الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا والعقيدة القيصرية

سامي الاخرس

2022 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


سبعة أشهر مرت على الحملة الروسية على أوكرانيا، عندما انتفض العالم أجمع على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي الذي أصبح قوة ذيلية لا تخرج عن السياق الأمريكي، رغم ما يمتلكه هذا الغرب من اتحاد اقتصادي وحدوي سياسي كان يمكن أن يشكل قوة قطبية تغزو العالم اقتصاديًا وفكريًا، وتهيمن على مناطق نفوذ سياسية، ولكن الطبع يغلب التطبع، منذ الحرب العالمية الثانية وهذا العالم يعيش حالة الذيلية رغم أنه كان أحد المنتصرين بالحرب العالمية الثانية، وكان لديه مصادر قوة يفرض نفسه على العالم ويمنع الهيمنة الأمريكية، ولكن اختارت بريطانيا وفرنسا وباقي الدول الأوروبية أن تتحالف وتنصهر بالإرادة الأمريكية، تعبيرًا عن رأسماليتها الفكرية، وعقيدتها الاستعمارية ضد الإتحاد السوفيتي (السابق) ومن ثم ضد روسيا وريثه الطبيعي، وأن تستسلم كليًا لعقيدتها الفكرية الرأسمالية التي لم تحول منها إلا قوى ذيلية تعتاش على الدعاية الأمريكية، والمصالح الأمريكية.
سارعت هذه الدول أو هذا الحلف الأوروبي - الأمريكي تحت مظلة (الناتو) أن يتوغل بإصدار كل القرارات ويتخذ كل السياسات والخطوات التي يعتقد أنها تهزم روسيا أو تدفع روسيا للتوقف عن حملتها العسكرية التي أطلقتها في أوكرانيا، أو الحد من الخسائر الأوروبية – الأمريكية، ولكن وكما هو المتوقع لم يتعاملوا مع روسيا كقوةٍ عظمى وعقيدة دول كبرى، تعاملوا معها أشبه بتعاملهم مع دول العالم الثالث بحيث سارعوا بتحريض الرئيس الأوكراني، وفرض عقوبات اقتصادية ومالية ورياضية وثقافية ...إلخ ضد روسيا والرئيس بوتين ظنًا أن هذه العقوبات ستدفع روسيا لرفع الراية البيضاء، إلَّا أن الدب الروسي كان لديه خططه وتوقعاته وسياساته المرسومة، والتي كان يُدرك طبيعة وتفكير هذا الحلف لذلك فإنه استطاع امتصاص هذه العقوبات، وترويضها واستغلال ما يمتلك من أسلحتة غير التقليدية في المجالات الاقتصادية، والطاقة والغذاء وأن يباغت الحلف الأمريكي- الأوروبي بسياسات وخطوات أشبه بالهجمة المرتدة، وأن يحول آثار العقوبات الاقتصادية بنسبة كبيرة إلى اقتصاديات هذه الدول، وهذا الحلف وأن يجعلها تقف أمام شعوبها عارية عاجزة عن احتواء هذه الآثار، وبدأت تتساقط رؤوس الحكومات وأسعار العملات الأوروبية وشركائها بما فيها الين الياباني العملاق، والجنيه الإسترليني وتوغل الأزمات في الاقتصاديات والمجتمعات الأوروبية والتي ستتضح أكثر مع فصل الشتاء القادم على الأبواب.
روسيا لا يمكن تصنيفها كقوةٍ ثورية أو أن خطوتها خطوة ثورية، ولكنها خطوة تأتي في سياق أمنها القومي الذي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي مباغتته، ومهاجمته في القلب، كما فعلت سابقًا في جزيرة القرم، وبعض الجمهوريات السوفيتية السابقة، ولكنها لم تنجز مهماتها في أوكرانيا التي تكشف التقارير الروسية أنها تحولت لدولة معملية للولايات المتحدة الأمريكية، تجري بها تجاربها المعملية وتشر أوبئتها القاتلة في العالم، وهذا ما تعمل روسيا لكشفه للعالم من خلال استخباراتها وسياساتها الخارجية التي تخوض حرب شرسة مع الاستخبارات الأمريكية - الغربية في هذا الخصوص، وهو ما سيشكل ضربة قوية للولايات المتحدة الأمريكية ولمنظمة الصحة العالمية التي تحاول تبرئة ساحتها من هذه المعلومات الروسية التي تتسرب بين الفينة والأخرى.
تخوض روسيا منذ سبعة أشهر معركة على كافة الاتجاهات والساحات سواء العسكرية التي تتبع بها أسلوب خاص يسعى لمد أمد هذه الحملة وانهاك قوة الغرب السياسية والاقتصادية، والدعائية من جهة، وتحقيق أهداف حملتها العسكرية على المستويات العسكرية والأمنية، وفرض معادلة جديدة على الأسرة الدولية بالقضاء على القطبية الأحادية للولايات المتحدة الأمريكية، وهو أشبه ما يكون بالتحقق فعلًا، ولم تعد الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك سياسات الفرض والإجبار كما كانت عليه وخاصة مع قوى العالم الثالث، رغم كل محاولاتها.
يمكن القول أن الدب الروسي رغم ما تعرض له من عقوبات وإجراءات سياسية واقتصادية وعلى كل المجالات، إلا أنه استطاع أن يتعامل مع هذه السياسات وفق اجراءات وسياسات مضادة إن لم تمنع كل الآثار إلا إنها تحد من الكثير من آثارها ويعيد جزء كبير منها لاقتصاديات واستقرار الدول العربية التي ستتأثر كثيرًا على المديين القصير والطويل من هذه الذيلية التي تتبعها للولايات المتحدة الأمريكية.
وحتى هذه اللحظة سقطت كل الرهانات التي كانت تراهن على اضعاف أو اسقاط الخطوات الروسية في الاستمرار بسياساتها بأوكرانيا أو دول الاتحاد السوفيتي السابق، أو التأثير اعلاميًا على المواقف الروسية بل أن الرواية الغربية الأمريكية لم تعد ذات تأثير كما هي عليه سابقًا وخاصة عندما تعاملت مع قضايا المنطقة العربية ودول العالم الثالث، فلم تفلح سياسات شيطنة بوتين وروسيا، بل أن الرواية الروسية هي التي انتصرت في هذه الحرب، وتحقق لها ما أرادت حتى في وعي الشعوب الغربية والشعب الأمريكي الذي بدأ يعيش بعض الأزمات الداخلية حتى على مستوى سياساته الداخلية.
الحرب الأوكرانية - الروسية ستنتهي أجلًا أم عاجلًا، ولكنها ستنتهي بانتصار روسي على كافة الصعد والمستويات، وستحقق روسيا كل الأهداف التي وضعتها لحملتها العسكرية في اوكرانيا على المستوى السياسي، ومستوى الأمن القومي الروسي، ومستوى الاقتصاد، ومستوى السياسات الدولية، والمستوى الإعلامي، فلن تبقى القوات الروسية عمرًا في أوكرانيا، ولكنها لن تخرج منها دون أن تعيد صياغة سياساتها العدوانية ضد روسيا، وتطهرها من التبعية للغرب والولايات المتحدة الأمريكية، كذلك أمنها القومي، ولن تنسحب روسيا من كل الأراضي الأوكرانية وخاصة جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك (دونباس) كما فعلت في القرم سابقًا.
أما على مستوى الإقليم فقد فرضت روسيا جرأة وسياسات جديدة حررت بعض القيود على بعض الدول وخاصة الدول الخليجية العربية التي بدأت تدرك أن سياسة المصالح تحتاج لتحرر وعتق من قيود الولايات المتحدة الأمريكية، والبحث عن سياسات جديدة على المستويات السياسية والاقتصادية والعلمية والبحث عن منتج آخر وأحلاف أخرى تحقق لها استقلالية الذات، والنهوض من جديد، وبناء جسور استقلالية قرارها وخطواتها وتحالفاتها، وكذلك ظهور قوى إقليمية جديدة أكثر تجرأ وحرية مما كانت عليه سابقًا.
د. سامي محمد الأخرس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماذا لو نجح بوتين في انهاء امريكا والغرب
د. لبيب سلطان ( 2022 / 9 / 8 - 10:40 )
سيدي الكاتب المحترم
لأسترسل مع ماتطرحوه وان بوتين وبتحالفه مع الصين سيهزمان الأمبريالية الأمريكية وذيولها الأوربية ويفرضان نظاما جديدا موازيا او بديلا ولأسترسل مع البديل فهاهي مبادئ الديمقراطية
والحريات والخير ستعم المعمورة بفضل انتصار بطل الديمقراطية بوتين وكنتيجة لحربه المنتصرة على اوكراينا ستقوم ايرن باحتلال العراق وربما الخليج بدعم منه حيث ان السلافية ليست اكبر شأنا عن التشيع وعليه يقوم اردوغان بارغام ايران على التراجع عن الخليج فالسنة ليسوا اقل شأنا من الشيعة اما الرفيق تسي فينهي تايوان ومنها كوريا وفيتنام فهي حصة امبرطوريته القديمة ويقال ان ماكرون استيقظ في باريس يوما بعد غيبوبة ليجد ان الأسعار بالروبل وقبل به كرها لتلسط الأمريكان على الفرنسيين
سيدي ان العالم المتمدن اليوم قد تعدى الفكر القومي والديني والأمبراطوري التي يريد هؤلاء احيائها وعليه لايرى بوتين غير افاق حالم ورط شعبه في حرب عدوانية على شعب اضعف ليقيم حلمه القيصري الأمبرطوري ومثاله لايحتذى به كي ينظر له فهو كأي ديكتاتور عدواني سينتهي لمزبلة التاريخ كما كان هتلر وصدام ومن شاكلهم جب

اخر الافلام

.. بعد الهجوم على إسرائيل: كيف ستتعامل ألمانيا مع إيران؟


.. زيلينسكي مستاء من الدعم الغربي المحدود لأوكرانيا بعد صدّ اله




.. العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية: توتر وانفراج ثم توتر؟


.. خالد جرادة: ماالذي تعنيه حرية الحركة عندما تكون من غزة؟ • فر




.. موقف الدول العربية بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم