الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق…تجربة لو نتعلم منها

سنية الحسيني

2022 / 9 / 8
الارهاب, الحرب والسلام


منذ احتلاله عام 2003 والعراق يعاني، ورغم أن معاناته قد سبقت ذلك الاحتلال بثلاثة عقود، بدءاً من الحرب العراقية الإيرانية ومروراً بسنوات حصار غربي خانقة انتهت بالاحتلال الأميركي للعراق، الا أن معاناة العراق الحقيقية بدأت بالفعل مع هذا الاحتلال. شهد العراق خلال سنوات احتلاله أصعب مآسيه، اذ اعتدنا سماع أخبار الصدامات الطائفية والتفجيرات الدموية وسقوط عشرات الضحايا بشكل يومي على مدار سنوات عدة، فاعتبرت الأمم المتحدة أن هذا البلد أكثر بلدان العالم عدداً في نسبة المعاقين والأرامل واليتامى، ناهيك عن ارتفاع معدلات الفقر بشكل كبير. منذ احتلاله، بدأ يشهد العراق تدخلات خارجية وإقليمية تحكمت بمصيره ومستقبله، فقد جرى وضع دستور البلاد في ظل الاحتلال على أساس نظام المحاصصة، انطلاقا من أنه بلد متعدد الطوائف والعرقيات. ويبدو أن ذلك قد جاء استرشاداً بتجربة وضع الدستور اللبناني الذي يقوم أيضاً على أساس المحاصصة، والذي أنتج حرب أهلية وصدامات طائفية عديدة، وفشل مؤسساتي رسمي لايزال يعاني منه لبنان حتى اليوم. فقضية المواطنة والانتماء للوطن، بغض النظر عن دين أو عرق أو لون، لم تكن الأولوية لدى الاحتلال الأميركي لتجسيدها في دستور العراق الجديد الذي أقر عام 2005، على الرغم من أن الدستور الأميركي والنظام في الولايات المتحدة يقوم على تذويب كل الأعراق والألوان والأديان في بوتقة واحدة على أساس المواطنة الأميركية.

حمل العراق مفارقات خاصة، اذ اعتبر عدواً لكل من الولايات المتحدة وإيران في نفس الوقت، فالعراق كان منافس إيران الأول في المنطقة، وخاض البلدان حرباً ضروساً لم يخرج منها منتصر. في حين لا تخفي الولايات المتحدة عداءها للبلدين، وكانت معنية باستمرار الحرب بينهما خلال ثمانينيات القرن الماضي، لتصفية قدراتهما، خصوصاً لمكانتهما الإقليمية المميزة في ذلك الوقت، فدعمت العراق بالسلاح من جهة، كشفت بعد ذلك فضيحة إيران – كونترا، حيث كانت أميركا تمد إيران أيضاً بأسلحة نوعية في تلك الحرب. واعتبرت الولايات المتحدة العراق بلداً عدواً، ومن ضمن من صنفتهم بـ "دول محور الشر" بالإضافة إلى إيران وكوريا الشمالية، حيث كان العراق يمتلك جيشاً قوياً ومميزاً بين جيوش المنطقة، ويسعى لتطوير قدرات نووية، ويعادي إسرائيل، حليفتها الأولى في هذا العالم. إن ذلك يفسر السبب في التعاون بين الولايات المتحدة وإيران على إضعاف العراق بعد احتلاله عام 2003. فلم يقف معظم شيعة العراق في مواجهة الاحتلال الأميركي وهادنوه، بايعاز من مرجعيتهم الدينية في قم، في ظل ضعف المرجعية العراقية في النجف خلال عهد الاحتلال. ويفسر ذلك السبب وراء لجوء سلطات الاحتلال الأميركية لتدعيم مكانة الشيعة سياسياً في البلاد ورفعهم إلى رأس السلطة على حساب الطوائف الأخرى.

قام الاحتلال الأميركي، ووفق سياسة مكررة، بدعم الطبقة السياسية الحاكمة في العراق بكثير من الأموال والامتيازات بحجة بناء مؤسسات الدولة وجيشها، فسادت السرقات وعم الفساد، والذي بات مستشرياً اليوم، اذ يحارب المستفيدون اليوم بكل طاقاتهم لاستمرار سيادة النظام القائم. ومن أغرب المفارقات أن جيشاً يقترب عدد أفراده من المليون، مدجج بالسلاح الأميركي، ومدرب من قبل الجيش الأميركي، فشل في صد بضعة ألاف من تنظيم داعش عندما قاموا بغزو العراق والسيطرة على ثلث البلاد. لم يعد العراق بذات الأهمية اليوم للولايات المتحدة، التي لا تهتم حتى لمصيره، التي هي صاحبة المسؤولية الأولى. على الجانب الآخر، تعاملت إيران مع العراق على مستويين، دعمت الشيعة على المستوى السياسي للسيطرة على مقاليد الحكم، وفي ذات الوقت قدمت السلاح والعتاد للملشيات المسلحة في البلاد. فإيران تهتم باستمرار ببسط سيطرتها على العراق، الذي يجب أن يظل ضعيفاً وأسيراً لقراراها، لأن عراقاً قوياً يذكرها ببساطة بعهد صدام حسين. فعلى سبيل المثال تدعم إيران العديد من الجماعات الشيعية المسلحة في العراق، في حين أنها تدعم في لبنان حزب الله فقط، وفي اليمن جماعة الحوثيين فقط، الأمر الذي يفسر قوة وصمود حزب الله والحوثيين في لبنان واليمن، وضعف وتشتت الجماعات المسلحة الشيعية في العراق.

تتفق الولايات المتحدة وإيران على دعم تحالف الإطار التنسيقي الشيعي ليبقى مسيطراً على حكم العراق. ويتكون تحالف الاطار التنسيقي من خمسة أحزاب أو تكتلات شيعية بقيادة نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، ويعتبر معظم أقطاب تلك التكتلات، وهذا الاطار، الطبقة السياسية الحاكمة للعراق منذ احتلاله. ويقف البلدان اليوم ضد مقتدى الصدر الذي فازت كتلته في الانتخابات التشريعية الأخيرة العام الماضي بأعلى الأصوات، والذي عمل تحالفاً مع أقوى تكتل سنى وشيعي، وباتت كتلته تشكل أغلبية في البرلمان، وبات يسعى لتشكيل حكومة وطنية لا تقوم على أساس المحاصصة، بينما يطالب الاطار التنسيقي بتشكيل حكومة توافقية تنسجم مع المعطيات الدستورية حسب وصفه. وتصدى الاطار التنسيقي للتكتل الصدري في البرلمان، المكلف حسب الأصول الدستورية بتشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء، حيث استخدم الثلث المعطل لتحقيق النصاب القانوني الذي يسمح بانتخاب الرئيس، الذي سيكلف الكتلة الأكبر في البرلمان لتشكيل الحكومة. تلك المهاترات استمرت على مدار أشهر معطلة الحياة السياسية والبرلمانية في البلاد، كي تحرم الصدر واتباعه من تشكيل الحكومة. وهذه الحالة لا تواجه العراق أول مرة فقد نجحت في انتخابات العام 2010 القائمة العراقية بأكثر مقاعد البرلمان مقارنة بالاحزاب الأخرى، فتوحدت القوى الشيعية المشرذمة بأوامر عليا لمصادرة فوز القائمة العراقية للاحتفاظ بالسلطة ضمن المنظومة القائمة.

