الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار في بلدان الوطن العربي والموقف من حركات الإسلام السياسي

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2022 / 9 / 9
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



تعد ظاهرة انبعاث الحركات السياسية الدينية (الإسلامية والمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية)، أحد المظاهر الهامة التي شهدها كوكبنا في الربع الأخير من القرن العشرين، وامتدت حتى اللحظة الراهنة. لكن هذا الانبعاث اتخذ أشكالاً متباينة ، ففي أمريكا اللاتينية ، اتخذ موقفاً في مواجهة أشكال الظلم الاجتماعي و الاستبداد السياسي ، حيث قام فريق من القساوسة ورجال الدين المسيحي أو ما يعرف بـ"لاهوت التحرير" بالتمرد على المؤسسة الدينية و الدعوة إلى تحقيق العدل و الحرية هنا على الأرض .
وخلافاً لهذا الانبعاث التحرري المسيحي ، تشهد الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا انبعاثاً مغايراً نجد مؤشراته في تزايد دور التيار المحافظ، بل و الرجعي الشوفيني والعنصري الذي تقوم به بعض الجماعات الأصولية المسيحية عموماً، والبروتستانتية او الصهيونية المسيحية وشهود يهوه السبتيين خصوصاً .
وفي "إسرائيل" ، تختلط –منهجياً - الأيديولوجية الصهيونية بالرؤى و الأفكار الدينية التي تنضح التخلف والعنصرية من نصوصها التوراتية والتلمودية ومزاميرها، حيث نجد انبعاثا –ممنهجاً أيضاً- للتيارات والحركات اليهودية الدينية اليمينية المتطرفة سياسياً ضد الفلسطينيين والشعوب العربية، إلى الحد الذي أصبحت معه الأحزاب الدينية اليهودية، تقوم بدور مؤثر و هام في صياغة الطابع اليميني لـ "المجتمع الإسرائيلي" إلى جانب اليمين العلماني المتطرف،بما يخدم سياسات العولمة الأمريكية وبرامجها في تغذية التيارات الدينية اليمينية الصهيونية من جهة والتيارات الأصولية (الإسلامية والمسيحية) في بلداننا العربية من جهة ثانية، بما يحقق المزيد من التفكك والتجزئة فيها ، كما هو حال السودان والعراق والصومال ولبنان واليمن ومصر...إلخ.
أما فيما يتعلق بظاهرة " الإسلام السياسي"، فلابد من الإقرار بأن النمو المضطرد لهذه الظاهرة، التي أصبحت جزءاً من الحياة اليومية، ليس على صعيد شعبنا الفلسطيني فحسب , بل وعلى نطاق الشعوب العربية والإسلامية الأخرى . ولسنا بصدد إجراء تحليل لأسباب نمو هذه الظاهرة أو عواملها ... بل إن معالجتنا تنطلق من حقيقة أساسية مفادها , إننا لا نستطيع الحديث عن رؤية برنامجية للمرحلة الجديدة، يتم فيها تجاوز انتشار حركات ظاهرة الإسلام السياسي – وعلى وجه التحديد حماس والإخوان المسلمين ثم حزب الله وحركة الجهاد الإسلامي - بدون معالجتها بصورة ديمقراطية, لأن ذلك يعني عدم رؤية الواقع على حقيقته وهذا ليس واردا.
فمنذ نهاية السبعينات، والحديث متصل عن صعود وانتشار الحركات الأصولية الإسلامية، التي أعطتها هزيمة حزيران (والهزائم اللاحقة للمشروعين القومي واليساري) قوة دفع جديدة، سرعان ما وجدت مجالها الأرحب والأخصب في ظل سياسة الانفتاح الساداتية، ثم معاهدة كامب ديفيد، وما تلا ذلك من متغيرات أدت إلى استعادة القوى البيروقراطية المتنفذة، والبورجوازية الكمبرادورية التجارية والصناعية، والشرائح الطفيلية العقارية والمالية والمصرفية، لدورهم المسيطر على السلطة في مصر والعديد من الدول العربية، الأمر الذي مكن الحركات الأصولية من أن تقدم مشروعها الأيديولوجي والسياسي والمجتمعي، الذي اتخذ –لدى بعض فروع هذه الحركات- طابعاً قتالياً وتضحوياً ضد الاحتلال الصهيوني ، لكن هذا المشروع ظل في شكله وجوهره معتمداً على عنصرين أساسيين :
الأول : قوامه العودة إلى الأصول السلفية والتراثية، كما هي دون أي تجديد أو استنارة أو تطور عقلاني حديث، عبر قراءة لا تاريخية مغلقة للنص الديني .
الثاني : اعتماد منهجية رفض الآخر المتمثل في كافة أطراف حركات التحرر العربي (اليسارية والقومية والوطنية) وتكفيرهم بذريعة منطلقاتهم الفكرية العلمانية الديمقراطية بمختلف ألوانها.
غير أن ما يميز الأصولية الإسلامية ، في شكلها العربي عودتها الصارخة إلى مركز الفعل –بصورة ديماغوجية وغيبية- في الأوساط الشعبية العفوية الفقيرة، وبذلك استطاعت –في ظروف الهزيمة السياسية والتجزئة والتراجع المجتمعي – أن تحقق حالة غير مسبوقة تاريخياً من الانتشار، بعد عقود من التهميش والعزلة والكمون الذي عاشته تلك الحركات ، بتأثير المرحلة الناصرية والمد القومي التحرري وانتشار الأفكار التنويرية والعقلانية والاشتراكية العلمانية، ثم مرحلة الكفاح المسلح الفلسطيني منذ عام 1967 حتى نهاية ثمانينات القرن الماضي، التي كانت ايذاناً بولادة مرحلة التراجع والهبوط السياسي والانحطاط المجتمعي الذي انتشر في ربوع البلدان العربية ، وشَكَّل بدوره، بداية الانتشار الفعلي للحركات الإسلامية الأصولية، التي لم يكن ممكناً أن تنتشر في غير هذه الظروف.
ومع هذا الانتشار غير المسبوق، انتقلت الحركات الاسلامية الأصولية من حالة التهميش ، إلى حالة التأثير والفعل ، ليس لنشر منطلقاتها وآراءها فحسب ، بل أيضاً لتمارس – بصورة مباشرة وغير مباشرة- نوعاً من الاستنفار لأدواتها الايديولوجية أو الفكرية الغيبية المنغلقة ، في محاولة تسعى إلى تحطيم الفكر الذي همشها (التنويري العقلاني الثوري الوطني والقومي والأممي) ، أي لتجعل من تهديم مفاهيم الحداثة والعلمانية والدولة المدنية والوحدة العربية والاشتراكية غايتها الأساسية الأولى ، وهي هنا تلتقي مع القوى الإمبريالية التي تسعى بدورها إلى إبقاء تطور شعوبنا (السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي) محتجزاً ورهينةً للتبعية والتخلف ، بذريعة العداء للعلمانية ، في حين أن موقف القوى الديمقراطية واليسارية من العلمانية ، موقف يتسم بالموضوعية، فهو يقوم على مجموعة من الأسس التي تكفل –عند استيعابها وتطبيقها– كسر كل أشكال التبعية والتخلف ، وإزاحة رموزها وأدواتها من بلادنا، وهذه الأسس هي:
1- تأمين الحرية الدينية.
2- فصل الدين عن الدولة.
3- اعتبار الشعب أو المجتمع مصدر القوانين .
4- تعزيز المحاكم المدنية العامة لضمان المساواة التامة في الحقوق والواجبات.
5- عقلنة الدولة والمجتمع وتعزيز الثقافة الوطنية والقومية ضد القوى الإمبريالية والصهيونية والرجعية.
6- تحرير الدين من سيطرة الدولة وإساءة استعماله لأغراض سياسية، وكذلك تحرير الدولة من هيمنة المؤسسات الدينية.
إذن العلمانية بالنسبة لنا تعني على الصعيد المعرفي تحرير العقل من المسبقات، والمطلقات، أو تحرير الفكر من الأوهام والخرافات، وتحرير الإنسان من كل أشكال الاستغلال التي تمتد جذورها إلى تقسيم العمل وظهور الملكية الخاصة وتركز الثروة وظهور الطبقات والصراع بين الفقراء والأغنياء، أو بين المستغلين (بفتح الغين) والمستغلين (بكسر الغين) .
فالعلمانية هنا كما نفهمها ، وكما هي بالفعل، تسهم في تحقيق انعتاق وتحرير الفقراء والكادحين من كل أشكال المعاناة والاضطهاد، وهي بذلك في جوهرها ليست ضد الدين، لكنها ضد الوثنية الدينية وضد سلطة رجال الدين وتدخلهم في حياة الإنسان، فهي عملية تاريخية أو سيرورة على طريق التقدم في التاريخ والمعرفة، وإذا ما عدنا إلى أصلها اللغوي ، نجد أن العلمانية لغوياً مشتقة من العالم الدنيوي أو عالم البشر الذي يصنعون تاريخهم بأنفسهم، وهي بذلك تقيم سلطة العقل والمنطق، وتعلن نسبية الحقيقة وتاريخيتها وتغيرها.
