الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علمتني الرياضيات الشيءَ الكثير..لا..لم تعلمني شيئا

عبد الله خطوري

2022 / 9 / 9
التربية والتعليم والبحث العلمي


الرياضيات بصفتها لغة إنسانية رامزة هي أساس العلوم كلّها، فلا يمكن لأي علمٍ أن يقوم بذاته من دون وجود لغة الرياضيات؛ فهي شفرة التواصل في العالم التي يمكن لك ببعض الجهد وكثير من الشغف فهمها والتواصل مع تجليات الموجودات بواسطتها..الرياضيات سوناتا كَوْن ترنيمة شعر الكائنات مشتل لعقول متنورة متجددة ورش لإنتاج الأفكار الثائرة المبدعة المتمردة، منظومة متكاملة تربط المتعلم بمحيطه الحياتي بتنمية قدرات الاستدلال لديه والتجريد والدقة في التعبير المجرد وتوسيع مجالات معارفه ومهاراته الحسابية والهندسية التي يجب أن يكون لها أبعاد وظيفية لها امتداداتها في المحيط الاجتماعي والمعيشي في شتى تجلياته البسيطة والمركبة سيان..لكن، في مناهجنا_للأسف_انحرفت الى مجرد تمارين روتين يومي مقرفة لقياس الغباء والذكاء، اليقظة والشرود، إذ يتم تقديم نوع من الرياضيات لتلاميذنا في قوالب جاهزة مسبقة نمطية تركز على الكم دون الكيف في تتبع مسار معين موحد مقنن دون مراعاة خصوصية المادة وروحها المفعمة بالانزياحات الماتعة والخرق الايجابي والاحاسيس الفعالة والابداع المحفز لمزيد من التعلم والاكتشاف، ليتم بقوة التوجيهات الرسمية تجاهل الواقع المعيش وقطع الصلة بين المدروس الرياضي وتطبيقاته الحياتية الممكنة في أرض واقع المتعلم.إنها رياضيات غير حيوية، وبعبارة تراثية لا تأكل الطعام ولا تمشي في الأسواق، وهذه الصيغة في التعبير تلائم واقع تدريس أغلب المواد ذات الطبيعة المجردة(الفلسفة مثلا وما أدراك ما الفلسفة..محبة الحكمة يا حسراه..)..إن أكبر كارثة أساءت تسويق المنتوج الرياضي لَذَى أجيالنا المتعاقبة هو المنهاج الدراسي الرسمي بمراميه وغاياته وأهدافه وأطره المرجعية المقننة المفرغة من لغة الأرواح المتسلطة التي لم تقارب الظواهر المجردة مقاربة إنسانية مفعمة بالإحاسيس؛ بل جعلها"الخبراء" _هكذا يقدمون أنفسهم للعلن_المتفذلكون مناورات لوغاريثمية باردة جامدة بدون قَلْب بدون نَفَس إنساني، مما سهل سطوة تجار لوبيات الساعات الإضافية وسماسرة التعليم الخصوصي الذين آستغلوا هذا الشطط وعمقوا بمكر خبيث زراعة الوهم في ظنون الأولياء ونفوس التلاميذ لتغدو هذه المادة الحيوية ميبسة مفقرة مجففة محنطة بأكفان جري الوحوش دون هداية في أسواق نخاسة أقنان البشر تضع جميع المتمدرسين في سلة واحدة دون توجيه موضوعي صادق واقعي يُراعي الفروق الفردية العقلية والعاطفية للمريدين ليتم تشويه الجميع ضمن خانة أقسام علوم رياضية وعلوم فيزيائية وهندسية وغيرها من التشدقات والإطلاقات التي يُلقى بها دون تدبر وتريث، فيُختَزَل هذا الكم غير المتجانس في سيرورة واحدة هدفها في نهاية المطاف صناعة بْيِيصْ دُوغُوشُونْجْ لمادة دماغ رمادية من الصنف الرذيء قابلة للشحن والاستبدال في شركات زرائب اللوبيات العالمية المقيتة.لقد مُسِخ تعليم وتعلم الرياضيات في حياتنا المدرسية، فأمست أقصى غاياتنا إعداد أولادنا للامتحان المزعوم بأية طريقة كانت(حِفظا؟؟فليكن!!)أو غشا ونقلا او ما شابه من العثرات المستحدثة في واقع تقييماتنا الرسمية لكسب وربح أكبر عدد من النقط، وليس من أجل ديمومة حب تعلم هذه المادة الحيوية النبيلة، وبالتالي نساهم جلنا في قتل المحبة والشغف والولع والتعلق الروحي بها المتسامي عن الرغبات البرغماتية النفعية الضيقة..وهو ما جعل مفكرا من طينة (ميشيل فوكو)يربط هذا النوع من التعليم بسياسة سلطة التدجين التي تروم التحكم في محتويات الفصول الدراسية(الإنسان سلعة في نهاية المطاف يتم تهييؤها لتكون قابلة للتشغيل داخل البلاد أو خارجها حسب حاجيات صناعية أو تقنية)، وتترسخ هذه الفكرة أكثر من خلال عبارات نمطية جاهزة تصاحب عادة الامتحانات:"يوم الامتحان يعز المرء أو يهان"..وعبر ما يقوم به بعض الآباء والأمهات من جعل تفوق آبنهم الدراسي شرط محبتهم إياه (تفوق في دراستك أحبك أكثر!!)؛ وتتباين درجة هذه المحبة المشروطة بمدى قدرات الابن والابنة العقلية في التعالق الفعال بمادة الرياضيات خصوصا، التي يعد إتقان مهاراتها مقياسا فاصلا للتمييز بين الأطفال والمراهقين والمتعلمين...
دَعوني أقول، لقد مُسِخت رياضياتُ الإبداعِ الإنسانِي حُولتْ ألغازا وأحاجيَ مفرغة من روحها السامية دون فلسفة دون فكر مرجعي دون إطار تربوي يضع الظواهر المدروسة ضمن متواليات إنتاج الافكار الانسانية الصافية عبر التاريخ الانساني المشترك؛ لتكون النتيجة ما نعيشه الآن هنا في مدارسنا وحياتنا الاجتماعية:كارثة تربوية معرفية بجميع المقاييس، لنجد أنفسنا مُؤمنين بمقولة(علمتني الرياضيات أن بعض الكسور لا تجبر)..فعلا، علمتنا الرياضيات في مدارسنا الشيء الكثير..نعم..لم تعلمنا شيئا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير