الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


12 - مدخل . . إلى العقل المتصنم / 13 - منهاجية ذاتية للتفكير والاستقراء المغاير . . فيما يخصنا ( ذات تنفي نفسها )

أمين أحمد ثابت

2022 / 9 / 9
المجتمع المدني


كلما تضغطني نفسي للاستمرار في حربي المعلنة قضية – حقنا في الوجود لكبف يجب أن نكون ، نعرف عيبنا ، ونعرف أنا من يجب عليه صنع ذلك الوجود الذي يليق بنا وإنسانيتنا – أجدني حين تتجهز أنامل يدي للكتابة وعقلي ينزف ببانوراما شديدة التعقيد في تفاصيلها اللامتناهية المصاحبة بخرائط متداخلة المنظور من الابعاد والاتجاهات والزوايا المتقابلة والمتماثلة والمتشابهة خطيا او شكلا و . . المتقابلة او المتقاطعة او المتشابكة . . حتى المتخالفة والمتضادة فيما بينها البين ، وتردني متخيلات النهج والسببية والاستدلالات التحليلية والتعميمية الجزية في منحى تلك التفاصيل ، ما يكشف أن الخوض فيما اخوض فيه سينفذ مداد الكتابة بما لا يغطي ولو جزء يسيرا مما يريد عقلي قوله - ترتبك يدي وتضيق نفسي بمحدودية المدى القادرة على الذهاب فيه ، وتأكلني الحسرة حين وهبت نفسك للكتابة الحرة لإنقاذ انسانية إنساننا والارتقاء به نحو ما يجب عليه أن يكون عليه أو يصل إليه ، حسرة لعيشي ووجودي في مجتمع متطبع إنسانه أن يدار لا أن يدير حياته بذاته ، بلد تتآزر فيه تفاهة وهمجية وابتذال حاكميه ونافذيه الفاسدين المنحلين الموسومين بالكذب والتحايل والخداع . . تتجاوب معه طبيعة إنسان مجتمعاتنا العربية المطبوعين على الانقياد الطوعي والتشكل في موقفها المؤازر في كراهية العلم والفكر ، والعداء للحرية ، ونفي من يسعى الى قول الحقيقة ، نفيا في سجن داخلي لا يمنعه فقط عن التفكير والكتابة ، بل يحرمه العيش في ابسط وادنى حالاته و . . يحرمه الوجود بتغريب كل الفرص – حتى البسيطة – للنشر او توفير ادوات كتابته أو العلاج او نيل وجبات غذائية واسرته بما يمكنهم من مواصلة الحياة والخوض في غمارها تحديا لفرض وجودها وحقوقها ، حتى يصل الأذى الى افقاره وقطع عليه الطريق أن يخرج بحثا عن وطن بديل واسرته يمنحهم الكرامة المصادرة عنهم في موطنهم . . . .

أعرف أني شطحت خارج عنوان الموضوع ، ولا ذكر لأي متعلق يرتبط به - لكني لن أحاسب نفسي كما ستحاسبونني على ذلك ، ما دمت اعلنت تحرري . . لن أكون رقيبا على دماغي فيما يخرجه ، واعرف أنه لم ينز اسطر الفقرة الاولى السابقة . . إلا لأنه يدرك ضمنيا ما يريدني في كتابتي أن أصل إليه ، بمعنى ما يظهر لك عزيزي القارئ بأن ذلك المدخل شاردا عن الموضوع ، فهو بالنسبة للدماغ الذي سيسكب عليك محتوى الموضوع للمقالة ،. . يعرف أن ذلك المدخل ( الشارد ) يمثل مدخلا جوهريا ضمنيا ببعد إيحائي عالي التجريد .




ارتأيت في حلقتنا هذه من سلسلة موضوعنا الرئيسي العام أن اخصصه بنقل موجز وسريع لمنهاجية شخصية التجربة اسجلها – عسى أن تجد من يجد فيها ضالة له في ملاحقته للبحث عن الحقيقة – وأزعم أن أزمة اشكاليتنا التاريخية الفارضة نفسها على العقل والحياة . . ستظل حتى لأجيالنا القادمة لمئات من السنين ، ما لم نستحدث ثورة فكرية-علمية تمكن انساننا معرفيا من الادراك التفكيكي لأزمته التاريخية ، ما يمكنه الاعتراف بحقيقته ووجوده المفروضين عليه . . ليكون قابلا للتحرر الذاتي لخلق انسانيته ووجوده القادم لأجياله بما يليق بهم .
وعودة لموضوع حلقتنا – المخاطبة استفهاما وكتعرية علاجية لفصامية إنساننا العربي واليمني منهم بصورة خاصة – يعرف كل بشري في أي مكان من العالم ، متعلما او اميا ، عارفا او جاهلا ↔ أن الفرد يعرف نفسه اكثر من معرفته بنفسه ، حتى بصورة عفوية غير مفكرة ، ويعرف هو والاخرين أن غيره مستحيل أن يكون هو ذاته ، بل أنه بذاته لا يمكن أن يوجد مرة ثانية عبر كل التاريخ البشري منذ ظهر وحتى ينتهي – إذا ما وجد فعلا ما ينهي وجوده – والأمر ذاته تقوم عليه الذات العامة لكل مجتمع بعينه – نعم يتكرر المرء والمجتمع عبر التاريخ البشري ، ولكن لن يكون التكرر إلا فيما هو عام ونادرا فيما هو خاص مشترك ، إلا أن الخصوصية الفردية – بالنسبة لشخص بعينه او مجتمع بذاته دون سواه – يستحيل ظهوره في التاريخ لمرة ثانية ، حتى اوهام الاستنساخ الكروموسومي للأفراد .

أعتدت وفق منهجي الشخصي المستحدث للرؤية والقراءة والتحليل والحكم – بفعل التخصصية الدقيقة العالية في العلوم الطبيعية وخاصة الحيوية والعصبية الدماغية البيولوجية – أن لا تحضرني قضية او فكرة او موضوعا يخص الأنسان والمجتمع في كل مختلف ابعاده ، إلا وضمنت استدلالات سببية وتقعيديه من العلوم الطبيعية بما يثبت صحة ما أذهب إليه في طروحاتي ورؤاي فيما يتعلق بالإنسان ومجتمعه – وهو نهج غريب عربيا واعتقد عالميا وهو خاص بي – قد يرى فيه العديد عيبا في التطويل والتعقيد الذي يسبب توهانا للقارئ عن المسك بالفكرة ومرابطة متشابكاتها – لكني في خصوصية كتابتي التي اصبحت طابعا تجريبيا خاص بشخصي ، قد لا اكون مثل ما أتصوره ، وقد يكون الناقدون ظاهريا على حق فيما يذهبون إليه ، وما لا يحبطني . . هو قناعتي المدركة بأن تجربتي المنهاجية الخاصة قد لا تكون ذات اهمية لتتبع – رغم معرفتي أنها ستشاع ( عالميا وعربيا ) بعد زمن وإن كان بعيدا عن الآن – فالأهمية فيما يحتوي عليه كل موضوع انشره من الطروحات والرؤى وزوايا الدخول إليه والمعالجات بما لا يكون مكررا عن الاخرين ، بمعنى استحداث قاعدة تفجير تأصيلية للتعامل الفكري وقطع دابر ارثنا العقلي المنقاد تكوينا معتقدي وتصوريا وفعلا ممارسيا خلال الآليات النقلية للفكر والمعارف والاعتقادات – بمعنى لم إرثنا المعتقدي والفكري التصوري والممارسي الموجود قادرا على ثقب حالتنا المرضية الفصامية التاريخية المركبة ، فأفضل الموجود في فضائنا العلمي والمعرفي الفكري يدخل من الظاهر العام حكما – لأي ظاهرة او امر يتعلق بنا – ويغرق في عدد من التفاصيل المحدودة ، ليهرب لاحقا نحو تثبيت حكميته السابقة لما هو ظاهريا منذ البدء – أي بتعبير اخر رغم جدية ومصداقية مثل هؤلاء النادرين من المفكرين العرب او الاجانب عن العرب ، لا تمكنهم ادواتهم واساليبهم التقليدية النقلية من ثقب الموضوع والذهاب منه نحو المضامين المخفية والجوهر الموصل نحو ادراك كنه كل وجه للحقيقة الغائبة عن وجودنا ، وابتداع منهاجا رؤيويا مثورا لفعل تغيير ما نحن عليه .

لندخل تطبيقيا اولا من الباب النظري المجرد حول موضوعتنا ( الذات النافية لنفسها ) – الخاصة بنا . . إنسان المجتمع العربي ، الحاضرة عند عدد محدود من كبار المثقفين العرب المعرفين بالمفكرين العرب المعاصرين ، الذين خاضوا ويخوضون في مؤلفاتهم ابعاد هذه القضية – طبعا فيما يخص شخصي لا أجد بتاتا ممن يستحضرونهم مراجعا فكرية من المفكرين الاسلاميين القدامى . . أن كل طروحاتهم التي وردت إلينا . . لا أجد انها مؤهلة لدرجة يعتمد عليها لاستقراء انساننا ومجتمعاتنا وحياتنا من مختلف الزوايا او من أية زاوية كانت لأقل قليلا من ( ألف سنة ماضية ، ما بالنا لثلاثمائة سنة ماضية والان وغدا في المدى المنظور ) ، فهي ظاهراتية سطحية الشكل الفكري ، تأملية تأويلية متعددة الظنية في الافتراض والمعالجة النقدية ، تعد من البساطة السطحية غير القادرة على أن تلامس حقيقة المركبة شديدة التعقيد التي وصل إليها الانسان والمجتمع العربي منذ بضع مئات اخيرة من وجودهما ، ما بالنا ما وصلا إليه خلال المائة سنة الاخيرة وأكثر قليلا من بعد منتصف القرن العشرين الى يومنا هذا – مشكلتهم المنهجية انعدام القطعية مع العقل الفكري القديم ومنهاجياته التأويلية ، مع يجعل استنطاقهم الفكري العلمي متحابي مع القديم ، يفعلون ما يعتقدونه ( غير مستقرئ عنهم ) ، أنهم يستغلون من المستقطعات الاهم من الفكر العربي القديم المبني على التأملية التأويلية – الغزالي ، ابن رشد ، احمد بن حنبل . . الخ او من الفكر المعتزلي او الصوفي – لتستخدم تأويليا فيما يريدون الذهاب الى طرحه كحكم فكري تعميمي ، يكتشف المفكر بمنهج علمي محايد عدم إجازة متحد بنية مؤلفاتهم بين منهجهم العلمي للتحليل والحكم وملاقحته بمنهج الفكر التأويلي المضاد ومحتوى طروحاتهم – يخلصون مفكرينا المعاصرين إلى استنتاجهم التعميمي المستخلص بتطبع انساننا عبر التاريخ الطويل الماضي الى اليوم على معرفات ( التبعية ، الانقياد الطوعي ، الخنوع تقبلا ) ، وعقليا بمعرفات ( العقل الانقيادي ، العقل التابع ، العقل المستلب ، العقل العقيم ، العقل جامد التفكير او العقل الواهم . . ) – هذه الأحكام التعميمية التي يصلون إليها . . لا نختلف معهم حولها – وهو ما يلمسه القارئ مثلا في العنوان الرئيسي لسلسلة مقالاتنا هذه – إذا لماذا ننتقدهم ونطرح بديلا لمنهج الاستقراء ، أم أنا نعاني من نقص في انفسنا نغطيه في التعريض في مجتهدين كبار من مفكرينا المعاصرين ، الباذلين عقود من السنين لطرح مؤلفات قيمية مسجلة لهم في التاريخ الحديث ؟ !!! – حقيقة لا وجود فينا شيء من مثل تلك الافتراضات سيئة النية السابق ذكرها ، فالأمر المحتاج توضيحه وإدراكه عند القراء المهتمين بالفكر ، أن ما يصل إليه أولئك المفكرين كخلاصة نهائية لمؤلفاتهم . . هي بالنسبة لنا هو حكما استقرائيا بديهيا بسيطا لما نحن عليه واقعا اليوم ، ويحمل في داخله مؤشرات ملموسة واضحة لما كنا عليه سابقا من اجيال وما سنذهب إليه في اجيالنا القادمة ، أما من حيث المنهجية الاسلوبية ( الخلطية بين القديم والحديث المعاصر ) . . نجدها لا تتسق علميا في التفكير ، ونعدها طابعا من الانتقائية الغرضية التوظيف المخلة لأسلوبية البحث التتبعي والتحليلي حر الاستقراء ، واخيرا نجدها مخلة بجوهر البحث الفكري العلمي الحر – غير القائم على حكم او احكام مسبقة ، حيث تغيب لديهم في مؤلفاتهم ومقابلاتهم جوهر مسألة البحث للوصول الى الحقيقة الغائبة موضوع البحث – رغم ما يدعون به – ويكون المؤلف او المؤلفات منحشرة في جهود الحشو الانتقائي من المعروضات الفكرية للآخرين القدامى او الحداثيين ل . . غرض الوصول الى قناعتهم الفكرية المسبقة الحكم ، بحيث يكون قيمة محتوى المؤلف بالنسبة لهم سوق التدليلات والشواهد والتعليلات الموصلة لإقناعنا فيما يعتقدون فيه – بينما فيما منهجنا المستحدث علميا وفق ما نزعم ، يعد ما يخلصوا إليه ليس إلا موضوعة ظاهرة عامة ملموسة يجب بحثها وليس استنتاجها ل . . لكونها موجودة بملموسيتها – وهنا يجب الإشارة أنا نقدر مفكرينا ونحترم جهودهم الفكرية المرهقة ومحاولاتهم خوض تجارب الاجتهاد الفكري التطوري ، كما ولا نعيب أي منهم ، فهم اساتذتنا من تتلمذنا على طروحاتهم وافكارهم عبر عقود اربعة من الزمن ، ولهم الفضل أن يصل تلميذ من تلامذتهم الى خوض نهج تجريبي ذاتي مغاير لهم – كاسرا نهج النقلية التابعة للتفكير - والذي لزوما أن يكون متسلحا بمبررات علمية ( من نهج القواعد النظرية والاسلوبية والادواتية الى بنية التحليل التفكيكي والتربيطي المعاد لاستخلاص الاحكام والطروحات النقدية بأحكامها المغايرة ) ، وهو ما يجعل منهج الرؤية المغايرة ظاهريا بالنسبة للسطحيين أن محتوى طروحاته متحاملة على اخرين من عمالقة الفكر ومقللة لقيمية عطاءاتهم الفكرية ومتجنية على عبقرية اجتهاداتهم الفكرية غير المتوقفة ، بينما في الحقيقة عند طرح الأجد يجد المرء لإثبات نهج مغايرته إظهار فعل المقابلة الفكرية والتشريحية لإجلاء ما يقدمه من جديد وليس تهجما على الغير – أما الدخول التطبيقي لموضوعة ( الذات النافية لنفسها ) من الناحية العملية الملموسة كتطبيق استقرائي ، وبادئا لكشف فارق فهم التطبيقية الفكرية بين مناهج الاخرين من المفكرين المعاصرين ومذهب منهجنا الشخصي ، أنهم يعتمدون الحسيات الظاهرية الملموسة عن الانسان والمجتمع العربي لتكون مصدر بناء الافتراضية ومن جانب اخر كشواهد وتدليلات استقرائية يبنى عليها التعليل ويقوم عليها التحليل الفكري وتعتمد كركيزة فكرية اساسية لبناء الاحكام الاستخلاصية ( العامة والخاصة ) – ولكشف ملموس لقصور سائد الفكر العربي . . حتى المتقدم منه ، نضعه بتساؤل استعجابي ، كيف للخمسة العقود الاخيرة فقط التي انتجت آلاف مؤلفة من الطروحات الاكاديمية العلمية العليا في المجالات الانسانية المختلفة المقدمة في الخارج والداخل العربي ، ومئات الآلاف من الدراسات والبحوث الفكرية وحتى المقالات منها ، هذا غير المئات واكثر من المؤلفات الفكرية الحديثة والمعاصرة والقديمة المعاد طبعها ونشرها حديثا . . لم تؤثر حتى بقطر شعرة من تغيير الوعي والعقل المجتمعي . . حتى الخاص معلما بالنخبة ومنها العقل الاكاديمي ، كما ولم تؤثر بقيد انملة الوجود والحياة للإنسان والمجتمع ؟؟!!!! - ببساطة يستجلبون ادلة حسية ملموسة ظاهرة وغير مخفية . . أنه يعود لنظم الاستعباد بالقمع المجتمعي المتعاقب علينا عبر التاريخ - خارجيا وداخليا - ونقول هنا أين المدهش لنا من طرحهم كما لو انا نكتشف ما هو غائبا عن عقولنا !!!!! - وبالنسبة لنا يكفي الاشارة إليه بإيجاز- لأننا لسنا بصدد كتابة مؤلف او اكثر نقدي للعقل الفكري العربي القائم ، وتحديدا منه العلمي المتقدم - كيف ستؤثر تلك الطروحات بمناهجها الراهنة بما يحدث تغيرا للإنسان والمجتمع وعقلهما ، ما دامت فيما تقدمه هو ملموسا ظاهريا عليهما في سمات وجودهما وتكوينهما وفي مسلكيتهما اليومية الممارسية ، أكان ذلك مدركا ذهنيا عند انسان المجتمع او مدركا عفويا - دون تفكير- عبر آلية حسية يومية معاشية منعكسة كخبرات حسية غريزية الادراك والمعرفة عبر آلية ميكانيكية الممارسة للعيش اليومي - من هنا فإن ما يعتقد به اكتشافا فكريا خطيرا خاصا بإنسان مجتمعاتنا العربية ، هو حقيقة موجودا حتى في الكائنات الحية البيولوجية المتقدمة ( منذ نشوء الدماغ الاولى في تلك الانواع الاقل رقيا وصولا الى مكتملة الدماغ ، التي اعلاها الثديات وعلى رأسها نوع الانسان البشري ) ، حيث تسلك وتمارس حياتها في بيئاتها الخاصة بها ولا تغير مكانها الى بيئات اخرى غير مناسبة لها ، كما وانها تعدل من طبائعها وسلوكها وانشطتها تكيفا إذا ما حدثت ظروفا طارئة متغيرة تهدد استمرارها ، هذا غير انها تعود الى طبائعها وخصائصها السابقة إذا ما جرى تعدلا للظروف البيئية في عودتها الى توازنها السابق قبل التغيرات التي طرأت عليها – وهنا بيت القصد ، أن كل انواع الحيوانات تلك تمارس حقيقة ذاتها ووجودها التلاؤمي للعيش والاستمرار كنوع من الادراك ، حتى أن الحيوانات مكتملة الدماغ اكتشف علميا وبشكل قطعي الان منذ العقد الاخير – وإن كنا قد نشرنا مقالات ودراسات في الصحف والمجلات اليمنية منذ مطلع الثمانينيات . . بما تم التوصل إليه الان – أن الثديات كأرقى انواع الحيوانات مكتملة الدماغ من حيث التعقيد ، انها لا تختلف عن الانسان من حيث الوظائف العليا للدماغ ، كالتفكير والادراك الواعي والتعلم والتذكر او الذاكرة ، وبمعنى انها تمتلك وعيا وقدرة على التفكير المجرد مقارنة بالأنواع الأنى منها ، بينما ارقى تفكير في العقل العربي ما زال محنطا بأن الوعي والتفكير هما سمتا الانسان فقط ، ولهذا نجد تطابقا لما اوردناه سابقا من الاسطر السابقة الاخيرة مع ما حكمنا به سابقا أن ما يعتقده العقل العربي المتقدم طروحات مذهلة في الفكر العربي الحديث والمعاصر ليس إلا وهما ، فهو استقراء اوليا ظاهراتي لما هو ملموس ، وسبب هذا التوهم يعود إلى ما يسيد مجتمعيا من فكر جبري مشوه مجانبا حتى لتلك الاوجه الظاهرة ملموسيا للإنسان والمجتمع ، فإن كانت طروحات الفكر العربي – الذي ننقده – سطحيا فإن الاخر تزييفا وماسخا للعقل والانسان والحياة ، ومن هنا نتقبل ثورية ما يطرحونه .
مما سبق نستنتج أن ظاهرتنا الانسانية المجتمعية ك ( ذات تلفظ حقيقة نفسها ) ستظل حاكمة لوجودنا في اجيالنا القادمة ، لكون مجموع الفكر العلمي الحداثي لم يدخل بعد في بحث جوهر الموضوع ، فالإجابة عن لماذا ، وكيف ، وعلى ماذا وهل . . إلخ غير متوفرة في منتج الفكر العربي والاسلامي القديم او الحديث والمعاصر ، فبحث الحقيقة الورائية لفصاميتنا المركبة لن نصل الى إدراكها إن لم نخوض عمقا في ذات الانسان العربي فيما هو عليه الان وكيف وصل الى ذلك – في ذاته وليس الهروب لتغليف فقرنا وعجزنا الفكري نحو التعلل بنظم الاستبداد – نعم هو عاملا تاريخيا اساسيا واحدا من عدة عوامل ولكنها وضعية وموضوعية مؤثرة على ذات الانسان ووجوده ، ولكن أن توضع بصفتها المطلقة يصبح ذلك منافيا للحقيقة ، حيث تغيب الحقيقة لذات الانسان في ذاته لتكون متقبلة تحولها الى حقيقة وجودية مسخية بالنسبة لحقيقتها الطبيعية . لنأخذ مثالا على ذلك ، حيوان السيرك الضارية من الكواسر المروضة ، تمارس وجودا وسلوكا وحياة مغايرة لحقيقتها الطبيعية في عالمها البري الطبيعي ، لكنها حين يصبح الترويض يذهب نحو إلغاء حقيقتها الطبيعية – كأن يصبح الاسد نعجة مثلا أو تهدد وحشية طرق الترويض قدرة تقبله الجسدي او حاجته البيولوجية للعيش كالأكل والشرب والتزاوج – فبدون هرطقة الجدل العبثي نجد رجوع الاسد – كذات نوع - الى حقيقته الطبيعية الأصلية الشرسة المقاومة وغير القابلة للترويض ، هو ما نكتشفه من خلال هروب بعض تلك الحيوانات الكاسرة من حدائق الحيوان او السيرك ، ومهاجمته لمروضيه او من ربوه منذ الصغر ، إما بالتهامهم او تخليف إصابات خطيرة معلمة على اجسادهم – لو كانوا يفهمون مفكرينا المعاصرين هذا الامر ويكون حاضرا في عقولهم عند التحليل التعرضي لأية ظاهرة تخص الإنسان ، فمن المؤكد لن يخرجوا بفكر ظاهري سطحي كما هو معلم على منتجاتهم الفكرية – قد يسألنا صلف للهزء سذاجة بنا فيما نقوله ، نستبقه بسؤال ردي على سؤاله : لماذا قابلية الحيوان للظهور – وجودا ذاتيا وحياة وسلوكا – بحقيقة قناعية مغايرة لحقيقته الطبيعية . . محدودة الى سقف معين ، سقف يفرض الترويض له أن يقف عند حد تحدي الحقيقة الطبيعية لذات نوعه ، ما يرجعه الى اصل حقيقته الطبيعية الرافضة لذاته الوضعية أن تنفي حقيقة اصله النوعي وسمات وجوده وعيشه – السؤال هنا كيف لحيوان بجبرية غير تاريخية مورثة لا يتقبل غريزيا أن يصبح غير حقيقة ذات نوعه ، بينما الإنسان بقدرته الذهنية العالية في التجريد والاستنطاق المتعدد للطرق والاساليب والمنطق لمواجهة ازماته وحلها ، وعبر تاريخ طويل مورث اجتماعيا من معرفة الاستبداد والقهر الجبري والتعامل معه ، نجده بيسر يقبل الترويض لدرجة فقدانه لحقيقة ذاته ليعيش قناع ذات صنع له واصبح يتناقله جيلا بعد جيل لآلاف من السنين كما لو انه حقيقته الاصلية ، يتوهم انه انسان وحر في ذاته ، بينما ذاته الظاهرة المتوارثة – المقتنع بها ، ويتعذر بالقدرية – تكشف فقدانه كذات لصفات وسمات الانسان كنوع ، حتى تلك من طبيعته البيولوجية لذاته ، التي لا يقبل الحيوان بها أن يصبح غير حقيقته الاصلية .

نكتفي هنا ، وسنبحث بذات الموضوعة في الحلقة القادمة من منظور آخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب


.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا




.. الأمم المتحدة تدعو لتحقيق بشأن المقابر الجماعية في غزة وإسرا