لكن الطابع الطبقي، الاقتصادي والسّياسي والأيديولوجي، النقيض لمفاهيم الحداثة والديمقراطية والتقدم ، هو الذي يحكم ‘’المشروع الإسلامي’’،مستعيناً في ذلك بذرائع شكلانية ، وخطاب ديماغوجي وغوغائي يعبّر عن منهجيةٍ رثة ومنطلقات أصولية سلفية، وفكر ضحل، لكي تخدم تلك المصالح الطبقية من ناحية، وتعزز السلطة المستبدة الأكثر شمولية من كلّ السّلطات التي شهدناها طوال التاريخ المعاصر من ناحية ثانية، لأنها تخترق إلى ما هو شخصي وخاص، وهي تميل إلى فهم الصّراعات على أساس ديني يخلط كلّ التناقضات القائمة. كما أنها، بالتالي، يمكن أن تتحالف مع الإمبريالية وعملائها في المنطقة كما جرى طيلة العقود السابقة في مشيخات الخليج والسعودية وباكستان حيث لعبت تلك الحركات دوراً هاماً في مجابهة القوى الوطنية والقومية التحررية والتقدمية ، خاصة في الحقبة الناصرية ، وهو دور ينسجم مع نشأتها ووظيفتها ، بمثل ما ينسجم مع جوهرها الطبقي، الذي لا يختلف عن الجوهر الطبقي الكومبرادوري للنظام العربي الرسمي، ولا يتناقض أبداً مع النظام الرأسمالي او الإمبريالي العالمي ، لكن التيارات الدينية تحاول أن تميز نفسها، حيث تعطي لصراعها طابعاً ثقافياً قيمياً مرتبطاً بالأصوليات التراثية، خاصة في ظل تنامي ظاهرة العولمة الراهنة منذ ثمانينات القرن الماضي التي أسهمت في تغذية تلك المنظومة الثقافية والقيمية الأصولية ، بما يضمن استخدام معظم الحركات الدينية لحساب مقتضيات العولمة الإمبريالية في مجابهة قوى التقدم الاشتراكية والديمقراطية .
ففي مثل هذه الظروف الموضوعية التي أنتجت مزيداً من الخضوع والتخلف، يمكن أن نتفهم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وصولا الى مرحلة العولمة الامبريالية الأحادية الراهنة تراجع الأفكار الوطنية والقومية واليسارية العلمانية ، بعد أن تراجعت العوامل الذاتية الاستنهاضية لهذه القوى ، بحيث بات المجال مفتوح وواسعاً أمام الحركات الأصولية لإعادة إحياء أفكارها اليمينية المتزمته، وانبعاث ما يعرف بـ " الاسلام السياسي".
والسؤال المطروح هنا هو : ما هي طبيعة العلاقة –الراهنة والمستقبلية- بين هذه الحركات والقوى اليسارية ؟ وهنا نود التوضيح هنا أننا لسنا في وارد تناول موضوعة " الدين " من زاوية فلسفية , في إطار الصراع التاريخي بين المثالية والمادية , فهذه المسألة ليست بجديدة, كما أنها ليست ملحة, كما أن عملية عدم الخلط بين الدين كعقيدة يحملها الناس وبين الجمهور المتدين تعتبر مسألة هامة وحساسة , فان يكون لنا موقف فلسفي من الدين لا يعني على الإطلاق سحب ذلك الموقف على الجمهور المتدين , بل على العكس، فان واجبنا النضالي يفترض منا الاقتراب من ذلك الجمهور واحترام مشاعره الدينية، والتفاعل مع قضاياه وهمومه وجذبه إلي النضال من اجل الحرية والاستقلال والديمقراطية وإنهاء كافة أشكال الاستغلال والقهر والاستبداد.
فمن الخطأ بمكان التعاطي مع الجمهور المتدين بنفس المعايير مع اتجاهات "الإسلام السياسي"، لأن الواقع يوضح بان هناك تباينات داخل الجمهور المتدين من جهة , وبين مجمل الجماعات التي يتشكل منها "الدين السياسي" من جهة أخرى، وهذه مسألة تكتسب أهميتها في الحياة اليومية والعملية أثناء خوضنا النضالات والترجمات الملموسة لبرنامجنا السياسي ببعديه التحرري والديمقراطي.
وفي هذا الجانب، أشير إلى أن أكثر ما يشغل أذهان القوى الديمقراطية واليسارية تجاه حركات "الاسلام السياسي" ، هي مرجعياتها السلفية المتزمتة ، وانعكاسها وآثارها على المسار التحرري والديمقراطي لمجتمعاتنا ، وخاصة نظرتها لمفاهيم الديمقراطية والعلمانية والوطنية والمواطنة وحرية الرأي والمعتقد ... إلخ . فكما أن هذه القوى (الماركسية أو القومية و الليبرالية) تبدي رفضا قاطعا إزاء تغييب الأنظمة والطبقات الحاكمة لهذه المفاهيم ، فإنها تنظر بنوع من التشكك إزاء ما يمثله "الإسلام السياسي" بصدد هذه المسألة. فهل يمكن لـ"لإسلام السياسي" أن يكون ديمقراطيا ؟؟ وهل ما نطمح إليه هو استبدال القمع الوطني والاجتماعي من جانب الاحتلال أو الطبقات الحاكمة حاليا ليحل محله قمع مجتمعي وسياسي يردع الديمقراطية والتقدم الاجتماعي ؟
وفي هذا السياق يجدر بنا أن نميز بين "الإسلام السياسي"، بوصفه ظاهرة سياسية – دينية وبين الإسلام كعقائد وعبادات وتراث ثقافي، إذ يمكن هنا الانطلاق من تعريف لـ"لإسلام السياسي" على انه "اللجوء إلى مفردات الإسلام كدين للتعبير عن مشروع سياسي".
ففي تقييمنا للموقف من الإسلام – علينا ان نميز بين عدة مستويات: فالإسلام عقيدة وعبادات وأخلاق، والإسلام أيضا مجموعة من قوانين (أو شريعة)، والإسلام مكون مهم من مكونات الهوية أو مكون من مكونات الثقافة والحضارة العربية بمفهومها الواسع.
والموقف من الإسلام هو اذن موقف من كل هذه المستويات، ويتوجب علينا احترامه خاصة في الأوساط الشعبية أو الوعي العفوي ، دون أن نتجاهل كيف تحولت الأديان من طاقة روحية ثورية في بداياتها الأولى، إلى أداة لخدمة مصالح الطبقة السائدة وتكريس التخلف ، ما يعني بوضوح شديد أن احترامنا للأديان عموماً والتراث الديني الإسلامي خصوصاً، يتطلب منا –عبر الحوار الموضوعي- رفض استخدام الدين أداة لقمع حرية الفكر والإبداع والبحث العلمي وحرية الرأي والرأي الآخر، وكذلك رفض اختزال الإيمان الديني إلى تعصب حاقد للعقائد الأخرى، وأن نحلل بصورة موضوعية علاقة الدين بالفقر والطبقية والسياسة، الذي يركز على عدد من توظيفات الدين في المجتمع العربي المعاصر، أهمها :
 استخدام الدين كأداة سيطرة طبقية من قبل النظام الحاكم. ، واستخدامه كأداة تحريض ضد العلمانية والاشتراكية وضد القوى الوطنية الديمقراطية والتيارات القومية التقدمية، وأخيراً استخدامه كأداة مصالحة مع الواقع المرير.
أما بالنسبة للتناقضات غير التناحرية، السياسية والفكرية، بين اليسار في بلدان الوطن العربي وحركات "الإسلام السياسي"، فهي تستند – من وجهة نظرنا - إلى التحليل الموضوعي الذي يؤكد على ان الأساس في هذه الحركات هو دعوتها إلى معالجة القضايا المعاصرة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية...، عبر منطق غيبي تراجعي، عاجز عن بلورة برنامج سياسي ديمقراطي اجتماعي تنموي، وبالتالي لن يكون أمامه سوى إعادة إنتاج نفس علاقات التبعية والتخلف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي السائدة في بلادنا، لكن بصورة رثة، في إطار سلطة أو سلطات أكثر شمولية واستبداداً وتبعية من كل السلطات التي شهدتها مجتمعاتنا العربية ، علاوة على نهجهم واستخدامهم الانتهازي لشعارات مغرضة تفتقر للحد الأدنى من الموضوعية أو احترام الرأي والرأي الآخر، وتصب بالتالي في طاحونة القوى الإمبريالية والرأسمالية الرجعية ، وذلك عبر خطابهم للجماهير الفقيرة والعفوية البسيطة ، الزاخر بالافتراءات والأكاذيب والشعارات المضللة ضد كافة القوى اليسارية والقومية والوطنية والديمقراطية ، باعتبارها – من وجهة نظر الحركات الأصولية- قوى "معادية للدين" ، مستخدمين في ذلك أساليب متنوعة ديماغوجية وجاهلة في معظمها ، عبر الكلمة المكتوبة في الصحف والمسموعة في الجوامع ، والمرئية في الفضائيات التي انتشرت في هذه المرحلة ، بدعم صريح ومكشوف من القوى الإمبريالية التي أفسحت المجال لهذه الفضائيات في الأقمار الصناعية الأمريكية والأوروبية .
لذلك فإننا معنيون بتوضيح العلاقة بين الماركسية والدين، ليس للدفاع عن مبادئنا وأفكارنا وأهدافنا في إلغاء كل أشكال الاستغلال الرأسمالي وإنهاء مظاهر البطالة والفقر، إلى جانب استمرار نضالنا ضد التحالف الإمبريالي / الصهيوني الرجعي في بلادنا، تحقيقاً للاستقلال السياسي والاقتصادي والتنمية وتكافؤ الفرص وإلغاء كل أشكال ومظاهر المعاناة والحرمان عن كاهل العمال والفلاحين وكل الفقراء والكادحين من أبناء شعبنا فحسب، بل أيضاً لفضح الدعاية المغرضة ، الموجهة ضدنا من تيارات وحركات " الإسلام السياسي" .
في ضوء ما تقدم ، فإننا نعيد التوضيح مجدداً بالنسبة للعلاقة بين الماركسية والدين ، مؤكدين على جوهر إدراكنا وتحليلنا الموضوعي لهذه العلاقة ، فالماركسية ليست نظرية مضادة للدين، بل هي طريقة تفكير لفهم الوجود بكلّيته. وهي تنطلق من أساسين؛ الأول : هو أن الوجود هو الأساس، وبالتالي فإنّ الواقع هو الذي يُحدِّد الأفكار والتصوّرات. والثاني: هو أن الوجود في صيرورةٍ مستمرة تتحقق في صيغةٍ جدلية. وهذا ما جعلها تحاول تفسير الوجود بما هو وجود، أي من داخله.
أما في الواقع القائم؛ فإنّ ما يهمّ الماركسية، هو كيفية تحقيق تطوّر المجتمع في سياقٍ يخدم البشر، من حيث العيش والتعليم والعمل والرفاه، وفي هذا لا ترى الماركسية أن صداماً ضرورياً مع الدين هو أمر محبّذ، بل على العكس هو أمر مرفوض ولا يشكل أي بند من أولويات الماركسيين، لأنها لا ترى من ضرورةٍ إلى لمس عقائد البشر، وأنّ صدامها الأساسي سيكون مع القوى التي تُسيّس الدين لخدمة مصالح طبقيةٍ محدّدة، وصدامها هنا، هو مع الطبقي السّياسي، ومع كل أشكال الاستغلال والقهر التي يمارسها التحالف الإمبريالي الصهيوني وأتباعه من الملوك والأمراء والحكام و الأثرياء العرب ، ضد الفقراء من العمال والفلاحين وكل الكادحين في بلادنا، وليس مع العقائد الدّينيّة .
فالصراع هنا هو صراعٌ بشري بشأن خيارات طبقيةٍ وسياسيّة، وإنْ كانت بعض القوى تحاول تغليفه في ثوبٍ ديني لتخاطب به جماهير الفقراء ، لكننا في المقابل ندرك أن ميل هذه الجماهير أو الطبقات الشعبيّة إلى الحركات الأصوليّة لا ينبع من وعيها الدّيني العفوي البسيط والمتوارث، وفق ما يظنّ البعضُ ، بل ينبع – بدرجة أساسية- من الدور السّياسي والمقاوم لتلك الحركات. وفي هذا يجب أن يكون دور الماركسيين، أي دورهم في تقديم برنامج نضالي سياسي وكفاحي ومجتمعي مطلبي ، سواء ضد الإمبريالية والاحتلال، أو في مواجهة النظم الكومبرادورية. وأن يطرحوا بديلاً وطنيا تقدمياً وديمقراطياً يخدم الشرائح الفقيرة والكادحة التي تشكل الأغلبية الساحقة من أبناء شعبنا .
إن الخطوة الضرورية الأولى في هذا الجانب، تتجلى في خروج أحزاب وفصائل اليسار في مغرب ومشرق الوطن العربي من أزماتها الداخلية (السياسية والتنظيمية والفكرية) ، وتفعيل دورها واستنهاض واستعادة دورها الطليعي ، ومن ثم تفعيل أنشطتها بالتلاحم مع الجماهير دفاعاً عن قضاياها المطلبية بصورة متصلة لا تعرف الانقطاع أو القطيعة معها ، وكذلك في نضالها الديمقراطي الاجتماعي الطبقي وفق المنظور الماركسي من أجل تحقيق الفصل بين الدّين كمعتقد والسياسة بمتغيراتها، وبين الدين والدولة، وهذا يعني التركيز على نشر وتعميم الفكر الحديث الديمقراطي العقلاني والتنويري العلماني. وهذه العملية هي التي سوف تقود إلى تحقيق ذاك الفصل.
إن المستجدات والمتغيرات المتلاحقة راهناً، تؤشر إلي أننا سنواجه –مع حركات الاسلام السياسي- ظروفا أكثر صعوبة وأكثر مجافاة, ما يفرض على كافة قوى اليسار في بلداننا أن تتمسك برؤيتها الموضوعية إلى أبعد الحدود في العلاقة مع هذه الحركات، بحيث تحرص على ان لا تصل الاختلافات مع حركات الإسلام السياسي عموما والحركات المقاومة للعدو الصهيوني خصوصا ، إلى مستوى التناقض التناحري الذي يحكم علاقتنا بالعدو الإمبريالي الصهيوني.

أما بالنسبة لعلاقة القوى اليسارية في بلادنا مع قوى الإسلام السياسي فهي "علاقة متحركة وجدلية تبعاً لتناقضات الواقع السياسية والاجتماعية الطبقية، حيث أن التعارض والتناقض على الصعيد الاجتماعي واو الصراع الطبقي أكثر حضوراً، سواء على صعيد فهم الديمقراطية كقيم وآليات وممارسة لبناء المجتمع ومؤسساته، أو تجاه القضايا الاجتماعية والسياسية والمعرفية الرئيسية مثل : حرية المرأة، حرية الاعتقاد وحرية التعبير والاجتهاد وحرية الإبداع الثقافي وقضايا العدالة الاجتماعية والاقتصادية بمختلف تجلياتها" .
وبالتالي، فإن العلاقة مع القوى الإسلامية، يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل، وعلى ممارسة الصراع الاجتماعي والسياسي الداخلي بأساليب ديمقراطية في كل ما يتعلق بالتناقضات الاجتماعية والثقافية وما تعكسه من برامج وممارسات وقيم.
إن هذا الفهم وهذه الرؤية لا يتناقضان مع نضال القوى اليسارية في هذا البد او ذاك من أجل بناء البديل الوطني الديمقراطي، وفي كل الأحوال ، فإن وضوح هذه الرؤية، ومن ثم البناء عليها بالنسبة للعلاقة أو التعامل مع حركات الإسلام السياسي يتطلب من هذه الحركات أن تتخذ موقفاً واضحاً من التوجهات التالية:
أولا: تغليب التناقضات الرئيسية مع العدو الامبريالي الصهيوني على الثانوية في هذه المرحلة.
ثانياً: الإقرار بأن النضال من اجل الديمقراطية وترسيخها كنهج حياة مجتمعي في بلداننا ، يضمن الحرية بكافة أنواعها وفي مقدمتها حرية المعتقد.
أخيراً إن احترام أحزاب وفصائل اليسار الماركسي للأديان عموماً والتراث الديني الإسلامي خصوصاً، يعني بالنسبة لها موقفا مبدئياً ، بشرط رفض استخدام الدين من قبل حركات الإسلام السياسي أداة لقمع الحريات العامة والحريات السياسية والفكرية سواء بالنسبة للافراد وحرية الرأي أو بالنسبة لكافة القوى والأحزاب ، وكذلك رفض استخدام الدين أداة لوأد حرية الفكر والإبداع والبحث العلمي وحرية الرأي والرأي الآخر، وكذلك رفض اختزال الإيمان الديني إلى تعصب حاقد ضد الآراء والأفكار والعقائد الأخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا