الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحول الأول .....في الدين والأخلاق ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 9 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تحول التدين الفطري أو الإحساس الفطري بالغيب والتعامل معه بحدي الخوف والاتقاء إلى ما يشبه اليقين الراسخ يمهد للإنسان أن يقبل الشرح لهذه الظاهرة التي يبحث عن أسرارها دوما باعتباره كائن فضولي أصلا، وإلا كيف نفسر اهتمامه بما وراء الإدراك واهتمامه بالغيب في الوقت الذي يمكنه أن يغادر هذه الدائرة دون أن تلامس بسوء المتطلب المادي المتمثل بثنائية العمل والغذاء، الإنسان بالتفكير أصبح فضوليا يريد أن يفكك كل العلاقات الما حولية مرة واحدة، يتجه بذلك إلى التفسيرات البسيطة ثم ينقلب عليها كلما أعاد النظر بهذه التفسيرات حتى أصبح لديه منهج جدلي حواري مع البيئة والطبيعة وصولا إلى الذات الداخلية، يظن أن الإجابة ستريح عقله ليكتشف في الأخر أن مجموع الإجابات تفتح عليه مصارع أبواب أكبر وأوسع فيستغرق ويغرق بهذه الإشكاليات، ليتجه مرة أخرى ليسمع من خارج وجوده من رسل وأنبياء وكتب ورسالات عن طريق وحي خارجي، فيؤمن بها ويسارع بالإيمان على أنها تغنيه عن التعمق أكثر، وقد يسمع بإجابات لم يكن ينتظرها أو يتوقع سماعها، فيزداد تعلقا بالغيب والسماء لينخرط كليا بالتسليم للدين.
من تأثيرات هذا التفكير أن أتخذ مجموعة من نتائج التفكر والتأمل الذي يمنحه جزءا من هوية سلوكية لتكون أيضا جزء من وجوده الخارجي، البعض يتخذها معرفة والبعض يتخذها قيم، والبعض الأخر يجعلها تسمو في واقعه مثل أي عقيدة أو منهج، من هذه السلوكيات التي تستقر في ضمير الإنسان وتعيش معه على أنها ذات تقييم وأحترام نفسي وعقلي هي قيم الأخلاق والمثل، أو ما يعرف بالمحددات الضابطة الذاتية التي تقنن وتنمذج سلوكه الخارجي مع الأخر، فالقيم الأخلاقية هي نتاج تجربة ووعي وإيمان لا يمكن فصلها أو فرضها من الخارج، أو تطبيقها على الأخر طالما أنها لا تعبر عن جزء من هويته الفردية، إذا الأخلاق وإن أشتركت مع المعرفة أو الدين بأنها أكتساب ذاتي أو لها دور في ضبط السلوك الفردي، لكنها كقيم تختلف عنهما كون الأخلاق ليس لها هوية أخرى غير الهوية الذاتية، فالدين مثلا دوما ما يرتبط بالعالم الفوقي والقداسة والعالم الأخر، كما يرتبط بالموت والحياة والحق والباطل وصراع الخير والشر، أما المعرفة فأنها ترتبط بالوجود وبالحاجات الملحة والتي تفرض على الإنسان البحث عنها وتطويرها، الأخلاق ذاتية المنشأ تعيش في وجدان الإنسان تتحرك فيه يمينا وشمالا، لكنها في جميع الأحوال تتحرك داخل وعيه بها فقط
البحث الأخر الذي كثيرا ما تناقضت فيه الآراء هو التساؤل الآتي، هل أن الأخلاق هي التي تقود للدين والتدين؟ أم أن التدين هو من يصنع الأخلاق أولا؟ ويجذرها في السلوكيات الحسية والنفسية الإنسانية ؟ والحقيقة الأهم هي التي تكشف من هو صاحب المقدرة على ضبط حركة المجتمع وتوجيه التصرفات البينية هو الذي يمكن نسبة السبق له، الأخلاق كمفهوم لم يتخذ طابعا مستقلا عن الفطرة الطبيعية ومنتجها الأول وهو الرغبة في التعايش بسلام مع الأخر، سواء أكانت هذه الرغبة من مصدرية الخوف أو من مصدرية الحاجة الفعلية للتكامل بين بني الإنسان، هذه الفطرة تقود العقل الإنساني في مراحله الطفولية لأن يتماهى مع الرغبتين رغبة العيش بسلام ودفع الخوف من خلال التكتل أو الرغبة بالبقاء قرب النظير المشابه والاستئناس به دفعا للإحساس بالوحدة ، هاتان الرغبتان فرضتا على الكائن الإنساني أن يمنح الأخر بعض الخيوط والمسارات التي تعزز وتقوي تلك الرغبات المشتركة، وبالتجربة أثبت الإنسان لنفسه أن تفعيل وتجذير والإيمان بهذه الخطوط والمسارات هي حلا ناجحا وموفقا للبقاء بعيدا عن الشر المحيط بوجوده، لذا عزز موقفه منها وأحترمها وحاول بكل ما يمكن أن يحافظ عليها ويطورها نحو قيم واضحة، هكذا ولدت الأخلاق من الفطرة الطبيعية من المكنون الجيني للسلوكيات الحتمية لكل كائن إنساني، لذا نشاهد أن هذه القيم الأخلاقية الطبيعية مشتركة في كل المجتمعات برمزيتها لا بشكليتها، لأنها تصدر وفق قانون واحد ومن مؤتى واحد .
تكوين الأخلاق تكوين حتمي بوجود الفطرة ونتاج طبيعي لضرورات الوجود وحاجة الإنسان للبقاء كما أسلفنا، لكن الدين يأخذ منحى أخر برغم أنه أيضا له نفس الخصيصة كونه حتمي بذات السبب، الفرق هنا أن الأخلاق فرض واقع عكس الدين فرض متوقع لا ينفك عن التوالد في كل الظروف، وللتوضيح هنا لا بد أن نفترض أن الإنسان ولد في ظروف منظمة لا خوف يعتريه ولا إحساس بحاجة للتكامل لأنه ولد متكاملا مع الآخرين، هل يتصور أحدا ما عقلا أنه سيبحث عن تلك الخيوط والمسارات كي يحافظ أو ينشي قيم أخلاقية، بالتأكيد الجواب بالنفي لأن الحاجة عادة تطلب عند الافتقاد لها وعندما تتوفر تقل الرغبة بالبحث عن غيرها، الدين حتى لو ولد الإنسان في مجتمع مغلق بعيد عن مظاهر الدفع نحو البحث عن تفسيرات الوجود مثلا كأن يولد في عالم محاط بعوامل تمنع أو تشغل الإنسان عن البحث عن الأسئلة الوجودية، وهذا فرض شبيه بالمحال لا بد وبصورة ما أن سيصطدم بحادث أو واقع يقوده للبحث عن التسلسل المنطقي لوجوده، ولماذا هو في هذا العالم بالذات؟ ولماذا هو دون غيره خلق بهذه الصورة؟ مما يقوده أخيرا إلى نفس الإجابات التي قادت الإنسان الأول للدين، هذا هو الفرق الجوهري والأساسي بين نشوء الأخلاق ونشوء الدين في السلسلة التفكيرية ونوعيتها ومصادرها ومستحثاتها يكمن الفرق والنتيجة.
أستطيع الآن الجزم أن الأخلاق والدين منجز معرفي بشري خالص يعود فيه الفضل للعقل السليم وليس العقل الذي ينشغل في البحث بالزوايا الميتة من الحياة، والتي ينشغل العقل فيها أولا، وما دام الدين هو كما وصفنا وجب على الإنسان أن يراجع مفاهيم التأسيس في كل مرة وأن يفحص النتائج في كل مرة، لأن الله تعالى عندما تدخل في هذا الموضوع تدخل على أساس نفس النتائج الفحص والمعايرة، بمعنى أن تجديد الرسل بين الفينة والفينة وتغير بعض المفاهيم التي تطورت ونضجت في الفهم الإنساني إنما يؤكد للبشر أن طريق النضج العقلي لابد أن يكون مفتوحا إلى أقصى مدى.
وكلما نضجت الرؤيا وبانت التفصيلات الدقيقة أكثر سوف يشعر الإنسان أن الطريق يتسارع به لينقله من مرحلة إلى أخرى، ويساعد على فتح مسارات وطرق متشعبة تقود بالنهاية إلى نفس الهدف، طالما أنها في منهج الفحص والمعايرة الدائمة، المشكلة التي يعاني منها الدين أنه ومع توسع المدركات الفحصية وتنوع طرق المعايرة ووسائلها وسبلها، ومع توسع المدركات قامت فئة متخلفة بفرض حواجز وعراقيل وسجنت العقل في إطار المقدس والحرام والخوف، كي تمنع على الإنسان أن يمارس الدين ويتفاعل معه بالطريقة التي فهمناها، كي لا تتهدم قواعد بقاءها المخالفة لسنة التدين العقلي، عاد التدين والدين غريبا في مجتمع منع التعقل من فهم الدين ووضع بدل هذه الممارسة الطبيعية مفهوم التقليد والسلفية.
البعض يفسر هذا الميل الذي لازم كل الديانات الوضعية والسماوية وفي كل المراحل ولم تسلم منه حتى أكملها وأقدرها على الصمود، وهي الديانات الإبراهيمية الثلاث مع ما تحمل من قدرة على التجديد، إلا أنها جميعا سقطت في هذا الأمتحان أمتحان الاستمرارية وفق منهج النشأة أو منهج النزول، في القرآن الكريم هناك مساحة واسعة لدعوة التجديد والنظر والتدبر وهي دعوى صريحة فيها أشارات حقيقية على أن الدين كامل من حيث هو نظرية، لكن الواجب أن تؤخذ روح النظرية حتى تكون الحلول المتعددة مع الأزمان المختلفة ومع العلاقات المتنوعة هي القاعدة الأساس، وبينت النصوص أن المبادئ ثابتة والمعالجات هي التي تتطور.
على المسلم أن يتمسك بروح النظرية واتجاهاتها دون أن يحبس العقل داخل سجنها فتكررت أشارات أفلا يعقلون أفلا يتفكرون وصولا إلى تحديد وسائل التفكر والتعقل التي هي السمع والبصر والتجربة الحسية، بل لم يقف الإسلام عند حدود الإشارات فقط وتمادى في الشرح حين جعل من سنة الرسول التي هي خلاصة تجربته المادية وترجمة منهج الرسالة كأحد ابرز محددين للسيرة، والتعامل مع الأسس الدينية في معالجة الواقع والحوادث وضربت مثلا حيا على كيفية ان يتطور الإنسان مع الواقع والعالم برؤية متطورة دون أن يغادر دائرة الأسس ذاتها.
مثلا جاء نص التغيير الذي تكرر أكثر من مرة على أن عنصر التغير الأساسي عنصر ذاتي وليس خارجي، وأن التغيير مرتبط بتغير قواعد الرؤية وبذلك يثبت الإسلام أن عوالم الرؤية الكونية هي عوامل روحية ذاتية تنطلق من مجريات حركة الداخل نحو الخارج، وهذه الحركة في تطور دائم لأنها انفعالية وفعلية وليست سلبية ساكنة، هنا صار فرض التطور من الحتميات الوجودية، وإلا سيبقى الإنسان في دائرة الذات ولا يمكن تجاوز ذاته لذات المجتمع وقيادة حركته للإمام ( لا يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل