الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرصنة فى ثوب جديد

شريف حتاتة

2022 / 9 / 11
العولمة وتطورات العالم المعاصر


قرصنة .. في ثوب جديد
------------------------------------

يقول الدارسون لتاريخ الرأسمالية أن عمليات القرصنة والنهب التجاري الواسعة النطاق ، هي التي سمحت بتراكم رأس المال تمهيداً لاستثماره في الثورة الصناعية. وأن بريطانيا العظمي كانت في صدارة الدول التي اعتمدت بكثافة على هذه العمليات لبناء صناعتها ، وإقامة إمبراطوريتها في مختلف القارات .
اقترنت الغزوات التجارية بأسماء مثل " الملكة اليزابيث " التي أطلقت أساطيلها في البحار لتنهب مراكب أسبانيا وغيرها من البلاد ، أو" الأميرال نيلسون " الذي كـان قرصاناً في الأصل ، أو اللوردات " دیزرائیلی "، و" سالزبوري "،و" بالفـور"،
" كـرومـر"، والسير " ونـسـتـون تشرشل "، أو بالجنرالات الذي فتحوا الطريق في كل مكان لتجارة الإمبراطورية ومصالح رأس مالها .
من هذه السلالة المتخصصة في أمور النهب الاستعماري ، نشأ المؤسس الأصلي لمحلات " ساينزبوری "، التـاجـر الـيـهـودي ذو المهارة في أعمال التجارة على حد قول المعجبين به ، والذي أصبح فيما بعد عضوا في مجلس اللوردات اعترافاً بخدماته. ثم مضت الأيام وجاء عهد الشركات المتعددة الجنسية ، فتحولت الشركة الأسرية إلى شركة متعددة الجنسية تمتلك فيها أسرة " ساينزيوري " نسبة كبيرة من أسهمها.
وأنا لا يقلقني أن يكون الرجل إنجليزياً ، أو من اللوردات لورد ، أو أن تكون ديانته اليهودية ، أو أي شيء من هذا القبيل ، لأننى ضد كل أنواع التفرقة على أساس الدين ، أو القومية ، أو الجنس ، أو الطبقة ، أو العرق . لكن ما يعنيني هو علاقته وعلاقة شركته بمصالحنا كشعب. أرى أن المدافعين عنه، وعن الشركة المسماة باسمه بحـجـة تشجيع الاستثمار الأجنبي ، هم الذين يمهدون لها الطريق ليشاركوا في المكاسب الباهظة التي يمكن تحققها.

مسألة الاستثمار
..........................
لا يستطيع أحد في كامل قواه العقلية أن يرفض فكرة تشجيع الاستثمار المحلى أو الأجنبي الخاص كضرورة لتنشيط التنمية ، وزيادة الإنتاج. ففي العصر الذي نعيشه ، وفي ظل الأوضاع العالمية ، والمحلية السائدة أصبحت هذه المسألة مهمة. لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه هو ، ما نوع الاستثمار الذي يجب أن نشجعه ؟.
من المعروف أن المسـتـثـمـر يـهـدف دائماً إلى الربح ، ولا مناص من قبول هذا الواقع ، ولكن هناك أنواعاً من الاستثمار تجني الأرباح لأصحابها . لكنها في الوقت نفسه تفيد الاقتصاد الوطني لأنها توفر لنا قيمة مضافة ، أو أنواعاً من المعرفة نحتاج إليها بشكل ملح. وهناك أنواع من الاستثمار لا تضيف شيئاً إلينا ، وإنما تسحب من اقتصادنا ، تفقرنا لصالح الشركات المتعددة الجنسية ، وأقلية ضئيلة من المصريين يقومون بدور الوكلاء لها ، ويدافعون عن بقائها ومصالحها .
و" ساینزبوری " مثل صاروخ للاستثمار الذي جاء فقط لينهبنا. فهذه الشركات متخصصة في تجارة التجزئة المتعلقة بالمواد والسلع الغذائية والمنزلية ، كما أنها أخذت تتغلغل في بعض مجالات تجارة الجملة . والتجارة بطبيعتها لا تؤدى إلى قيمة مضافة إلا نادراً. والتجارة في السلع الغذائية أو المواد المنزلية لا تحتاج إلى معرفة ، أو تكنولوجيا خارقة نحن عاجزون عنها .وذلك إذا كان التاجر من أبناء الوطن ، ولا يحاول احتكار السوق بهدف المضاربة ، أو تهريب أمواله ، أو الهروب من التزاماته ، فمعنى هذا أن هناك فائدة لبقاء أمواله داخل البلاد ، ويمكن أن تساهم ايجابيا ، بشكل أو بآخر في الاقتصادالوطني .
أما " ساينزبوری " فهو كالّشفاط الذي يشفط المكاسب ، ويضخها كلها إلى الخارج. شّفاط معفى من الضرائب ، ومن تطبيق القوانين التي يمكن أن تضبط نشاطه. إنه يسعى إلى تحقيق نوع من الاحتكار في مجاله. فما معنى أن تكون عدد المتاجر التي يديرها في زيادة مضطردة حتى أنها وصلت حتى الآن إلى أكثر من مائة وخمسة ، بينما السوبر ماركتات الأخرى التي فتحت في مصر تتراوح فروعها ما بين فرع واحد وأربعة فروع على أكثر تقدير ؟. (إيه بي سي ، مترو ، الخ) وما معنى أن يلجأ إلى إغراق السوق في نشاطه ، وذلك بخفض الأسعار بنسب تصل إلى ٢٠٣٠ في المائة لإخراج المنافسين منه ، ثم زيادتها بالتدريج ؟. إنها تصرفات أثارت مخاوف صغار تجار السلع الغذائية على الأخص ، وعددهم كبيرللغاية. فماذا إن أفلس مـنـات آلاف منهم لينضموا إلى فلول العاطلين هم والذين يعملون معهم؟ . ألن تكون كارثة جديدة للاقتصاد الوطني وللأسر التي يعولونها ؟.
لذلك كان من الطبيعي أن تحتج بعض الغرف التجارية ، ويحتج بعض التجار الكبار المحليين على الوسائل التي تتبعها شركة " ساينزبوری ". كما لجأت بعض الدوائر التجارية إلى استثارة الناس ضدها حماية لأنفسهم ، وبغية الرد على هذا المنافس الذي يريد القضاء عليها ، فالتجارة مثل الحرب مليئة بالألاعيب الممجوجة.
يضاف إلى ذلك كله أن الشركة دأبت على مخالفة العقود التخصيصية التي تم إبرامها مع جهات حكومية ، وإلى فتح محلات في أماكن لا يجوزتخصيصها للنشاط الذي تقوم به. وذلك عن طريق التحايل ، أو التأثير على السلطات المحلية بوسائل مختلفة. ولا يدل انتهاء المنازعات القضائية بالحفظ، أو إعادة فتح المحلات في الأماكن التي صدرت قرارات بعدم استخدامها ، مما أدى إلى إغلاقها لفترة ، إلا على السطوة التي تمارسها هذه الشركة على مختلف المستويات بحكم أموالها ، واتصالاتها بجهات عليا. ولى تجربة شخصية محدودة في هذا المجال. فمن بين الفروع التي فتحتها الشركة فرع في حدائق شبرا ، بشارع معهد ناصر الذي تمتد فيه مستشفى معروفة بالاسم نفسه ، وهو الشارع الذي أسكن فيه . وكلما سرت فيه أجد أكواماً من فضلات السوبر ماركت ملقاة في الطريق قرب سور المستشفى تدور حولها الكلاب الضالة ، وتقفز من تحتها الجرذان. وفي مرات عديدة دخلت إلى الفـرع وتحـدثت مع مديره في هذا الشأن ، لأحتج على هذا الإهمال الضار بالصحة ، والمهين لآدمية السكان. أقول له طبعاً في إنجلترا " ساینزبوري" لا يلقي بفضلاته في الشارع ، ولكن في مصر لا يبالي بشيء ، ولا يهمه الناس الذي يكسب منهم . في كل مرة كنت أجـد مديراً جديداً ، وفي كل مرة كان يستقبلني بكلمات تقطر عسلاً ، ولكن لم يتغير الوضع . فأرسلت عدة شكاوى إلى رئيس حي روض الفرج ، وكذلك إلى المسئولين في وزارة الصحة ووزارة البيئة فلم يتحرك أحد.
قلت لنفسي : يبدو أن " ساينزبوري" قادر على فرض الأمر الواقع . لقد عدنا إلى عصر الحماية ، حيث كان الأجنبي يروض كبار وصغار الحكام ،ويفعل ما يشاء بالناس.
اللي اختشوا ماتوا
................................
بعـد كل هذا كـيـف نـفـسـر حـمـلة الدفاع الحـمـاسـيـة عـن الخـواجـة
" ساینزبوری " ؟ . كيف نفسر العواميد المنتفضة إخلاصاً لمصر ، ومصالحها الاقتصادية التي تنشرها بعض الصحف القومية ، أو يكتبها صحفيون ، واقتصاديون قوميون ديمقراطيون أو قوميون معارضون يبدون حرصهم على التنمية الاقتصادية ، ويسكبون دموع التماسيح على مصالح العاملين الغلابة في " ساينزبيري "؟. لكن ينسون عشرات الآلاف من تجار التجزئة والعاملين في محلاتهم المهددين في حياتهم ، إذا استشرت ظاهرة السوبر ماركتات الضخمة في العاصمة ، والمدن الأخرى . ينسون النهب الذي يتعرض له السوق المحلى ، ويتعرض له الناس في بلادنا على أيدى شركات مثل " ساينزبوري " . حقا إن الذين اختشوا ماتوا .
من كتاب " فى الأصل كانت الذاكرة ".
--------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران