الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحول الأول .....في الدين والأخلاق ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 9 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في كل مجتمع بشري هناك عوامل مهمة تقود حركته نحو الأمام أو البقاء في حالة الجمود والتوقف وهي العوامل الأولى المحركة المادية الذاتية، وعوامل التوجيه والتأشير وضبط الإيقاع الحركي للعوامل الأولى، العامل الأول يتميز بغلبة الوصف المادي وارتباطه بالحاجات المادية الغريزية للإنسان ومتطلبات الاستمرارية الوجودية، وهي التي تفعل أو بإمكانها الفعل والتفاعل أو لديها القوة والقدرة على العمل الذاتي تلبية للضرورة وليس خيارا متاحا دوما، وتتمثل تلك العوامل بالثلاثية ( العمل _ الغذاء _ التفكر) ،هذه الأساس الذي لا يمكن للمجتمع أن يتحول منه للعامل الثاني ما لم يتم تأمين القدر الأدنى منه للحفاظ على الوجود، ليأتي بعده العامل المثالي التوجيهي الرابط والمؤشر للحركة الأولى ويتمثل بثلاثة عناصر، الأول والثاني يولدان وينتجان الثالث فيقوم الثالث بضبط حركة المجتمع أستنادا لرؤية المرتكزين الأولين ويمثلان غريزة الإيمان والتدين بالفطرة، والقيم الطبيعية التي تشكل مادة الأخلاق وتنتج من كيفية فهم الوجود لدى الإنسان وتسمى القيم الأخلاقية الخلقية، بعدها يأت القانون ومن نتاجهما ليولد لنا ضوابط أخلاقية تحاول أن تثبت أو تتثبت أيضا بمعونة العقل والدين.
هذه المحددات الثلاث لا تأتي هكذا من فراغ ولا هي من نتاج الوضع الفيما حولي، وإنما هي من إفرازات الوجود الاجتماعي ومن نتاج التعامل البيني الذي تفرضه تحكمات المثلث العمل الغذاء التفكر، وأحد أهم مظاهر الوجود ونتائجه من خلال تفاعل معطيات الذات الإنسانية، ومن معطيات التعامل مع البيئة ومن اختلاف هذه المعطيات يمكننا فهم الاختلافات الشخصية والمظهرية والآسية للأخلاق والدين والقانون بين المجتمعات المختلفة، فهي لا تنشأ على شكلية واحدة ولا من قاعدة واحدة ثابتة، لكن المشترك الكلي بينهما جميعا دور العقل في الإنسان الفرد والإنسان المجتمع في تحوله المستمر إلى مجتمع المجموع الإنسان والمجموع المجتمع، يلعب العقل هنا دور القائد المسيطر على خريطة يعرف من أين تبدأ ولكن بقية التفاصيل سوف يتعرف عليها أثناء المسيرة، فهو يوجه العمل والغذاء والتفكر وفقا لمعطيات كل مرحلة ووفق نتائج المسيرة السابقة دون أن يلتزم بما هو مقرر لديه، لأنه لا زال يعيش الفطرة الأخلاقية أو ما يسمى الأخلاقية الخلقية التي يشترك بها مع الحيوان، لكنه يفترق عنه أنه يسعى للأفضل حتى تكتمل لديه الملزمات الدينية والأخلاقية والقانونية التي سرعان ما يحول العقل أما أن يتجاوزها إن كان ذلك ممكنا ليخترع غيرها، أو يقع تحت سطوتها إذا فشل في المحاولة.
التحول الأبرز في مسيرة التحولات الكبرى في حياة الإنسان عندما نجح في تغيير شكلية الدين والأخلاق من حلول لحاجات آنية تراكمت وتكررت حتى أصبحت حلول جاهزة، ومن ثم صارت حلول وفقيه ممكنة التغيير حسب الظروف والمعطيات، ثم تحولها التالي إلا أن تستخدم كحلول توافقية أستقرت في التعامل لتنتهي على يد أجيال أخرى إلى ما يشبه النظرية من كثرة أستخدامها الناجح، وقدرتها دوما على تلبية مطالبه العقلية والحسية في آن واحد، لتستقر في ذهنه ركن من أركان وجوده، لكنه لم ينجح في أن يوحدها في نمطية ونسقيه مركبة ومتشابكة لكنه أمن بها هكذا، تحولت حلوله الإسترجاعية والتي فرضتها تحولات العقل وتحولات نظام القبول لديه إلى دين مقدس لا يمكن أن يقبل له أن يجري مرة أخرى مجرى النشأة الأولى، الغرور الإنساني ومحاولة التوقف والأعتياد على التمتع هجر التجريب وهجر من محاولة إنضاج هذه النظرية وأكتفى بالحد الأدنى من الصورة.
هذا العيب ليس حكرا على نظرية واحدة ولا على مجتمع واحد طالما أنها بنيت على ردة فعل ونتيجة لظروف وواقع فرضها دون أن يفرض معها فكرة أن العقل الإنساني قادر أن يجد أفضل منها، هذا تكرر أيضا مع الأديان السماوية لاحقا عندما أمن الإنسان إن ما لديه هو أفضل الممكن ولا حاجة للتنقيب والتفتيش عن مبررات للتحول، لأنه نجح مرة يكفي أن يحرز النجاح في كل مرة، قد تنجح المحاولة في مرة لتوافق شروط النجاح وتوفرها من عوامل الزمن وذات الظرف وصورة الحل والعامل القائم بالتجربة أي المجرب، أي أختلاف في أحد هذه العوامل لا يمكن الجزم بنجاح نفس التجربة مرة أخرى إلا إذا نجح الإنسان أن يتغير مع التفصيلات أو يلائمها مع التبدل والتغير الموضوعي، لذا فلا نستغرب فشل الإنسان مع الدين السماوي في تكرار التجربة في كل مرة لأنه لم يتجاوز فكرة النجاح الأولى وجماليتها.
الدين والأخلاق شبكة من الخيوط والمسارات منتظمة لكنها تعمل وفق قانون أساسي هو قانون التناسب، لأنه الدين ليس قيمة مجردة حدية ولا الأخلاق، ولأن بصمات الإنسان المتعددة في كل مرة وفي كل تجربة تختلف وتظهر أثرها وأثارها قبل وبعد التجربة، لأنها وليدة ظرف وعصر وشروط لا يمكن أن تولد في كل مرة بنفس المواصفات وبنفس الأسباب أبدا، حتى على مستوى الدين الواحد في أماكن متعددة أو في أزمان مختلفة أو في بيئات نفسية متعددة، الإنسان كائن غير ثابت ولا قياسي ولا يمكن أن يكون نموذج دائم صالح لفرض نفس الحيثيات عليه في كل مرة لنأمل منه نتائج واحدة، لا الدين ثابت ولا الإنسان ثابت لأنهما يخضعان لمنطق التغير والتبدل الشامل لكل مظاهر الوجود ولأنهما ليس لدينا ما يمكن أن نجعل منهم مطبق حدي ولا ثابت من ثوابت القيم .
من كل ذلك ومن هذه الشبكة من العلاقات المادية والإرشادية ينتج عندنا بوضوح مفهوم التدين ومفهوم الأخلاق الاجتماعية التي نعرفها اليوم، فلا يمكن عد الدين مجرد وحي نازل من السماء ليرشد الإنسان لمحددات الأنتظام والأستقامة دون أن يمر بتجربة حسية تقودها فطرة وصراع وحاجات أساسية، تدور كلها في دائرة من التساؤلات المتأخرة التي تدفع الإنسان أن يكون صورة تقريبية للعالم الغيبي، قادر على أن يتفاعل معها ويتعامل مع معطياتها دون أن يكون في حالة من الفصام مع طبعه الطبيعي، وهذا أيضا ينطبق على الأخلاق بأعتبارها فعل معرفي نتج بذات الطريقة التي نتج منها الدين وإن كانت ملاصقة ومتداخلة في بعض الموارد، إلا أن الأخلاق معيارها التوافق بين الطبع البشري مع الواقع المجرد، أما الدين فهو توافق بين الواقع البشري والغيب الذي لا ينفك يلاحق الإنسان بمجموعة متراكمة من علامات الأستفهام عن المصير النهائي أو عن الوجود ذاته.

إذا التحول أيا كان مصدره أو شكله أو ضروريته، دينيا أو معرفيا أو أخلاقيا هو سمة أساسية من سمات الوجود وقانون أساسي فيه، فلولا التحولات الكبرى منها والصغرى لم يتطور الإنسان في واقعه، ولم يبني معرفته ولم يحسن في قواعده الأخلاقية، التحول ليس في الجوهر الذاتي التطوري الذي يشير له البعض، ولكن التحول في الوعي والإدراك والفهم والتمييز والتقرير، ليصل إلى درجة تمنحه ليس فقط حق الأستمرار في التحول، بل تفرض عليه التحول كواجب، عندما نصل لهذه المرحلة من ترتيب قيم التحول يكون الإنسان قد وضع قدمه الأولى على طريق الكمالات البشرية التي إن بدأت لن تتوقف، وإن فتحت أبوابها لا يمكن لأحد إغلاقها مهما أمتلك من قوة أو قدرة، لذا فالذوات المتضخمة التي لا ترى إلا وجوده دوما ما تحاول عرقلة الوصول إلى حالة وجوبية التحول، وغلق كل المنافذ بوجه دعاة التحول المستمر لأنه يعني في الأخر نهاية المنهج الذي يمثلونه، بما فيه من ظلم للإنسان وإقصاء لحق العقل في التفكر والتدبر والأنتصار لنفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات