الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوضع الأمني المغاربي على كف عفريت: هل الحرب هي الحل؟ (الجزء الرابع)

سعيد هادف
(Said Hadef)

2022 / 9 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


مستقبل الفضاء المغاربي في ضوء الحرب الروسية الأوكراينية
من هتلر إلى بوتين: الحرب العالمية الثالثة في غمار صدام الأنساق الجيوسياسية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القوميتان الروسية والأوكراينية بين براديغمين: الخلفية الأيديولوجية للصراع: محاولة للفهم ــــــــــــــــ
في جدلية التراجيديا البشرية يوفّر الغباء ما يكفي من شروط المأساة، وإذ يقف الذكاء متحيرا، يجد نفسه إما مجبرا على استثمار ما يصنعه الأغبياء بأنفسهم، أو في موقع الذي يسعى إلى إصلاح ذات البين أو في موقع المتفرج الذي يحاول أن يفهم أو في موقع المنسحب الذي لم يعد معنيا بما يحصل.
معلوم أن أوكراينا تسمى روسيا الصغرى، وبلاروسيا هي روسيا البيضاء بينما الاتحاد الروسي هو روسيا الكبرى، بمعنى أن روسيا الكبرى مع بوتن، كما أسلفنا، خططت لاستعادة أختها الصغرى، ويرى بوتن أن هذه الاستعادة حق وواجب.
وهذه الخلفية الأيديولوجية التي أنتجت الحرب بين الأخت الكبرى وأختها الصغرى، هي ذات الخلفية التي تؤطر النزوع القومي في الفضاء الجيوسياسي المغاربي ولو بشكل مختلف.
في كل الأقطار المغاربية هناك تيارات ذات نزعة قومية تحن إلى الماضي، وترفع خطابا توسعيا. في المغرب مثلا، هناك تيار يطالب باستعادة المغرب التاريخي، واستعادة أراضيه الموجودة في الجزائر، بينما، في الجزائر، مازال هناك من يعتبر مدينة وجدة مدينة جزائرية، والأمر نفسه في تونس وليبيا حيث تطفو إلى السطح بين الفينة والأخرى المطالبة باستعادة أراضي ليبية أو تونسية في الجزائر.
وتنسى هذه التيارات أن دولها، ككل دول عالم اليوم، ليست سوى منتوج تحولات جيوسياسية أطرتها ثورات فكرية كوبرنيكية في عالم التمثل السياسي الذي أصبح فيه التدبير السياسي يخضع إلى الحوار بدل العنف والتسلط، وإلى التفهم بدل التعنت. لقد انبثقت الدول المغاربية الخمسة في سياق بروز النظام العالمي، وأن حقها في الاستقلال أقرته منظمة الأمم المتحدة، وبالتالي، فإن حدود كل بلد هي تلك التي أقرها القانون الأممي. وكان على تلك التيارات القومية التوسعية، بدل أن ترجع إلى الماضي لتجعل من التاريخ ريعا تغذّي به نزعاتها التوسعية، كان عليها أن تتمثل التاريخ في صيغته الجديدة وبروحه المتمثلة في الديمقراطيا والعلمانيا والحريات والحقوق، وأن تَتَزوّد بما يكفي من العلوم والأخلاق لِتَبني بلدانا يطيب فيها العيش، وإلا ما وجدت نفسها أمام جهات تطالب بالانفصال، وتتحين الفرص لتقويض أسس الدولة.
كان عليها أن تحافظ على "الأرنب" التي في يدها بدل التخلي عنها والبحث عن "أرانب" في الغار، على حد تعبير مثل شعبي مغاربي. أمامنا الوضع الليبي مفتوح على جميع الاحتمالات، وإذا استمر الوضع بين الجزائر والمغرب على هذا الحال ستنفجر البؤر الانفصالية في البلدين بشكل تراجيدي.
تَشكل الفضاء المغاربي سياسيا من ثلاثة بلدان في بداية الحراك القومي المغاربي: تونس، الجزائر والمغرب، وفي سياق الاستقلال اتسع الفضاء المغاربي إلى خمسة بلدان ليشمل ليبيا وموريتانيا، ومع 1989 أخذ شكل اتحاد تحت اسم: "اتحاد المغرب العربي"، ومع أنه تعطل لأسباب "أيديولوجية" بين المغرب والجزائر، إلا أن الأطراف المؤسسة، وإن فشلت في إعادة تفعيله على مدى حوالي ثلاثة عقود، فإنها لم تتجاسر على حلّه بشكل نهائي؛ وهذا معناه أن الاتحاد، إما سيخضع إلى التفكيك، أو سيعود إلى الاشتغال تحت ضغط التحولات. وهذا الموضوع سنعود إليه في مقال قادم.
القاسم المشترك بين روسيا وأخواتها من جهة، وبين البلدان المغاربية من جهة ثانية هو أزمة الهوية، وتمثلها الأيديولوجي لـ"مفهوم القومية" و"الدولة-الأمة" والنزعة التوسعية لدى تيارات هوياتية تفتقر إلى الحس التاريخي وإلى الكفاءة السياسية.
لقد أجج القوميون في كلا البلدين، روسيا وأوكراينا، خطابا عدوانيا، عمل على تأطير هذا الخطاب على نطاق إعلامي واسع، سياسيون ومفكرون ونشطاء مأجورون. وتضاءل خطاب العقل أمام خطاب الكراهية. ولحسن الحظ، أن في بلداننا المغاربية، ولاسيما (المغرب والجزائر رغم الأزمة) هناك قسط وافر من الحكمة، ونجد دعاة الكراهية بين البلدين أقلية منبوذة، ومكشوفة أمام الرأي العمومي.
ما حدث بين روسيا وأوكراينا، كان لا بد أن يحدث حالما تتوفر له الشروط، والشروط هي التي أنتجت بوتن وزيلنسكي. حتى نفهم هذا الثنائي، يمكننا أن نستعين بمثال صدام والخميني. لقد انتخبت العناية فلاديمير بوتن لهذه المهمة، فهو، على حد التعبير الشائع، «قيصر» بلباس القرن الحادي والعشرين، وهنا مكمن خطإه. فلو تزين بلباس "القيصر" ومارس السياسة بثقافة القرن الواحد والعشرين لما كان سمع لألكسندر دوغين ولما زلّت قدمه في منحدر لا يقل خطورة عن المنحدر الذي قضى على هتلر.

النازية والنازية المضادة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رأى محللون بأنّ حرب روسيا ضد النازيين الجدد مسعى محمود، وأن تخليص العالم من الشّتراوسيّين هو إحقاق للعدالة، ويتساءلون: إن كان هذا التّدخّل في أوكراينا هو الوسيلة المُناسبة؟ وهؤلاء يرون أن مسؤولية ما يحدث يتحملها الشتراوسيون والجهات التي صمتت عن سلوكاتهم النازية؛ بينما يرى آخرون أن روسيا بتدخلها العسكري قد زادت من تعميق الأزمة وهي المسؤولة عما يحدث.
ويرون أن بوتن ليس مؤهلا ليقف ضد النازية، باعتبار أن روسيا ضالعة في تمويل النازيين/القوميين المتطرفين في أوروبا فضلا عن دعمها اللامحمدود لبشار الأسد رمز القومية البعثية المتطرفة التي فشلت في بناء ثقافة العيش المشترك بين السوريين وتسببت في تشريد الملايين.
غير أن هناك من يتهم الغرب ويصفه بالمنافق، وأغلب المثقفين العرب المعادين للغرب، يمثل بوتن بالنسبة لهم مثال البطولة، ولم يتساءلوا عن سر فرار المضطهدين إلى الغرب وتفضيلهم للغرب عن روسيا؟
وسواء كانت روسيا ضالعة أو متورطة في هذه الحرب، أو كانت بريطانيا أو أمريكا أو أوروبا، فإن المسؤول الأول هم الأوكراينيون في تغافلهم عن ثقافة التطرف، وعدم تدخلهم المنهجي والحازم ضد التيارات المتطرفة سواء تلك الموالية لروسيا أو المعادية لها، وتأتي روسيا في المقام الثاني من هذه المسؤولية، من حيث أنها قامرت في لعبة لن تخرج منها غانمة ولن تعود على إثرها إلى قواعدها سالمة.
يمكن فهم ما يحدث في ضوء قراءة هيرمونيطيقة (Lecture Herméneutique) أو مقاربة أكنوتولوجية (Aproche Agnotologique) من منطلق أن الصراع الدموي، أي صراع دموي في حالة أوممته (Internationalisation) ليس معطى قابلا للفهم بسهولة، ويحتاج إلى زاد معرفي ولائحة من المعطيات وما يكفي من الأدوات المنهجية بهدف تفكيكه وفك شفراته وحل مغالقه.
من المداخل التي يمكن أن تساعدنا على الفهم، وتجاوزاً لتلك التهم النمطية التي توجه إلى الغرب وأن ديمقراطيته زائفة، علينا أن نفهم أن الديمقراطيا وقيمها المتمثلة في الحوار والسلم والحرية والعيش المشترك، تتعرض في العالم بأسره إلى مقاومة شرسة، وحتى في المجتمعات الغربية نفسها، غير أن السياسات الغربية عرفت كيف تبقي هذه "الثقافة المعادية لقيم الديمقراطيا" تحت التحكم: في معاقل الديمقراطيا (أمريكا، بريطانيا، ألمانيا وفرنسا...) هناك تيارات متطرفة تمثل جزء من النسق الديمقراطي وتشتغل في حدود ما يسمح به التدبير الديمقراطي، وتعمل الدولة على ترويض هذه التيارات المتطرفة بالتدريج وإدماجها في الثقافة الديمقراطية.
أوكراينا كدولة ديمقراطية ناشئة لا تختلف عن بلداننا المغاربية حديثة النشأة ديمقراطيا، تعاني نخبها من جهل الثقافة الديمقراطية، فكانت ضحية هذه الحرب التي شنتها روسيا. والنخب الأوكراينية والروسية دخلت في الحرب بسبب تمثلها الخاطئ لمفاهيم ذات صلة بالديمقراطيا والقومية.
في أوكراينا هناك عدم التمييز بين القومية الأيديولوجية والقومية المدنية، الأمر الذي جعل الوضع قابلا للفوضى وللفتنة، بينما في فرنسا مثلا ورغم وجود النزعة القومية المتطرفة إلا أن الدولة بثقافتها العلمانية والأمة الفرنسية بثقافتها المدنية تمتلك الإرادة والمهارة في كبح جماح المتطرفين وتحجيمهم بالطرق الديمقراطية.

القومية الأيديولوجية والقومية المدنية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القومية أو "الوطنية" (كما هو متداول لدى المغاربيين)، مفهوم مفتاحي للدولة الحديثة، لكن حتى هتلر كان وطنيا/قوميا غير أن قوميته أشعلت حربا عالمية مدمرة، وقادت كل دول العالم إلى محاربته وأصبحت وطنيته (النازية) مثالا للعنصرية والهمجية.
فما معنى أن يأتي سياسي أو حزب ويصف نفسه بأنه "وطني"، ويتهم غيره بعدم الوطنية؟ ما هي الوطنية/القومية التي يجب أن ندرجها في المدارس والإعلام والدستور؟ ما هي الوطنية/القومية التي يجب التحذير منها ونبذها؟
بالرجوع إلى القرنين الأخيرين، تاريخ نشأة مفهوم القومية (Nationalisme)، نجد الحركات التي تأسست على الشعور بالانتماء إلى أمة، تنقسم إلى صنفين:
- الأمم المدنية (Nations Civiques) : هي ذات القومية الطوعية المتضمنة، أي القومية الغربية ذات النزعة الإرادية التي تطورت حول المحيط الأطلسي وتُمثلها سويسرا في أقصى الطرف الشرقي، فكريا استمدت زادها من إرث الرينيسانس والتنوير وقامت على مبدأ الفردية والليبيراليا من الناحيتين القانونية والسياسية. وكان ذلك بفعل بورجوازي علماني ديمقراطي حيث جنحت السياسة القومية التي تبلورت في كنفها نحو الانفتاح والدمج. فالمواطنة الأمريكية، الفرنسية، البريطانية والهولندية والسويسرية لم تنحصر في الأصل والمولد بل اتسعت لتشمل الانضمام الطوعي حيث كل متجنس في هذه البلدان يعتبر عضوا في الأمة قانونيا وأيديولوجيا. وتعتبر القومية في الغرب، باستثناء إيرلندا، ظاهرة أصلية تبلورت استنادا إلى قوى اجتماعية-سياسية محلية من دون تدخل خارجي. وقد ظهرت بصورة عامة بعدما أصبحت الدولة، المنهمكة في سيرورات الحداثة، حقيقة قائمة، أو جنبا إلى جنب مع قيامها.
- الأمم الإثنية (Nations Ethniques): نشأت في وسط وشرق أوروبا (باستثناء التشيك كنموذج متميز) كانت نتاجا بتحفيز خارجي مع حملات نابليون ونشأت كحراك معارض لقيم التنوير وإرثه الفكري. هذه الهوية القومية العضوية التي نشأت بالراين وتمددت في اتجاه الشرق وضمت ألمانيا، بولندا، أوكرانيا وروسيا ظهرت قبل نشوء الدولة الحديثة، بل بمعزل عن جهازها وبسبب ضعفها تبنت الطبقة المتوسطة هوية قومية اتسمت بالرعونة والتهيب وانعدام الثقة، الأمر الذي جعلها تعتمد على روابط الدم والأصل. والفلسفة القومية التي ازدهرت بداية القرن التاسع عشر في الأقاليم التي أنجبت ألمانيا، على أرض بولندا التي لم تكن قائمة، أو في روسيا القيصرية، كانت فلسفة مطبوعة بطابع رجعي غير عقلاني. أصبحت تلك الكيانات إثنية بيولوجية أو إثنية دينية منعزلة ونابذة لكل من لم يتوفر على هذه الشروط. هذه الهوية القومية العضوية نشأت بالراين وتمددت في اتجاه الشرق وضمت ألمانيا، بولندا، أوكراينا وروسيا.
لا يعني هذا أن مجتمعات الأمم المدنية ونخبها كانت كلها منفتحة، كما لا يعني أن مجتمعات الأمم الإثنية/الدينية ونخبها كانت كلها عنصرية ومنغلقة. فقد كانت كل أمة من الأمم التي نشأت تحتوي على نقيضها. وكان على الأمة المدنية أن تعالج بالطرق السلمية الديمقراطية رواسب الثقافة العنصرية وتعمل على تجفيف منابع ثقافة المقاومة الشوفينية. أما بخصوص الأمة الإثنية/الدينية، فقد كان على دعاة الانفتاح أن يخوضوا نضالات سلمية من أجل التغيير، ومن أجل أن تبادر حكوماتهم إلى سن قوانين لا تتعارض مع حقوق الإنسان (انظر كتابنا: الأزمة الخليجية في ضوء التاريخ – من المسألة الشرقية إلى الشرق الأوسط الجديد).
وما يترجم طغيان نزعة القومية الإثنية/الدينية على ثقافة القومية المدنية ما قاله العالم والفيلسوف الأوكرايني غريغوري نيميريا: "تزيد أهمية كون المرء من منطقة دونباس عن كونه روسي أو أوكرايني الجنسية، ولذلك فإن انهيار الاتحاد السوفيتي يعني بالطبع ظهور الهوية والولاء الإقليمي. وعلى أية حال، فإن الناس لا يحددون العرق الذي ينتمون إليه صراحة، لأن معظم العائلات كعائلتي، لها أصول مختلطة". وهذا الهوس بالأصول العرقية هو أكبر عدو للديمقراطيا وللقومية المدنية.
في المنطقة المغاربية نجد من يرفع عقيرته بخطاب القومية/الوطنية، فعن أي وطنية نتحدث: الوطنية الإثنية/الدينية (Nationalisme Ethnique) أو الوطنية المدنية (Nationalisme civique)؟ علما أن هذه النزعة الوطنية/القومية الشوفينية تولدت عن فهم جاهل للهوية التي فشلت السياسات المغاربية في إعادة بنائها وفق مقتضيات الدولة الحديثة.
وإذا كانت دونباس تمثل البؤرة التي انفجر منها الصراع في أوكراينا، فإن منطقتنا المغاربية فيها ما يشبه دونباس وفي أكثر من مكان. فكيف تقرأ النخب المغاربية ما يحدث في أوكراينا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة: أستعمل مفهوم القومية بدل الوطنية، باعتبار أن القومية (Nationalisme) نسبة إلى (الجماعة البشرية) القوم/الأمة (Nation)، بينما كلمة وطن (Patrie) لا تحيل على الجماعة البشرية بل إلى الأرض، أرض الآباء والأجداد بالمعنى البيولوجي والروحي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوضع الأمني المغاربي على كف عفريت: هل الحرب هي الحل؟ (الجزء الأول)
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=767717
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوضع الأمني المغاربي على كف عفريت: هل الحرب هي الحل؟ (الجزء الثاني)
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=767806#
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوضع الأمني المغاربي على كف عفريت: هل الحرب هي الحل؟ (الجزء الثالث)
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=767879








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا