الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(ها أنذا) كما جَأرَها آلمسمى عنتره

عبد الله خطوري

2022 / 9 / 11
الادب والفن


عنترة يحس نفسه عَرَضا في القبيلة، في المجتمع، في الحياة.العالم، عالم آلسّراة عَرَضِيٌّ زائفٌ ليس يدوم فيه رُواء ولا آعْتِراف بجميل:"كُرَّ وأنتَ حُرٌّ!!".. هكذا وَعَدُوهُ..ولَمَّا وضعتِ حربُهم أوزارها وَجَدَ نفسَه وحيدا في آلأغلال..وفي عَالِمٍ مثلُ هذا، لا يوجدُ ضمانٌ للفارس الكريم آلأبيِّ آلتَّواقِ إلى عالمٍ ليس فيه رِياء..ورغم آلجو آلصاخب وآلاعصار، يحاول الشاعر إيجادَ معْنًى ما للحياة، فيجدُ بعضَ السلوى وبعض العَزاء في رصف الكلمات وتحبير صور آلمجاز ومُعانقة طواحين الهواء على شاكلة"ديلامنشا"؛ بَيْدَ أن الأميرةَ هنا قريبةٌ عَصِيَّةٌ يَدُقُّ بإلْحَاحٍ شُرُفَاتِها الوهميَّةَ ليُلْفِيَ الأعين المُشْرَعَةَ مُوصَدَةً بآستمـرار، لا يجدُ إلا الفَصاحة يرسم بها لواعجَه في عالم صفاقة أصم لا يفقه لغةَ شغاف الهائمين إلى المقل آلحور الرائين الى النَّدى والسَّماحةِ بعينِ البهاء والعطاء اللذيْن لا ينتظران جزاءً أو شكورا..لا تَسَلِ الطائر عن شدوه، إنه يشدو وكفى..

_وإِذا صَحوْتُ فَما أَقَصِّر عن نـدى
_إني سَمْحٌ مُخَالَقَتـي
_ولَقَدْ شَفَى نَفْسي وَأَذْهَبَ سُقْمَهَا
قِيلُ الْفَوارِسِ وَيكَ عَنتَرَ أَقْدِمِ ....

في عالم زائفٍ لا يؤمن بقيمة آلكلمات لا يَبْقَى للشاعر إلا مُعانقة الموت رغم حرصه على مقارعة آلمطبات مهما كانت صعوبتها، ولعل في هذه المشاكسة شيئا من السلوى وردِّ الاعتبار :

_ وَلَقَدْ خَشِيتُ بأَنْ أَمُوتَ وَلمْ تَدُرْ
لِلْحَرْبِ دَائِرَةٌ على آبْنَي ضَمْضَمِ

وبالترنيمة نفسها، نلفي فتى فارسا شاعرا آخر يدعى(طَرَفة)يشدو متغنيا بلامبالاة بحياة ليس يوجد فيها عشق وكرم ومروءة، فاليوم خمر وغدا أمر...

_ ولولا ثلاثٌ هُنَّ من عِيشةِ الفتى
وجدِّكَ لم أحفلْ متى قام عُوَّدي
فمنهنَّ سَبقي العاذلاتِ بشَربةٍ
كُمَيتٍ متى ما تُعلَ بالماءِ تُزبدِ
وكَرّي إذا نادى المُضافُ مُحنَّبًا
كسِيدِ الغَضا نبَهتَهُ المُتورِّدِ
وتقصيرُ يوم الدَّجن، والدَّجن مُعجِبٌ
ببَهكَنةٍ تحت الطِّرافِ المُعمَّدِ

وبَدَلَ مُعانقة المرأة المفقودة، يتحول آلغزلُ بالحياة الى غَزَلٍ بالموت عن طريق مُناوشة أسبابه في الحروب والطعان والكر والفر..بيد أن الموت_رغم المحاولات المبذولة_يرفض الاستجابةَ لطلب الشاعر رغم الالحاح والاصرار الصادقيْن، ليجد الفارسُ الشاعرُ عنترةَ الإنسانَ في دائرة ضيقة، بدايتها فَقْدُ الحبيب والبكاء على أطلاله الدارسة، ونهايتُها فَتْكٌ بالناعقين الشاتمين للعرض..وبعد..؟؟..لا شيء سوى الغياب..وما من موت يلوحُ في الآفاق غير الرحيبة.. وبين البداية والنهاية حُلْم ألوان تتشكل بأطياف لا نهاية لامتداداتها و مفارقاتها، فاللون الأبيض مثلا قد يوحي بدلالتيْن مُتناقضتيْن في نص فارسنا المضطرب..لون الحياة والموت معا وفي الآن نفسه..تبدأ القصيدة ببياض يُساوي التحية يساوي السلام يساوي الصباح يساوي بداية الحياةَ..ولقاء"عَبْلَةَ" وأجواءَها الساحرة..وبياض آخر مُواز يُساوي الغروب والنهاية والموت والأطلال الدوارس ومتعلقاتها من يَبابٍ وخراب، ولا بأس من آستحضار السواد لتعزيز هذه الثنائية المتقابلة:

_إنْ كُنْتِ أزْمَعْتِ الفِراقَ فَإِنَّمَـا
زَمَّـت رِكَائِبُكُمْ بِلَيْلٍ مُظْلِـمِ
_فِيهَـا اثْنَتانِ وأَرْبعونَ حَلُوبَـةً
سُوداً كَخافيةِ الغُرَابِ الأَسْحَـمِ

وقد يتعالق اللونان، يتقاطع الصبح والمساء، الإشراق وآلغسق سوية لتشكيل لحمة كينونة الفارس بصيغة إيجابية مترعة بالفروسية والقوة والجأش والبأس..

_تُمْسِي وتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشيّةٍ
وأَبِيتُ فَوْقَ سرَاةِ أدْهَمَ مُلْجَـمِ

وفي ذروة المعركة يستمر بياضنا في حُضوره اللاَّفت في لون السيوف ولون النواجد غير المبتسمة ولون الوَضَح الطافح وفي غُرَّة الفرس وثغره الضابح، ليمتد في صَفاء الماء وحضور استعارة البئر للدم فيختلط الماء بالدم كما تختلط الحياة بالموت..و ذروة بلاغة هذا البياض المُرَكَّبِ تحضرُ في قول الشاعر في القصيدة نفسها :

_ولقد ذكرتـكِ والرمـاح نواهـل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيـلَ السيـوف لأنهـا
لمعتْ كبـارق ثغـرك المتبسـم

في هذا البياض النادر كالتماع الشفق، تحضر الحياة والموت معا في لحظة واحدة من لحظات الوجود الخاطفة الهاربة، وفي مثل هذه اللحظة ينتفي الزمنُ.. زمن الجُبناء عَديمي الوفاء، وتختفي المِحَنُ، مِحَنُ العاشقين الهائمين المَكْلُومين بجراحات السنين، ويبقَى الفارسُ السامي بأخلاقه وفروسيته وبلاغته وأحلامه حَيّا في الأزلِ والأبد..يتواجدُ بمُهجته المُلتاعة ما وراء لحظات الآخرين الغارقين في مهامه الدنيا العَرَضية..يتواجدُ في لا وقت مع فرسِه المثال..فقط الفارسُ والفَرَسُ ضد طوفان أغبر آسمه:الآخرون...

يدعون عنتـر والرمـاح كأنهـا
أشطان بئر فـي لبـان الأدهـم
ما زلت أرميهـم بثغـرة نحـره
ولبانـه حتـى تسربـل بالـدم
فازور مـن وقـع القنـا بلبانـه
وشكـى إلـى بعبـرة وتحمحـم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى
ولكان لو علـم الكـلام مُكلمـي

و.....و.......و...........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في