الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وَعَلَى آلطُّفُولَةِ آلسَّلَام

عبد الله خطوري

2022 / 9 / 12
حقوق الاطفال والشبيبة


إن المتتبع لما يَرُوج حاليا في مدارسنا من تحولات سلبية، لا بد ستعتريه مجموعة من الخواطر الملتبسة، يتذكر من خلالها تداعيات صور فنية آحتفت بطريقتها الخاصة بمثل هذه العوالم المليئة بالمفارقات والتناقضات التي يمكن تلخيص تمفصلاتها الكثيرة والمتنوعة في عبارة لساننا الدارج في المغرب:"فْ لَعْماقْ الفوضى ومن الفوق يْبَانْ البحر هَادي"...(١)
إننا هنا لسنا بصدد لعنة طفولة يمارس عليها العنف، بل نحن أمام لعنة مغايرة معكوسة تماما:ناشئة في مقتبل عمرها تعيش آضطرابات سلوكية حادة تجعلها تحترف الخروج عن الجادة مما يستوجب طرح أكثر من سؤال بخصوص الظاهرة وما يترتب عنها من آفات أمست للأسف حديث الساعة في الواقعين الافتراضي وغير الافتراضي...
أبدأ الحديث بالاشارة الى لوحة مشهورة موسومة ب"الطفل الباكي The Crying Boy Painting"..للرسام الايطالي"جيوفاني براجولين"التي اكتسبت شعبية كبيرة ازدادت مع ما راج عنها من لعنة يمكن أن تصيب كل مَنْ يُدخلها بيته،ومما زاد اللعنة ترسخا في القلوب والأذهان اندلاع مجموعة من الحرائق في بيوتات"لندن"ابتداء من أواسط القرن الماضي،وفي كل مرة كانتِ اللوحة تخرجُ سالمة في الوقت الذي يحترق فيه كل شيء داخل المنزل.ويُرْوَى أنه تم تنظيم محرقة لحرق نسخ اللوحات، فاستغلها الناس فرصة للتخلص من هذا الضيف المزعج الذي اعتبروه شؤما على حياتهم الفردية والجماعية...
حَدَث هذا في بلاد الغرب الأوربي حيث العقل والمنطق والفكر شعارات ترفعُ في كل حديث وفي كل مناسبة وبغير مناسبة..و..ها..المعتقدات الغيبية التي خلناها قصرا على شعوبنا راحت تعانق أدمغة المتشدقين برفع لواء العلم والعلماء..أتمنى فقط أن لا يكون آنتشار صورة هذه اللوحة في صفحات الافتراض سببا لتسرب الشؤم بيننا..أكيد لا..فالأمر لا يعدو أن يكون نوعا من العلاقة المتماهية مع شخصية ذاكَ الطفل المرسوم في اللوحة بطريقة مكتئبة رومانسية أعطت انطباعا للمتلقين بالشعور بالذنب اتجاه وضعيته المزرية التي أذْرَفَتْ دموعه حتى غدتِ اللوحة موسومة بلوحة الطفل الباكي،بل اللوحة اللعنة..من هنا،يمكن أن نعاين كيف تتحول براءة آلطفولة الى سخط شيطاني يطارد المحيطين بها...
إذًا، فالطفولة لم تعد ذاك العالم الملائكي الصافي المترع بألوان طيف البراءة والحب والود، بل تبدل كل شيء رأسا على عقب..إنها لعنة آلطفولة...
لطالما جسدت الفنون هذه المفارقة بشكل لافت للانتباه، خاصة على الشاشة الفضية، ويكفي أن أشير الى عناوين معينة على سبيل المثال لا الاستقصاء، منها شريط"هُمْ Ils"الفرنسي الروماني من انتاج عام 2006 والشريط البريطاني"بحيرة عدن"2008، وكلاهما يشخص الجانب المظلم من قمر طفولة نخالها بريئة، وإذا بها سم زعاف يترقبنا في مصادفات الطرقات وجداول الحصص المدرسية، بطريقة لا يختلف عنفها الصارخ كثيرا عن شريط"قسم 1984"وفيلم"ستانلي كوبريك"البرتقالة الميكانيكية"، بل ومسرحية(مدرسة المشاغبين)نفسها التي قيل فيها ما قيل بخصوص تطبيع المجتمع مع العنف المدرسي...
إننا بإزاء طفولة ملعونة لما تقترفه من عنف وتعنيف تتكرر تيماته الدموية في الزاقع المعيش وفي كثير من عروض رعب الإيكزورسيتْ تعرض القضية بطرق لا تخلو من الإثارة بشكل يدفعنا _كمتلقين_الى اعادة التفكير جديا في مجموعة من مسلمات معجم الطفولة من قبيل.."الحَدَث، البراءة، التلميذ، الدري، باقي صغير، اللاتكليف، المراهقة، القاصر، في طور البلوغ، النضج، الطيش، الطائش..."، ويحفزنا على العمل لدراسة وتحليل وفهم ما يجري من تحولات جذرية في عمق هذه المراحل الحساسة من عمر الانسان التي تُغير الشخصية رأسا على عقب...
لقد أخرجت السينما التجارية تجليات هذه التبدلات في مظاهر شتى كمحاولة منها آستقطاب أكثر عدد من المشاهدين من هذه الفئة العمرية بآعتبارها القاعدة العريضة من المهووسين بتتبع آخر صَرعات البوكس اوفيس الهوليوودية، فأنتجت الشركات المتنافسة على أسواق العرض والمشاهدة مُسوخات عديدة على غرار تحولات الفامبير الليلية وهيجان المستأذبين وخلسات خفافيش باطمان وخفة أنسجة سبايدرمان وتحديات السبيرمان وخروقات هُولك وهلوسات الجوكر وأشباهه وو غيرها من هذايانات مصورة تقتات من ذهان هذه الحقبة الحساسة المسماة مراهقة مبكرة أو متوسطة أو متأخرة، مما يجعل من السينما وألعاب الفيديو وما شبهها تلعب دورا فعالا في آنحراف هذه الفئة العمرية...في فضاءات مدارسنا التي أمست مرتعا لمن هب ودب، أضحت السينما واقعَ كابوس رعبٍ أسودَ سرياليا فنطاستيكيا بآمتياز يقتات أبطاله الورقيون من هشاشة البيدونْ فيل وتكدسات براريك جيتوهات آلفقر وآلتفقير المتناسلة ليل نهار..يأكل المراهقون المتحولون في فقصة عيشة بَزَّزْ القرقوبي يسكرون يشمون السليسيون يدخنون فرية حشيش الزطلة يتجرعون عقاقير إيكستاس يمشون عراة يمارسون الشذوذ يَسبون يشاغبون ينخرطون في أقسا أنواع العنف والتعنيف جماعات وفرادى يلعنون المُدرسين والمدرسة يجدفون على الله على العباد والعالمين أجمعيين..
وتخرج الظاهرة من المدرسة كما دخلتها بسلام وآحتقان تزيده ذروة آشتعال ما تتداوله الصفحات الافتراضية وتطبيقات النيت ليتفاقم العنف والتعنيف يتخذ له أشكالا وفضاءات ومجالات أرحب في الأزقة في الدروب في الشوارع وملاعب الكرة والرياضة تبلغ الحالة جأش سعارها تحت وقع مزيد من التهييج والتسعير يفرغ الشباب طاقاتهم في عنف متبادل جماعي لفظي بدني تحت مرأى الجميع ولا من يحرك ساكنا يغير من الآفة شيئا أو يحاول التخفيف من وقعها على الأقل..كل ذلك، والآباء والعوائل في دار غفلون تتجاوزهم الأحداث ومتغيرات الحال يظلون بقلب كامد يتفرجون في مسخرة عبثية قد لا تبقي ولا تذر إن هي آستمرت على وتيرتها..وعلى الطفولة ألف السلام...

_إحالات:
١_"فلعماق الفوضى ومن لفوق البحر هادي”:من أغنية(المعنى)للمجموعة الغنائية المغربية(ناس الغيوان)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جوزيب بوريل يدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم وفقا لقرارات الأ


.. تونس.. ناشطون يدعون إلى محاكمة المعتقلين السياسيين وهم طلقاء




.. كلمة مندوب دولة الإمارات في الأمم المتحدة |#عاجل


.. فيتو أميركي يفشل جهود عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة




.. الجزيرة تحصل على شهادات لأسيرات تعرضن لتعذيب الاحتلال.. ما ا