الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في قصيدة - معي ..هنا - للأديبة اللبنانية الرائعة مادونا عسكر

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)

2022 / 9 / 10
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


بقلم محمد عبد الكريم يوسف

***
أولا.....القصيدة :
==========

أعلم أنّك آتٍ، لا محالة
تجدّدُ ظهور الفجرْ
تخطو مسافة النّورْ
وتدعوني إلى ترنيمة جديدة
تعزف ما قبل التّاريخْ
على قيثارة الأبدْ
في رؤى الورد تهتف حبّي
يئنّ في صدرك فرح التّجلّي.
أعلم أنّك آتٍ
مع ابتهال الشّمسْ
وانتظار القمرْ
وقوافل الملائكة
تضمّ دمعيَ
بأجفان الياسمينْ
تشبع جوعيَ
بهمس دمعك اللّطيفْ.
أعلم أنّك هنا
معي،
ذاك كلّ ما يعوز أيّامي
لتعبر من شاطئ الغربة
إلى أُنس الضّفة الأخرى
ذاك كلّ ما ترجوه نفسي
لتحوك جناحيْ حمامْ
لنطير ونستريحْ

ثانيا..مقدمة
========
بكلمات شعرية وهمس نادر وجمل قصيرة وموسيقى شعرية مميزة تخاطب الشاعرة اللبنانية مادونا عسكر الأخر الذي ينتمي لعالم النور تستحضر صورته وتعيش معه لحظات أثيرية.....بكل تأكيد ليس الحبيب اللغة....وليس الحبيب الظل...لكنه الحبيب النور الذي يسكن هناك في الأعالي...نجما يتلألأ وسط ليل الغربة الطويل...
أعلم أنّك آتٍ، لا محالة
تجدّدُ ظهور الفجرْ
تخطو مسافة النّورْ
وتدعوني إلى ترنيمة جديدة
تعزف ما قبل التّاريخْ
على قيثارة الأبدْ

أهو أورفيوس الحزين المتعب دوما...أم بندورا... أم بوذا.. أم زيوس.. أم حزين أخر ينتمي لعالم النور المجهول ؟.

ثالثا... اللغة.
=======
تختار الشاعرة مادونا عسكر لغة قصيدتها بصرامة الأستاذ الحصيف....اللغة سهلة وصعبة في وقت واحد تتناغم مع الجمل في رقصة فلامنكو...تطير...وتطير ولا تتطاير ...تتماسك وتندمج وكأنها الأنا...." لا محالة" ، الفجر ، النور ، ترنيمة ، قيثارة ، فرح التجلي، رؤى الورد ، ابتهال الشمس ، انتظار القمر ، الملائكة ، أجفان الياسيمن....كلمات تنتمي لعالم النور العلوي وليس لثقافة البشر.....تأخذك المفردات بعيدا بعيدا لتوصلك لفلاسفة اليونان القديمة..وحكمة صور..

رابعا...الجمل..
========
بين السهل الممتنع والصعب القاسي....تأخذك مادونا عسكر على حنان الأم الصارمة....الحب الحازم....الذي لا ينتهي...
أعلم أنّك آتٍ
مع ابتهال الشّمسْ
وانتظار القمرْ
وقوافل الملائكة
تضمّ دمعيَ
بأجفان الياسمينْ
تشبع جوعيَ
بهمس دمعك اللّطيفْ.

التراكيب اللغوية الرائعة....المتماسكة من دون أدنى إجحاف بمعنى القصيدة.. فتصل لازدواجية الجمال وقوة المعنى... لاحظ الجمال:

أعلم أنّك آتٍ
تشبع جوعيَ
بهمس دمعك اللّطيفْ

التراكيب اللغوية اللطيفة لم تتغير بعد حذف الحشوات اللغوية.....وتبقى الجمل الشعرية متماسكة الموسيقى منسجمة الألحان قوية المعنى.... لكن الحشوات اللغوية تدخلك لعالم آخر قوة الشمس...سيطرة القمر....قصر عمر الياسمين...
فتأمل الحيوية والنشاط والإبداع الذي يأخذ مادونا عسكر بلا استئذان إلى عالم آخر عميق المعنى..بعيد الرؤية والرؤى...

خامسا...الموسيقى الشعرية
===============
قد يتساءل القارئ.. كم من الوقت يستغرقه ليحفظ القصيدة؟
الكلمات الجميلة والموسيقى الشعرية تدخل القلب من دون استئذان... وعفوية كلمات مادونا عسكر.وتمنحك شعورا رائعا بأن القصيدة ولدت في لحظة حب وانسجام واتحاد بعالم النور المتسامي... عالم يسوع..عالم مجد الله في علاه... هناك في الأعالي حيث تسكن الملائكة.
ليس سهل على الشاعر أن يلد القصيدة الجميلة لأنها تحتاج لسنوات وسنوات من الحب والسمو.....والاندماج بالآخر...وانتظاره... واستحواذه....وفي هذا الإطار....لاحظ معي انسياب الموسيقى الشعرية التي تقودك في اللاوعي لترنم كلمات القصيدة وأنغامها....

تجدّدُ ظهور الفجرْ
تخطو مسافة النّورْ
وتدعوني إلى ترنيمة جديدة
تعزف ما قبل التّاريخْ
على قيثارة الأبدْ

تمزج الماضي بالحاضر.....القديم بالجديد....وكأنك تستحضر صورة أورفيوس....عالم سورية القديمة...عالم النور
وفي مكان أخر....تستخدم مادونا عسكر التقابل..بين الحضور والغياب....حنان الحضور ورطوبته وجفاء الغياب وجفافه في مشهد سرمدي رائع....

ذاك كلّ ما يعوز أيّامي
لتعبر من شاطئ الغربة
إلى أُنس الضّفة الأخرى
ذاك كلّ ما ترجوه نفسي
لتحوك جناحيْ حمامْ
لنطير ونستريحْ

وبين عالم السلام....وعالم الغربة مسافة كبيرة رغم أن الحالتين من الناحية الفلسفية والسيكولوجية مرتبطان ...وصولا لاتحاد فلسفي رائع....يدعوك للتأمل والتخيل والتصور...تلك هي روعة الصورة الشعرية ....

ونسأل.... من يحب الأخر أكثر في قصيدة مادونا.....؟ الشاعرة أم موضوع القصيدة؟
سؤال نحتار في الإجابة عنه...
الحرية قيد في أحد وجوهها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة