الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلد الطقوس الدينية

صوت الانتفاضة

2022 / 9 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يخرج من منطقته البائسة والمزرية، التي تملاؤها النفايات وتتكدس بها الازبال، فهي تفتقد لأبسط مقومات الحياة الطبيعية، لا طرق معبدة ونظيفة، ولا واقع صحي، فهي تخلو من المستوصفات او العيادات الصحية، وان وجدت فوجودها مساويا لعدمها؛ لا مدارس او رياض أطفال، او قل ان الدراسة صارت شيئا ثانويا، بيوت متهالكة او آيلة للسقوط؛ هو معطل عن العمل، او في أفضل الأحوال يعمل في قطاع "العمل الهش".

يخرج من منطقته البائسة والمزرية، يحمل "الراية"، يرتدي ملابس سوداء في بلد توصف اجواءه دائما ب "المغبرة" ولك ان تتخيل الصورة، يقطع عشرات او مئات الكيلومترات سيرا على الاقدام، يمر على مناطق صحراوية قاحلة، ويمشي بشوارع تملاؤها الحفر والمطبات، بدرجات حرارة الى الان لم تنخفض الى ما دون ال 45 درجة مئوية.

يخرج من منطقته البائسة والمزرية، والتي تفتقد الى الكهرباء والماء الصالح للشرب، يفكر في كيفية دفع فواتير الكهرباء لصاحب المولدة، ثم عليه دفع أجور الماء الصالح للشرب "ارو"، ويفكر في شراء كارت شحن الموبايل، ويفكر في دفع فاتورة الاشتراك الشهري للنت، ويقلق من ان يصاب أحد افراد عائلته بالمرض، فالصحة مكلفة جدا، ويفكر في دفع أجور التدريس الخصوصي.

يخرج من منطقته البائسة والمزرية، وهو غارق بوحل الفتاوى والأحاديث الدينية، فهي تفرض سيطرتها على كل كيانه، انها تفرض طوقا كاملا على عقله، انها تلجم تفكيره، هو اسير لها؛ ينتابه إحساس بأنه ينجز شيئا كبيرا وثمينا، انه يريد رضى الالهة، فهي قد توفقه او تشفيه او تنجز له أشياء لم يستطيع إنجازها، يتحدث مع زميل دربه بأن الزيارة هذه المرة "ستوفقه"، لكنه برجوعه الى منطقته البائسة والمزرية سيرجع الى الواقع، لكنه سينتظر الزيارة القادمة، وكأنه في لعبة قمار.

تخرج من وضعها البائس والمزري، محملة بهموم السنين، ترتدي كعادة المرأة في هذا البلد الملابس السوداء، فهو لون ملاصق للمرأة، حتى اضحى تقليدا وعادة تتربى عليه النساء، تخرج تحمل طفلها على كتفها او يسير معها، مسموح لها بالخروج وممارسة الطقوس فقط، رغم ان الحديث العام يرفض مشاركة النساء في هذه الطقوس، فهم يرونها سبب فشل الطقوس او تشويه سمعة هذه الطقوس، ولولا خوف رجال الدين والقائمين على هذه الطقوس من تناقص الاعداد لأفتوا بعدم جواز خروجها.

يخرج من منطقته البائسة والمزرية، وهو يسير يرى نوابا وقادة ميليشيات ورؤساء وزراء سابقين ولاحقين، يراهم يطبخون ويوزعون المواد الغذائية، يرى سبب بؤسه وفقره، يرى جلاده وقاتله، يرى سارقه وناهب الثروات، يرى من يسلب حياته وحياة عائلته، وهو يقدم له الطعام والشراب، فيقنع نفسه بأن "الزيارة لا تخص أحدا".

الأكثر ايلاما وبؤسا هو مشاهدة "المثقفين" من "العلمانيين واليساريين" وهم يمارسون الطقوس الدينية، ويجهدون أنفسهم في البحث عن تبريرات لهذه الطقوس، اما الأشد وقعا في النفس مشاهدة "مواكب ثوار تشرين"، والتي تجعلك تتساءل مع نفسك: ترى ما الذي سيحدثونه هؤلاء من تغيير؟ او ما هو التغيير الذي ينشدونه؟

طقوس تسلم على طقوس أخرى، عندما تنتهي هذه الطقوس تبدأ طقوس أخرى، وما بين هذه وتلك هناك أيضا طقوس، فهذا بلد الطقوس، تعيش الناس بها وتموت عليها، لا تفكر بحياة كريمة، بل فكر في كيفية تنظيم هذه الطقوس او تلك، وأبقى غارقا في ممارسة الطقوس الدينية، فهي حياتك وهي مماتك، خطاب السلطة.
#طارق_فتحي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و