاً من مناقشة الآراء والحيثيات التي أدلى بها.
وأود أن أطمئن صاحب ذاك التساؤل بأني انحدر من أسرة بسيطة لا صلة لها ــ لا من قريب ولا من بعيد ــ بـ"الهاشمية"، وأنا لا أدافع عن "الهاشمية" بقدر ما أدافع عن حق الاختلاف باعتباره جذر الحرية وفقاً للمفكر الكبير د. أبو بكر السقاف.

كتب أحدهم يهاجمني:
( اذن فمهنة الشعوذة لازالت حاضرة بين صفوف المثقفين السلاليين. ويمارسونها بكل صفافة من خلال تمجيد السلالة.لشكل مباشر او عير مباشر ويغضون البصر عن ممارسات السلاليين الظلم والطغيان خلال فترة تزيد عن 1250 عام كان المتضرر الوحيد منها هو الشعب اليمني ذلك بدلا من الاعتراف بمشكلة التعصب السلالي. الذي تفنده الواقعية السياسية بما أطلق عليه مصطلح الهاشمية السياسية وقد تناوله الكثير من الكتاب والباحثين. المرموقين الا اننا نجد محاولات الكثير من المثقفين المشعوذين يحاولون تكذيب وجود التعصب العنصري السلالي من خلال انكار مصطلح الهاشمية السياسية وتشتيت الانتباه عن هذا الوباء الاحتماعي بدوافع بعيدة كل البعد عن المنهجية العلمية بقدر ماهي بدافع تعصب فرص للسلالة واتهام من كان من خارج السلالة بالتعصب العرقي وكما لو ان السلاليين مجتمع مثالي خالي من العيوب والاخطاء القاتلة في حق المجتمع والامة ولكن الواقع يفضح بشكل سريع الإدعاء الكاذب المثالية والقداسة. والتفوق السلالي .
هكذا اذن على المحتمع اليمني اليوم ان يحذر من اولئك المشعوذين الجدد الذين يتدثرون برداء الثقافة والبحث العلمي. والعقليات المدنية. الا أنهم في كتاباتهم يخلطون الاوراق ويحولون الجلاد الى ضحية. ويصفون الضحية بصفات الجلاد . هكذا كنا نعاني من المشعوذين في الماضي لكن معاناتنا اليوم هي اشد وانكى لان المشعوذ قد اصبح مثقف او ان المثقف اصبح يمارس مهنة الشعوذة كاسلافة المشعوذين . بغلاف حضاري وثقافي مخادع.)

ليعذرني القُرّاء الأعزاء على إيراد هذا الاقتباس الطويل وبأخطائه اللغوية والاملائية، ولكني أود أن أُبرِز نموذجاً من المنشورات التي هاجمتني بشكلٍ مُسفّ، ووجهّت التهم الجاهزة، ومارست الاسقاطات بحقي بصورة مكارثية، لا لشيء إلا لأني قدّمت رأياً يختلف عن اليقينيات المغلوطة والمُعَشعِشة في ذهن البعض، والمُفارَقة التي تدعو للدهشة والاستغراب، هو أن كاتب هذا النص المقتبس يسبق اسمه حرف الدال (دكتور!) هكذا وبجرّة قلم واحدة!!

أما موقفي من الحركة الحوثية فهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، ولا يحتاج إلى تأكيد، فقد كتبت عدة موضوعات أفنّد فيها الطابع الرجعي للحركة الحوثية، وسيتضمّنها كتابي الذي من المتوقع أن يُصدر قريباً، بعنوان: تحوّلات المجتمع والسياسة في اليمن المعاصر، ويقع في (450) صفحة من القطع المتوسط. كما أنّي انخرطت في النضال السلمي ضد الحركة الحوثية وحليفها المخلوع صالح منذ الوهلة الأولى للانقلاب الرجعي في 21 سبتمبر 2014، ولازلتُ أعبّر عن هذه المواقف حتى اللحظة.

الاتجاه الثاني (الاحتفائي): تعاطى مع المقالة بروح احتفائية، مُفعمّة بالإطراء والمديح والإشادة. وأجدها مناسبة لأعبّر عن تقديري العالي لكلٍّ من الأساتذة الأجلّاء، والرفاق، والأصدقاء الأعزاء الذين أشادوا بالمقالة وبكاتبها.

الاتجاه الثالث (النقدي): اتخذ منحىً مغايراً عن الاتجاهين السالفين، وشرع في مناقشة مضامين وحيثيات المقالة بشكل جاد وناقد، مُبيّناً أوجه الاتفاق والاختلاف معها. وأكثر من عبّر عن هذا الاتجاه بجلاء ووضوح وعمق فكري، هو الأستاذ العزيز والباحث القدير / قادري أحمد حيدر الذي كتب مقالة مُطولة معنونة بـ: في صواب مصطلح "الهاشمية السياسية" (مقاربة أخرى)، ونشرت في خمس حلقات، نشرت الحلقة الأولى بتاريخ 14/8/2022، والحلقة الأخيرة بتاريخ 28/8/2022.

لقد أسعدتني كثيراً هذه القراءة الناقدة التي قدّمها الأستاذ قادري، وأعبّر له عن جزيل شكري وعظيم امتناني، كما لا يفوتني أن أوجِّه تحية خاصة للرفيق راشد محمد قاسم الذي دخل معي في حوار مهم وثريّ حول مضامين المقالة، وما أثارته من ردود أفعال مختلفة.
إنّ أكثر ما يُسعِد الكاتب والباحث الحقيقي هو أن يجد من الآخرين تفاعلاً مثمراً وجاداً مع ما يقدّمه من آراء، فالباحث لا يُقدّم إجابات نهائية، قطعية، مغلقة؛ بل يُقدّم آراءً اجتهادية تحتمل نسبة ما من الصواب، كما تحتمل نسبة ما من الخطأ.

لقد حفّزتني هذه الآراء الناقدة والجادة للبحث والاطلاع أكثر، رغم أن الوقت المتاح لي للقراءة والبحث محدود وضئيل؛ بحكم ضغوطات العمل والالتزامات الأسرية والجامعية والحزبية، كما دفعتني لتوضيح مقاصد المقالة حيناً، والدفاع عنها حيناً آخر متى تطلّب ذلك. وهأنذا أشرع في كتابة هذه المقالة الحوارية المُطولة التي ننشرها على حلقات، مُوضِّحاً، ومُتفقاً، ومختلفاً، مستلهماً في ذلك حقيقة هامة مُؤدَّاها: إن الفكر الإنساني لا ينمو ولا يزدهر إلا بالجدل والنقد ونقد النقد. ومنذ البدء كان الإنسان ــ ولا يزال وسيظل ــ أكثر الكائنات جدلاً..

تقوم هذه المقالة على فرضية رئيسة مفادها: إنّ استخدام مصطلح "الهاشمية السياسية"، وتسويقه في الخطاب السياسي والثقافي والإعلامي، إنما يومئ إلى مشكلة أعمق وأبعد غوراً، ألا وهي أزمة الهُوية الوطنية، وأزمة الخطاب الوطني، وأزمة العقل السياسي والثقافي في اليمن!


ثانياً: في دحض منطق البَدَاهَة:

في حياتنا السياسية والثقافية والفكرية ثمة الكثير من المقولات الرائجة، والأحكام الجاهزة، والبديهيات، والمُسلّمات التي تحتاج إلى مراجعة وإعادة فحص وتدقيق بل ونقد، فالمُسلّمات تتناقض جذرياً مع جوهر العلم، وتُعطِّل العقل عن التفكير، وتُصادِر حق الإنسان في التساؤل والبحث عن المعرفة العلمية الجادة.

إنّ أحد أوجه الأزمة البنيوية المُركّبة التي تَنخُّ بِكَلْكَلِها على مجتمعاتنا؛ هو طغيان المُسلّمات على التساؤلات، وغلبة المقولات الاستهلاكية الرائجة على الحقائق العلمية المُبرهَنة!

إنّ قيمة العلم تتأتّى من نقديته، وعلم الاجتماع على نحوٍ أخص، هو علم نقدي بالأساس، لأنه يأخذ على عاتقه دحض "منطق البَدَاهَة" كما يقول العالِم السوسيولوجي الفرنسي بيار بورديو (1930-2002).

من هذا المنطلق تتوخَّى هذه القراءة دحض بعض المُقولات الرائجة التي ترسّخت في أذهاننا زمناً طويلاً، ومن أبرزها وأكثرها شيوعاً، تلك المقولة التي تقول بأن منطقة "شمال الشمال" أو "اليمن الأعلى" تفرض سيطرتها على بقية اليمن منذ زمنٍ بعيد، وأنّ "الهاشمية" تحتكر السلطة والثروة لنفسها، وتحرِم بقية أبناء اليمن منهما منذ ما يزيد عن عشرة قرون من الزمان.[3]

توصلّت دراسة علمية حديثة[4] إلى نتائج مُغايرة، وداحضة للكثير من المقولات الرائِجة، والمَرويّات التاريخية المُزَيَّفة، وتعدّ هذه الدراسة من الدراسات القليلة التي تتّسم بالجدَّة والأصالة والموضوعية العلمية والمنهجية. وقد هدفت الدراسة للتعرّف على توزيع السلطة بين الهُويات المحلية المختلفة، وما إذا كان هناك استئثار بهذه السلطة من هُوية معينة كما تقول الدعاوى التي يرفعها البعض [5]، واستخدمت الدراسة منهجية مركبة، فقد اعتمدت على المنهج التاريخي لجمع الشواهد والبيانات المتعلقة بالظاهرة محل الدراسة، وتحديد الظروف واستعراض الأحداث والعوامل المرتبطة بها، كما استخدمت المنهج المقارن، والمنهج السلوكي الذي يركز على دراسة التفاعل بين الظواهر السياسية وبيئتها المحيطة، وتحليل سلوك الأفراد والجماعات واتجاهاتهم، ولجأت الدراسة لعقد مقارنات بين الانتماءات المختلفة للسلطة باستخدام منهج المقارنة الإحصائية والمسح التاريخي، وقد فحصت الدراسة هُوية السلطة في اليمن من خلال عدة مؤشرات، وهي:

1- الانتماءات العصبوية للحكام: التي تتحدد بالانتماءات الجهوية، العرقية/ العشائرية، والمذهبية.
2- الانتماءات الجهوية لعواصم الحكم.
3- الانتماءات الوظيفية/ المهنية للحكام.
4- الامتدادات الجغرافية للسلطة، أي معرفة حدود نفوذ سلطات الدول وحكامها، فحجم النفوذ هو ما يعطي أي سلطة وزناً وقيمة.[6]

حددت الدراسة حدودها البحثية في إطار الدول الكبيرة التي حكمت اليمن أو أجزاء واسعة منها، ابتداءً من القرن التاسع الميلادي (أي من عام 800م) وحتى عام 2017م، وعدد تلك الدول 14 دولة، وهي:
1- الدولة الزيادية (820-1012).
2- الدولة اليعفرية (840-1003).
3- دولة علي ابن الفضل (903-916).
4- الدولة النجاحية (1013-1161).
5- الدولة الصليحية (1048-1138).
6- الدولة الزريعية (1138-1174).
7- الدولة المهدية (1158-1174).
8- الدولة الرسولية (1229-1454).
9- الدولة الطاهرية (1454-1526).
10- الدولة القاسمية (1636-1872).
11- المملكة المتوكلية (1918-1962).
12- الجمهورية العربية اليمنية (1962-1990).
13- جمهورية اليمن الديمقراطية (1967-1990).
14- الجمهورية اليمنية 1990 وحتى الآن.
وقد تم استبعاد الفترة الزمنية من القرن السابع الميلادي (600م) إلى نهاية القرن الثامن الميلادي (799م) على اعتبار أن السلطة في هذه الفترة لم تكن شأناً يمنياً، فقد كانت اليمن تخضع للدولة الإسلامية (الأموية ثم العباسية)[7]

وقد توصلّت الدراسة، بشأن موضوع هُوية السلطة في اليمن وتوزّعها بين الانتماءات العصبية المختلفة، إلى النتائج الآتية:[8]
 على المستوى الجهوي، تم تداول السلطة بين الأقاليم المختلفة. وبالرغم من أن ذلك التداول لم يكن بنسب متساوية، إذ ترجح نصيب إقليم "شمال الشمال"، إلا أن السلطة مع ذلك لم تكن محتكرة تماماً من أي منطقة أو إقليم، فليس منها ما تجاوز نصيبه من السلطة، سواء من الدول أو من فترة الحكم، نسبة الـ 50 في المئة.

تذهب نتائج كهذه باتجاه تقويض دعاوى المركزية السياسية التي تقول بسيطرة "شمال الشمال" (اليمن الأعلى) أو "الهضبة" على السلطة، فنصيب هذا الإقليم لم يتجاوز 36% في المئة من عدد الدول (إضافة إلى مشاركته السلطة في دولة واحدة مع إقليم آخر)، كما لم تصل فترة حكمه إلى نصف فترة الحكم الإجمالية. وغير ذلك، حكم نصف الدول من خارج هذا الإقليم، منها دول سيطرت على كامل اليمن أو غالبيته، كالدولة الزيادية في بعض فتراتها، ودولة ابن الفضل والدولة الصليحية، والدولة الرسولية. وقد بلغت فترة الحكم من خارج "الهضبة" 61 في المئة من إجمالي فترة الحكم لجميع الدول. كما أن نتائج كهذه تقوّض أيضاً دعاوى مركزية صنعاء، فاثنتا عشرة دولة حكمت من خارجها، فترة تصل إلى 79.5 في المئة من إجمالي فترة الحكم. ومما يضعف دعاوى مركزية "الهضبة"، أن الدولتين المهمتين اللتين نقلتا عاصمتيهما إلى اليمن الأسفل، أي الصليحية والمتوكلية، هما دولتان منشأهما "شمال الشمال". وتنسحب هذه النتيجة على جميع المناطق، فلا صنعاء ولا "اليمن الأعلى" أو "الهضبة" ولا الغرب ولا الوسط ولا أي منطقة في اليمن استأثرت بالشأن السياسي في البلاد.

في النتيجة العامة، تمتعت علاقة السلطة بالجغرافيا اليمنية بالأريحية، ولم تكن لها (أي السلطة) هُوية جهوية واحدة، وإن كان ثمة تفاوت في نصيب المناطق المختلفة، إلا أن ذلك لا يخالف طبيعة الأمور، وليس شيئاً استفزازياً في تاريخ الدول.

 على المستوى العرقي والعشائري، تنقَّلت السلطة بين مختلف الانتماءات، وإن لم يكن ذلك بصورة متساوية، إلا أن ما من طرف واحد استحوذ عليها، وهذا ينقض أي تصوّر حول سيطرة نسب أو هُوية بعينها على السلطة، وينقض على وجه الخصوص التصوّر الشائع بين اليمنيين والدعوى المركزية في جدلهم حول هُوية السلطة التي تتهم الأئمة الهاشميين بالسيطرة على السلطة في البلاد أكثر من ألف عام.

 على المستوى المذهبي، توضح النتائج أن نصيب "السنة" من السلطة، سواء من حيث عدد الدول أو من حيث فترة الحكم، يفوق وبفارق كبير، نصيب "الشيعة" بفرعيهم "الزيدي والإسماعيلي". وهذا يناقض، وبصورة درامية، التصوّرات السائدة والدعاوى القائلة بسيطرة "الزيود" على السلطة في اليمن أكثر من ألف عام.

فضلاً عن ذلك، تؤكد النتائج أن الربط بين الجهوية والمذهبية ليس إلا خطأً شائعاً، فهي توضح أن أي سلطة تنتمي إلى إقليم "شمال الشمال" ليست سلطة "زيدية" بالضرورة، فاثنتان من أهم الدول التي عرفها اليمن وظهرت في شمال الشمال (اليعفرية والصليحية) لم تكونا زيديتين.

وفي النتيجة النهائية، لم تكن هُوية السلطة في اليمن هُوية جامدة، بل هُوية متحركة وتعددية وعابرة للانتماءات. ولم تكن السلطة مُتزمّتة، ولم تتشبث أو تُلزِم نفسها هُويةً واحدة، فقد تنقلّت بين اليمنيين بمختلف هُوياتهم؛ بين ذوي الأصول العربية وذوي الأصول الأفريقية، وبين "القحطانيين الحميريين والكهلانيين"، وبين "العدنانيين الهاشميين والأمويين"، كما تداولتها الجغرافيات المختلفة. ولا نجد في ضوء معلوماتنا حالة مشابهة خارج اليمن.

يُتبع... الحلقة الثانية..


الهوامش والإحالات:
[*] سيلاحظ القارئ أن الكاتب يكثر من وضع قوسين مزدوجين (" ") على بعض الألفاظ والمصطلحات مثل: "الهاشمية" "شمال الشمال"، "الهضبة"، ...إلخ، أينما وردت، وذلك للتأكيد على تحفظ الكاتب على هذه الألفاظ، واستخدامها هنا جاء لاعتبارات إيضاحية سياقية ولا تحمل أي مدلولات سياسية يتبناها الكاتب.
[1] عيبان محمد السامعي، في خطأ القول بـ "الهاشمية السياسية"!، الحوار المتمدن، العدد (7323)، تاريخ النشر: 28/7/2022، متاح على الرابط التالي:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=763620

[2] على سبيل المثال، لا الحصر:
- مسلسل مغامرات نشوان، بثّته قناة "يمن شباب" خلال شهر رمضان الفائت، وهو مسلسل مُوجّه للأطفال والنشء، ويعمل على غسل أدمغة المتلقين من الأطفال والنشء بالأفكار الطائفية والجهوية، ويسهم في نشر خطاب الكراهية وثقافة العنف. وهذا الفعل لا يختلف من حيث الجوهر عن أعمال التطييف التي تقوم بها الحركة الحوثية، وتضمين المقررات المدرسية بأفكار طائفية تغسل بها أدمغة أطفال اليمن، في جريمة مركبة لم تشهدها اليمن من قبل!

- برنامج "بالمسند"، الذي يقدمه الإعلامي عبدالله إسماعيل، وقد بُثّت الحلقات الأولى من البرنامج على قناة سهيل عام 2021، ثم استمر البرنامج يُبثّ على قناة خاصة باليوتيوب.

- برنامج "اليمن.. أصل الحكاية"، الذي يُبثّ على قناة بلقيس، ويقدّمه الإعلامي محمد المقبلي، الذي يعد من ناشطي حركة "القومية اليمنية ــ أقيال"، التي تتبنى خطاباً ممزوجاً بين الطائفية والعِرقية في مواجهة الحركة الحوثية، وتصوّر الصراع القائم في البلاد بأنه صراع بين: "القحطانية"/ "الحميرية"/ "اليمانية"، و"الهاشمية"/ "العدنانية"/ "القيسية"، هكذا يجري تزييف وعي الناس، وتعمية البعد السياسي للصراع وتغليفه بأغلفة ماضوية ورجعية، خدمةً لبارونات الحرب وتجارها في الداخل والخارج.

- قناة "القومية اليمنية ـ أقيال" على اليوتيوب، التي تبثّ فيديوهات تحريضية ضد "الهاشميين" وبدون تمييز، فهي تشمل الجميع، سواء النخبة التي كانت جزءاً من السلطة، أو "الهاشميين" السياسيين المعارضين للسلطة، أو "الهاشميين" العاديين.

- إصدار مجلة تحت اسم "نادين"، الصادرة عن ما يسمى "مركز نادين للدراسات القومية".

- يُلاحظ أن هناك مواقع إلكترونية تنشر بصفة مستمرة مقالات وتقارير صحفية مصبوغة بصبغة طائفية فاقعة ضد ""الهاشمية" و"الزيدية"، أبرزها: الإصلاح نت، موقع قناة يمن شباب، نشوان نيوز، المصدر أونلاين، خليجي نيوز، نيوز يمن، الجند بوست، وغيرها الكثير.

- فضلاً عن عشرات الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي: الفيسبوك وتويتر.

- وهناك الكثرة الكاثرة من الخطب الدينية التي توظّف المساجد (بيوت الله) في التجييش الطائفي، فالصراع القائم في البلاد، وفقاً لهذه الخطب، هو "دفاع عن الدين"، وعن "السُنّة والجماعة وأمهات المؤمنين وصحابة رسول الله (ص)"، في مواجهة "الرافضية/ الصفوية/ المجوسية"!!

[3] البعض يطلق على منطقة "شمال الشمال" مصطلح "المركز المقدس" أو "هضبة ربنا" بهدف تأكيد المزاعم التي تفيد بأن هذه المنطقة ظلت تفرض هيمنتها على اليمن عبر مراحل تاريخية متطاولة. وهي مزاعم غير دقيقة كما سيتضح تالياً.

[4] الدراسة المشار إليها هي: هوية السلطة في اليمن، جدل السياسة والتاريخ، أحمد علي الأحصب، وقد صدرت عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عام 2019، وتقع الدراسة في 240صفحة من القطع المتوسط، وهي متاح على النت، وبإمكان القارئ المهتم تحميل الدراسة من خلال الرابط الآتي:
https://drive.google.com/file/d/1gZaw3B_AKIrkoq0LcXSTfCFVFqp7QuVv/view?fbclid=IwAR1dnfDVsU7O9fqARujshs5H9qh09PVQDdGG1YjM-cj2xTi-DZsvHhdQGPA

[5] راجع: أحمد علي الأحصب، هوية السلطة في اليمن، جدل السياسة والتاريخ، بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019، ص15.

[6] راجع المنهجية بالتفصيل: أحمد علي الأحصب، من ص28 إلى ص33.

[7] للمزيد؛ راجع: المرجع السابق، ص34 وما بعدها.

[8] المرجع السابق، صص100-101.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء