الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقريب أم حوار أم تنقية الخلافات بين المذاهب والأديان ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 9 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


وهو كما يقولون "فقهاء وعقائديون ورجال دين مسلمون" هدف متقصد له يستهدف الإسلام ليسقط منه حد من حدود الله، من ضمن جملة مشاريع تتناول حدود الله لتسقطها تتابعا من التعامل وتخرجها من دائرة التشريع والجزاء والتعبد بها، لتفرغ الإسلام من مصادر قوته كما في قول الله تعالى {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} النساء14، فالهم الأساسي عند من وضع هذه النظرية "الاحتواء الإيجابي" ليس أحترام حق التدين من عدمه عند الإنسان، بل إخراج وإحراج هذا الإنسان من التقيد بحدود الله، ليصل المجتمع الإسلامي إلى النتيجة التي وردت في نص الآية الشريفة {يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} أي يريد أن يصل بالمجتمع الإسلامي للفشل والإحباط واليأس من الله ورحمته.
أما فيما يتعلق مثلا بالعنوان الأخر وهو العولمة الأقتصادية والمالية التي تطرح كخيار واسع ومتماهي مع فرضيات العالم الجديد المبني على سياسة الأنفتاح على كل شيء، فلا يخفى أن الأقتصاد العالمي اليوم قائم على مبدأين أساسيين لإدارة وتدوير الأنتاج والأنتاجية بما يرفع من الخصائص المحلية للعمل الأقتصادي الدولي على مراحا للوصول إلى السوق العالمية الواحدة، المبدأ الأول إدارة المال الدولي النشط وتداوله في عمليات الإقراض والأقتراض والمديونية كجزء من حركة طبيعية له، الفكر الإسلامي يعد هذه المعاملات المالية جزء محرم من العقيدة ويصغها بالمعاملات المالية الربوية، وأما المبدأ الثاني على أساس التكتلات الأقتصادية والاحتكار السلعي ضمن مقومات أحكام السوق وأشتراطات النظام الأقتصادي تحت عناوين الحماية وحقوق الملكية وفي جزء منه معلل بالخوف من الأستخدامات المزدوجة، وكلا المبدأين من الناحية التشريعية ممنوعين ومحرمين في الإسلام تحريما قاطعا وقطعيا، وهنا نشهد ونسمع أصواتا عالية تنادي يأن ليس للغرب أن يفرض قوانين عامة من عنده على المسلمين أن يحلوا الربا والاحتكار أو ينتهكوا المعتقد الديني.
فلا بد إذا من الدخول من باب أوسع وأكثر واقعية لفرض واقع أقتصادي على المسلمين الرافضين أنتهاك معتقداتهم وخصائصهم الدينية، من خلال دمج الاقتصاديات الإسلامية بالأقتصاد العالمي عن طريق منظمة التجارة العالمية واقتصاديات السوق والإقراض والاقتراض من المؤسسات المالية العالمية البنك الدولي وصندوق النقد العالمي، أو من خلال ربط أقتصاد كل الدول فيما بينها وبين المجموعات المالية والأقتصادية العالمية، وجعلها تتحكم بقوانين واحدة تصيغها القوى الغربية المسيطرة أقتصاديا، فتخضع الأسواق الصغيرة ومنها الإسلامية لقوانين السوق ومتحكماته الخفية على واقع يرفضها ويحاربها، وبالتالي يصبح التعامل بالربا والاحتكار مسألة طبيعية ومن ضمن السياق العام، وهنا نكون أمام خروج أخر وبشكل مختلف عن حدود الله {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} النساء161.
الملخص من القول إن نظرية الاحتواء قد بدت تؤتي أكلها من غير تنبه للمسلمين عما يحاك لهم في الخفاء، ويأكلون الطعم الذي أعد لهم وهم لا يزالون يؤمنون ويسعون إلى الغرب بقصد عنوان التقريب بين الأديان، ولكن من غير أس متفق عليه قبل أن يبدأو العمل بما يؤمن لهذا الحوار والنهج قدرة الصمود أمام ما يضمره الأخر لنا، فالنوايا السليمة إن كانت هي مصدر سعينا وأنا أشك بذلك عند أكثر الساعين للحوار، لا تكفي لما في حقيقة النص القرآني الذي يبين لنا المضمرات من الأهداف الغربية من وراء الدعوى ذاتها {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} البقرة120، فالنص يجزم ويقطع بأن تحصيل الرضا والقبول بك أيها المسلم من قبل الأخر اليهودي والنصراني لا يمكن تحققه إلا بنتيجة واحدة هي، أن يحتويك من خلال أتباعك لملتهم ولم يقل الله لدينهم لأنهم حرفوا الدين الحق ومالوا بملة محرفة تستهدف الهدى كما في منطق ومنطوق النص.