وفي الأحداث الأخيرة يعاقب الصدر على تمرده على المنظومة التي وضعت في العراق منذ عقدين، فلم يطالب فقط بحل البرلمان الحالي والدعوة لانتخابات جديدة، إنما دعا جميع الأحزاب والكتل والقيادات التي عملت منذ العام 2003 إلى أن لا تشارك في تلك الانتخابات. منع الصدر من تشكيل الحكومة، وجاءت محاولات إيرانية للتشكيك به، فشكك به كاظم الحائري، وهو مرجع ديني أوصى به والد مقتدى الصدر قبل وفاته، ودعا مقلديه ومريديه بالتحول إلى طاعة المرشد الأعلى على خامئني. والآن من الواضح أن الاطار التنسيقي يستكمل اجراءاته بهدف انتخاب رئيس، واختيار رئيس وزراء جديد، بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان. في كل الحالات اذا لم يتم التوافق مع الصدر والوصول إلى حل وسط ستبقى البلاد تحت تهديد الانفلات والصراع الدموي من جديد. فعلى الرغم من أن الصدر ليس مرجعاً دينياً بالمقاييس المتبعة، الا أنه مصدر الهام وتأييد شعبي من قبل العديد من الشيعة وغير الشيعة أيضاً، لأنه سليل عائلة سياسية ودينية مؤثرة، وله القدرة على الحشد والتبعية داخل الشارع العراقي، ويستند على الاستياء الشعبي في البلاد من الفساد والمحسوبية والتدخلات الخارجية في صنع القرار. يدعو الصدر لتحرير العراق من الفساد، وكذلك من السيطرة الخارجية ضمن شعار "لا شرقية (إيران) ولا غربية (أميركا)"، كما يتملك الصدر جناحاً عسكرياً يعد من أقوى الاجنحة العسكرية في العراق.

في الختام علينا أن نتعلم من التجربة العراقية المرة، فرغم أن فلسطين ليست ساحة لانقسامات عرقية أو دينية كلبنان والعراق، الا أنها تخضع للاحتلال وتتعرض أحياناً من بعض القوى للتأثير على صنع القرار فيها. كما أن فلسطين ولبنان يعانيان من وضع داخلي هش، فلسطين في ظل الاحتلال ولبنان في ظل ضعف الدولة والاحتجاجات المستمرة، كما أن فلسطين تعاني من انقسام تماما كما لبنان يعاني من وجود تيارين متصارعين. وكما هو ملاحظ عادة ما تتبنى الولايات المتحدة أحد التيارين، بينما تتبنى إيران التيار الآخر، وعادة ما تسعى هذه الجهات الخارجية لخدمة مصالحها وأهدافها على حساب مصالح بل وأحياناً دماء الشعوب التي تستهدف بلداتها. لقد دفعت شعوبنا أثمان باهظة اعتقادا من أن الجهات الخارجية تقدم مساعداتها من أجل مصلحتها، والحقيقة أننا وحدنا من يقدر هذه المصلحة، دون ضغوط أو مساعدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الديكتاتورية الصدامية انهت العراق قبل الأحتلال
د. لبيب سلطان ( 2022 / 9 / 8 - 10:06 )
سيدتي العزيزة
في بداية السبعينات كان العراق بترتيب البلد 37 دوليا وكوريا الجنوبية 41 من حيث الناتج الأجمالي ومستوى التعليم والصحة وغيرها وعام 2003 عند دخول الأمريكان كان العراق بترتيب 139 وكوريا 19 حسب الأمم المتحدة للتنمية وهذه تعطي صورة عن مدى التدمير الهائل جراء الحكم الديكتاتوري الصدامي وعمليا هو انهاء للدولة العراقية وحدوث الفوضى و والفساد والى يومنا هذا هو نتيجة لتدمير الدولة خلال لتلك الحقبة والا هناك امثلة مثل اليابان والمانيا وكوريا وحتى فيتنام استطاعت ان تعيد بناء نفسها خلال 10 سنوات بعد حروب مدمرة كون هذه الشعوب حافظت على الوطنية وان دمرت الحروب بنيتها ولكن في العراق جل ماقام صدام به هو قتل الوطنية العراقية وبه تشتت الشعب الى طوائف وحلت الأحزاب الطائفية محل الأحزاب الوطنية كون صدام دمر البنية المدنية للمجتمع العراقي واولها الأنتماء الوطني وهذا اهم درس للعالم العربي ان لن يسمح للطغاة باسم القومية او الدين او اية ادلجة بالغاء وطنيتهم وقضايا بناء دولهم على اسس ديمقراطية ومؤسسات وطنية ..اعتقد ان اغلب العراقيين استوعب الدرس والأن دور العرب

اخر الافلام

.. عودة على النشرة الخاصة حول المراسم الرسمية لإيقاد شعلة أولمب


.. إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق وسط دعوا




.. بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل


.. لماذا لا يغير هشام ماجد من مظهره الخارجي في أعمالة الفنية؟#ك




.. خارجية الأردن تستدعي السفير الإيراني للاحتجاج على تصريحات تش