أما النظرية الأخطر والتي تعتبر مكملة لنظرية الاحتواء هي نظرية (المزدوج المعكوس) كما في الشكل )؟(، فالمعروف أننا أذا أردنا أن نحصر قضية ما أو مفهوم أو جملة لغرض جعلها محدودة بحدودها الخاصة والذاتية نضعها بين قوسين أو مزدوجين حسب التعبير الشائع لنعطيها ميزة منفردة بالتحديد، ولو قلبنا أتجاه القوسين أو المزدوجين بعكس الأتجاه الطبيعي سوف يفقد التحديد والتشخيص والأفراد قيمته، فلم يعد للمحصور المراد له الحصر شخصية مستقلة، هذه النظرية أنتقلت إلى عالم السياسة والفكر الغربي في تعاملها في قضية التقريب بين الأديان أو حوار الحضارات، فبدلا من أن نحدد المواضيع الخلافية أو التي تؤدي إلى الأختلاف وتلك التي تؤدي إلى التقريب ونضعهما داخل قوسين أو مزدوجين، نرى الغرب يتهرب من هذه القضية ويحدد تلك المواضيع ولكن ليس بين المزدوجين حصرا.
فهو يفترضها ويعتبرها ولكن يضع المزدوجين بالصيغة المعاكسة لتكون له حرية الخروج والدخول للمواضيع بدون أن يخضع لتجاوز المزدوج، فهو مثلا يؤمن بحرية الأديان ولكن يستشعر الخطر ويتخذ خطوط حمر وصفر وخضر أمام ما يسميه المد الإسلامي، ويعتبر ذلك يمس أسس الحضارة الغربية ويهدد كيانها ومقوماته الحضارية، فلو أفترضنا أنه كان صادقا ويؤمن بما في داخل المزدوج، لأمن بحرية حركة الإسلام ولم تنشأ فيه ظاهرة الإسلام فوبيا أو الخوف من الإسلام، وما نتج عنها من محاربة كل الرموز الإسلامية وحظرها على المستوى العام، فهو يومن ببعض المحددات ولا يحصرها داخل المزدوج ولكن بنفس الوقت يستحضر المزدوج ويضعه بالصيغة المقلوبة ليكون قادرا في حال ما التخلص من النتائج الغير متوقعة أن يخرج بحرية من أسر المزدوج، وفي حال أن تكون النتائج لصالحه أن يشير إلى وجود المزدوج ويلزم به الطرف الأخر.
من الأمثلة العملية لنظرية المزدوج المعكوس نورد مثلين أولهما في عالم السياسة والأخر في عالم الأقتصاد، ففي السياسة يشهد العالم كله وكما يصف الكثير من السياسيين حول العالم بما فيهم الغربين أنفسهم أن السياسة الغربية تكيل بمكيالين، فمرة ترى حريصة وجادة في تطبيق القانون الدولي وأسس السلم العالمي، وتراها جادة جدا في أن تلتزم الدول مثلا بميثاق الأمم المتحدة طالما أن القضية تتصل بخارج أطارها الفكري والحضاري والقيمي، ولكن لو تعلق الأمر بها ترى أن كل ذلك يمكن أن يطوع ويتصالح عليه، بل ويترك جانبا لأنه في الألتزام به تماس مع بعض المصالح والتوجهات السياسية أو في قضاياها تحديدا، فلو كانت الأمور محكومة بالمزدوج المغلق لما أمكن لهذه القوى أن تتلاعب بالمضامين والموضوعات التي يجب أن تكون محدودة وواضحة ومحصورة، لكي لا يتمكن أحد من الخروج والدخول عليها تحت مسميات أو ظروف هو يقدرها ولا تقدرها المحصورة بين المزدوجين.
هذا الحال نجده في عالم الأقتصاد وقضاياه أيضا، فقد حاربت أمريكا وكل الدول الغربية في فترة أواخر القرن الماضي ما يسمى بالمقاطعة الأقتصادية العربية للكيان الصهيوني، تحت ذرائع شتى تبدأ من الحرية الأقتصادية العالمية وأنتهاء بما يسمونه تحريم أستخدام الأقتصاد في الحروب والعداء بين الدول، ومثال أخر تحريم الحصار الأقتصادي في القانون الدولي وأعتباره جريمة بحق الإنسانية، ولكن الواقع العملي أن بعد سقوط المقاطعة العربية للكيان الصهيوني وقبلها، نرى أن نفس الدول والقوى التي حاربتها تمارس أبشع أنواع المقاطعة الأقتصادية ضد شعوب وبلدان وأمم تحت مسميات وأغطية هزيلة، كما هي تمارس بنفس الوقت الحصار الأقتصادي والعقوبات الدولية، وهذا كله ناتج عن عدم حصر العناوين والقضايا بين مزدوجين صحيحين وترك الأمور على الضبابية التي تسمح للأخر القوي المتنفذ أن يستغل هذه الضبابية والوضع المقلوب لمصلحته وخدمة أهدافه.
نظرية المزدوجين المعكوسين تطبق الأن في موضوع حوار الحضارات والتقرب بين الأديان وتستغل أستغلالا واسعا لمصلحة القوى الحضارية الغربية، لمحاولة تثبيت قيم ضبابية وترك المواضيع بلا محدد والالتفاف على النتائج لو كان هناك أمل في حصول النتائج، فلم يتفق كل المجتمعون والمتحاورون الأن على أي قضية محورية صالحة لتكون مدخلا ذو قابلية للنفاذ إلى جوهر المشكلة، وهي عدم الأتفاق على قاعدة (هل نحن جميعا ننتمي إلى إله واحد)، فلو أتفق الجميع على تأطير هذه الكلمة السواء داخل مزدوجين أو قوسين نكون أمام أنتقاله مهمة أخرى، وتحت عنوان أخر{وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ} آل عمران64.
هذه الأنتقالة الثانية هي الخطوة اللاحقة والتي يبنى عليها حقيق الإيمان وجوهره التنفيذي، وهذا ما لا تسلم به بقية الديانات، لأن في البعض منها ما تعتقد وليس فيما هو حقيقة أن الله مثلا ثالث ثلاثة عند النصارى {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ} آل عمران79، كما أتخذ بعض اليهود من أحبارهم أرباب من دون الله وبالتالي فهم أشركوا به {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} التوبة31، فهل تتوقع من أن ينتقل هؤلاء ومن خلال القضية التي يسعون إليها إلى هذا الحد الإيماني، ويؤمنوا بما لم يستطع أحدا من أنبياء الله ورسله من قبل وعلى ما جُبل المشركون من أهل الكتاب أن يعالجوه وبالصورة التي تعرض اليوم.
إن الحوار والسعي الذي نراه اليوم ليس لتقريب المذاهب ولا للحوار الحضاري القائم على طبيعة التعدد الإيجابي المثري والمتفاعل فيما بين المختلفين إيجابيا، ولكنه ومن خلال المصاديق التي نراها اليوم عمليا محاولة ضمنية عند البعض ووسيلة تشهير عند البعض الأخر لتخريب الدين الإسلامي وثقافة الشرق عموما، والقضاء على فاعليته المحركة للحضارة وأثره الروحي والفكري والقيمي عند المسلمين، بالرغم من كل القراءات والاعتقادات والممارسات المشَوَهَة والمشُوهَة للإسلام الحقيقي يبقى أحترام الهوية المختلفة بالتفريق بينها وبين الهوية الزائفة الركيزة الصحيحة والأساسية لكل حوار جدي وصادق ومخلص.
ولكي يبقى وجود الدين الإسلامي ممثلا بالمنهج الحق وعدم ترك القرآن الكريم والتمسك به كدستور، هو السر في كل هذا الصراع الكوني والتصادم الوجودي وكل الالتفاتات والنظريات التي تريد أن تصنع إسلاما مشوها قادرا على أن يذوب ويتم احتواءه وتغريبه عن قواعد الإيمان، بعد أن عجز أعداه وبعد مرور أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان أن يشوه الدين الإسلامي ذاته، فلجأوا إلى تصنيع دين يحمل أسم الإسلام مشوه الصورة والمضمون وجعله البديل (الحضاري) لقرآن محمد صل الله عليه وسلام، كتاب مسخ لا يحترمه الناس ولا يتعبدون به بل يكون عنوانا عريضا كبيرا لموضوع فارغ فكريا هزيل تكوينيا فاسد المضمون والجوهر{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر9.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج