الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإستفتاء وتقرير المصير في الصحراء الغربية .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2022 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


الاستفتاء وتقرير المصير في الصحراء الغربية
1 ) مقدمة لا بد منها :
هناك جهتان هما أول من قال بالاستفتاء وتقرير مصير الشعوب ، لتحررها من نير الاستعمار والاحتلال ، هما فلاديمير لينين ، والأمم المتحدة .
بالنسبة لفلاديمير لينين ، فهو قال بالاستفتاء وتقرير المصير للشعوب التي يستعمرها استعمار اجنبي . فهذه الشعوب من حقها أن تقرر مصيرها بيدها ، لحسم الطبيعة القانونية لوضعها العام ، مقارنة مع الدولة الاستعمارية الأجنبية . فلينين عارض حق الشعوب اذا كانت تريد الانفصال عن أوطانها الاصلية والتاريخية ، لأنه كانت له وجهة نظر خاصة وجد متقدمة من الدولة القومية كدولة شوفينية .. لكن هل كان لفلادمير لينين موقف واحد ، وحيد ومتحدد بصفة نهائية من المسألة القومية ، والمسألة الوطنية ..
ان هذا الاعتقاد الذي يتحجج به دعاة ومناصري الجمهورية الصحراوية ، سيُحوّل أفكار لينين الى مسرح للعرائس . ان للينين مواقف تؤكد بلا ادنى لبس ، انّ الماركسية عدوة لكل نزعة قومية أيا كانت . لكن هناك نصوص ومواقف أخرى تؤكد ان الماركسية تؤيد النزعة القومية الوطنية للامة المظلومة ، وهناك مواقف للينين تجزم بان " العمال لا وطنا لهم " ، بيد انّ هناك مواقف أخرى مغايرة تؤكد على واجب الماركسيين في الدفاع عن الوطن ، وهناك نصوص أخرى للينين تعتبر ان النضال الوطني لا يحتل مرتبة ثانوية هامشية في نضال الطبقة العاملة ، لكن هناك نصوص أخرى تعتبر ان النضال الوطني القومي ، هو شرط مسبق لتنمية الصراع الطبقي ، وانه في شروط محددة يحتل مرتبة متقدمة حتى بالنسبة للثورة الاشتراكية .
هل معنى هذا – كما يقول لينين عن ماركس أيضا – ان لينين كان شخصا مضطرب الأفكار لا مواقف ثابتة له ؟ على العكس تماما ، إنّ روح الماركسية اللينينية كلها تكمن في هذا الجدل ، في هذا التناقض ، لأنه ليس للبروليتارية من موقف مقدس نهائي من المسألة الوطنية . ان الشيء المقدس الوحيد من وجهة النظر الماركسية ، هو النضال من اجل إقامة سلطة الطبقة العاملة ، والتي ستلغي استغلال الانسان للإنسان ، ستلغي الطبقات كلها بما فيها الطبقة العاملة نفسها . وانطلاقا من هذا الهدف الطبقي البروليتاري الشمولي ، تتحد طبعا له ، ماهية المسألة الوطنية ، إيجابيتها في فترة معينة وفي مكان محدد ، أم رجعيتها وواجب الصراع ضدها .
وبالنسبة للاستفتاء وتقرير المصير كما جاء في ميثاق الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ، فهو طُرح كمبدأ عام ، وقاعدة أضحت ملزمة للتطبيق كلما أراد شعب تقرير مصيره من دولته ، او من شعب ، او شعوب أخرى يتساكنون في نفس الدولة ، دون الاخذ بعين الاعتبار للأصول التاريخية ، والجغرافية ، والبشرية ..
مبدأ لينين من تقرير المصير ، ظل من حيث الشكل كشعار ترفعه حركات التحرر الوطني ، والشعوب التي تخضع لاستعمار اجنبي ، ولم يسبق في التاريخ ان تم تنزيله من قبل شعب ، او في دولة .. لكن كان يُنزّل ويمارس بواسطة حرب العصابات La guérilla ، والحرب الاهلية La guerre civile التي عرفتها أمريكا اللاتينية والجنوبية ، وعرفتها افريقيا ..
لكن الاستفتاء وتقرير المصير كمبدأ عام كما نص على ذلك ميثاق الأمم المتحدة ، طُبّق بطريقة خبيثة في قضية " كامبيندا " بأنغولا ، وطبق في قضية تيمور الشرقية .. ويُطالب به منذ 1960 من القرن الماضي في نزاع الصحراء الغربية .
لكن أوجه المفارقة ، ان الدول الاستعمارية التي تؤكد على حق الاستفتاء وتقرير المصير لعزل الشعوب ، وبلقنة المناطق بالنسبة للدول الصغيرة ، والدول غير المؤثرة ، عرف الانتقائية والخروج عن المبدأ العام للاستفتاء كما ينص على ذلك ميثاق الأمم المتحدة ، فرُفض هذا الحق لشعوب مارسته بطريقة ديمقراطية حين عبرت تلك الشعوب عن حسن ارادتها واختيارها . هكذا مثلا رفضت الدول الغربية الاستفتاء الذي اجراه شعب شبه جزيرة القرم للانضمام الى روسيا الاتحادية ، وتم رفض نتائج استفتاء كتالونية التي اعتبرته الدولة الاتحادية الاسبانية انفصاليا ، ولزم الغرب الصمت وكأن شيئا لم يحصل ، وتم نفس الشيء مع اسكتلندا ، وتكساس بالولايات المتحدة الامريكية ، كما تم تزكية نتائج استفتاء جزر الفلوكاند " المالوين " التي هي أراضي ارجنتينية الأصل والانتماء .. .. الخ ..
اذن ان معالجة خيار الاستفتاء وتقرير المصير بالنسبة لنزاع الصحراء الغربية ، تم ضمن منطوق المبدأ العام في الميثاق الاممي ، وهو ما جعل الأمم المتحدة التي تراجعت عن استعمال هذه الحق في الحالات السابقة ، تجيزه في حالة الصحراء الغربية ، رغم ان هذا الحق بالنسبة للتاريخ ، وللجغرافية والأصول المادية ، اكثر برهانا وحجية من قضية كتالونية ، او اسكتلندا ، او البروتون La Bretagne وكوريسكا La Corse ، و Le Basque .... الخ .
فعندما نقول بالاستفتاء وتقرير المصير ، فأوتوماتيكيا ينصب الاهتمام والتفكير الأول ، على الاستقلال عن الدولة الام ، وعندما يتم التفكير في الاستقلال ، فالتفكير الأساس السائد بين المطالبين بالاستفتاء وتقرير المصير ، سواء بالنسبة للأمم المتحدة ، او الدول المعنية ، او الشعب المعني بالاستفتاء .. هو الاستعمار .. هذه معادلة لا يمكن القفز عليها تحت اية ذريعة ، لأنها تلخص المعنى المقصود من الاستفتاء ، كما تضفي طابع الاستعمار المقابل للاستقلال ، وتكوين الدولة الجديدة ..
بالرجوع الى التاريخ ، وبالضبط الى سنوات الستينات ، سنجد ان النظام المغربي ، هو من وقف وراء القرار 1514 الصادر سنة 1960 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ، الذي ينص على الاستفتاء وتقرير المصير . كما ان النظام المغربي هو من طالب ومن أعلى منبر الأمم المتحدة في سنة 1967 بالاستفتاء وتقرير المصير ، وفي سنة 1968 ومن نفس المنبر ، فبعد ان طالب كذلك بالاستفتاء وتقرير المصير ، وصف الصحراء بالإسبانية ، ولم يصفها بالمغربية .
الإشكال هنا . اذا كان النظام المغربي يعتبر الصحراء مغربية ، لماذا لم يطالب باستردادها ، وطالب فقط بالاستفتاء وتقرير المصير . ؟
ان مجرد القول بالاستفتاء ، دليل ساطع ، وحجية واعترافاً ، على ان النظام المغربي لا يعترف اطلاقا بمغربية الصحراء ، لان الذي سيحدد جنسية الأراضي المتنازع عليها ، تبقى نتيجة الاستفتاء التي سيعبر عنها الصحراويون وبإشراف الأمم المتحدة . وهذا يعني ان النظام المغربي سيعترف حالا بإسبانية الصحراء ، اذا كانت نتيجة الاستفتاء مع البقاء مع الدولة الاستعمارية . وطبعا سيعتبر الصحراء مغربية اذا كانت نتيجة الاستفتاء تؤكد ذلك .
كذلك عندما وصف النظام المغربي الصحراء بالإسبانية ، في سنة 1968 ، ولم يسميها بالمغربية ، وطالب في حقها بالاستفتاء وتقرير المصير ، يكون النظام المغربي ينكر عن الصحراء مغربيتها ، ويعتبرها محط نزاع مع طرف آخر الذي هو الدولة الاسبانية ، ومن ثم وحسب قناعة النظام المغربي ، فان الذي سيحدد جنسية الإقليم النهائية ، تكون نتيجة الاستفتاء ، وليس التاريخ ولا الجغرافية ...
إضافة الى هذا الخطأ الاستراتيجي الذي كان طعنة في حجية مغربية الصحراء ، فعندما حصل المغرب على استقلال Aix-les Bains ، وتوجهت فيالق جيش التحرير الصحراوي المغربي لمواصلة تحرير الصحراء ، تعرضت لغدر من قبل النظام السلطاني ، وبالتنسيق والتحالف مع الامبريالية الفرنسية ، والفرانكونية الفاشية الاسبانية Francisco Franco في مجزرة " المكنسة / الشطابة " إيكوفيون " .
والسؤال هنا . اذا كان النظام المغربي يعتبر الصحراء مغربية ، لماذا هاجم جيش التحرير المغربي الصحراوي في 10 ابريل 1958 ، ما دام انّ الجيش كان ذاهبا في عملية التحرير . وهنا لا نزال نتذكر إعلان الحسن الثاني في خطاب العرش في سنة 1967 ، حين قال العبارة الخطيرة التي تبين موقف النظام من الصحراء " انّ على الصحراويين ان يتحملوا مسؤولياتهم في تحرير بلادهم " ، " وانه والشعب المغربي مستعدون لمساعدتهم " . أليس ما جاء في خطاب السلطان في سنة 1967 ، سنة النكسة في الشرق الأوسط التي كان وراءها مؤتمر القمة العربي في سنة 1965 بالدارالبيضاء ، اعتراف صريح من قبله بان الصحراء ليست مغربية ، وانها لشعب الصحراء الذي اعترف به السلطان محمد السادس عندما اعترف بالجمهورية الصحراوية في يناير 2017 ، ونشر اعترافه متحديا الرعايا في الجريدة الرسمية للدولة العلوية السلطانية المخزنية عدد : 6539 ؟ . فماذا حين يقول السلطان الحسن الثاني للصحراويين " انه والشعب المغربي مستعدون لمساعدتهم " عند دعوته لهم " انّ على الصحراويين ان يتحملوا مسؤولياتهم في تحرير بلادهم " ولم يقل في تحرير الصحراء المغربية ...
فحين يصرح السلطان الحسن الثاني وفي خطاب العرش ، وينفي اية علاقة للمغرب مع الصحراء ، ويؤكد على ضرورة تحميل الصحراويين لمسؤولياتهم ، وانه والشعب المغربي مستعدون لمساعدتهم ، فان هذا الخطاب كان في اصله نافيا لمغربية الصحراء ، خاصة وان المشكل الموريتاني لا يزال مداده لم ينشف بعد .. فبعد رفضٍ بالاعتراف بالجمهورية الموريتانية ، عاد النظام المخزنولوجي واعترف بها امام العالم ، دون استشارة الشعب المغربي باستفتاء يحدد فيه موقفه من القضية الموريتانية ..
في سنة 1982 ، وفي خضم الحرب المشتعلة في الصحراء ، وكانت تهدد اصل الحكم ، وبسبب انتفاضة 9 يونيو 1981 في الدارالبيضاء ، سيفاجأ الحسن الثاني العالم ، ومن قلب منظمة الوحدة الافريقية في نيروبي عاصمة كينيا ، بقبوله الاستفتاء وتقرير المصير في الصحراء ، طبقا للإجراءات الدولية ، وتحت اشراف الأمم المتحدة ، ومنظمة الوحدة الافريقية .. فالقبول بالاستفتاء هذا يعني ان النظام لا يتعرف بمغربية الصحراء ، وان الذي سيحدد جنسيتها هي نتيجة الاستفتاء الذي ينتظره الجميع .. فاذا صوت الصحراويون لصالح الاستقلال يقول السلطان " أنا اول من سيعترف بهم " ، واذا كانت نتيجة الاستفتاء لمغربية الصحراء ، فهذا سيكون تحصيل حاصل لنتيجة عملية الاستفتاء ..
وبعد ان انقلب السلطان على حل الاستفتاء وتقرير المصير ، حين اخرج بدعة لم يسبق للقانون الدولي ان سمع بها ، وهي الاستفتاء التأكيدي الغير موجود في القانون الدولي .. سينتقل النظام الى مرحلة اكثر خطورة حين قبل باتفاق الاطار الذي اعده جميس بيكير James Becker ، وينص على حل نهائي من خلال محورين متناقضين .
المحور الأول هو تطبيق حكم ذاتي لمدة خمس سنوات ، والمحور الثاني ، هو تنظيم استفتاء عام تحت اشراف الأمم المتحدة ، مباشرة بعد انتهاء الخمس سنوات من مرحلة الحكم الذاتي .
ان قبول النظام بالحكم الذاتي في مخطط Becker ، يعني ان النظام من يشكك في مغربية الصحراويين ، وليس هؤلاء من يشكك في مغربيتهم . ان القبول بالحكم الذاتي يعني ان لسكان الصحراء لغتهم الخاصة بهم ، عاداتهم ، تقاليدهم ، تاريخهم .. أي انهم يختلفون عن الشعب المغربي المُغيب الرئيسي في هذا الصراع الذي استفرد به القصر لوحده ، وكانت نتيجته كما هو ملاحظ اليوم ، منْ ان المجتمع الدولي هو مع حل الاستفتاء من حيث المبدأ العام ، لكن وبطريقة سلسة يتعامل مباشرة مع دولة الجمهورية الصحراوية من خلال اللقاءات المختلفة التي تحصل بين المنتظم الدولي ، والاتحاد الافريقي ، وبين الاتحادات القارية ، وبين الاتحاد الافريقي كما حصل في اجتماع Ticad ثماني مرات ، وفي لقاء Bruxelles ، وكما يجري بالأمم المتحدة وتحت اشرافها من لقاءات ، بين النظام المغربي ، وبين الصحراويين كجبهة وكجمهورية .. فهل ممكن تغطية اشعة الشمس بالغربال ؟ ..
انّ القبول بحل الاستئناف وتقرير المصير بعد انتهاء فترة الحكم الذاتي ، يعني ان النظام لا يعترف بمغربية الصحراء ، وان الذي سيحدد جنسيتها هل هي مغربية او ليست مغربية ، هي نتيجة الاستفتاء الذي سيعبر فيه الصحراويون عن ارادتهم الحرة ، تحت انظار واشراف الأمم المتحدة ..
لكن بعد ان تأكد النظام من ان نسبة المصوتين لصالح الاستقلال ستتعدى 99 في المائة ، وبما ان ذهاب الصحراء يعني حتمية سقوط النظام ، تملص من اتفاق الاطار وكأنه لم يكن قط .. ومن دون مسائلة دولية عن الاخلال بالتزام قطعه على نفسه ، وعن التراجع عمّا سبق ان قبله في السابق ، وكأن ما حصل كان فقط لعب أطفال ..
واستمراراً في نفس الأخطاء الجيوستراتيجية للنظام ، سيفاجئ العالم والشعب المغربي الذي يجهل أي شيء عن نزاع الصحراء ، بحل الحكم الذاتي في ابريل 2007 . ورغم ان نفس النتائج السياسية سيتم الاعراب عنها من حل الحكم الذاتي كما جاء في اتفاق الاطار ، فان المجتمع الدولي ، مجلس الامن ، الجمعية العامة للأمم المتحدة ، الاتحاد الأوربي الذي اضحى يتعامل مع الجمهورية الصحراوية كواقع ، وكمحصلة ، ونتيجة ، وامر واقع فرض نفسه بنفسه ، والاتحاد الافريقي الذي تعتبر الجمهورية الصحراوية احد اطرافه الأساسيين الذين اسسوه ، عندما ساهمت في تحرير قانونه الأساسي الذي صوت له النظام المغربي حتى ينال العضوية بالاتحاد المذكور .. فالمنتظم الدولي تجاهل خرجة الحكم الذاتي ، وظل مرة متشبثا بالاستفتاء وتقرير المصير ، ومرات يتعامل مع الجمهورية الصحراوية ككيان دولة ، رايتها ترفرف في سماء العديد من الدول ، وفي سماء الاتحادات القارية ..
لكن درجة الخطورة التي غيرت كل شيء ، لان النظام قامر على أشياء لم تتحقق ، كدخوله الاتحاد الافريقي لطرد الجمهورية الصحراوية ، هو حين اعترف بالقانون الأساسي للاتحاد الافريقي حتى يصبح عضوا به .. والقانون ينص بصريح النص .." كل دولة تريد الانضمام الى الاتحاد الافريقي ، عليها ان تعترف بكل مكوناته .. " ، وطبعا الجمهورية الصحراوية مكون أساسي بالاتحاد الذي زاد تشبتا بها ، وزادت مشاركتها في اللقاءات الدولية ، حيث رفرف علمها عاليا في سماء Bruxelles ، وباليابان ، وفي Le Havre ، وفي سماء تونس العاصمة التي أصبحت تعترف بالجمهورية الصحراوية ، مثل اعتراف الجمهورية الموريتانية بها .. ورفرف اليوم العلم الصحراوي عاليا ، بقلب البرلمان الفرنسي بحضور الثائرة سلطانة خيّا التي تمسكت بمبادئها ، وما بدلت تبديلا .
ان اعتراف النظام بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في 20 يناير 2017 ، كان من جهة اعترافا من النظام المغربي بعدم مغربية الصحراء ، لأنه لا يعقل الجمع بين الاعتراف الصريح المدون امام العالم ، وبين عدم الاعتراف للاستهلاك الداخلي ، وللتعطيل اتقاءً لنتائج استقلال الصحراء .. ومن جهة يكون النظام المغربي قد اعترف صراحة بجزائرية الصحراء الشرقية التي اعترفت بها الدولة السلطانية العلوية في سنة 1994 ، بعد اعتراف نظام الحسن الثاني بها في سنة 1971 .. ويكون الاعتراف بالحدود المورثة عن الاستعمار اعترافاً بإسبانية سبتة ومليلية والجزر الجعفرية .. وقد ظهر هذا جليا من تصريح Pedro Sanchez ومن داخل قصر السلطان .
ان واقع الجمهورية الصحراوية اصبح فارضا نفسه بإلحاح في الساحة الدولية ، ولو لم يكن الاتحاد الأوربي يعترف بها ، هل كان ان يستقبلها في Bruxelles كدولة ، ويستقبل إبراهيم غالي كرئيس للجمهورية ، وترفرف رايتها عاليا في سماء عاصمة الاتحاد الأوربي ..
ولو لم تكن فرنسا التي اثنت على رئيس قيس سعيد عند استقباله إبراهيم غالي ، واعترافه بالجمهورية الصحراوية ، تعترف بها ، هل كان ل Emanuel Macron ان يستضيف إبراهيم غالي كرئيس لدولة الجمهورية الصحراوية الى جانب محمد السادس ، وراية الدولتين ترفرفان بالتساوي في اليابان ، وفي فرنسا ، وفي Bruxelles ، ولو لم تكن الأمم المتحدة تعترف بالصحراويين كحركة تحرير وكجمهورية ، هل كان سيكون للصحراويين مكتب بالأمم المتحدة ، ومكتب بواشنطن ، ومكاتب وممثليات بجميع العواصم الاوربية والدولية . وماذا يعني لقاء المبعوث الشخصي للأمين العام Steffan de Mistura منذ يومين إبراهيم غالي بتندوف الجزائرية . هل استقبله كرئيس حركة تحرير مسلحة تخوض حربها الثانية منذ 13 نونبر 2020 ، او استقبله كرئيس للجمهورية ورئيس دولة .. فالطريقة التي اجتمع بها إبراهيم غالي ، مع De Mistura ، وطريقة الجلوس تفسر ان Steffan de Mistura حين كان يجالس غالي ، فهو كان يجالس رئيس دولة ، وليس زعيما لحركة تحرير يعترف بها النظام المغربي نفسه ، عند اعترافه بالجمهورية الصحراوية ..
ان الدعوة الى الاستفتاء وامام هذا الواقع الفاقع للاعين ، اصبح فقط شكليا وإجرائيا ، لتثبيت واقع / مشروعية الجمهورية الذي اصبح فارضا نفسه بقوة في الساحة الدولية ..
لقد ارتكب النظام المغربي أخطاء جيوستراتيجية ، وابرزها حين اقتسم الصحراء كغنيمة مع موريتانية التي طعنته في الظهر عندما اعترفت بالجمهورية الصحراوية ، وعندما احتفظت ب " الگويرة " ، ولا تزال تحتفظ بها عندما انسحبت موريتانية من إقليم وادي الذهب الذي دخله النظام المغربي في سنة 1979 .. وماذا عن الثلث من الأراضي التي يسيطر عليها جيش الجبهة امام انظار النظام المغربي المتمترس وراء الجدار ، وامام اعين المينورسو العاقرة ، والأمم المتحدة .. وماذا عن تجاهل اعتراف Trump بمغربية الصحراء من قبل الإدارة الامريكية ، وتركيزها على حل الأمم المتحدة الذي يعني الاستفتاء وتقرير المصير ؟
ان توقيع النظام السلطاني المخزنولوجي لاتفاق وقف اطلاق النار مع الصحراويين في سنة 1991 ، وتحت اشراف الأمم المتحدة التي ضمنت تطبيق بنود الاتفاق المذكور الذي نشأت عنه " هيئة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية " " المينورسو " La minurso ، كان اعترافا صريحا من قبل النظام السلطاني بجبهة البوليساريو كحركة تحرير مسلحة وقّع معها وقف اطلاق النار ، واعترافا بدولة الجمهورية الصحراوية التي تنازعه ارض الصحراء الغربية ، لان توقيع الاتفاقيات على غرار اتفاق 1991 ، وتحت الاشراف المباشر للأمم المتحدة يحصل فقط بين الدول ..
فمن المسؤول عن النكبة من 1975 وحتى 1999 ، وعن النكسة من 1999 والى 2022 التي اصابت الصحراء ؟ انه النظام السلطاني المخزني وحده .. اما الشعب فهو خارج هذا الصراع الذي تم تهميشه فيه .. فلا تزر وازرة وزر أخرى .. والجميع ينتظر الحساب في النهاية الصراع ..
الفصل الأول
كيف تشكل نسيج الشعب المغربي
هل سكان الصحراء شعب ، أم جزء لا يتجزأ من الشعب المغربي ؟
قبل الاسترسال في الشرح ، أشير الى ان هذه الدراسة ، وانْ كانت ستكون عديمة التأثير بالنسبة للوضع القانوني الذي تشغله القضية الصحراوية ، فهي تبقى كتأريخ لحقيقة التاريخ ، ولا تلزم في الشيء الصحراويين الذين شقوا طريقهم التي اوصلتهم الى ما وصلوا اليه من انتصارات ساحقة على المستوى الدولي ، والقاري ، وعلى مستوى الجغرافية المغاربية . بل حتى القضاء القاري اصدر احكاما ابطلت كل الاتفاقيات التي وقعها الاتحاد الأوربي مع النظام المغربي بخصوص ثروات الصحراء المتنازع عليها ، بدعوى ان الأمم المتحدة ، والاتحاد الأوربي صاحب المحكمة ، لا يعترفان بمغربية الصحراء مادامت بيد مجلس الامن ، وبيد الجمعية العامة للأمم المتحدة . أي يتعاملون معها كقضية تصفية استعمار ، وكما تعتبرها الأمم المتحدة كذلك ..
فالدراسة هي تعبير عن إيمان وقناعة راسخة بفكرة مغربية الصحراء ، التي تعرضت لخيانة النظام السلطاني ، من خلال المواقف الطاعنة التي جعلت حسمها دوليا مسألة وقت اقترب كثيرا ، وانْ كنت احترم واقدر موقف الصحراويين الذين قدموا عليه الغالي والنفيس ، وهم الذين تعرضوا لكل أصناف التعذيب والتنكيل ، لكن اصرارهم ومواقفهم الثابتة الغير متزحزحة ، جعلت النظام السلطاني يعترف بهم كدولة في يناير 2017 ( الجريدة الرسمية عدد 6539 ) ، وكحركة تحرير ( اتفاق 1991 ) .. فماذا يعني حضور الدولة السلطانية اللقاءات التي يحضرها الصحراويون كدولة جمهورية ( ثمانية لقاءات ل Ticad ) ، واللقاء ب Bruxelles عاصمة الاتحاد الأوربي ، ولقاء بحضور الرئيس Emanuel Macron بجانب السلطان المغربي محمد السادس ، ومن وراءه إبراهيم غالي كرئيس للجمهورية الصحراوية .. فكما اعترف النظام المغربي بالجمهورية الصحراوية كدولة ، اعترف بالجبهة كحركة تحرير مسلحة وسياسية عندما يجلس يتفاوض معها تحت اشراف الأمم المتحدة ، وعند ابرام اتفاق 1991 .. فعلى ماذا يجري التفاوض ؟ وما موضوع ابرام اتفاق 1991 .. ؟ " .. اليس الموضوع هو النزاع عن الأراضي المتنازع عليها ؟ . وهنا الا يعترف النظام المغربي بموضوع النزاع مع من ينازعه الأرض الذي هو الجمهورية كدولة ، والجبهة كحركة تحرير .. ؟ . لماذا الاستمرار في تغطية اشعة الشمس بالغربال ، والخطر اصبح يطل من ثقب الباب ؟
إذن ومن وجهة نظري وهي تخصني ، وترفض خيانات النظام المغربي الذي الحق اضرارا كبيرة بمغربية الصحراء ، أتساءل واطرح السؤال : هل سكان الصحراء شعب كما اعترف به السلطان المغربي محمد السادس في يناير 2017 ، أم انه جزء لا يتجزأ من الشعب المغربي ؟ . وكما قلت فهذه الدراسة لا تلزم أحدا ، لكنها تأريخ للتاريخ الحقيقي لماض لم يبق منه فقط الاسم ..
ان الدراسة التاريخية لصيرورة تشكيل وتشكل الشعب المغربي ، تثبت لنا انها كانت مرادفة لعملية تعريب المغرب ، والتي تمت بصورة عفوية تلقائية ، وبعيدة عن أي شكل من القسر او العنف .
لقد شكل الفتح العربي الإسلامي للمغرب ، عملية نهوض متقدمة في التاريخ المغربي ، وساهمت الديانة والحضارة الإسلامية في رسم صورة المجتمع والشعب الجديد . ان اشعاع الدين الإسلامي والحضارة العربية ، قد وجدا في المغرب قبولا تلقائيا ، باعتباره كان يشكل النموذج الذي يحتذى به ، وأثر بذلك تأثيرا واسعا ، سواء في تغيير التقاليد الاجتماعية ، والثقافية ، او في رسم مجرى الحياة السياسية المغربية .
ان الدينامية الجديدة التي أحدثها هذا التطور في المغرب ، وتوافد ثلاث هجرات أساسية من الشرق العربي والاندلس للاستقرار ، والعيش في المغرب ، والتي استقرت دفعتها الأولى في المدن ، ثم استقرت الدفعات الأخرى في السهول والواحات الصحراوية ، قد خلقت سبكا جديدا متقدما في بلورة كيان الشعب المغربي ، والذي لعبت فيه الحضارة العربية واللغة العربية ، والدين الإسلامي ، الدور القيادي في كل المجالات في البلاد : السياسية ، والعسكرية ، والتجارية ، والإدارية ، والثقافية .
ان هذا التطور الذي شاهده المغرب اثر الفتح العربي الإسلامي ، حيث اصبح مندرجا ضمن اطار اعم هو العالم العربي ، ويلعب دورا هاما على صعيد المنطقة ، من جهة كقاعدة انطلاق لفتح اسبانيا واوربة ، ومن جهة أخرى كقاعدة أساسية في المغرب العربي ، تطل على جزء هام من افريقيا .. قلنا ان هذا التطور عمق عملية انصهار ووحدة العنصر البربري داخل الشعب المغربي الواحد . ويتبدى ذلك في المكانة التي احتلها الدين الإسلامي في الحياة السياسية والاجتماعية ، والمكانة التي احتلتها اللغة العربية في الحياة العسكرية ، والإدارية ، والدينية واختلاط ، بل واندماج ، العنصرين البربري والعربي في علاقات اقتصادية واسعة ، باعتبار ان المدن والسهول التي تم تعريبها ، كانت تلعب دورا اقتصاديا مستمرا ولا غنى عنه ، مع سكان الجبال البربر ، حيث شكل هذا العامل احتكاكا مستمرا عزز عملية التعريب والانصهار في اطار الشعب المغربي .
وعلى عكس ما يذهب اليه المنظرون الاستعماريون ، فان تتبع كل العصور التاريخية ، تشهد ان العرب والبربر قد عملوا معاً على نشر الإسلام داخل المغرب وخارجه في الاندلس ، وفي أواسط افريقيا . كما شاركوا بكيفية موحدة في إقامة حكومات مغربية على رأسها اسر عربية الأصل ( الادارسة ، السعديون ، العلويون ) ، وبربرية الأصل ك ( المرابطون ، الموحدون ، والمرينيون ) ، ولم يكن الصراع الداخلي وسط الشعب المغربي ، يتمثل في صراع عنصري إثني بين البربر والعرب ، بقدر ما كان صراع الجماهير المغربية والشعب المغربي كلها ضد الدولة المخزنولوجية ، السلطانية ، الرعوية ، البطريركية ، الثيوقراطية ، الفاسدة .. الظالمة ، او ضد أيّ عدو خارجي معتدٍ إعتداء الدولة السلطانية الجبرية الناهبة والمفترسة لثروات الشعب المفقر .. ..
ان صيرورة تشكل وتشكيل كيان الشعب المغربي ، دليل تاريخي ساطع ، من جهة ان الصحراء الغربية شكلت جزءا لا يتجزأ من الشعب المغربي ، ومن جهة أخرى انّ كل المحاولات التي بذلها أعداء مغربية الصحراء ، لإثبات الوضع الخاص للصحراء الغربية ، نتيجة وجود او انعدام الصلات التجارية بينها وبين باقي أجزاء المغرب ، وأثر ذلك على صلاتها ام استقلالها عن الدولة المغربية ، هي محاولات واهية وقاصرة عن فهم خصائص التاريخ المغربي وديناميكيته الداخلية .
--- فهل شكلت الصحراء وضعا استثنائيا على صعيد المغرب ؟
--- الم يكن وجود او انعدام الصلات التجارية ، ووضع الوحدة في فترة استقلال Aix-les Bains في فترة أخرى ، يعكس ظاهرة عامة على صعيد كل أجزاء المغرب ؟
--- ثمّ ألم يكن هذا التاريخ بين الارتباط والانفصال النسبي حقيقة أساسية ، ومجرى واقعيا في تاريخ المغرب ، لم يلغيا بتاتا وحدة الشعب المغربي ووحدة الوطن ؟
ان اخطر شيء بالنسبة لدعاة الانفصال ، هو محاولتهم تفسير التاريخ المغربي اعتمادا على النموذج الأوربي والرأسمالي المتطور ، اعتمادا على خيط واتجاه التطور كما جرى في الغرب ، وفي البلدان الرأسمالية المتقدمة ، والتي تمت فيها عملية التوحيد السياسي ، وإقامة الدولة القومية / الوطنية كحصيلة ، وكنتيجة لنمو وتطور الطبقة البرجوازية ، وفي اثناء ثورتها ضد طبقة الاقطاع ، وبتحالف واسع مع الجماهير الشعبية ..
ان تاريخ الدولة في هذا الواقع قد شهد خطاً واحدا متصاعدا في التطور . فبدل تجزيئ الوطن الى امارات ودويلات مكروسكوبية صغيرة ، يصبح التقسيم الى محافظات واقاليم ، تقسيما إداريا محضا في اطار الدولة القومية الواحدة . انه يُلخّص بكلمة واحدة على الشكل التالي : نمو الواحدية على حساب التعددية .
ان مجرى التطور عندنا في المغرب يختلف . الدولة الواحدة في عموم الوطن المغربي ، كانت تقام في فترات تاريخية متعددة ، دون ان يكون ذلك مرادفا لوجود طبقة برجوازية سائدة في الإنتاج والدولة .
وبالمقابل نجد تعددية الدولة ، تقلص نفود الدولة ، وظهور مناطق السيبة الثائرة .
ان احتفاظ مناطق واسعة باستقلالية كبيرة عن السلطة المركزية ، الدولة السلطانية المخزنولوجية ، الثيوقراطية ، الرعوية ، البطريركية ، الكمبرادورية .. ، تعاقب هذين الشكلين ، الصراع بين هذه الواحدية ( سيادة الدولة الكاملة ) التي لا تدوم ، وبين تقلص نفود الدولة السلطانية المخزنولوجية ، وظهور مناطق السيبة .. هو ما يطبع كسمة خاصة التاريخ المغربي الحقيقي ، لا تاريخ مؤرخي المملكة الرسميين الذين صنعوا تاريخ دولة مخزنولوجية كما أراد اسيادهم .
--- اذن هنا يصبح السؤال : ما هو الأساس الاقتصادي لهذه الخاصية ؟ .
--- وهل أدى دخول الاستعمار ومعه أسلوب الإنتاج الرأسمالي الى حسم هذا التأرجح ، ام أدى الى تعميق أسس التجزئة ؟ .
لم تشكل الزراعة المصدر الرئيسي لربح ومداخيل طبقة المخزن الفيودالي ، الكمبرادوري ، الرعوي ، البطريركي .. اول الأساس في تمويل ، وفي قوة الدولة المخزونولوجية السلطانية المغربية . ان تخلف وسائل الإنتاج الزراعية ، وضعف مردوديتها ، لم تكن تسمح بأكثر من الاكتفاء الذاتي ، الامر الذي لم يجعل الزراعة تشكل المصدر الرئيسي لفائض قيمة كبيرة ، يسمح بظهور طبقة اقطاعية بالمعنى الأوربي للكلمة . بل ان المصدر الأساسي بالنسبة للطبقة الكمبرادورية ، المخزنولوجية السلطانية الحاكمة ، كان يعتمد بالأساس على الأرباح التجارية .
ان الحضارة المغربية ، كانت حضارة مدينية ومدنية ، أساسها التجارة الصحراوية . وهنا ليس غريبا اذا رأينا المرابطين ، والموحدين ، والمرينيين ، لا يعرفون الازدهار الاّ بعد استيلائهم على مدينة سجلماسة باب الصحراء ، وملتقى الطرق التجارية بين شمال وجنوب المغرب .
فخلال القرن الحادي عشر الميلادي ، تظهر قوة الدولة المرابطية ، مربوطة بسيطرتها على القوافل التجارية . فبعد استيلاء المرابطين على سجلماسة ومراكش ، نراهم ينطلقون لإخضاع كافة أجزاء المغرب الأقصى ، وجزء من المغرب الأوسط ، قبل ان ينتقلوا الى الاندلس .
وخلال القرن الثاني عشر ، صمدت الدولة المرابطية في وجه اعداءها مدة ثلاثين سنة ، دون ان تسقط ، الى ان تمكن الموحدون من السيطرة على سجلماسة سنة 1145 . وبعد ذلك مباشرة ، تمكنوا من اخضاع كافة أجزاء المغرب لسلطتهم ، من مراكش الى القيروان وذلك سنة 1152 . وعلى نفس المنوال ، فلم تسقط الدولة الموحدية الاّ بعد استيلاء المرينيين على باب الصحراء سجلماسة سنة 1255 .
ان تعاقب هذه الدول على الحكم في المغرب ، في القرون الوسطى ، كان نتيجة لتمكن احدى الجماعات السياسية المتصارعة ، انْ تجمع في نفس الوقت ، بين القوة السياسية والعسكرية ، وبين السيطرة على خطوط التجارة الصحراوية . انّ جزءا هاما من مدخول الطبقة الحاكمة ( الارستقراطية القبلية والتجارية ) ، مصدره الأساسي السيطرة على خطوط التجارة ، حيث يتم جباية هذا المدخول إمّا عبر الضرائب والرسوم التي تفرضها الدولة السلطانية المخزنولوجية على مختلف العمليات التجارية ، وإمّا عبر اشراك عدد من التجار في العمليات التجارية الخاصة بالسلطة المخزنية ، او بواسطة عملاء تجاريين تثق فيهم ، ويُعهد اليهم بجزء من تجارتها .
ان الدولة في وضعها هذا ، بحاجة ماسة من اجل تطورها واستمرارها ، الى تنشيط التجارة ، والى دعم فئة التجار ، وفي المقابل ، فان هؤلاء بحاجة اكبر للدولة ، من اجل توفير شروط الامن في تنقلاتهم ، ومن اجل حماية عملياتهم التجارية في مختلف مراحلها ، محتاجون لدولة تبسط نفوذ سلطتها على مجموع البلاد ، وبالخصوص في جميع خطوط مرور التجارة ، ومواقع تمركزها في الحركة الدائمة للتصدير والاستيراد .
ان دور التجارة هذا في تطور المجتمع المغربي في القرون الوسطى ، هو ما يعطي مفتاح تفسير عدة ظواهر في التاريخ المغربي . فمن جهة ، ان ما يفسر لماذا لم تتطور فئة التجار الى طبقة برجوازية كالتي نمت في اوربة ، رغم الأرباح الهائلة التي كانت تجنيها عبر العمليات التجارية ، يكمن بالضبط في ان دورها كوسيط تجاري في الساحة الدولية ، لم يُنمّ لديها نزعة تملك وسائل الإنتاج ، بقدر ما كان يتطلب منها اتقان دورها كوسيط ، وتوثيق تحالفها مع السلطة المخزنية ، لأنها عبر قيام دولة مركزية قوية ، تستطيع توفير شروط الامن والاستقرار الضروريين لضمان تنقل البضاعة والعملة .
ومن جهة أخرى ، فان ما يفسر لماذا كان تاريخ المغرب العربي حافلا بالصراع بين دول المنطقة خلال القرون الوسطى ، هو بالذات الصراع حول الطرق التجارية ، والتحكم في أبواب الصحراء التي تشكل نقط وصول القوافل التجارية . فاذا كان هناك خط تجاري ينطلق من ضفاف نهر النيجر ، ليصل الى افريقيا عبر الصحراء الجزائرية ( حاليا ) ، فان هناك طريقا آخرا اكبر أهمية من الأول ، هذا الطريق يخترق الصحراء الغربية نظرا لكونها اضيق رقعة واقل جدبا ، هذه الطريق المارة بالقرب من المحيط الأطلسي تنحني قليلا عند وصولها الى وادي درعة لتصل في النهاية الى سجلماسة . وانطلاقا من هذه المدينة كانت تتشعب الطرق التجارية نحو الشمال ، متجهة في النهاية الى شمال المغرب والاندلس من جهة ، والى الشرق العربي عبر المغرب الأوسط من جهة أخرى . وعلى هذه الممرات التجارية ، أقيمت المدن التي غالبا ما كانت تصبح عواصم لمختلف دول المغرب العربي : فاس ، تلمسان ، تاهرت ، قسطنطينية ، والقيروان .. وكان التنافس الرئيسي بين دول المنطقة ، يدور حول التحكم في تجارة الذهب ، والسعي من اجل اضعاف المدن المنافسة .
ان التطاحنات التي عرفها المغرب العربي خلال العصر الوسيط ، تفسر في اغلبيتها ليس بحب التوسع من اجل التوسع ، ولكنه بالرغبة في السيطرة على طرق التجارة الصحراوية .
ومن جهة ثالثة ، وهذه النقطة الأهم في دراستنا ، فان ما يفسر في تاريخنا لماذا ظهر المخزن الدولة المخزنية ، يكمن في كونها تشكل خزانا للمال . فالأصل التاريخي للكلمة " المخزن " يدل على صندوق الحديد الذي تودع فيه الأموال . ومن هذا المفهوم تطور اصطلاحها ليدل في المغرب المخزني على الدولة السلطانية المركزية ، باعتبار ان اهم أدوارها هو جباية الأموال عبر الضرائب ، وعبر العمليات التجارية ، وعبر الاغارات ، والمصادرات بقوة البطش والسيف .
ان قيام الدولة المركزية الموحدة في عموم الوطن المغربي ، وخلال حقبة تاريخية طويلة منذ القرن الثامن ميلادي ، وبصفة خاصة منذ قيام الدولة المرابطية في القرن الحادي عشر ، حيث تحققت لأول مرة وحدة عالية سياسية بالمغرب ، ورسمت بدقة حدوده السياسية / الجغرافية ، ووضعت فيه أسس دولة متطورة وموحدة وقوية .. إنّ قيام هذه الدولة المركزية لا يفسره بتاتا وجود برجوازية متطورة رأسمالية ، تبحث عن سوق موحدة واسعة لترويج بضاعتها بنفسها . ان تفسير قيام دولة مركزية ، ووصولها الى اوج التطور والسطوة ، فرضه عندنا في المغرب الدور الذي لعبته الارستقراطية القبلية التجارية ، باعتبارها وسيطا تجاريا عالميا ، نظرا لموقع المغرب الجغرافي الممتاز ، والذي يربطه تيار المبادلات التجارية مع كل بلدان البحر الأبيض المتوسط ، ومع بلدان شمال افريقيا ، ومع السودان عبر الصحراء .
ان هذا الوضع الذي فرض قيام الدولة المركزية ، واعتبارا لما يسببه في الوجه الثاني من كوارث على الوضع المعاشي بالنسبة لحياة اغلب الجماهير الشعبية ، كان يفضي ، وبعد كل دورة من قيام دولة مركزية ، ووصولها الى اوج التطور والسطوة ، الى قيام حالة من التشتت ، او ما يسمى في التاريخ المغربي بظاهرة السيبة ، كان يفضي الى تعددية قبلية على حساب واحدية الدولة المركزية .
ان قيام و انتصار دولة مركزية ، وسيطرتها على خطوط التجارة ، كان يؤدي الى تفاحش غنى وترف الطبقة الحاكمة بشكل لا يطاق ، وفي نفس الوقت يفرض قيام هذه الدولة ووظيفتها في حماية امن الخطوط التجارية ، ضرورة تكوينها وتجهيزها لجيش قوي بالغ التكاليف ، حتى تجبى الأموال من عرق جبين الجماهير الكادحة ، وبالخصوص من الفلاحين ، الذين لم يكونوا يزرعون الاّ ما يسد رمقهم ، خصوصا وانهم يعرفون ان ثمرة كدهم وعملهم لتوسيع الإنتاج ، سوف يقطفها النظام السلطوي السلطاني المخزنولوجي ، الرعوي ، البطريركي ، والثيوقراطي الكمبرادوري ... عبر " الحرْكة " ، او عبر " السخرة " التي يفرضها قايْد المنطقة . ففي عهد السلطان الدموي الطاغية ( مولاي ) إسماعيل مثلا ، " فان جُباة الضرائب في سلطنته ، قد جروا ذيول الظلم على الرعية ، فأكلوا اللحم ، وشربوا الدم ، وامتشوا العظم ، وامتصوا المخ ، ولم يتركوا للناس دنيا ولا دينا " / من رسائل احد العلماء الى ( المولى ) إسماعيل .. كتاب الاستقصاء ج 7 – ص 81 / ..
ان الجماهير الكادحة لم تكن ترى في قيام الدولة المركزية ، وازدياد قوتها ، وبسط نفوذها ، سوى وجه مضاعفة استغلالها المدمر لدرجة المجاعة . ولهذا بالضبط ، كلما أصاب الضعف الدولة المركزية ، او حُرمت من احدى إمكانياتها في التطور ، او تفاقمت تناقضاتها الداخلية ، والمتمثلة خصوصا في الصراع على ولاية العهد ، بعد موت السلطان ، كلما سارعت الجماهير الى حماية نفسها من اضطهاد السلطان وحاشيته ، وفرض استقلالية نسبية في حكم نفسها بنفسها عبر مجلس الجماعة ، ورفض دفع الضرائب ، وتشكيل جبهة مع بعضها لمنع وصول جيش السلطان المخزني القهري لإخضاعها . بل وتنتقل هذه القبائل في سنوات الجفاف ، الى غزو المناطق السهلية الخاضعة لسيادة للسلطان ، باحثة عن أي مصدر لسد حاجيات عيشها ، ولو بالنهب ، مشكلة بذلك تهديدا قويا لأمن بلاد السلطان المخزني نفسها ، والتي تضيق رقعتها أحيانا لتنحصر في المناطق والمدن السهلية ..
وهنا نطرح السؤال الرئيسي على من يروج لفكرة ان الصحراء الغربية لم تكن مغربية ، وجزاءً من الوطن المغربي . واني متيقن انهم لا ولن يستطيعوا الجواب عليه ، خاصة وان وضع الصحراء قد حسم لصالح الجمهورية الصحراوية ، واصبح امرا واقعا فارضا نفسه دون تجاوزه .
هل وضع الصحراء الغربية التي حافظت على " استقلال " عن المناطق المغربية الأخرى ، منذ بداية القرن الرابع عشر ، الذي شهد تحويل الطرق التجارية باتجاه مصر .. كان وضعا خاصا فريدا بالصحراء الغربية المغربية فقط دون غيرها من الأجزاء الأخرى من المغرب ، والتي شهدت نفس هذه الوضعية المتسمة " بشبه استقلال نسبي " ، وأيضا نمو مناطق " السيبة " الخارجة عن نفود السلطان والدولة السلطانية المخزنولوجية ؟
فمنذ أواخر عهد المرينيين ، وفي عهد بني وطاس ، كان قسم هام من البلاد قد رفض عادة دفع الضرائب ، واصبح يمارس استقلالا فعليا عن السلطة المخزنية ، وبذلك توسعت مناطق الثورة / السيبة ، حيث شملت الصحراء الغربية ، وموريتانية ، ومناطق جبال الاطلس المتوسط ، وجبال بني يزناسن ، ومناطق ملوية ، ومناطق الريف وغيرها .. وعلى ذلك وكما سبق ان اوضحنا ، فان اعتماد اطروحة انّ ضعف الروابط التجارية ، يلغي مغربية الصحراء الغربية .. فلو عممنا هذا المقياس ، لما اصبح هناك شيء اسمه المغرب ، واسمه الشعب المغربي ، اللهم الاّ في المدن والسهول .
منذ القرن الثامن ، حتى القرن الرابع عشر ، والمغرب يتطور كشعب مستقل ، ويحافظ لحقبة طويلة على هذا الاستقلال . فالدولة / المخزن / تنشأ وتتطور ، وتبسط نفوذها بناء على سيطرتها على تيارات التبادل التجاري ، وفي اتجاه بلدان البحر الأبيض المتوسط ، وبلدان المغرب العربي وشمال افريقيا ، ومع السودان عبر الصحراء الغربية وموريتانية . وخلال هذه الحقبة ، يشهد المغرب ارقى مراحل تطوره المبنية على هذا الدور الخاص الذي يلعبه على الساحة الدولية ، ويستطيع ان يُلِمّ كل أجزاء الوطن المغربي في وحدة متماسكة . لكن ان مصدر هذه القوة يرتبط بالسيطرة على مراكز التجارة .. الموانئ ومراكز القوافل التجارية في الصحراء الغربية المغربية . لكن هذا التطور يتوقف عن النمو وعن التصاعد ، عند تخلف البنية الداخلية الاقتصادية والاجتماعية ، وتدهور قوى الإنتاج المادية والبشرية ، وضعف الدولة المركزية .. وفئة التجار كلها تفسر هذا التوقف عن النمو . لكن ذلك لا يستوعب كل تفسير الواقع . فمنذ القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر ، يحتل البرتغال واسبانية المدن الساحلية : سبتة سنة 1415 ، أصيلا وطنجة سنة 1481 ، أسفي 1508 ، ازمور 1513 ، .. الخ . ان ضعف السلطة المخزنية السلطانية ، وانعدام قوة فئة التجار ، وتدهور قوى الإنتاج ، واشتداد الازمة الاقتصادية والاجتماعية ، واستفحال مناطق الثوار / السيبة .. يرتبط الى حد كبير بهذا التطور . إنّ احتلال اسبانيا والبرتغال لكل الموانئ المغربية تقريبا ( باستثناء مينائي سلا والرباط ) ، قد أدى الى انقطاع تيار المبادلات التجارية التي كانت تنشط بين المغرب وبلدان البحر الأبيض المتوسط . كما ان العلاقات العدائية مع الاتراك ، كانت تضعف المبادلات مع بلدان المغرب العربي الأخرى ، هذا بالإضافة الى تدهور التجارة عبر الصحراء مع السودان ، والتي اصبح البرتغال واسبانية يسيطران على قسم واسع منها .
ان هذا التدهور العام ، الناجم عن تدهور خطوط المبادلات التجارية ، بين المغرب والبلدان الأجنبية الأخرى ، قد أدى مفعوله الكبير في تدهور شامل للزراعة والصناعة المغربية . ومنذ هذا العهد ، شهد المغرب فترة تطور استثنائية ، هي التي تمتد ما بين أواخر القرن السادس عشر الى القرن الثامن عشر ، وعلى الخصوص اثناء حكم السلطان الدموي إسماعيل ( 1672 – 1727 ) ، والسلطان محمد بن عبد الله ، واللذين استفادا على الخصوص من الضعف العام للدولة العثمانية ، وكف حكمها في الجزائر عن التدخل في المغرب ، ونشاط التجارة من جديد بين المغرب والجزائر ، ومن ظروف اسبانية والبرتغال الدولية ، خاصة وانّ اوربة كانت تشهد صراعا أساسيا بين الدول الكبيرة المتنافسة على تقسيم مناطق النفود آنذاك ، الصراع بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية ، والصراع بين المانيا وفرنسا .
ان الصراع الذي شهدته اوربة خلال القرن الثامن عشر اثّر تأثيرا بالغا في إسبانية والبرتغال ، حيث لم يشكلا إذْ ذاك تهديدا جديا على المغرب .
ولكن رغم هذه الفترة الاستثنائية ، التي شهدها تطور المغرب ، ونشطت فيها التجارة من جديد ، وتقوت فيها سلطة الدولة المركزية ، فان ذلك لم يمنع وخلال القرن التاسع عشر ، وبداية القرن العشرين ، اقتصاد المغرب ان يدخل تدريجيا في اطار السوق الامبريالية العالمية كاقتصاد كلونيالي ومجزأ ، وواقع وجود مناطق شبه مستقلة يتعمق بشكل اخر واكثر شمولية ، واقع التجزئة يترسخ ، في شكل اعلى .
فبسيطرة التجارة الاوربية على اهم الموانئ والمراكز التجارية ، تتغلغل الشركات الرأسمالية الغربية في قلب البلاد ، عبر شبكة السماسرة المغاربة الذين مُنِحوا ما يسمى بحق الحماية . وعبر هذا التطور يتم احتلال المغرب ابتداء من سنة 1912 . ومع دخول الاستعمار واستقراره ، يستطيع ان يوحد البلاد لضرورات الاستغلال الرأسمالي ، فيقضي بذلك على مناطق السيبة الثوار ، لكنه في هذا التوحيد من اجل تسهيل الاستغلال ، يقسم المغرب الى أجزاء متناثرة ، منطقة موريتانية وتحتلها فرنسا ، منطقة الصحراء الغربية وتحتلها اسبانية ، منطقة " الداخل " وتحتلها فرنسا ، وطنجة مدينة دولية ، والمنطقة الشمالية إضافة الى سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وتحتلها اسبانية ...
اذن يصبح السؤال الأساس بعد هذا العرض المبسط : هل سكان الصحراء شعب ، او جزء لا يتجزأ من الشعب المغربي ؟
ويصبح السؤال من جديد . هل أدى وجود مناطق السيبة المستقلة عن السلطة المركزية ، وهل أدى وجود الواقع الاستعماري الجديد إذْ ذاك ، والذي قسم المغرب الى أجزاء متناثرة ، الى خلق كيانات مستقلة داخل المغرب .. هل أدى الى خلق شعوب متميزة داخل القطر المغربي ، لها كامل التكوين الذاتي والحقوقي لأيّ شعب كان ؟
ان الجواب عن هاذين السؤالين الذي سيصدم مناصري الانفصال ، ودعاة الجمهورية الصحراوية ، هو ان تاريخ المنطقة الصحراوية هو جزء لا يتجزأ من التاريخ الاقتصادي والسياسي للوطن المغربي .. لماذا ؟
-- أولا كنظام قبائلي جماعي يحكمه النظام المخزني ، والذي لعبت فيه التجار الدور المركزي .
-- ثانيا كنظام خضع بمجموعه لحركة الاستغلال الاستعماري وتقسيماته .
وعلى هذا الأساس ، فان علاقة السلطة المخزنية المركزية في ترابطها او انحلالها مع المناطق او القبائل التي كان سائدا فيها النظام الزراعي او النظام الرعوي ، هي علاقة تشكل جزءً لا يتجزأ من التاريخ الاقتصادي والسياسي للمغرب ، وهو تاريخ تكوّن وتشكّل وتبلور الشعب المغربي .
ان حجتنا الأساسية في ذلك نستقيها من التاريخ نفسه ، من تصرف الجماهير الشعبية ذاتها ، ومن لا تاريخ له لا وجود له ، ولن يكون له وجودا على الاطلاق .
ان المقاومة العفوية للملايين من سكان الشعب المغربي ، ورد الفعل الغريزي لطرد أي عدوان اجنبي ، قد تجلى في تاريخنا منذ القرن السادس والسابع عشر ، وفي مطلع القرن العشرين ضد التدخل الاسباني البرتغالي ، وضد التدخل الأجنبي عامة والفرنسي خاصة ..
ان الجماهير الشعبية من طنجة الى الصحراء ، تتصدى بحمية وطنية عالية لصد العدوان الأجنبي الدخيل ، وتقف مناطق وقبائل الثوار السيبة بالذات ، المناطق التي تمثل السكان الأكثر اضطهادا والأكثر كفاحية ، اعتبارا لتقاليدها القتالية العريقة ، في مقدمة الانتفاضات المسلحة الفلاحية ( الجبال والبوادي ) التي تدافع عن حرية ووحدة التراب الوطني ..
وفي هذا النضال ضد الغزو الأجنبي الامبريالي ، يعاد من جديد لحم كيان الشعب المغربي ، ويحيا الشعور الوطني في غمرة الكفاح ضد الاستعمار .
ان ثورة موحى وحمو الزياني ، كقائد لقبائل زيان بالأطلس المتوسط ( يونيو 1914 ) ، وثورة الريف بقيادة الزعيم المغربي الكبير عبد الكريم الخطابي ( 1921 – 1926 ) ، وثوار الاطلس الكبير ، وثورة الثائر الصحراوي احمد الهيبة ماء العينين الذي نصب نفسه حاكما لمراكش بعد عقد الحماية / الخيانة الذي مكن السلطان عبد الحفيظ المغرب لفرنسا ( 1924 ) .. كانت ثورات مندمجة اندماجا كاملا للدفاع عن الأرض المغربية ، وصون الاستقلال ، ومجابهة الاستعمار بكل اشكاله المختلفة ( البرتغالي والاسباني والفرنسي ) .
ولم يحث بالصدفة في تاريخ بلادنا ان تصرفت الجماهير الشعبية من اجل تحررها الوطني بأفق وحدوي ، وناضلت من اجل تحرير الشعب المغربي برمته من كل اشكال الاستعمار القديم ، والاستعمار الجديد .
ان ثورة الجمهورية الريفية تضطر، ومع ازدياد حصار الحلف الاستعماري الاسباني ، والفرنسي ، والعلوي ( لمْحلّة ) ضدها ، ان توسع جبهة القتال خارج منطقة الريف ، وتربط مصيرها بمجموع نضال الشعب المغربي ، وتشكل بذلك الحادث الحاسم في اثارة اليقظة الوطنية المغربية .
وعلى نفس المنوال قامت ثورة أحمد الهيبة ماء العينين ، التي كانت حركة وطنية مسلحة هدفها ليس تحرير الصحراء الغربية ، بل وأيضا مقاومة الاحتلال الاستعماري في عموم الوطن المغربي .
وبعد وصول الثائر احمد الهيبة ماء العينين وقواته المسلحة الى مدينة مراكش ، وتصادمه مع خيانة القصر السلطاني / الملكي والقُيّادْ الخونة ، وبمساعدة الاستعمار الاسباني والفرنسي ، اضطر ان يربط النضال من اجل مقاومة الاستعمار ، بالثورة ضد عملاءه المحليين ( القصر السلطاني والسلطان ) ، وان ينصب نفسه ملكا وطنيا على المغرب . ورغم فشل حملة الثائر الصحراوي المغربي احمد الهيبة ماء العينين ، على يد القوات الاستعمارية الاسبانية الفرنسية ، والسلطان المخزني ، والقُيّاد الخونة ، يستمر نضال سكان الصحراء الغربية من اجل تحقيق الاستقلال الوطني ، وتوحيد كافة الوطن المغربي .
وبعد استقلال Aix-les Bains الخياني الذي رهن المغرب في يد الاقطاع والخونة ، ومع بقاء الاحتلال الاسباني في الصحراء ، خاض سكان الصحراء في اطار جيش التحرير الشعبي المغربي بالجنوب المغربي ، معارك مسلحة واسعة ، من اجل طرد المستعمر ، والتشبث بوحدتهم في اطار المغرب . وكالخيانات السابقة ، تعرض جيش التحرير المغربي لخيانة النظام السلطاني المخزنولوجي المرتبط بالاستعمار روحا ومادة ، وبالتحالف مع القوتين الاستعماريتين ، الاستعمار الاسباني ، والاستعمار الفرنسي في واقعة / مجزرة " إيكوفيون " والمسماة بواقعة خيانة المخزن " المكنسة / الشطابة " .
ويرتبط اليوم أيضا تحرير سكان الصحراء من الاستعمار الجديد مثل إخوانهم المغاربة ، لإنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية ، بوحدتهم في اطار كيان الشعب المغربي .
ان المعضلة التي يجهلها او يتجاهلها دعاة الانفصال ، ان الاستعمار بمختلف اشكاله ، انشأ دولا ، لكنه لم ينشأ شعوبا ، وما محصلة مجرمي " سايكس بيكو " Saiks / Pico ، والتشرذم الذي لحق الوطن العربي ، الاّ مثالا بسيطا عمّا يجري اليوم من مؤامرات لتفتيت المغرب شعبا وارضا .. ونطرح السؤال . من انشأ إسرائيل الدولة ؟ اليس Saiks الإنجليزي ؟
اذن ما هي خلاصة هذا التحليل :
ان اول بديهية يجب التمسك بها ، ان قضية الصحراء ليست مسألة مغلوطة على الاطلاق . ان هذه الدراسة البسيطة التي قمنا بها تثبت ان مغربية الصحراء ، والتشبث بها الى اخر رمق ضمن الوحدة الوطنية مع المغرب ، وواجب ومسؤولية الشعب المغربي في مهمة التحرير هذه ، والمرتبطة الآن جذريا بعموم مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية .. نعتبره الأساس الأول من اجل التحرير الحقيقي ، والبند الأول في الاستراتيجية الوطنية الثورية لتحرير كل الصحراء الغربية ، المتصادمة فعلا مع استراتيجية الاستعمار والامبريالية في خلق الكيان المصطنع ، والمتصادمة مع خيانات النظام السلطاني التي دقت كخنجر مسموم في ظهر الشعب المغربي ، وفي شرعية ومشروعية مغربية الصحراء .
ومن هذا المنطلق نرى ان لا طريقا حقيقيا من اجل هزم المخطط التقسيمي ، ومن اجل تحقيق رغبة سكان الصحراء العميقة في التحرر ، الاّ طرح مهمة التحرير والدفاع عن وحدة الأرض المغربية ، ووحدة الشعب المغربي ، على صعيد مجموع الشعب المغربي ، في اطار التشبث بمغربية الصحراء .. وسوف لا يتم ذلك الاّ اذا اعتبر الشعب المغربي قاطبة ان مهمة تحرير الصحراء والاحتفاظ بها ، هي احدى مهام التحرير الأساسية لتأمين انتصار الثورة الديمقراطية الوطنية الشعبية ..
فالوقت الآن مناسب من أي وقت مضى ، لاعتماد الصحراء كمشروع تناقض مع النظام المخزني ، سبب الوضع الخطير الذي وصلته قضية الصحراء على المستوى الدولي ( الأمم المتحدة ) ، والقاري ( الاتحاد الأوربي والاتحاد الافريقي ) ، والجغرافي المناطقي ( المغرب العربي ) ، والمؤسساتي ( محكمة العدل الاوربية ) ... الخ .
الفصل الثاني
خيانة النظام لقضية الصحراء
--- تحليل مواقف النظام السلطاني ، المخزنولوجي ، الكمبرادوري من نزاع الصحراء :
كما شاهدنا في مقدمة هذه الدراسة ، يتحمل النظام المخزني السلطاني الجزء الأكبر من المسؤولية عن المآل التشفي الذي وصل له الوضع في الصحراء .. وهو حين يتحمل المسؤولية عن ذلك ولوحده ، فلأن الشعب المفروض فيه ان يكون اصل القرارات الاستراتيجية في هذه النزاع ، ظل ولا يزال مهمشا ، ومبعدا بدعوى ان الاختصاص هو للقصر لا لغيره ، وقد درجت جميع الأحزاب السياسية التي انقرضت ، ولا تزال كصدفيات فارغة ، على تشييع هذه الفكرة من ان قضية الصحراء هي قضية القصر ، وكأن القصر يحكم دولة فراغ من شعبها ، وكأن قضية الصحراء ليست قضية شعب يستعمل للمباركة والتصفيق .. والأحزاب التي أعنيها هنا ، أحزاب البرجوازية الصغيرة ، كالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سابقا ، وحزب التقدم والاشتراكية ، والأحزاب الصغيرة التي تتموقع يسارهم .. فعندما ردد النظام أسطوانة الصحراء في مغربيتها ، والمغرب في صحرائه صفقت . وعندما قبل الحسن الثاني بالاستفتاء وتقرير المصير في نيروبي صفقت باستثناء عبدالرحيم بوعبيد . وعندما قبل النظام بمقترح James Becker صفقت . وعندما تقدم النظام بحل الحكم الذاتي صفقت . وعندما اعترف محمد السادس بالجمهورية الصحراوية للانضمام الى الاتحاد الافريقي ، لزمت الصمت . والصمت دليل على الموافقة والقبول والرضى بما يقوم به السلطان . أي انها تدعم أي مقترح يخرج به في مسألة التراب الوطني ، دون واعز ضمير كعبدالرحيم بوعبيد ..
فمنذ طرح نزاع الصحراء بالأمم المتحدة في ستينات القرن الماضي ، وخرجات النظام تثير الشك والدهشة والريبة . فالنظام في خرجاته ومن اعلى منبر الأمم المتحدة التي هي الجمعية العامة ، يركز على الاستفتاء وتقرير المصير ، وهو هنا بتركيزه على الاستفتاء لحل النزاع ، يكون بمن يعتبر الصحراء ليست مغربية ، وحسب موقفه الشاد هذا ، فان الذي سيحدد جنسية الصحراء هل هي مغربية او انها ليست مغربية ، هي نتيجة الاستفتاء بعد ان يُدلي الصحراويون بصوتهم ، وتحت الاشراف المباشر للأمم المتحدة . فإذا كانت نتيجة الاستفتاء لصالح اسبانية الصحراء ، فان النظام سيعترف بجنسيتها الاسبانية ، والعكس صحيحا .. لكن السؤال هنا . اذا كان النظام السلطاني يعتبر الصحراء مغربية ، لماذا لم يطالب باستردادها الى الوطن الام ، وركز على الاستفتاء وتقرير المصير .. وهذا اقره السلطان الحسن الثاني في نيروبي اثنان في سنة 1981/82 عندما تقدم امام العالم بقبول اجراء الاستفتاء وقال " اذا صوت الصحراويون لصالح الاستقلال سأكون اول من سيعترف بهم . أي بجمهوريتهم التي اعترف بها من بعده محمد السادس ، من دون ان يستفتي الصحراويون على مصيرهم كما تنص على ذلك قرارات الأمم المتحدة ..
كذلك لماذا سمى ممثل النظام المغربي بالأمم المتحدة في سنة 1968 الصحراء بالصحراء الاسبانية ، ولم يسميها بالصحراء المغربية المحتلة ، وطالب في حقها بالاستفتاء وتقرير المصير ، ولم يطالب باستردادها كاملة غير منقوصة كما فعل محمد الخامس عندما زار قرية الحدود " مْحاميدْ الغزلان " سنة 1958 ، وفي مؤتمر طنجة سنة 1957 عندما طالب باسترداد الصحراء الى المغرب ..
كذلك حين كان النظام يفاوض البوليساريو ، فهو كان يفاوض طرفا اخرا يحمل صورة مخالفة للوضع القانوني للصحراء ، أي انه كان يفاوض من اجل ارض مع طرف يعترف بادعاء ملكيته لها ..
ولنا ان نسأل محمد السادس عندما تقدم بمقترح حل الحكم الذاتي في ابريل 2007 .. اين انت بتلك الخرجة التي تجاهلها العالم ، من قول الحسن الثاني عندما اقترحوا عليه منح الصحراويين حكما ذاتيا ضمن سيادة الدولة العلوية ، و رد قائلا " كيف ؟ هل يريدون مني ان أكون ملكا على جمهورية صحراوية ؟ ابداً " .. وابداً هنا تعني القطع ، ولا تعني التردد والتنازل ..
وأين محمد السادس الذي اعترف بالجمهورية الصحراوية ومنها يكون قد اعترف بالشعب الصحراوي ، من قسم المسيرة الخضراء ، ومن الجنود الذين سقطوا في المعارك وتم دفنهم في مقابر جماعية بدون شاهد على القبر ، وتركوا ابناءهم من بعدهم يتدورون الجوع ، والفاقة ، وقلة الشيء .. ؟ .. الم ينقلب محمد السادس على ارث الحسن الثاني ؟ .
واذا كان النظام يصف من يردد مصطلح " الصحراء الغربية " بالخائن ، مع العلم انه مصطلح اممي لا علاقة له بتحديد جنسية الإقليم ، والنظام يستعمله عند مراسلة الأمم المتحدة ، فماذا نعتبر اعتراف محمد السادس بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في يناير 2017 ، ونشر اعترافه في الجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد : 6539 .. اليس الاعتراف خيانة كبرى للتاريخ من 1956 والى اليوم ؟
في سنة 1956 عشية استقلال Aix-les Bains ، وضعت الفصائل المتقدمة لجيش التحرير والمقاومة المدينية ، والجناح التقدمي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي سيتأسس في 6 شتنبر 1959 ، برنامجا ادنى للنضال يستهدف الاستمرار في مهمة التحرير ، ويتلخص في الشعارات التالية :
1 ) جلاء القوات الأجنبية من البلاد .
2 ) محاكمة الخونة ومصادرة املاكهم .
3 ) تصفية الاحتلال المباشر وتحقيق وحدة التراب الوطني .
اذن ، كان الشعار الأساسي للمقاومة وجيش التحرير ، والجناح التقدمي داخل ( الحركة الوطنية ) الذي سيؤسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبي في 6 شتنبر 1959 ، هو تصفية الاحتلال المباشر ، وتحقيق وحدة التراب الوطني ، حيث انتقلت ومنذ أوائل سنة 1956 فصائل من جيش التحرير التي كانت متمركزة في الشمال ، ومن المقاومة ، الى منطقة گلميم بجنوب المغرب ، لفتح واجهة الكفاح المسلح ضد الاستعمار المباشر الفرنسي والاسباني في منطقة الصحراء الغربية .
ان ما يهمنا نحن هنا ، تحليل تطور مواقف النظام السلطاني العلوي المخزنولوجي ، وبالذات موقفه الحقيقي من نزاع الصحراء الغربية . هل مواقفه خدمت قضية مغربية الصحراء ، ام انها كانت مواقف حسابية حربائية ، أضرت وأساءت لقضية الصحراء الغربية المغربية ، وكانت أداة مساعدة لتدخل الإمبريالية والصهيونية التي أصبحت مستقرة ببلادنا وتهدد جيراننا ؟ .
النظام السلطاني ، المخزنولوجي ، الكمبرادوري ، وقف ضد مغربية الصحراء ، وضد تصفية الاحتلال الاستعماري لها ، وضد وحدتها مع مجموع الوطن المغربي .. وبذلك لعب في البداية دور الرفض الضمني لدعم استمرار كفاح التحرر الوطني ، ووقف ضد الإرادة العميقة لسكان الصحراء في الاستقلال والعودة الى المغرب .. لان الخطر بالنسبة له ، هو تحضير المواجهة مع المقاومة وجيش التحرير اللذين كان يراهما كأعداء حقيقيين وليسوا محتملين ، لنظامه الطقوسي الرجعي الذي بطش بالمقاومة وجيش التحرير ، واحاط نفسه بالخونة الذين سلمهم مصير المغرب .. فالتحالف كان مهيئً له منذ الدقائق الأولى بعد خيانة Aix-les Bains ..
فسنوات 1956 و 1960 ، شهدت صراع الاثوقراطية السلطانية ، ومجموع الطبقة الحاكمة الرجعية ، من اجل حسم ازدواجية السلطة والحكم التي عاشها المغرب منذ Aix-les Bains ، حتى سنة 1961 .
ان دور حركة المقاومة وجيش التحرير ، والجناح السياسي التقدمي في ( الحركة الوطنية ) الذي تأسس في 6 شتنبر 1959 ، في استمرار الكفاح المسلح التحريري ، وعلى رأس ذلك استمرار حملها السلاح ضد الوجود الاستعماري المباشر في الجنوب .. كان يمنحها زخما من القوة الفعلية الشعبية . وكان ذلك ضد مصلحة الحكم السلطاني المخزني الرجعي ، وضد رغبته في حسم قضية الحكم كليا لصالحه ، لأنه كان يعي تمام الوعي انّ استمرار الكفاح الوطني المسلح من اجل دحر الاحتلال في الصحراء الغربية وموريتانية ، من اجل مغربية الصحراء بالذات ، سيكون لا محالة في حالة تطور هذا النضال ، وفي حالة نجاحه وانتصاره ، على حساب سلطته ، وسيقوي جانب الفصائل التقدمية في ( الحركة ) الوطنية ، ويقوي جيش التحرير والمقاومة المدينية بمختلف تشكيلاتها وخلاياها . وعلى ذلك لم يتوان السلطان / القصر ، ومنذ البداية في عرقلة استمرار هذا النضال ، في قطع المساعدات التي كانت تقدمها الدولة لتموين جيش التحرير ، وفي العمل على دفع عناصر قبلية عميلة داخل جيش التحرير ، من اجل قلب قيادته الوطنية المتجذرة ، بل والتعاون علنا وعلى المكشوف مع الجيش الفرنسي والجيش الاسباني ، ومساعدتهما في ضرب جيش التحرير ، والحد من نفوذه وقوته . وشارك السلطان الحسن الثاني فعليا عدة مرات ، في مساعدتهما على الإفلات من حصار جيش التحرير ، كما كان يمدهما بالتموين ، والذخيرة ، وبالجواسيس ، وذلك في نفس الوقت الذي كان يؤكد فيه السلطان حرصه المولوي على مواصلة كفاحه المعهود ، لاسترجاع الامتدادات المغربية الطبيعية ، والتاريخية ، والبشرية .
واستمرار النظام السلطاني في خطته هذه ، ومع تقدم عمل جيش التحرير بالجنوب ، وقبول الاستعمار الاسباني الدخول في مفاوضات من اجل استرجاع الصحراء الغربية ، يطلب السلطان / القصر بواسطة احد جنرالاته ( الجنرال الكتاني الذي اصبح ( مرشالا Marechal ) ، المقربين من السفارة الاسبانية بالرباط ، بتوقيف المفاوضات المتقدمة مع الوزير الأول عبدالله إبراهيم ، وانْ لا يعقد معها أي اتفاق ، لأنها ستقال في القريب العاجل ( الانقلاب على الحكومة التي قادها عبدالله إبراهيم ) . فالسلطان رفض تسلم واسترجاع الصحراء ، رغم ان اسبانية اقرت بإرجاعها ، لأنها تعتبرها مغربية ..
وفي نفس الفترة ، وجريا نحو حسم مسألة الحكم لصالح القصر ، يستغل النظام المغربي زلزال أگادير في سنة 1960 ، ومع جمود الكفاح المسلح في المنطقة ، وبعد ان اعتقل اهم قادة جيش التحرير والمقاومة ، فيما يسمى بالمؤامرة ضد ولي العهد ، ليصفي جيش التحرير نهائيا ، وينهي بذلك نضال القوات المسلحة الشعبية المغربية من اجل تصفية الاستعمار في جنوب المغرب ، واضعا بذلك حدا لشعار مغربية الصحراء الذي يشكل خطرا عليه .. ( يحكي طباخ الجنرال محمد افقير ، ان الحسن الثاني والجنرال امتطيا مروحية من حي السويسي – ملعب الفروسية – وطارا باتجاه أگادير والحسن الثاني ثملا ) ..
ودائما في طريق حسم مسألة الحكم لصالح القصر / السلطان ، ستعرف سنوات 1966 و 1970 ، وبعد نهوض الحركة الجماهيرية الواسعة الذي سجلت انتفاضة 23 مارس 1965 ، مؤشراتها الراديكالية الأولى ، ينهج الحكم الرجعي السلطاني خطة واسعة لتطويق تحرك نضال الجماهير الشعبية ، وقواها المناضلة في الداخل ، ولمنع أي نافدة خارجية لتعضيدها .
هكذا يعرب النظام وبأسرع من البرق ، لترتيب الأوضاع الداخلية لصالحه ، عن استعداده لحل مشاكل الحدود الشرقية مع الدولة الجزائرية ، ويوقع معها اتفاقية خيانية لرسم الحدود رغم حرب الرمال في سنة 1963 ، بحيث اصبح نظام السلطان الحسن الثاني يعترف بجزائرية الصحراء الشرقية ، وعندما دفع نفس السلطان ببرلمانه المزور في سنة 1994 للتصويت بالموافقة على اتفاقية الحدود الموقعة بين النظام المغربي وبين الجزائر ، أصبحت الدولة السلطانية العلوية تعترف بجزائرية الصحراء الشرقية ، وهو الاعتراف الذي جدده وزكاه محمد السادس عندما اعترف بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في يناير 2017 ، ونشر اعترافه كسلطان بمقتضى ظهير شريف بالجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد 6539 / يناير 2017 ..
كما استغل النظام الفيودالي ، السلطاني ، المخزنولوجي ، الكمبرادوري ، انعقاد المؤتمر الإسلامي في المغرب سنة 1969 ، ليستقبل الخائن ولد دادة في المغرب ، ويعترف رسميا بالواقع المصطنع في موريتانية الذي لم يهمله هو أيضا .
وقبل ذلك في سنة 1966 ، يظهر الوزير الأول المغربي ليقول في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، بان حكومته لا ترفض مبدأ تقرير المصير بالنسبة لمشكل الصحراء الغربية ، ويصوت النظام المغربي بجانب موريتانية ، والجزائر ، وتونس ، لصالح حق تقرير المصير في الصحراء الغربية .
والخطورة والطامة الكبرى انه في سنة 1967 ، يعلن السلطان الحسن الثاني في خطاب العرش ، بواضح العبارة " إن على الصحراويين ان يتحملوا مسؤولياتهم في تحرير بلادهم " وانه والشعب المغربي مستعدون لمساعدتهم .
فإذا اضفنا تصريح السلطان في خطاب العرش في سنة 1967 ، الذي يعترف فيه بعدم مغربية الصحراء ، ويعترف انها للصحراويين الذين يجب ان يتحملوا مسؤولياتهم في الدفاع عن ارضهم ، وانه ، أي السلطان والشعب المغربي مستعدون لمساعدتهم .. الى ما صرح به عبد السلام جلود صندوق معمر القدافي بخصوص الموقف الحقيقي للسلطان الحسن الثاني بخصوص مغربية الصحراء ، سيظهر الوجه الحقيقي للنظام السلطاني المخزني من نزاع الصحراء الغربية اليوم ، هو وجه استعمالها في حجب نظامه الذي كان مهددا بالسقوط ، ووجه اعتبارها قلعة لاستغلال ثرواتها بشكل بولمي Boulimique اكثر من مجرد افتراسي .
ان الغاية من هذه الدراسة ، هو التذكير بهذه المواقف الخيانية للنظام ، تجاه وحدة الأرض المغربية ووحدة الشعب المغربي . فالغاية ابراز انها كانت تعكس موقف الهدنة ، والصمت ، والتواطؤ بين النظام السلطاني المخزنولوجي الرجعي ، وبين الاستعمار الفاشي الاسباني للجنرال فرانكو Francisco Franco ، الامر الذي سمح لإسبانية بان تبقى ايديها مطلقة وحرة في استغلال منطقة الصحراء الغربية بطرق ملتوية ، أصبحت تستعملها الان لخدمة مصالحها دون مصالح النظام المخزني الذي فقد البوصلة ، واصبح تائها ينتظر الفرج من اية جهة كانت . فالأساس بالنسبة للنظام المغربي ثروات الصحراء المختلفة ، وليس سكان الصحراء ، واستعمال الصحراء كدرع يحجب نظامه السقوط .
فالنظام هيأ الأرضية للمساومة على وحدة التراب الوطني . والتي وصلت مقايضة الصحراء بالقضية الفلسطينية ، والاستقواء بإسرائيل لضمان وجوده المهدد بضياعه الصحراء ..
ودائما وفي نفس الاطار نذكر بالخطة الخبيثة ، التآمر على تحرير الصحراء ، التآمر على وحدتها مع المغرب ، عمل النظام الرجعي في اللقاءات بين الدول الثلاث / المغرب – الجزائر – وموريتانية / والتي تمت في كل من نواديبو سنة 1970 ، و اگادير سنة 1971 ، من اجل تقسيم الصحراء مع النظام العميل لموريتانية ، ومن اجل منح الجزائر ممرا الى البحر عبر الصحراء ..
ان سجل التصرفات الفعلية للنظام السلطاني المخزنولوجي الرجعي ، يثبت لنا بلا مراء وبلا ادنى شك ، انه باستمرار كان في الجانب المعادي لشعار مغربية الصحراء . بل وتآمر ضد فصائل جيش التحرير والمقاومة ، وضد الفصائل التقدمية من ( الحركة الوطنية ) ، وضد نضالات سكان الصحراء ( كان عامل العيون صالح زمراگ يوحي لعملائه بالكتابة ليلا ، وبتلطيخ جدران مدينة العيون بشعارات البوليساريو ، ك " عاش الشعب الصحراوية " ، " عاشت الجمهورية الصحراوية " ، " لا بديل عن الاستفتاء وتقرير المصير " ، كما كان عملائه يوزعون رايات الجمهورية الصحراوية ومناشيرها ، ورميها ليلا في البيوت ، والمساكن ، وبالأزقة .. وفي الصباح يقوم بحملة بوليسية سلطوية ، ضد مناوئيه ومعارضيه ، رغم انهم متشبثون بمغربية الصحراء ، فيرمي بهم في المعتقلات السرية بالعيون و بإگدز ، وقلعة مگونة بأسرهم .. ويقوم في نفس الوقت برسال برقية للكتابة الخاصة المكلفة بالأمن التي كان على رأسها حفيظ بنهاشم ، فيأمر حينها وزير الداخلية ادريس البصري ، من وزير المالية فتح الله ولعلو ، بتخصيص أموال تقدر بملايين الدراهم بدعوى ارسالها الى الصحراء ، فكان جزء يبقى تحت تصرف ادريس البصري وعملائه شخصيا ، وجزء يبعث به الى العامل صالح زمراگ ، الذي كان يرجع جزء منه الى ادريس البصري ، ويحتفظ لنفسه بالجزء الباقي .. وكم هي القصور التي بنوها من أموال الصحراء مع مهندس القصر André Packard الذي مات متسولا في مدينة Nancy الفرنسية .. وحين كادت ان تنفضح جرائم صالح زمراگ مع ادريس البصري ، وحتى لا يصل الخبر الى الحسن الثاني عجلوا بقتله برصاصة في الرأس .. ) ..
ان عدد الصحراويين ضحايا هذا العامل وعمال اخرين بالصحراء ، او بالإدارة المركزية بوزارة الداخلية ، وضحايا المفتشية العامة للقوات المساعدة ، وفرق التدخل السريع التابعة للبوليس ، والاستعلامات العامة ، ومديرية مراقبة التراب الوطني ( محسن جميل / عبدالعزيز علابوش ) ، والدرك الملكي ، وصلت الى 522 ضحية مفقودة الى اليوم .. والاحصائيات قدم جزء منها الجنرال القادري المدير العام ل DGED اثناء اعداد رد الدولة السلطانية المخزنية ، عن الاتهامات الموجهة لها ، بلجنة حقوق الانسان بجنيف ، والاحصائيات والعدد النهائي كان عند عبدالسلام الزيادي المكلف بالشؤون السياسية ، وحفيظ بنهاشم المكلف بالأمن العام ( الإدارة العامة للأمن الوطني ، مديرية مراقبة التراب الوطني ، القوات المساعدة ، وهيئة الولاة والعمال الذي كان يتحكم فيهم كيف شاء وأراد .. ) .
--- البوليساريو الابن اللاّشرعي لخيانات النظام المخزني :
علمنا التحليل العلمي للواقع الملموس ، وتجارب حركات التحرر الوطني عبر التاريخ ، أن لا ننخدع بأقوال حركة ما ، لمجرد انها ترفع السلاح ضد العدو ، او انها تدعي التقدمية والثورية والكفاح المسلح ، بل حتى ولو تمسحت بالفكر الاشتراكي التحرري الوطني . فالتحليل العلمي يوصينا بان نحكم على الافراد والمنظمات لا بالأفكار التي لديهم على انفسهم ، بل بالشروط المادية لوجودهم . فكثير من الأمثلة التاريخية لمنظمات عديدة ، توضح لنا انها كانت في صلبها ردة فعل رجعية او يمينية رغم مظهرها التقدمي ، سواء على الصعيد الطبقي او الوطني ..
ولنا في تجربة الصراع الطبقي بحزب " البوند " الروسي . لقد اعتمد هذا الحزب الماركسية منهجا له ، وكان من روافد الحركة الاشتراكية الديمقراطية المعادية للقيصرية ، والمناضلة من اجل الاشتراكية ، وسيادة الطبقة العاملة .
لكن " البوند " اعتمد أساسا اضطهاد الطبقة العاملة اليهودية ، ليجعل منها منطلقا في ان يكون حزبا خاصا بالعمال اليهود . فكان بالتالي حزبا رجعيا ، لأنه يقسم وحدة الطبقة العاملة ، ويريد ان يرجع بها القهقرى ، ولأنه عزل بعض الأوضاع التاريخية لفئة العمال اليهود ، عن مجموع الأوضاع التاريخية لاضطهاد الطبقة العاملة الروسية ، رغم ما يميز فئة العمال اليهود من اضطهاد مزدوج كعمال أولا ، وكيهود ثانيا ..
وفي المجال الوطني ، قد لا نبتعد كثيرا في عمق التاريخ ، لأننا عشنا مثالا حيا وملموسا ومزامنا لنا ، وهو مثال " كابيندا " ، هذا الجزء من الوطن الانغولي الذي ارادت له الامبريالية الانفصال باسم جبهة تحرير " كابيندا " ، وحق الشعب الكابيندي في تقرير المصير . ورغم ان المثال الكابيندي يمتاز عن مثالنا في الصحراء الغربية ، لان كابيندا على الأقل تحتوي على سمات قومية خاصة ، وانها منفصلة جغرافيا عن انغولا .
وخلاصة القول ، إنّ حكمنا على اية حركة يجب ان ينطلق من الشروط المادية لوجودها ، لا من افكارها عن نفسها . وإنّ معارضتها لعدو مشترك في مرحلة تاريخية معينة ، لا يعني بالضرورة انها قوة تقدمية ، وانّ فعلها وممارستها يستحقان منّا الدعم والمساندة . وامامنا اليوم في الساحة المغربية مثال ملموس ، خدع مجموعة من القوى باسم الديمقراطية ، وخدع مجموعة من الأشخاص المرددين لمطلب الجمهورية المغربية ، بشعاراته الثورية البراقة " الاشتراكية " " الشعب الصحراوي " " حق تقرير المصير " " الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية " " حرب التحرير الشعبية " ... الخ .
فما المضمون الفعلي لهذه الشعارات التي رفعتها البوليساريو ، وما هي الشروط الواقعية التي سمحت بالوجود لهذه الأداة ، والتي أصبحت امرا فارضا لنفسه في الساحة الدولية . ؟
ان البوليساريو لن يكون في آخر المطاف ، سوى الابن والوليد اللاّشرعي لتطور التناقض الوطني والطبقي .. والسؤال :
-- ما هي القيمة المضافة التي سيضيفها انشاء والاعتراف بدولة ليس لها من الدولة غير الاسم ؟ .
-- فهل الثوري هو من يعمل على تجزيئ الشعوب والاوطان ، باسم شعارات متهالكة لم تعد مقبولة حتى في الدول التي ظهرت فيها ؟
ان الثوري الوحدوي ، هو الذي يعمل على الوحدة ، ويوظف هذه الوحدة في المواجهة المباشرة مع النظام الذي فرط في الصحراء ، وفرط في الأراضي المغربية التي ذهبت بسبب اتفاقيات خاصة لحفظ وجود النظام المتهالك ، الذي لا يعنيه من الصحراء غير ثرواتها وغناها ، وليس شعبها الذي سيؤذي الثمن اكثر من غاليا ، ان نجح النظام وحسم لصالحه نزاع الصحراء .. وهو بعد مستحيل ..
--- إبتذال شعار تقرير المصير :
تنطلق البوليساريو في دعوتها لحق سكان الصحراء الغربية في تقرير مصيرهم بأنفسهم ، من مبدأ " المحافظة على الحدود الاستعمارية " ، وهو الالتزام الذي اقره محمد السادس عندما اعترف بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في يناير 2017 . فاعتراف محمد السادس بالحدود الموروثة عن الاستعمار حتى يدخل الاتحاد الافريقي ، يتناقض بالمطلق مع الوضع القانوني للدولة السلطانية المخزنية عندما دخلت الصحراء في سنة 1975 ..
ان اعتراف السلطان محمد السادس بالحدود الموروثة عن الاستعمار ، يعني انه يدين نفسه عندما يتواجد فوق ارض الصحراء التي دخلها النظام المغربي ، رغم الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية التي أصدرت قرارها في 16 أكتوبر 1975 ، يحث على الاستفتاء وتقرير المصير . فالنزاع لا يزال بيد مجلس الامن ، وبيد الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وعليه يكون اعتراف السلطان بالحدود الموروثة عن الاستعمار ، مقارنة مع الوضع القانوني الذي يحكم نزاع الصحراء ، إدانة من السلطان لنفسه لا من غيره ..
اذن وكما يقول مناصرو استقلال الصحراء عن المغرب ، ومنهم طبعا البوليساريو ، إذا اردنا ان نتجاوز هذه الحدود بالرجوع الى الوحدة الاصلية للشعوب ، سنفتح بابا لا يغلق من صراعات الحدود في افريقيا ، والتي عبث بها الاستعمار ، وعبث بوحدة شعوبها ، وخلق دويلات كأمر واقع .. اذن ان المحافظة على الحدود الاستعمارية كما هي ، هو أساس وجود ما يسمى بالشعب الصحراوي .. يا سلام على الفهم ودرجة التبسيط في التفكير ..
لاشك ان الدعوة للمحافظة على الحدود الاستعمارية ، قد خدمت في بعض الحالات ، وبصفة مؤقتة ، بعض الدول الافريقية ، لأنها وجهت طاقاتها للعمل ضد الاستعمار ، بدل اهدارها في الصراعات المسلحة على الحدود . لكن هذا لا يحجب عنّا وبالمرة انها دعوة محافظة رجعية ، تعمل في نطاق تركة الاستعمار والامبريالية ، وانها في النهاية تعكس حالة مؤقتة لضعف القوى الثورية .
ان الاستعمار لم يخلق شعوبا ، بل خلق دولا ، وقسم شعوبها الموحدة ، واضعفها خدمة لمصالحه الاقتصادية والعسكرية ، وابقاءها في نطاق التخلف والتبعية .
ان القبول بتقسيم المغرب ، وفرضه كأمر واقع ، هو امتداد تاريخي لتقسيمات الاستعماريين المحتلين منذ مؤتمر الجزيرة الخضراء ، وهو بالتالي تزكية لمخطط استعماري لم يستطع الاستعمار نفسه ان يحلم به ، رغم قرن من الاحتلال والقهر العسكري والسياسي ، ومؤامرة الظهير ( البربري ) الفرنسي لا تزال ماثلة للعيان .
لقد أدى تاريخ نضال الشعب المغربي ، ولشروط ذاتية وموضوعية ، الى الحصول على استقلال سياسي شكلي Aix-les Bains ، والى القبول به كمساومة مؤقتة مع الاستعمار ، حدد اطارها آنذاك خيانة اوفاق Aix-les Bains . وكان من جملة نتائج هذه المساومة انْ بقيت أجزاء من الوطن المغربي بيد الاحتلال المباشر .
واليوم بعد القبول بتقسيم المغرب وفرضه كأمر واقع ، تحولت هذه المساومة / الخيانة ، الى هزيمة كاملة ونهائية ، وتفريطا بمكاسب ونضال ازيد من نصف قرن ضد الاستعمار ، والاستعمار الجديد الذي عوضه ، قدم فيها الشعب المغربي الكثير من التضحيات .
وليس غريبا ان لا تقرأ في ادبيات البوليساريو مثل هذا التثمين التاريخي ، لكفاح شعبنا بمجموعه من طنجة الى العيون ، من اجل الحفاظ على وحدته وطرد المستعمر . لأن تبني شعار محافظ للإبقاء على ما تركه الاستعمار ، يفرض بالضرورة تبني نفس المنطق التاريخي للاستعمار .
ان تاريخ الصحراء عند البوليساريو يبتدئ فقط بالدخول الاستعماري للصحراء ، وبمعزل كامل عن بقية الأجزاء الأخرى للشعب المغربي . وحتى انْ اضطرت البوليساريو ان تعترف أحيانا في حديثها بجيش التحرير المغربي ، فذلك من اجل تسجيل التمييز بين " الشعب الصحراوي " الذي اعترف به محمد السادس عندما اعترف بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في يناير 2017 ، وبين الشعب المغربي ، لا من اجل تسجيل وحدتهما التاريخية ، والبشرية ، والعضوية ، والجغرافية عبر التاريخ ، ومن اجل تقديم وتصوير جيش التحرير المغربي ، والشعب المغربي كجزء من نفس الآلة الاستعمارية ، و تناورهما مع الاستعمار ضد حرية واستقلال الشعب الصحراوي .
ان هذا الرؤية التاريخية ، شبيهة تماما بالمنطق التاريخي للاستعمار الاسباني والفرنسي ، وهي بالضرورة ستكون كذلك ، لأنها تعتمد حجة سياسية محافظة ، تعمل في نفس المنطق الاستعماري ، ولا تركز على اية حجة تاريخية لما يسمى بالشعب الصحراوي . وفي ظل هذا المجال ، تصبح انتصارات الامبريالية على الشعب المغربي ، حجة في خدمة الانفصال ، وتزكية لمخططاته الخبيثة . وبهذا الشكل تحاول البوليساريو ان تقدم لنا انفصال موريتانية عن وحدة المغرب ، كمثال عن الضرورة التاريخية لحق الصحراء في الانفصال .
وهكذا تتحول القوى التي تدعي الثورة ، الى مجرد قوة محافظة ورجعية ، تستقي كل مفاهيمها من التاريخ الاستعماري ، كما أراده ، وخطط له ، وفرضه الاستعمار، بدل التاريخ الحقيقي للشعوب ، والذي صنعته عبر تراكمات آلاف السنين من النضال بين الكادحين والمستثمرين ، وبالذات النضال ضد المستعمرين الغزاة .
ولهذا يجب ان نذكر البوليساريو وكل مؤيديها من دعاة تقرير المصير ، ان هذا الشعار الذي فرضه كفاح الشعوب ضد الامبريالية والاستعمار ، والذي جعله الثوريون والاحرار ، وشرفاء الشعوب ، احد المبادئ الأساسية في عصر الامبريالية ، كان ولا يزال في المفهوم الثوري ، حقا من حقوق شعب مضطهد ، أراد الانفصال عن دولة قومية أخرى مُضطهِدة له ، او حقا في تكوين دولة موحدة لقومية مجزأة . وانه في الحالتين ( الانفصال والاندماج ) ، يجب ان تراعى مصلحة الشعب ، وهي بالإجمال ان يكون الانفصال او الاندماج في اتجاه تاريخي تقدمي لا رجعي .
والحال ان جماهير الصحراء الغربية المغربية ، ليست شعبا متميزا عن بقية الشعب المغربي . وليس لها تاريخ منفصل الاّ تاريخ وحدتها ضمن تاريخ الشعب المغربي ، تاريخه الاقتصادي ، والسياسي ، والثقافي ، وبكلمة واضحة ، تاريخ تكونه كشعب من الشعوب العربية ، وشمال افريقيا .
انّ ما لا تذكره البوليساريو او تتجاهله ، هو ان حركة التحرير التي تعتبر البوليساريو انها جزءا منها ، والتي عُرفت بالحزب المسلم ، كان من بين مبادئها ، مغربية الصحراء . ان هذا الموقف لمنظمة صحراوية ، كان الى حدود 1970 . لكن للأسف سنتان من بعدها ، ستظهر أطروحة الشعب الصحراوي وتقرير المصير ، على يد الانفصاليين بدعم من الجزائر وليبيا .
اما من وجهة نظر الشعب المغربي ، او الاتجاه التاريخي التقدمي لأيّ انفصال ، الذي سطرته المقاومة المدينية المسلحة وجيش التحرير ، والجناح التقدمي في ( الحركة الوطنية ) ، فالصحراء مغربية ، ولم يسبق في التاريخ ان كان وضعها القانوني والسياسي ، خارج الامبراطوريات التي مرت بالمغرب ، وخارج الدولة المغربية ، وخارج اجماع الشعب المغربي .
--- ماهي حقيقة جبهة البوليساريو ؟ . وهل حقا وكما طرحت وثائق مؤتمر التأسيس ، والمؤتمرات الموالية ، هي حركة اشتراكية ، وتقدمية ، وثورية ؟ :
من السهل ان يتبنى أي تنظيم الشعارات الديمقراطية الثورية ، والتقدمية ، والتحررية ، وحتى الشعارات الاشتراكية ، ما دام لا يحدد المضمون الفعلي لتلك الشعارات ، او ما دام لا يحدد الإمكانيات التاريخية والواقعية لأهدافه .
البوليساريو تدعي انها تريد ان تقيم نظاما ديمقراطيا ، بل واشتراكيا في الصحراء الغربية . فهل هناك إمكانية فعلية لذلك ؟
وحتى لا نسقط في الفهم الخاطئ لبعض التجارب الثورية ، وفي مقارنة خاطئة بين قضية الصحراء الغربية المغربية ، وهذه التجارب التي سنأتي على ذكرها ، فإننا ننبه الى ان كل القوى الثورية في البلدان التي فرض فيها التقسيم بالقوة ، لم ترضخ للاستراتيجية الاستعمارية ، ولم تصنع في كل جزء من بلدها المقسم ، تاريخا خاصا ومستقلا ، ولو على حساب الحقائق التاريخية . بل ظلت متمسكة بوحدة اوطانها ، واعتبرت حالة التقسيم الذي تقاومه حالة مؤقتة لا بد من تجاوزها ، وبنت كل استراتيجيتها التحررية ، بل واستراتيجيتها في البناء الاقتصادي والسياسي على أساس وحدة اوطانها ، وعيا منها ان التطور الحقيقي الاقتصادي ، والسياسي ، والثقافي ، والحضاري لشعب مجزأ ، لا يمكن ان يتم بشكل سليم وكامل ، الاّ في اطار كياناتها التاريخية ، وعلى انقاض ما خططه الاستعمار لإضعافها ، وتشويه ثقافتها واقتصادها . ولنا في الفيتنام ، والصين ، واليمن الديمقراطي سابقا خير مثال على ذلك . لم يقل الفيتناميون الجنوبيون انهم شعب جديد بحكم التقسيم الاستعماري ، بل تمسكوا بكونهم مع الفيتنام الشمالية شعبا واحدا ، وانهم يرفضون حكم هانوي الشيوعي ، ولا يعارضون وحدة الفيتنام ، واشترطوا في مفهومهم لتقرير المصير حقهم في الوحدة مع الفيتنام الشمالي .
ولم تَفُهْ في يوم من الأيام الصين الشعبية ، بان الصين الوطنية أصبحت بحكم الواقع الاستعماري الجديد ، بل وبحكم اختلاف الأنظمة السياسية وتناقضها ، شعبا منفصلا عن الامة الصينية ، ونفس الشيء عن كوريا الشمالية مع كوريا الجنوبية ..
ان تقدم الثورة في هذه الأمثلة ، لم يكن تنازلا من طرف القوى الثورية عن وحدة الشعب ، بل كان مقاومة من طرفها ضد مخطط التقسيم من اجل الوحدة . وفي هذا الصراع ، تقدمت الثورة وكسبت مواقع تقدمية وثورية على جزء من أراضيها ، واصبح استكمال الوحدة يتخذ هو الاخر نفس المضمون التقدمي والثوري . ان الانفصال ليس من منطق هذه الثورات ، بل الحفاظ على وحدة الوطن ، هو منطقها واطار تطورها .
ان جوابنا بعد هذا التحليل البسيط على السؤال السابق هو ، انّ الهزال البشري لسكان الصحراء الذين لا يتعدى عددهم حسب احصائيات الاستعمار الاسباني سبعون الف نسمة ، يشكل النقطة المركزية في فشل كل الاستراتيجية التحررية للبوليساريو ، بله الهدف الديمقراطي ، او التقدمي ، او الاشتراكي .
اننا نؤمن بالجماهير الشعبية ، لكن ايماننا ليس ايمان العجائز ، او ايمانا عجائبيا ، او طوباويا . بل هو يستند على الواقع المادي الجغرافي ، والاقتصادي ، والعددي ، ووعي الجماهير .. الخ .
ان سكان الصحراء بعددهم هذا ، يعجزون عن مجابهة العدو ودحره ، وهو الذي يفوق عددهم عسكريا . وهم بمفردهم عاجزون عن تحطيم مشروع الاستعمار الجديد في الصحراء ، بإنشاء دويلة منفصلة ومصطنعة ، هي في احسن الأحوال نتيجة لتوازنات القوى بين بعض القوى البرجوازية ، والاستعمار في المنطقة .
ولأننا لا نصنع التاريخ ، بل نتمشى مع صيرورته الواقعية ، نقول ان الجماهير المغربية بكاملها ، هي المسؤولة عن هزم هذا المخطط ، وافشال مشروع الاستعمار الجديد في اطار نضالها من اجل بناء دولة ديمقراطية شعبية . ولقد برهنت الجماهير المغربية عن هذه المسؤولية عبر التاريخ دون شهادة من احد . فهي برهنت عن تمسكها بوحدة وطنها سابقا ، وكما في هذه المرحلة الحاسمة التي يجتازها النضال الوطني من اجل تحرير الصحراء الغربية تحريرا حقيقيا ، والحيلولة دون بزوغ النماذج الدولتية التي ستكون بيد الاستعمار .
اما الحديث عن بناء نظام ديمقراطي وطني ، بل واشتراكي في الصحراء ، فتلك نكتة ، لأنه سيفتقد بسبب الهزال البشري الى عنصرين أساسيين له ، وهما السوق الوطنية الواسعة ، وكثافة اليد العاملة . وهذان العنصران من دونهما يستحيل التفكير في انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية ، فبالأحرى الثورة الاشتراكية ، والتي تعتمد على تصنيع ثقيل يواكب الثورة التكنولوجية والرقمية الراهنة ، وعلى ضمان الانفصال عن السوق الامبريالية في الثروة ، والتكنولوجية ، والرقمية . فأيّ مسخ هذا للاشتراكية في بلد سبعون الف نسمة ؟
ان احسن ما يستطيع ان يقوم به نظام مقبل في الصحراء ، هو ان يحقق مستوى معاشيا رفيعا لجماهيره القليلة ، ولكن دون ارتكاز هذا المستوى الاستهلاكي على بنية تحتية اقتصادية واجتماعية متقدمة . وذلك بالضبط هي الأمكنة التي يعشعش فيها الاستعمار الجديد ، دون خشية من مقاومة فعالة له ، بسبب تخلف البنية الاقتصادية والاجتماعية ، وبتراخي هذه الأخيرة بسبب المستوى الاستهلاكي المضمون مسبقا .
وهذا يعني في نهاية التحليل ، ان تأميم الثروات الوطنية ، ليس هو نهاية المطاف في البناء التقدمي الديمقراطي والاشتراكي . انه خطوة وحسب ، لا يكتمل مداها الثوري الاّ بالقضاء على التبعية للنظام الامبريالي .
وعلى العكس ، سيتم انفصال الصحراء الغربية على حساب الاقتصاد الوطني ، مهما كان الطلاء الديمقراطي المزيف لثروات المنطقة في الصحراء . وان الذي سيدفع ثمن هذا الضعف ، وهذا التفكك ، ليس النظام السلطاني ، المخزنولوجي ، البطريركي ، الكمبرادوري ، الفيودالي ، الرعوي ... الخ كما يرى بعض الاقتصادويين ، بل الجماهير الشعبية ، والثورة المغربية التي تطل اليوم من ثقب الباب .. لقد قطع الشعب المغربي 999 خطوة ، ولم تبق له سوى خطوة وحيدة لتحقيق بناء الدولة الديمقراطية الشعبية .. ويظل المستفيد الاول والاخير الاستعمار والامبريالية .
--- هل الصحراء الغربية ضم تعسفي ام انفصال تعسفي :
كما جرت به العادة من قبل ، وبالضبط منذ سنة 1975 ، تبهرنا البوليساريو ومساندوها ، حينما يتهمون الشعب المغربي ، وليس النظام السلطاني الذي له مواقف كثيرة ومرتبكة من الصحراء ، بإرادة الضم التعسفي لسكان عزل ، يعشقون التحرر والحرية ، ويرفضون الانضمام الى بلد يحكمه نظام بوليسي رجعي ناهب الثروات ، وبما فيها ثروات الصحراء المتنازع عليها . ومع تطور الصراع واحتدامه بالمنطقة ، تتضخم التهمة ، ويتضخم معه السؤال من طرف البوليزاريو ومسانديها ، ما رأيكم اذا قام الجيش المغربي بتقتيل أبناء " شعب الصحراء " الذين يقاومون الانضمام الى النظام السلطاني البطريركي ، البوليسي ، الكمبرادوري ، المخزنولوجي ، الرعوي ، الثيوقراطي .. ففرق بين الانضمام الى المغرب والى الشعب المغربي ، وبين الانضمام الى النظام عدو الجميع .
ومع علمنا ، ان تلبيس المواقف الانفصالية للبوليزاريو لسكان الصحراء ، هو تشويه لموقف الجماهير في الصحراء ، واصطناع مسبق لمشكل مغلوط .. فإننا نميز فضلا عن ذلك ، بين موقف الجماهير وطموحاتها ، وبين الموقف الانفصالي الشوفيني للبوليساريو . وفي تمييزنا هذا ندرك ، ونتلمس ، ونتفهم ، الطموحات الثورية للجماهير الصحراوية للتخلص من الاستعمار ، ومن أي شكل من اشكال الاضطهاد ، ورغبتها في التحرر والانعتاق الوطني . ولكن دون ان نستسلم امام الاشكال الزائفة لوعيها ، وهذه حالة ممكنة لوعي الجماهير .
وموقفنا من الجماهير الصحراوية ، لا يتميز بشيء عن موقفنا من بقية الجماهير المغربية ، التي تناضل الآن من اجل وحدة التراب الوطني ، وتناضل ضد النظام السلطاني المخزنولوجي والبوليسي . إننا ندفع بهذا الاتجاه الغريزي ، الوطني ، التقدمي للجماهير ، ودون ان نستسلم أيضا امام بعض اشكال الوعي الوطني المزيف لدى قسم من الجماهير . هذا الوعي المزيف الذي يغفر للحاكم السلطان الطاغية ، كل ذنوبه السابقة واللاحقة إزاء الوطن ، وإزاء الشعب ، باسم معركة التحرير التي لا علاقة لها بالتحرير اطلاقا . ففي الحالتين نساند الوحدة الفورية لوطننا ، محاربين في نفس الوقت كل اشكال الوعي المزيف والزائف . ومع اعتقادنا ان اندفاع الجماهير بكثافة وفي نضال ملموس ، بل ودام ، ضد الاستعمار ، سيمحي لا محالة كل الترسبات السلبية في موقف بعض الجماهير الصحراوية . لان الموقف السلبي المفترض في جزء من الجماهير المغربية في الصحراء ، ليس الاّ ردة فعل سلبية ومؤقتة ، لتقاطع الوحدة النضالية فيما بينها ، وبين مجموع الجماهير الشعبية المغربية ، لان هذا الموقف السلبي لا يستند بالمطلق على معطيات موضوعية .
ان السؤال الموجه في بداية الفقرة ، ليس موجها الى الوحدويين . انه بالأحرى موجه الى البوليساريو التي تريد ان تفرض انفصالا تعسفيا لشعب واحد . فمن اختار الانفصال ، وشوه التاريخ الموحد للشعب المغربي ، واصطنع كيانا لا وجود له في الواقع ، ووضع الشعب المغربي ، والنظام السلطاني المخزني الناهب ، والمفترس ، والمفقر للشعب في كفة واحدة ، واستبدل المشروع الوطني الديمقراطي الثوري الذي يناضل
من اجله كل الشعب المغربي بما فيه جماهير الصحراء ، باستلاب ديمقراطي مزيف ، لا إمكانية له في الواقع ..
وبجملة . من اختار طريق الانفصال التعسفي الذي خدم النظام السلطاني الكمبرادوري الرعوي .. ؟ هل الوحدويون ؟ هل الشعب المغربي ؟ ام جبهة البوليساريو ؟ .
وللتاريخ فقط ، نذكر هؤلاء بالمواقف الوحدوية للوحدويين المغاربة سابقا وحتى اليوم ، في وقت لم تكن البوليساريو حتى مجرد مشروع ، وحتى بعدها بكثير . آنذاك قُدمت المساعدة ويد العون لكل عمل ملموس ضد الاستعمار الاسباني ، وتمت مآزرة البوليساريو من طرف الجناح التقدمي الديمقراطي المغربي الذي كان متمركزا كلاجئين بالجزائر .. نعم الجميع آزر الجبهة في نضالها ضد الاستعمار ، لكن الجميع عارض وبشدة ان يكون هذا العمل الثوري التحرري جزءا من مخطط انفصالي .
وخلال الصراع الأيديولوجي الديمقراطي مع البوليساريو ، للخروج بقناعة صحة طرحهم المردود عليه ، فان بعض القوى الإصلاحية الوطنية التي انقرضت اليوم من الساحة ، ساند البوليساريو عند انطلاقتها كحركة تحرير وحدوية ، بل كان وسيطا لها في الدعم الجزائري والليبي ( جماعة الفقيه محمد البصري ، و جماعة الاختيار الثوري ) ، فالهمُّ المشترك كان هو تحريك القضية الوطنية من منظار تحرري ديمقراطي وتقدمي ، ومن جهة شل مساومات النظام السلطاني المخزني الرجعي ، وفتح الطريق لدمج هذا النضال التحرري في الصحراء ، مع مجموع النضال الديمقراطي التقدمي الذي كان يستهدف اصل الحكم الديمقراطي على الساحة الوطنية . لكن تطور الصراع كان لا بد ان يضع الوحدويين المغاربة في تناقض صارخ مع البوليساريو ، وكان لا بد ان يضيق الى النهاية هامش الصراع الأيديولوجي ، حالما توضع المسألة بكل حدتها .
وهنا لنا من الاحداث دلائل واقعية غنية عن التعليق ، ولكنها غنية بالدروس عن مآل انفصال الاتجاهات الانفصالية الشوفينية . ذلك ان المنطق الانفصالي للبوليساريو دفعها في المرحلة العصيبة الى التعاون الكامل مع الاستعمار الاسباني ، وصنيعته الاتحاد الوطني الصحراوي ، ضد الشعب المغربي ، ونضاله من اجل وحدة الوطن .
-- مناشدة الاستعمار الاسباني بحماية الوطن الصحراوي ، و " الشعب الصحراوي " ، من " التوسعية المغربية " ، وهي من تباشير الاستقلال الشكلي الذي ابتدأت تباشيره في أروقة الأمم المتحدة .
-- عقد تحالفات مع " الاتحاد الوطني الصحراوي " على أرضية شعب واحد ، ضد التوسعية المغربية ومسيرتها " الصفراء " ، والتحرك المشترك في مظاهرة العيون سنة 1970 بإشراف الاستعمار الاسباني ، وضابطه Salazar .
-- الزهو كذبا بقتل 250 عسكري مغربي ، وتحطيم ثلاث طائرات Mirages ، واحراق 34 عربة عسكرية ، وحصار فيلق دبابات مغربية .. أي الزهو بما لم تفعله البوليساريو في مجموع عملياتها ضد الفاشية الاسبانية .. وفي الوقت الذي تتوقف فيه تلك العمليات ضد الاسبان ، ويطلق فيه سراح معتقليهم لتقديم دليل حسن النية للمستعمر الاسباني .
-- وأخيرا ، القبول بتقرير المصير بطريقة استفتاء الأمم المتحدة ، لا بطريقة حرب الشعب الطويلة الأمد ، التي تفرض التحرر كأمر واقع على الجيش الاستعماري المنهزم عسكريا وسياسيا ، ولكن بالقبول بدويلة قزمية لن تكون الاّ ثمرة لتوازنات القوى في المنطقة ، وبالتالي انتهاء اسطورة تقرير المصير ، واسطورة حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد ، واسطورة الدولة الديمقراطية والاشتراكية . ان كل هذه الدلائل ليست الا نتائج حتمية لمنطق الانفصال التعسفي .
اننا كوحدويين لسنا من أولئك الذين يتخلون عن المبدأ ، مبدأ وحدة الوطن ومغربية الصحراء ، خوفا من قلق البوليساريو ، ومن اجل النقاش والاقتناع املا في تطور غير ممكن للبوليساريو التي اختارت طريقها الانفصالي ، بناء على مصالح طبقية ضيقة لا محيد عنها .
وكوحدويين شربوا من فكر الحركة القومية العربية في شقها التقدمي الثوري منذ حوالي خمسين سنة مضت ، لسنا أيضا مِمّن يقدسون المنظمات المسلحة فقط لأنها اطلقت النار على العدو ، بل اننا نتخذ موقفنا بناء على الخط الذي يوجه الرصاصة . ولان الصراع وضعنا في جانب الفكر الوحدوي التقدمي ، فإننا وقفنا الى جانب الشعب المغربي في وحدته الترابية والبشرية ، وضد من اختار فرض انفصال تعسفي للصحراء عن الوطن المغربي . فيجب التمييز بين المغرب الشعب او المغرب الشعبي ، وبين النظام السلطاني المفترس ، والناهب العاشق ، والمتيم الولهان بثروة الشعب المغربي الذي يكرههم الكره الشديد .
اما الذين يروجون أفكار الانفصال من " جمهوري " آخر ساعة الشخصيين وليسوا التنظيميين ، واولئك الشّبْه التنظيميين بقايا مخلفات السبعينات الذين اختاروا الاقناع والنقاش على حساب وحدة الوطن ، ووضعوا لأنفسهم استراتيجية وهمية لا انعكاس لها في واقع الصراع المادي ، وباسم الحفاظ على التناقض الرئيسي الذي هو ضد النظام السلطاني المخزني والامبريالية ، فإننا نذكرهم أيضا بان حل هذا التناقض هو بقيادة الشعب لا غيره . وانهم بحلمهم الهروب هذا ، نسوا او تناسوا هذه القيادة الثورية الشعبية المغربية ، واستبدلوها بقيادة البوليساريو التي لا تملك في الواقع الاّ مشروعا وطنيا ممسوخا ومستلبا .
--- إذن لماذا ظهرت البوليساريو واحتلت إعلاميا الساحة الدولية ؟ :
ان الشروط التي أدت بالبوليساريو الى الظهور ، واسبغت على مواقفه هذا البريق التقدمي ، واعطاه شهرة رخيصة وسريعة ، يمكن ان نجملها في الأسس التالية :
ا --- طبيعة النظام السلطاني المخزني الرجعي ، وخاصة خيانته السابقة والحالية ، لمهمة استكمال وحدة الوطن ، والتحرير الكامل للصحراء المغربية . لقد وقف النظام السلطاني ، المخزني ، البوليسي ، الرجعي ، الناهب والمفقر للشعب ، وبتحالف مباشر مع الاستعمارين الاسباني والفرنسي ، ضد جيش التحرير ، وضد تحرير الصحراء . ولم يحرك ساكنا الاّ بعد ان ظهرت له مصالح مباشرة في المنطقة .
وبعد ان ادرك انه لا يستطيع امام مبادرات الامبريالية الفرنسية ، والفاشية الاسبانية في فرض دويلة صُغيّرة في المنطقة ، انْ يتمادى في صمته . وهو الذي يعيش مرحلة التأزم المطلق اقتصاديا وسياسيا ، ويعجز راهنا رغم كل الشروط الإيجابية عن استكمال وحدة الوطن ، لخوفه من الشعب والجيش ، اللذين لا بد ان تؤدي هذه المعركة الى تحريكهما بشكل من الاشكال ، وهو السيناريو المنتظر الآن مع النهاية التي أوصل محمد السادس نزاع الصحراء اليها .
-- فان يقف النظام السلطاني العلوي ضد جيش التحرير ، ويتآمر عليه في مجزرة " إكفيون " المسماة ب " المكنسة / الشطابة " ، وبتحالف مع الامبريالية الفرنسية ، والفاشية الاسبانية ..
-- وان يخرج السلطان الحسن الثاني في خطاب العرش في سنة 1967 بكلام ينفي فيه النفي القاطع لمغربية الصحراء عندما وجه خطابه الى الصحراويين قائلا ، ان على هؤلاء ان يتحملوا المسؤولية في تحرير ارضهم ، وان السلطان والشعب المغربي مستعدون لمساعدتهم ..
-- وان يعترف السلطان في مؤتمر قمة منظمة الوحدة الافريقية بنيروبي سنة 1981 ، بالاستفتاء وتقري المصير من دون استشارة الشعب المغربي باستفتاء .
-- وان يخرج محمد السادس في ابريل 2007 بحل الحكم الذاتي ، وتحت الاشراف المباشر للأمم المتحدة ، ودون استشارة الشعب .
-- وان يقامر محمد السادس بالاعتراف بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في يناير 2017 ، حتى يصبح عضوا بالاتحاد الافريقي ، ويؤدي قسم الانتماء الى الاتحاد امام رئيسة الجلسة التي هي صحراوية تنتمي الى الجمهورية الصحراوية .
-- وان يعترف الحسن الثاني بجزائرية الصحراء الشرقية في سنة 1970 ، ويدفع الدولة العلوية الى تبني هذا الاعتراف عندما صادق برلمان السلطان على اتفاقية الحدود مع الجزائر في سنة 1994 ، رغم ضحايا حرب الرمال سنة 1963 .
-- وان يؤكد محمد السادس على جزائرية الصحراء الشرقية مرة ثانية ، عندما اعترف بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في يناير 2017 ، ونشر اعترافه بالجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد 6539 ..
-- وان يخرج محمد السادس اعترافه بالدولة الصهيونية الى العلن ، ويبرم معها اتفاقيات بوليسية وعسكرية ، على حساب الامن القومي العربي ، ومقايضا الصحراء بفلسطين .. وإسرائيل لا تعترف للنظام بمغربية الصحراء ، وتشدد على حل الأمم المتحدة والمشروعية الدولية .
فان ما تعرضت له قضية الصحراء المغربية ، وتعرض له التراب الوطني ، لهو قمة خيانة النظام العلوي المتآمر مع الاستعمار بأشكاله المختلف ، غرضه فقط ضمان استمرار نظامه المهزوز المهدد بنزاع الصحراء الغربية التي اضاعها في الشتاء قبل الصيف .
ان اعتراف السلطان محمد السادس بالجمهورية الصحراوية في يناير 2017 ، هو اعتراف بالشعب الصحراوي ، واعتراف بالجيش الشعبي الصحراوي الذي شرع في قتل أبناء الشعب في الجيش منذ 13 نونبر 2020 في ما يسميه بالحرب الثانية للتحرير .
والسؤال لمحمد السادس الذي اعترف بالجمهورية الصحراوية . هل منطقي الاعتراف بدولة دون ان يكون لهذه الدولة شعب ، وجيش ، وارض ؟ . ان الاعتراف دليل ساطع بان النظام العلوي لا يعترف اطلاقا بمغربية الصحراء ، وانه يناور العالم لكسب بعض الوقت لتعطيل ما ينتظره من نهاية دراماتيكية عند ضياعه الصحراء .
والسؤال عن اعتراف محمد السادس بالشعب الصحراوي . منذ متى ظهر الشعب الصحراوي الذي تمثله الجمهورية الصحراوية ؟ . هل ظهر قبل او بعد انشاء جبهة البوليساريو ؟
فحتى سنة 1956 ، لم يكن الصحراويون يشكلون شعبا مستقلا عن الشعب المغربي . بل كانوا هم عماد جيش التحرير المغربي الذي غدر به الحسن الثاني في واقعة " إكفيون " ، وهو الجيش الذي انتقل الى الجنوب من اجل متابعة الكفاح الوطني التحرري ضد الاستعمار الاسباني الفرنسي معاً ، والاستعمار الفرنسي في موريتانية ، والاسباني في المناطق الأخرى من الصحراء الغربية ، كطرفاية ، وسيدي افني ، والساقية الحمراء ووادي الذهب ، وذلك بعض ان قرر الحسن الثاني حل جيش التحرير في الشمال ، ودمجه في جيش السلطان الذي تم تأسيسه في نفس السنة ( 1956 ) . لقد كان انتقال جيش التحرير الى الجنوب بقرار من قيادة المقاومة وجيش التحرير ، يدخل ضمن خطة شاملة للتحرير ، تبدأ بطرد الاستعمار من المنطقة ، وتنتهي بتقويض دعائم النظام السلطاني ، وإقامة نظام وطني ديمقراطي تقدمي ، مجابه للإمبريالية ، وللصهيونية ، وللرجعية العربية .
هذا هو السياق التاريخي – الكفاحي لنضال الصحراويين ضمن اطار جيش التحرير المغربي ، وهذا هو الاطار العام الذي اغفله الحسن الثاني ، واغفله محمد السادس عندما اعترف بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار . فالاعتراف بالدولة الصحراوية التي يجلس بجوار مقعدها بالاتحاد الافريقي ، وفي اللقاءات القارية التي يعقدها الاتحاد الافريقي مع نظراءه من القارات الاخريات ، هو اعتراف صريح بالشعب الصحراوي ، واعتراف صريح من السلطان بعدم مغربية الصحراء ، وانها محط نزاع مع طرف ثاني يدعي انتسابها اليه ..
--- تقرير المصير و البؤرة الثورية :
نسجل أولا ان شعار تقرير المصير للشعب الصحراوي ، كان استغلالا خبيتا وماكرا ، لشعار تقرير مصير الشعوب كما ينص على ذلك ميثاق الأمم المتحدة . فتقرير المصير بالنسبة للحالة المغربية ، كان من صنع الاستعمار الاسباني اول الامر . وهذا لم نقله نحن ، بل قاله الاستعمار الاسباني الذي حاول تشكيل دويلة عميلة له ، بعدما اكتشف الثروات الهائلة بالصحراء ، وذلك عن طريق تشكيل أحزاب عميلة له ، وكذلك شراء بعض وجهاء القبائل ، فقام بحملة واسعة من اجل تقرير مصير الشعب الصحراوي ، وإقامة دولته المستقلة .
لقد كان هذا هو الأصل اذن في تقرير المصير . انّ الاستعمار الاسباني هو الذي أوحى للبوليساريو بتوجهاتها الانفصالية .
فلماذا تراجع الاستعمار الاسباني عن ذلك ، الى التفاهم مع النظام السلطاني المخزني العلوي ، ومع الكيان الموريتاني ؟
فهل حقا ان السبب هو اندفاع الشعب الصحراوي نحو نفس الهدف ، وخاصة بعد تشكيل " طليعته الثورية التقدمية " في 10مايو 1973 ..
ان الاستعمار والامبريالية لا يقامران ابدا على مصالحهما . ان اسبانية تراجعت عن الاستفتاء وتقرير المصير ، لأنها اضطرت الى ذلك . ولو خُيّرت ، لاختارت إقامة الدويلة التي أصبحت اليوم دولة ، وليس دويلة مفروضة باعتراف المجتمع الدولي ، من مجلس الامن ، الى الجمعية العامة للأمم المتحدة ، الى الاتحاد الأوربي ، الى الاتحاد الافريقي ، الى واشنطن ، الى روسيا الاتحادية ، والصين الشعبية ، الى إسرائيل الدولة اليهودية ، الى محكمة العدل الاوربية . فالمشكل اذن لم يكن الطليعة الثورية التقدمية ، ولا وجود شعب الصحراء الغربية الذي كان جزءا من الشعب المغربي ، لان اتجاه الأمور كان يسير نحو التفاهم على طريقة تفاهم Pedro Sanchez الذي تراجع عن اعترافه بمغربية الصحراء ، عندما اعترف بحل الحكم الذاتي .. فالاتجاه اذن كان يسير نحو التفاهم ، من جهة بين التشكيلات السياسية التابعة لإسبانية مباشرة والبوليساريو ، وبين هذه الأخيرة واسبانيا من جهة ثانية . وحصلت بالفعل اتصالات ، سبق ان اعترف بها الوالي نفسه ، بين البوليساريو والاستعمار الاسباني لترتيب الأمور بين الطرفين ، ثم وقف العمليات التكتيكية التي كانت تقوم بها البوليساريو منذ سنة 1973 ، وفي هذا الاطار سيجيئ تسليم الاسرى الاسبان ، والتصريحات التي رافقت هذه الاحداث ، والتي اسدل عليها ستار من النسيان في حينها ، والقائلة بان جبهة البوليساريو لا تريد إراقة مزيد من الدماء ...
وبما ان الامبريالية كما قلنا أعلاه ، لا تبني مواقفها على أوضاع جامدة ، ساكنة ومحددة سلفا والى الابد ، فالإمبريالية هي الأخرى تعرف الدياليكتيك ، وتتعامل مع الواقع المتحرك . وهنا نفهم الموقف المكيافيلي عندما انقلبت فرنسا واسبانيا وامريكا بعد ضربة طنطان ، بالتأييد المباشر والتكتيكي للنظام المغربي ، كنظام موال للغرب المسيحي اليهودي الرأسمالي ، وهو تأييد سينقلب مع نهاية الحرب الباردة ، وافول دور النظام المغربي كنظام عميل للغرب ولإسرائيل ، فاصبح الجميع يتشبث بأطروحة الجمهورية الصحراوية ، ويتنكر لأطروحة مغربية الصحراء . فأمريكا لاحت اعتراف Trump بمغربية الصحراء في المزبلة ، وتشدد على الحل الاممي والمشروعية الدولية التي تعني تقرير المصير ، والعلاقات مع قصر الإليزيه Le palais de l’Elysée بقيادة Emanuel Macron أصبحت مقطوعة وليس فقط جامدة . بسبب برنامج التجسس Pegasus . فالرئيس الفرنسي احس بغدر وشماتة ، وسحب كل ثقته من محمد السادس ، الذي لم يعد جديرا بالاحترام والثقة والتقدير .. وهذا ستكون له تبعات سلبية على مصير الصحراء الغربية ، خاصة وان فرنسا العضو الدائم العضوية المتمتع بحق الفيتو داخل مجلس الامن ، تصوت على قرارات مجلس الامن الداعية الى تقرير المصير ، وكعضو بالجمعية العامة تصوت لصالح قراراتها التي تدعو الى تقرير المصير . لكنها هذه المرة لن تُعقد ولن تعطل ما صوتت له من قرارات بمجلس الامن ، وبالجمعية العامة ، بل ستسرع في تنزيل ما صوتت عليه من قرارات . هذا ما جناه البوليس السياسي من نكسة في ملف الصحراء ، بسبب البرنامج Pegasus ..
والعنصر الطارئ في الاحداث في سنوات السبعينات 1975 ، والذي سجلته الأرصاد الامبريالية ، هو تحرك الشعب ، الجماهير المغربية ، وانفجار حماسها الوطني المكبوت منذ استقلال Aix-les Bains الخياني ، بشكل غير محمود العواقب بالنسبة للنظام السلطاني المخزني الرجعي أولا ، وبالنسبة للاستعمار بالمنطقة والامبريالية ثانيا . فكانت النتيجة ان راجعوا جميعا حساباتهم الضيقة ، فكانت اتفاقية مدريد سنة 1975 التي قسمت الصحراء كغنيمة ، فمنح النظام الرجعي المغربي " صك بطولة " و " وطني محرر " ، بانه حرر الصحراء ، وهذا كان ضروريا لاسترجاع ثقة الشعب والجيش به ، من اجل ان يستمر في الحكم ، ويستمر يحمي مصالح الامبريالية في الصحراء وبالمنطقة ، وفي الشمال بشكل أحسن ولمدة أطول .
هذه هي الصيرورة التي جرت ضمنها عملية التحول في الموقف الاسباني ، والامريكي ، والفرنسي ، من تقرير المصير ، الى التقسيم الظالم الخائن ، نرى ضرورة تأكيدها من جديد رفعا للمغالطات .
وطبعا وكوحدويين ارتووا منذ بداية سبعينات القرن الماضي ، بفكر حركة القوميين العرب في شقها الثوري التقدمي الذي مثلته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة الحكيم جورج حبش ، فان موقفنا كمفكرين وكمثقفين ، كان ولا يزال في آن واحد ، التنديد بمساومات ، وخيانة النظام السلطاني المخزني العلوي من جديد للقضية الوطنية ، خاصة اعتراف محمد السادس المهاجر الى فرنسا ، بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار ، ليصبح عضوا بالاتحاد الافريقي عندما صوت لصالح قانونه الأساسي الذي ساهمت الجمهورية الصحراوية في تحريره .
وثانيا التشبث بمغربية الصحراء والسيادة الكاملة عليها ، لتفويت الفرصة على النظام السلطاني ، المخزني ، العلوي ، البوليسي بتوظيف الحملة / الأكاذيب المفضوحة والخيانية ، لإعادة بناء مجده المهزوز ، والمهدد بالسقوط اليوم اكثر من البارحة .. وهنا نتساءل مع الكاتب الفرنسي Jean-Pierre Tuquoi هل سيكون السلطان محمد السادس المهاجر الدائم بالديار الفرنسية " آخر ملك " " Le dernier roi " ، خاصة وانه معزول دوليا ( فرنسا ) ، وجغرافيا مناطقيا ( شمال افريقيا ) ، وقاريا ( الاتحاد الأوربي ) ، و ( الاتحاد الافريقي ) ، وقضائيا ( محكمة العدل الاوربية ) وبأمريكا الجنوبية واللاّتينية ... أي انه غير مرغوب فيه ..
وطبعا حينما نقول بان موقف البوليساريو الانفصالي ، وتماديها في مخططها لإقامة دولة صحراوية على هذا الجزء من وطننا ، انما هو تدعيم للنظام العلوي الرجعي البوليسي ، الذي كان ولا يزال الى الآن معزولا وضعيفا ( الرجل المريض بالمنطقة ) ، خاصة وامام Chaos الذي توجد فيه الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للشعب المفقر . فالنظام حين اعترف بالجمهورية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن الاستعمار ، فان قصده من ذلك ، هو استغلال محاولة البوليساريو لفصل الإقليم الصحراوي وإقامة دولة فيه ، وتأييد الجزائر والكيان الموريتاني وتونس لهذا العمل ، من اجل تصريف الحقد الجماهيري ، وتوجيه الجيش المغربي نحو عدو خارجي ، واثارة الحقد والكراهية الشوفيني ، بدل الحقد على النظام نفسه المفقر للشعب ، والمهرب لثروة المغاربة الى خارج المغرب ، وتكديسها في الابناك الاوربية وبالملاذات الآمنة . ومن ثمة تدعيم مركزه ، وترميم جهازه الذي كان ولا يزال قاب قوسين او ادنى من الانهيار المنتهي بالسقوط ، واحاطة كل خطوة يخطوها في هذا الباب وفي هذا المضمار ، بهالة من التأييد المنفوخ فيه ، وترسيخ التقاليد المرعية ، والطقوس القروسطوية البالية ، تقاليد السلطان من بيعة وولاء وغيرها من الأساليب المخزنية التي هي اليوم على وشك الطي النهائي عند حصول فراغ في الحكم .. وهو فراغ قادم ويقترب الثانية والدقيقة .
فعندما تهدد الدولة الصهيونية بلد عربي ومن قلب بلد يدعي العروبة والإسلام ، وإسرائيل التي تخشى وتحافظ على شعبها وجنودها ، تتمختر ومن قلب بلد امير المؤمنين ، فالتهديد الصهيوني يبقى تهديدا لغويا لترطيب نفسية النظام المتأزمة بقضة الصحراء التي فقد خيوط تصريفها .. وإسرائيل التي لا تعترف بمغربية الصحراء ، رغم انبطاح النظام امامها ، مقايضا الصحراء بفلسطين ، وتصر كالاتحاد الأوربي على المشروعية الدولية لحل النزاع الدائر بالمنطقة .. تتمنى لو تنشب حرب بالمنطقة للتدمير .. لكنها ، أي إسرائيل لن تنخرط فيها .. فإسرائيل تفضل الجزائر على النظام المغربي . ولو طبعت الجزائر معها ، لكانت الدولة العبرية اول من يعترف صراحة بالجمهورية الصحراوية ..
اذن من المسؤول عن هذا الوضع ، وهذه الحالة التي تشفي ( الصديق ) ، والنظام ليس له صديق ، قبل العدو ؟ . هل الشعب ؟ . هل القوى الوطنية التقدمية والثورية التي اجهز عليها النظام البوليسي العلوي المخزني ، والبوليس السياسي سبب قطع علاقات فرنسا بالسلطان محمد السادس ، الذي رغم هجرته الى فرنسا ، فالطبقة السياسية والإعلامية وقصر الإليزيه تقاطعه Le palais de l’Elysée ؟ .
ان المسؤول هو النظام العلوي المخزني وحده لا غير ، وجهاز البوليس السياسي La police politique ..
ان قضية الصحراء واستكمال الوحدة الترابية للمغرب ، هي أصلا قضية الجماهير الشعبية ، وقضية القوى الوطنية الديمقراطية ، قبل ان تكون قضية القصر والسلطان سبب شقاءها ، والذي اعتمد وركب على هذا المطلب العميق للجماهير ، ليصرفه ويتعامل معه بالطريقة التي تفيده ، وهذا ما غاب عن أصحاب النظرة التبسيطية للأمور ، مِمَّنْ غشى عيونهم البريق الثوري للبوليساريو ، فأعماهم عن الرؤية السليمة للأشياء ..
أمّا الحديث عن البؤرة الثورية ، فحديث خرافة يلغي نفسه بنفسه ، وهو مجرد غطاء لستر الطابع الانعزالي الإقليمي لدعاة الجمهورية الصحراوية الديمقراطية الثورية ، لأصحابه ، ولاستدرار التأييد لهم ، خاصة وان هجمات الامبريالية على المنطقة العربية يخلق لدى الكثيرين استعدادا نفسيا لتقبل مثل هذه المواقف التي سرعان ما ينكشف خطأها ، لغرقها في الأوهام .
فبعد ان انتقلت البوليساريو من " حركة تحرير " ، الى دولة اعترف بها محمد السادس ، يصير شغلها الشاغل تحصيل الدعم وجمع الاعترافات .. فيصبح الحديث عن البؤرة الثورية لضرب الرجعية ليس فقط في المغرب ، وانما في سائر الوطن العربي ، من باب المزايدات والتلاعب بالكلمات .
والسؤال هنا للعقلاء ، وليس للوهميين الموهمين ، والغارقين في الاحلام . كيف يمكن التحدث عن البؤرة الثورية لتحرير المغرب من نظام سلطاني ، مخزني ، علوي ، رجعي ، وبوليسي ، وفي نفس الوقت التنسيق مع الحركة الشعبية المغربية من اجل القيام بثورة شاملة على مستوى المغرب برمته .. فكيف التنسيق والجمع بين البؤرة الثورية لتحرير كل المغرب ، ونقيض هذه الاطروحة " إمكانيات التنسيق مع الحركة الشعبية " . فعن أي حركة شعبية يتم التنظير لها ؟
ان المعارضة الشعبية في المغرب ، هي ضد القصر والسلطان المفقر للشعب ، وليست ضد الوحدة الترابية للمغرب .. فمنذ بدأ الصراع في المغرب منذ سنة 1956 ، كان صراعا ضد النظام الفيودالي ، البطريركي ، الكمبرادوري ، الرعوي ، القروسطوي .. ولم يكن صراعا ضد التراب المغربي ، وضد الشعب المغربي ، ووحدة المغرب السيادية ..
ومن سوء حظ البوليساريو ، انه في الوقت الذي يدعي فيه انه ثوري ، ومعادي للنظام القائم في المغرب كنظام استعماري ، يجده الناس في تناقض تام ومطلق مع الحركة التقدمية الديمقراطية المغربية ، المعادية للنظام المخزني السلطاني البوليسي ، الشيء الذي جعل الكثير من التقدميين المغاربة ، خصوصا أولئك الذين لا يبتغون من وراء اتخاذ المواقف جزاء ولا شكورا ، في حيرة من امرهم . هل يقفون مع الحركة الثورية المغربية التي يعرفون تاريخها ومواقفها الوحدوية ، ام يقفون مع البوليساريو كحركة انفصالية ظهرت فجأة على مسرح الاحداث ، بفعل خيانات النظام العلوي المخزني ؟ .
ان وضع البوليساريو هذا الذي يجعلها في تناقض لا حل له مع الشعب المغربي ، ومع الحركة التقدمية الثورية والوحدوية المغربية ، التي تطرح وتناضل فعلا من اجل الإطاحة بالنظام السلطاني ، المخزني ، الرجعي ، البوليسي المغربي ، لأنه خارج الأعراف والقوانين التي تتصف بها الدول الديمقراطية ، ومن اجل التحرير الكامل للصحراء المغربية كما ناضلت باستمرار ، أي بما فيه الثلث من الأراضي الخارجة عن الجدار الرملي التي تنشط فيها جماعة البوليساريو ، وبما فيها الإسراع بترتيب وإصلاح الوضع القانوني للگويرة المغربية ، الراسخة تحت الاحتلال الموريتاني .. فعند خروج موريتانية من إقليم وادي الذهب " تريس الغربية " ، يكون الخروج هذا اعترافا صريحا من الكيان الموريتاني بمغربية وادي الذهب ، واعترافا صريحا بكون التواجد الموريتاني بالگويرة بمثابة احتلال غاشم .. فكيف السبيل الى هدم كل هذا الرصيد النضالي للشعب المغربي ، الذي يتعرض يوميا للسب والشتم من مواقع الانفصاليين ، ومِنْ مَنْ والاهم من ( المغاربة ) الذين وضعوا نفسهم تحت رحمة ، ولخدمة الأجهزة الاستعلامية الجزائرية المختلفة من عسكرية ومدنية ، وهدم الرصيد النضالي للحركة الثورية ، التقدمية ، الديمقراطية ، والوحدوية المغربية ؟ .
هذا هو السؤال الذي يؤرق قيادة البوليساريو ، ويؤرق المرْميين رغما عنهم في أحضان الجزائر ، يطبلون ويصفقون لمخططها التقسيمي للوطن المغربي ، اعتقادا منهم انهم يوجهون بأفعالهم هذه ضربة موجعة للنظام السلطاني ، المخزنولوجي ، البوليسي ، البطريركي ، الكمبرادوري ، المركانتيلي ، الاقطاعي الفيودالي ، الثيوقراطي المزيف ، والقروسطوي الغارق في الطقوس البالية ، وفي التقاليد المرعية ..انها الحقيقة الفاقع للاعين ..
--- نحن لسنا شعبا عاقرا ، ومَصْطولاً ، ومخبولاً :
المغاربة ليسوا بشعب عاقر حتى تنطلي عليه الشعارات الرنانة ، والاسطوانات المجروحة ، خاصة عندما يشترك في جوقة معاداة الوحدة الترابية والشعبية للمغرب ، مَنْ هُمْ المصْطُولون والمخبولون الحقيقيون .. كلمة مصطولون جاءت من ( السّطل / القُبُّ ) ..
بعد ان فاجأ موقف الشعب المغربي بكل شرائحه الاجتماعية ، موقفه من مسألة الوحدة الترابية ، ومن الوحدة الشعبية للشعب ، وموقف القوى الثورية ، الديمقراطية ، التقدمية ، والوحدوية المغربية المتمسك بالوحدة الترابية والبشرية للمغرب .. وهو موقف ثوري ثابت فاجأ المرتهنين عند النظام الجزائري ، ليحولوا حملتهم الى سب وشتم في حق الشعب المغربي .. حتى فقدت البوليساريو العقل والصواب ، وتاهت تضرب اخماس في اسداس مثل الناقة التي لا بصر ، فتدوس في طريقها كل من صادفته واقفا امامها ..
ان ابسط التفسيرات الخاوية والمردود عليها ، هو تفسير البوليساريو والمطبلين له ، وللنظام الجزائري ، بان القصر ، والسلطان ، والدولة السلطانية ، الكمبرادورية ، المخزنية ، البوليسية ... الخ ، نجحوا في تدويخ الشعب الذي تسيطر عليه الامية ، ونجحوا في تدويخ القوى الوطنية الوحدوية التي ارتمت في أحضان القصر السلطاني ، تؤيد مواقفه من الصحراء ، طمعا في بعض الكراسي الحكومية ، او في القليل من الديمقراطية ، أي تقْطير الشّمع .. فالجماهير المغربية كما يرددون خُدعت ، واسْتُغلت عواطفها الجياشة الرخوية ، كما خُدعت من قبل ، واخطأت الامة الألمانية المجيدة والعريقة عنما ناصرت " أدولفو هتلر " . لكن في الوجهة المقابلة ، هناك الشعب الصحراوي الذي يواجه بصمود حرب الإبادة المفروضة عليه ... والتنظير الوهم للجان الثورية الشعبية التي تتأسس على قدم وساق ... المرأة الصحراوية تقاتل بجانب اخيها الرجل .. سلطانة خيا تنتصر في معركتها البطولية ، وتدخل البرلمان الفرنسي دخول الابطال ، وعلم الجمهورية الصحراوية يرفرف داخل البرلمان الفرنسي .. أميناتو حيدر رمز النضال وحقوق الانسان في الصحراء .. البوليساريو جزء من جبهة الرفض الصامدة ، الى جانب الجزائر مكة الثوار وارض الاحرار على مستوى العالم العربي الغارق في الجهل والامية .. ... الخ .
فللبوليساريو ، ودعاة الجمهورية الصحراوية ، والمُطبّلين لهم صباح مساء ، ان يأخذوا ما طاب ولذ لهم من الشعارات ، ومن النظريات الثورية . لكن طلبنا النّحن Le nous ان يعطونا قدرنا كشعب ، إنْ لم يعطوه لنا كمفكرين ، مثقفين ، ووحدويين . وما عليهم هنا الاّ ان يعملوا الفكر ، ويستخدموا فكرهم في الاحداث التي تجري امامهم ، وامام اعينهم . لان التجربة علمتنا ولا تزال تعلمنا ان الجماهير الشعبية ، ليست عُلباً فارغة يملأها الحاكم السلطان بيد الله كما يريد ، وليست قطيعا يساق الى المجزرة على حسب شهواته وارادته Les moutons de Panurge .
والسؤال الأساسي هنا : كيف تقدسون وتقدرون " إرادة الجماهير الصحراوية " ، ولا تعيرون ادنى اهتمام لإرادة الجماهير المغربية ؟
كيف تعتبرون ان هذا على حق ، وتلك على باطل ؟
أسئلة بديهية كان يجب التعامل معها بالتأمل ، والفكر ، والتفكير ، قبل ان يصدروا احكامهم بهذا السرعة الطائشة ، التي تنم عن كيد ومخطط مدروس ، لتفتيت المغرب الشعب ، والمغرب الأرض والتراب .
وبإلقاء نظرة بسيطة عبر العالم ، سنكتشف ان الحكام الرجعيون من أمثال " هتلر " ، لم يستطيعوا ان يعبئوا الجماهير الاّ في شروط موضوعية معينة . فهتلر إذا كان من الضروري انْ نتحدث عنه في هذه المقارنة اللاّتاريخية واللاّمشروعة ، فنجمه صعد على ظهر البرجوازية المتوسطة التي عصف بها خراب الازمة الاقتصادية العالمية ، وبعد هزيمة المانيا هزيمة نكراء هيأت المناخ للردة الأيديولوجية العرقية والاثنية ( الأمة الآرية ) و ( الشعب الآري ) . ولم يستطع هذا الدكتاتور المسرحي الاحمق ان يعتلي السلطة ويصمد ، ويهيمن أيديولوجيا ، الاّ بعد ان حطم مقاومة الطبقة العاملة ، والمدخل كان اشعال النار في مقر البرلمان الألماني ، والصاق التهمة بالشيوعيين للفتك بهم ، من خلال تشتيت الحزب الشيوعي الأكثر انتشارا وسط الشعب .. وهو على الأقل جعل من المانية على انقاض كل كوارث الازمة ، اقوى بلد رأسمالي عالمي ..
فما هي اذن الظروف العينية التي تدفع بالجماهير المغربية الى ارتكاب هذا " الخطأ التاريخي " ، في مؤازرتها لضم الصحراء ، وحرمان " شعب " من حقوقه الطبيعية ؟
ما هي المغريات التي يقدمها السلطان ، ويقدمها القصر السلطاني الى الجماهير البائسة ، لكي " تسانده في سياسته الخرقاء " ، وهو لا يعطيها يوميا غير القمع ، والتجويع ، والمزيد من التفقير حتى صار المغرب ، ليس البلد الأقوى ولا النامي ، بل صار النموذج الأول في العالم لركود الاقتصاد السلطاني المتخلف الذي يعتمد على النهب ، وسرقة ثروة الشعب المفقر ، وتهريبها لتكديسها في الابناك الاوربية ، وفي الملاذات الضريبية الآمنة ...
قد يعتقد البعض انه بالرغم من عدم وجود شروط موضوعية تنمي الروح التسلطية عند الجماهير ، فان السلطان استغل الشعور القومي الوحدوي " الغريزي " عندها . لكن الجماهير المغربية ليست بهذه البلاهة لكي تهاجم شعوبا عربية أخرى ، باسم الوحدة والشعور القومي ( تونس ) ، وليست حتى مستعدة لتقتطع جزءا ولو قليلا من خبزها اليومي ، وعلى ضآلته ، لتتحمل مشاق حرب عسكرية بكل ضغوطها السياسية القمعية ، وفي سبيل ما تعرفه مسبقا انه اعتداء على أمن شعوب عربية مجاورة . لان من تحمل ، بالمناسبة ، كل التضحيات الاقتصادية والسياسية في معركة الصحراء ، ومنْ كان على استعداد للموت والمجابهة القتالية ، هم الجماهير الشعبية المفقرة ، وليس السلطان ، واسرته ، وعائلته ، وأصدقائه ، وحاشيته المرابطين في قصورهم ، والمستمتعين بخيرات الشعب المغربي المفقر .
كذلك نرفض الرفض القاطع لوناً آخر لهذا الطرح التبسيطي المقلوب ، وهو الذي يجرد تدخل الجماهير من أي محتوى سياسي مباشر وفوري . ويعترف لها بالإرادة الثورية في سبيل الوحدة ، والتي حسب فلسفته ، ان الجماهير تريدها حرة ديمقراطية ثورية . وليست في اطار النظام السلطاني القائم . طبعا يجب رفض هذا التقييم الهروبي ، لان تدخل الجماهير المباشر ، وبهذه الكثافة ، له مدلول سياسي ظرفي ، بمقدار ما له أيضا مدلول تاريخي .
ان الجماهير تتدخل في اللحظة ، لتؤثر في الاحداث ، ولتغير مجرى الصراع حسب امكانياتها العفوية ، لا لتعبر عن إرادة تجريدية ، كالمشاركة العفوية الكثيفة للجماهير في المسيرة ، والتي بلغ فيها التطوع غير الرسمي حوالي مليوني نسمة . وفي المظاهرات التي عمت مجموع مدن المغرب ، للتعبير عن الإرادة العاجلة في تحرير الصحراء ، واسترجاعها الى الوطن .
اما الحديث عن الارتداد والقوى الإصلاحية التي انقرضت اليوم من المشهد السياسي ، التي كانت قد ارتمت في أحضان الحكم المخزني السلطاني ، فاقل ما يقال ان تجربتها النضالية لاسترجاع الصحراء ، والدفاع عن وحدة الوطن ووحدة الشعب ، وحنكتها ووعيها السياسي بخطر الانفصال ، وصلاتها بالجماهير في هذا الباب ، لهي اعمق بما لا يقاس ، من هذا الوليد الذي اخرجوه الى العلن في سنة 1976 ، وانها اكثر تمثيلية ورسوخا تاريخيين من هذا الوليد العابر .
ان الاختلافات التكتيكية في معركة الصحراء ، وتنوع القدرات الاستراتيجية بين كل المهتمين بالوحدة المغربية ، مسألة تعكس بعمق حساسية الظرف التاريخي ، والمطالب المتنوعة لطبقات الشعب المغربي .
لكن هذه التناقضات لا تنفي بالمرة ان مجموع القوى المدافعة عن مغربية الصحراء ، تمثل – في مستوى تطور شعبنا - قواه الديمقراطية والوطنية . فالاختلافات والتناقضات موجودة بأشكال مختلفة في جميع البلدان العربية . والاصلاحية قد لا تكون برلمانية وحسب ، بل قد يكون لسانها أحيانا ارفع سلاحا أوتوماتيكياً في الحروب الشعبية .
ان الشيء الذي استعصى فهمه على دعاة الدولة الصحراوية من المغاربة الشبه تنظيميين اليوم ، وكانوا تنظيميين بالأمس الثوري الجمهوري ، هو ان قضية تحرير الصحراء واستكمال وحدة الوطن ، كانت من مطالب الجماهير الشعبية ، والقوى الوطنية الديمقراطية التقدمية والثورية ، مؤسسي حركة 6 شتنبر 1959 ، رافعي مشروع الاختيار الثوري ، وجيش التحرير بالجنوب ، قبل ان يكتشف الحكم الرجعي مؤخرا مصالح اقتصادية ضيقة ( الفوسفاط ، والثروة السمكية ، والمعادن ) تربطه بهذا الشعار .
ان معضلة الثورة المغربية ، هي انها انتكست بحصول استقلال Aix-les Bains الخياني ، فلم تسْتلم الحكم القوى الوطنية التي ناضلت من اجل استقلال المغرب المنقوص ، بل انتزعها القصر واعوانه من المتحالفين مع الاستعمار الجديد ، ولم يكتمل حتى تحرير الوطن المغربي برمته ..
ولهذا بقي في جدول اعمال الحركة الوطنية ، التقدمية ، الديمقراطية والوحدوية ، الاستمرار في النضال من اجل تحرير كل الأجزاء الباقية تحت الاحتلال الاسباني ، ومن ضمنها الصحراء الغربية . ولقد كان استمرار جيش التحرير في الجنوب ما بين 1956 و 1960 ، الذي استطاع ان يحرر اكبر جزء من الأراضي الصحراوية ، اول قضية فجرت الصراع مع أعداء الثورة المغربية ، الديمقراطية ، التقدمية ، الشعبية والوحدوية ، القصر العلوي الخائن ، والاستعمارين الاسباني والفرنسي .
فهل يعقل اذن لحركة وطنية ، تقدمية ، ديمقراطية ثورية ووحدوية ، تحمل وراءها كل هذا الإرث النضالي ، الذي يستحيل تلخيصه في اسطر قليلة ، ان تتخلى عن مطلب مغربية الصحراء ، لمجرد ان الحكم الرجعي المخزني السلطاني اكتشف له مصالح في المنطقة ؟
اليس منطق هذه الصيرورة التاريخية ، هو بالعكس الدفع بالتناقضات مع الاستعمار بأشكاله المختلفة من اسباني وفرنسي ، وحلفائهما الإمبرياليين الى نهايتها القصوى ، والاستفادة كلّما أمكن من الظرف التاريخي ، حسب الشروط التي تمليها موازين القوى والعمق الجماهيري ..
ان اصل الخطأ للذين يبشرون ويطبلون للجمهورية الصحراوية ، ويروجون لمبدأ تقرير المصير ، انهم انطلقوا في الحكم على القضية ، استنادا على طبيعة الحكم الرجعية ، لا انطلاقا من الاستراتيجية المستقلة لمصلحة الجماهير ، وقواها الوحدوية والتقدمية .
فلكي لا ننسى ان النظام العلوي في المغرب ، ليس بلد الرجعية الأقوى في منطقة شمال افريقيا وحسب ، بل هو أساسا موطن صراع طبقي شعبي حاد ، يتمثل بقوى طبقية ناضجة ومنظمة نسبيا ، بملايين من جماهير الشعب المغربي الخلاقة .. ان الحكم الرجعي يعاني من أزمات عميقة ، ليس أولها ولا آخرها انتفاضة مارس 1965 ، ولا انقلاب الضباط الوطنيين الاحرار في سنتي 1971 و 1972 ، ولا انتفاضة الدارالبيضاء المجيدة في 9 يونيو 1981 ، ولا انتفاضة الشعب في الشمال وفي مراكش في يناير 1984 ، ولا انتفاضة 1990 بفاس ، ولا صفرو ، ولا جرادة المنكوبة ، ولا الريف الذي غمرته شعارات الانفصال كرها في النظام ... وليس بالأحرى احتكار الفوسفاط ، وثروات الشعب المنهوبة والمسروقة .. هو حلها النهائي .. بيد ان الجماهير المغربية وقواها الوحدوية والتقدمية ، يمكن لها ان تجعل من قضية الصحراء خطوة ثورية في تأزيم ازمة النظام السلطاني المخزني ، الكمبرادوري ، الطريركي ... المستفحلة ، أي تحويل نزاع الصحراء الى تناقض أساسي واستراتيجي مع الحكم ، وهي ، أي الجماهير ، قادرة مع التطور ان تنتصر في معركتها التحررية المصيرية .
ان الثورة الشعبية في كل مكان ببلدان شمال افريقيا ، لا زالت في موقع دفاعي ، وهي تعاني من انتكاسات وانهزامات متعددة ، حتى الثورات المسلحة منها . ثم ان حمل السلاح مغامرة قاتلة اذا لم يكن في ظرفه المناسب كالوضع في الصحراء . ولهذا لا يمكن ان نتصور بسهولة ان تصير الصحراء بالنسبة للمغرب بؤرة ثورية ضد الحكم الرجعي العلوي ، فبالأحرى ضد الرجعيات العربية .
ان هذا الخيال الثوري الواسع ، لا يرى الى الآن . لماذا لم تستطع ( الثورة ) الفلسطينية نفسها ، رغم تجمع افضل الشروط قبل لبنان في سنة 1982 ، ان تشعل حريقا ثوريا ممتدا ومتصاعدا في مجموع العالم العربي . ولماذا اضطرت الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي ، ان تتحول الى مجرد جبهة شعبية لتحرير عمان ، وظفار .. والتي انتهت اليوم .. ان لم يكن وعيها بتعدد وتنوع تناقضات المنطقة ، وارادتها في الاستفادة من ذلك ؟
ان منطقة الصحراء بالنسبة للمغرب ، ليست الموقع الاستراتيجي عسكريا وسياسيا للثورة . وهي لولا احتضان الدولة الجزائرية للبوليساريو ، لحسمت فيها المواجهة بسرعة البرق لصالح النظام المغربي ، والدليل تتبعناه في حينه من ندرة العمليات المسلحة ضد الاستعمار الاسباني .
ان الجماهير هي صانعة التاريخ ، لكن صنع التاريخ يتم في شروط مادية ، جغرافية ، وبشرية ، سياسية واقتصادية .. هي متوفرة الآن عند ذهاب الصحراء وهي ذاهبة ، او عند حصول فراغ في الحكم ، وما يترتب عن هذا الفراغ كنزول الصحراويين بكثافة في المدن المتنازع عليها تطالب بالاستقلال عن طريق الاستفتاء وتقرير المصير .. وبما ان نزاع الصحراء هو بيد الأمم المتحدة ، فان النزول سيكون مراقبا من قبل المجتمع الدولي ، ولن يستطيع النظام اطلاق رصاصة واحدة على الصحراويين النازلين .. لأنها ستكون نهايته بيده .. وعن طيب خاطره ..
ان المصلحة الوطنية في مثل هذا الصراع ، لا تعني رفع شعار اسقاط الحكم ، كي يسهل الاندماج مع فريق انفصالي صغير رفع السلاح في وجه النظام ، كي يتم تبرير الاندماج ضمن الجمهورية الديمقراطية الشعبية ، في افق بناء جمهورية تعم كل دول شمل افريقيا ، او منطقة المغرب العربي .
ان المصلحة الوطنية تقتضي الحفاظ على الوحدة الترابية ، ، والحيلولة دون قيام دويلة ستكون آلة بيد الامبريالية للفتك بشعوب المنطقة ..
فهل نزاع الصحراء يشكل تهديدا ( للثورة الاشتراكية ) الجزائرية .. كما يدعي الساسة الجزائريون ، ويصفق لهم المطبلون ( الممانعون ) ، الذين يركبون هذه القنطرة لتصريف شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع ؟
قبل الحكم ، علينا الالمام بمعطيات ما يسمى بالصراع الجزائري المغربي .
--- من القضايا المعلقة بين البلدين ، والتي أدت الى حرب الرمال في سنة 1963 ، هي مشكل تندوف التي يوجد بها غار جبيلات للحديد . والجذير بالذكر في هذا الموضوع ، من جهة ، ان القوى التقدمية ممثلة في المقاومة وجيش التحرير ، وفي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، والاتحاد الوطني لطبلة المغرب ( الحلوي ) ، ادانت حرب الرمال ضد الجزائر ، كما ادانت سابقا حرب الحدود ، وكانت تطالب رغم اقتناعها بان المنطقة مغربية ضمت الى الجزائر في عهد الاستعمار الفرنسي ، بان يحل المشكل بواسطة الاستغلال المشترك لحديد تندوف ولصالح البلدين .. ومع العلم ان هذا الحديد لا يمكن استغلاله اقتصاديا ، الاّ اذا فتح له منفد عبر الصحراء الى المحيط الأطلسي . ومن جهة أخرى ، فان الدولتين قد توصلتا الى اتفاق مماثل في هذا الشأن ، وهو الاتفاق الذي رمت به الجزائر عرض الحائط عندما أمّنت سيادتها على تندوف ..
-- وفي قضية الصحراء الغربية بالذات ، كان بين الدول الثلاث ( المغرب ، الجزائر ، موريتانية ) تفاهم كامل ، وتجلى ذلك في لقاءات نواذيبو ، و اگادير . ومن البديهي ان الدول الثلاث لم تلتق لتتفق على ضمان حق تقرير مصير الشعب الصحراوي ..
-- عسكريا ، فان ضم الصحراء الى المغرب ، لا يضيف شيئا كثيرا للحدود الجزائرية المغربية . والقواعد العسكرية موجودة اصلا في المغرب . والاهم ، ان الانقلابين العسكريين دفع بالقصر الى تفكيك الجيش ونزع سلاحه الثقيل ، وكل همه في هذه المعركة ، هو ان لا تدفعه الاحداث الى اعادة مركزة هذه القوات من جديد .. الاّ ان الصراع بدأ يفرض ذلك ورغما عنه .
-- الحكم الرجعي المغربي حليف طبيعي واساسي لفرنسا . لكن فرنسا ايضا لها مصالح مع الجزائر ، لا يمكن التفريط بها حسب التصنيف المعروف في الشرق العربي . فيكفي الاشارة في هذه العجالة الى حاجة فرنسا للطاقة الجزائرية ، وطموحها لان تلعب دورا رئيسيا في التجهيز الصناعي الجزائري .. هذه ، وغيرها من العلاقات المتنوعة مع كل اطراف الصراع في قضية الصحراء ، هي ما يجعل فرنسا ، وحتى امريكا ، تتخذ مواقف حربائية لا متوازنة بالضرورة ..
اذن من تركيب عناصر هذه اللوحة المقتضبة ، كنا ندرك ان الخطر الذي يهدد ( الثورة الاشتراكية ) الجزائرية ، ليس الاّ حكما تعسفيا على حقائق الصراع الملموس . لكننا نقر بان استمرار هذا الصراع نحو الحرب ، بدل حله بطرق سلمية ، وعلى مبادئ صحيحة ، هو الذي سيشكل خطرا ، ليس على ( الثورة الاشتراكية ) الجزائرية فقط ، بل على الثورة في مجموع المغرب العربي وشمال افريقيا .
وكلمة أخيرة ، ان شعبنا ليس عاقر لا يحبل بالثورة التي أصبحت اليوم على مشارف الدار ، ولا ينجب قوى وطنية وتقدمية اصيلة ومناضلة .. والاّ يضخموا كثيرا الأدوار ، ولا يعدموها الى النهاية . فقط كجواب قومي وحدوي ، وواجب النزاهة ، أنْ يمعنوا الفكر فيما يكتبون ويرددون .
--- إكتشاف آخر ساعة :
كيف امكن اكتشاف هذا الشعب الصحراوي الذي اعترف به محمد السادس عنما اعترف بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في يناير 2017 ... في أواخر سنة 1975 ؟
هل استندتم على التاريخ الخاص بهذا الشعب ، والذي صنعته البوليساريو تحت الطلب ؟
ام لقناعة ماكرة ، فان الجماهير الصحراوية ترفض الانضمام الى المغرب الذي يحكمه نظام طاغي مستبد ، وما دام الامر كذلك ، فلها الحق في الانفصال ؟
ليس الغرض من هذه الأسئلة إعادة كل ما قيل وكُرّر عن تاريخ المغرب ، وارتباط الصحراء الغربية بهذا التاريخ الموحد للكيان المغربي .
ان البوليساريو على الأقل منطقية مع نفسها ، فهي تدرك قيمة التاريخ في تكون الشعوب ، وهي لم تمهله بدعوى انه من اختصاص المستشرقين ، لمعرفتها ان التاريخ هو الذي يجسد طموحات شعب ، ويميز شخصيته الخاصة به . وان شعبا لا تاريخ له ، لا وجود له ، لأنه ليس علامة منفصلة إضافية لشعب ما ، بل هو الشعب عينه . وهي لهذا اضطرت في المواجهة السياسية ، والتاريخ له مدلوله السياسي ، ان تفبرك لنفسها تاريخا خاصا بها ، يلهم ضمير هذا الشعوب المصنوع ، وتتكلف أجهزة الاعلام ( الثورية ) بتيقنه وترسيخه في ذاكرة الجماهير الصحراوية ، والجماهير المغربية ، والجماهير العربية .
وهنا نطرح السؤال على دعاة الانفصال ومناصري التجزئة : في ايّ كتاب ولو مدرسي ، قرأتم او سمعتم ان بجنوب المغرب ، هناك شعب اخر اسمه الشعب الصحراوي ؟
فإذا انعدم النص فالطامة اكبر ، لان التاريخ المكتوب ، هذا العلم البرجوازي الممسوخ ، لم يتنبأ ان الثورة العربية بحاجة ماسة ، وعلى يد ثوريين عرب وحدويين ، الى صنع هذا الشعب في الوقت المطلوب ..
لنأت الآن الى الشق الثاني من سؤالنا ، فلعل ذلك هو جوهر قناعات الداعون الى انفصال الصحراء عن المغرب .
في الوطن العربي لنا تجارب من هذا النوع ، في جنوب السودان ، واكراد العراق . ومع ان هاتين المنطقتين بهما تشكل قومي متميز في حد ذاته ، ومع ان احتمالات الانشقاق كانت واردة فعليا في الساحة الجماهيرية ، فان القوى التقدمية الديمقراطية والوحدوية العربية ، رغم كل هذه الشروط ، لم تساند الانفصال في كل من البلدين ، ولم تنطلق في هذا المشكل من طبيعة النظام والحكم القائم قبلا او حالا ، بل من المصلحة العميقة للثورة العربية ، وبنفس المنطق الذي نواجه به نحن اليوم المشكل في المغرب العربي . ان الانفصال سيكرس واقع التجزئة ، وسيسهل على الامبريالية إضعاف قوى الثورة العربية . ولم يمنع هذه القوى التقدمية العربية وخاصة المعنية ، من استنكار الاضطهاد القومي ، والمطالبة بالمساواة في الحقوق ، وبالحكم الذاتي ضمن وحدة السودان والعراق . لقد انقسم جنوب السودان لمسيحيته ، وظل إقليم كردستان ينعم شكلا في حكم ذاتي ، لكن من الواقع فإقليم كردستان شبه مستقل ومنفصل عن العراق اليوم .
وعلى عكس هاتين الحالتين ، فان انفصال الشعب الفلسطيني عن الحكم الأردني ، وحقه في تقرير مصيره ، رغم الطبيعة القومية الموحدة للشعبين ، يعتبر خطوة تقدمية في اتجاه الثورة العربية ، لان ذوبان الشعب الفلسطيني يحمل معه ذوبان القضية الفلسطينية نفسها . لكن هذه الحالة في منتهى الخصوصية ، وهي تتعلق بطبيعة الاستعمار الإسرائيلي الاستيطاني ، وبتشتت الشعب الفلسطيني خارج ارضه ، وبالتالي ، الضرورة التاريخية والثورية للحفاظ على الكيان الفلسطيني كنقيض قائم ضد الكيان الصهيوني . وفوق هذا وذاك ، من ينكر وجود شعب فلسطيني في التاريخ العربي ، والثورة نفسها تعتمد هذا التاريخ ، وتعتبر نفسها استمرارا له .
نعم ان جزءا من الجماهير الصحراوية لا يرغب في الانضمام الى المغرب بسبب النظام الاستبدادي والطاغي . لكن هذا العامل ، مهما كانت أهميته المأساوية ، لا يبرر لوحده الانفصال . لان الردة الإقليمية داخل جماهير شعب واحد ممكنة ومؤقتة .. فإلى حدود سنة 1970 لم يكن لهذه الظاهرة اثر يذكر . بل بالعكس كانت الحركة الصحراوية المعروفة بالحزب المسلم ، والتي فجرت انتفاضة العيون ، تطرح التحرير في اطار المغرب . هذه الحقيقة تطمسها البوليساريو اليوم لحساب التاريخ المصنوع .
ان ملابسات هذه الردة الإقليمية تستند بالطبع على طبيعة التركيب الاقتصادي / الاجتماعي للصحراء الغربية . لكن الأساسي في هذه الظاهرة يعود من جهة ، الى خيانات الحكم العلوي ولا مبالاته ، سواء تجاه تصرفات الاستعمار الاسباني الذي كان يعمل بالضبط على تنمية النزعة الانفصالية ، او اتجاه الجماهير الصحراوية التي كابدت الامرين في حياتها الاقتصادية والنضالية ، ودون ادنى التفاتة من الحكم الرجعي ، اللهم بعض الاعيان الصحراويين الذين كان السلطان / القصر يهربهم اليه من اجل الدعاية الإعلامية . ان تصور الحكم للتحرير كان دائما الارتشاء وليس النضال .
ويعود من جهة أخرى ، الى دور الشبيبة الصحراوية المثقفة التي عوضت خيبة املها بطموحات طبقية ضيقة .. فأحسنت استغلال تعطش الجماهير الصحراوية الى التحرر ، محركة إياها في اتجاه انفصالي ، وخاصة في ظروف عرفت فيها القوى التقدمية المغربية محنا داخلية ، لم تمكنها حتى من المواجهة الدعائية في وقتها . ونفخ هذا الواقع الدور الذي لعبته الدولة الجزائرية بجانب الحركات الانفصالية / البوليساريو ، مما أعطاها حجما وقوة فوق امكانياتها وطاقاتها وحدودها الموضوعية ..
لذلك ، فان مواجهة هذه الردة تتطلب أولا ، إعادة الارتباط النضالي بين القوى الثورية والجماهيرية الصحراوية ، وهذه مسؤولية مباشرة على المغاربة الثوريين والتقدميين الموجودين في الساحة دون تنظيم ، والمرشحين للفرز عند حصول فراغ في الحكم ، وبما فيهم المناضلون الصحراويون الذين ربطوا مصيرهم بالثورة المغربية .
ثانيا ، طرح برنامج نضالي إصلاحي فوري ، يطور معالم الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، التي سبق ان حافظ عليها عمدا الاستعمار الاسباني .
ثالثا ، حل الصراع المغربي الجزائري على أسس سليمة ، وعلى مبادئ وطنية صحيحة ، ولصالح البلدين والشعبين .
ان النضال الوطني ليس أنانية إقليمية . لأنه ينسجم مع معطيات التاريخ ، وان الهدف الاسمى هو النضال في الاّ تقام في هذه المنطقة دويلة مصطنعة حتى ولو كانت بزينة ديمقراطية شعبية . ان ترديد الشعارات الثورية البراقة من منطلق إقليمي ، يعبر عن مصالح واستراتيجية مضادة لوحدة المغرب العربي
، وبالتالي ، ضد المصلحة التقدمية التي تخدم مشروع التقدميين الديمقراطيين والثوريين الوحدويين .
اما التركيز على شعار تقرير المصير فانه للأسف لم يظهر الاّ بعد اكتشاف الفوسفاط الذي يبتلعه السلطان ، واسرته ، وعائلته ، وأصدقائه ، والجماعات المرتبطة بهم . اما الشعب صاحب الثروة ، ففي فقره يعمه .
الفصل الثالث
هل اعترفت الأمم المتحدة بالجمهورية الصحراوية ؟ :
قبل الغوص في التحليل ، نود الرجوع الى النص القانوني الذي يحدد مصطلح الاحتلال ، كما درجت الأمم المتحدة تعتبر التواجد المغربي بالصحراء ، بمشكل يتطلب تصفية الاستعمار .. والأمم المتحدة تخلط في تصورها بين الحكم الذاتي التي ترى انه لم يطبق في نزاع الصحراء الغربية ، وبين الاستقلال التام المتعارض مع تدبير الحكم الذاتي . فحين تخلط الأمم المتحدة بين المصلحات القانونية ، وتشير الى الاستقلال بصيغة الحكم الذاتي او العكس ، هنا تكون المعضلة التي سقط فيها قضاة محكمة العدل الدولية ، عندما شددوا على الاستفتاء وتقرير المصير ، لكنهم في تناقض صارخ يعترفون بوجود بيعة لبعض القبائل الصحراوية مع السلاطين العلويين ، لكن دون تحديد عدد هذه القبائل ، ودون تسميتها بالحرف ، لان قول قرار محكمة العدل الدولية ل ( بعض القبائل المبايعة ) ، يعني ان هناك قبائل غير مبايعة ، لكن دون تحديد عددها ، ومن دون تسميتها . كما لم يسمى القرار الحيز الجغرافي الذي كانت تتواجد به القبائل المبايعة ، والحيز الجغرافي الذي كانت تتواجد به القبائل الغير مبايعة .. كذلك لم يعالج الرأي الاستشاري الوضع القانوني للقبائل المبايعة عندما تدخل المناطق الغير مبايعة ، ولم يحدد كذلك الوضع القانوني للقبائل الغير المبايعة عندما تدخل المناطق المبايعة . لان المجتمع الصحراوي أساسه التنقل والترحال طلبا للكلأ وللماء ...
كذلك أخلط قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر 1975 ، بين طبيعة الدولة الثيوقراطية التي يمارس فيها الأمير السلطان السلطتين الدينية والدنيوية ، وتَعامَل بصدور القرار المشوه مع كيان الدولة الثيوقراطية ، كدولة علمانية .. وهذا لا يجوز اطلاقا .. وهو اصل الصراع بين دعاة الدولة المدنية الديمقراطية ، وبين الدولة الثيوقراطية التي توظف الدين للسيطرة على المجتمع ، ولتبرير النهم والنهب لثروات الشعب ، باسم اقطاعية الحق الإلهي ..
اذن ما هو مغزى الاحتلال في القانون الدولي .. وهل ينطبق النص هذا على التواجد المغربي بالصحراء ؟
بالرجوع ، وبموجب قرار لاهاي La Haye لسنة 1907 ، ومعاهدة جنيف Genève الرابعة الصادرة في 12 غشت 1949 " إن الاحتلال ينطبق على استعمار ارض دولة موجودة فعلا خلال نزاع دولي مسلح " .. كما حصل لأكرانيا ، وكما حصل مع أراضي 1967 كالجولان ...
اذن هل كانت هناك دولة صحراوية قائمة قبل سنة 1975 ، ودخلت في حرب مع المغرب ، فاستعمر ثلثي الأرض التي يبسط سيادته عليها ؟ . فان كانت هناك دولة قائمة ، ما اسمها ، ما اسم شعبها ، ما رايتها ، ما هي حدودها ، من هم جيرانها ، هل هي عضو بالأمم المتحدة ، وبمنظمة الوحدة الافريقية قبل سنة 1975 ...؟
وهذا يعني ان معالجة الأمم المتحدة والمنتظم الدولي لنزاع الصحراء الغربية ، يتم على المقاس ، ويتم على نوع العنصر الذي يتصارع ، ومنطقة الصراع .. وكما قلت فان الاستفتاء وتقرير المصير ، ممنوع في اوربة ، وفي أمريكا ، التي مارست شعوب تقرير مصيرها ، ككطالونية ، وشعب الباسك الذي يناضل لتقرير مصيره ، وإسكتلندا ، وشعب الكورس La Corse الذي يخوض حرب العصابات من اجل نيل حقه في تقرير المصير .. لكن هذا الحق يصبح واجبا اذا كان الامر يخص تقرير المصير في العالم العربي ، وفي افريقيا .. أي الكيل الاستعماري بمكيالين ، باسم الأمم المتحدة مجزرة حقوق الشعوب La battoire des droits des peuples . .
فهل حقا اعترفت الأمم المتحدة بالجمهورية الصحراوية كما تم الترويج له ، بعد انتقال المبعوث الشخصي للأمين العام ، رفقة ممثل البوليساريو بالأمم المتحدة ، الى تندوف للقاء إبراهيم غالي كرئيس للجمهورية ، وزعيم لحركة تحرير ...
ومن خلال تتبع مراسيم البروتوكول ، فان استقبال غالي ل Stefan de Mistura ، كان استقبال رئيس دولة ، وليس لقاء زعيم حركة تحرير ، وهذا ظهر جليا من شكل جلوس الأطراف ، حيث كان غالي يترأس اللقاء ، في حين كان Stefan والممثل الدبلوماسي للبوليساريو بالأمم المتحدة ، يجلسان متقابلان ..
اذن هل اعترفت الأمم المتحدة بالجمهورية العربية الصحراوية ؟
انه لاستشفاف الحقيقة ، ولمعرفة الوضع القانوني الذي يتم به التعامل مع الصحراويين كجمهورية ، وكحركة تحرير ، فالملاحظ الذكي النبيه ، لا يحتاج الى الاعتراف الصريح من قبل الأمم المتحدة مباشرة ، او بناء على قرار يتخذه مجلس الامن تحت البند السابع ، ويحيله على الأمم المتحدة برلمان الشعوب للتصويت عليه .. ان مثل هذه الإجراءات ، والأساليب المتنوعة في التصرف ، تصبح متجاوزة ، اذا كان نوع التعامل ونوع الإجراءات الذي تتخذه الأمم المتحدة ، وتتخذه الاتحادات القارية كالاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، والمؤسسات كمحكمة العدل الاوربية ، تتصرف طبقا للأمر الواقع الذي فرضته بأساليبها البراغماتية والميكيافيلية ، ومن خلال التدرج في اتخاد المواقف التي تتناسب مع الظروف المتحكمة في الموضوع وفي الصراع .. فالاستعمار ليس مستعجلا من امره ، لكن هدفه المخطط له ، يبق في اخر المطاف يخضع للتقلب في التعامل ، زارعا الشك بين اطراف النزاع ، وطارحا قرارات ملغومة تعطي لكل طرف الاعتقاد بانها في صالحه ، وتسهل له تفسيرها حسب فهمه ، او حسب كما يريد هو انْ يفهم ..
لذا فاتخاذ القرارات المصيرية الحاسمة دفعة واحدة في الصراع ، لا يخدم في شيء الاستعمار والاستعماريين ، والأذناب بمختلف المساحيق التي خبئوا بها وجههم القبيح .. فالاستنزاف لأطراف النزاع ، وتقييدهم ، وابعادهم عن تنمية بلادهم وشعوبهم ، واشغالهم بالثانوي بدل الرئيسي للاستمرار في الحَلْبِ والامتصاص .. يكون اجدى وافضل لتحديد الحسم النهائي للصراع ، عندما تستنفذ جميع مخططات الاستعمار ، وتصبح الفاكهة متعفنة ، وقابلة للسقوط من تلقاء نفسها ، كما جرى في قضية انفصال تيمور الشرقية ، وفي قضية جنوب السودان .. أي ارهاق الخصم للاستسلام ، وفي النهاية الركوع والخضوع للمخططات و للإملاءات ..
ومرة أخرى هل تعترف الأمم المتحدة بالجمهورية الصحراوية كدولة ، وبجبهة البوليساريو كحركة تحرير ؟
نعم هناك اعتراف يتجسد في طبيعة ونوع التعامل ، وفي كيفية المساواة بين النظام المغربي المفروض انه دولة ، وبين البوليساريو كدولة رغم انها لم تنل الاعتراف الصريح المباشر من قبل الأمم المتحدة ، فالتعامل يتم على قدم وساق معها كدولة وكحركة تحرير .
-- ولو لم تكن الأمم المتحدة تعترف بشكل سلس بالدولة الصحراوية التي لم تنل الاعتراف الصريح بها . هل كان ان يكون للبوليساريو مكتب دبلوماسي ، وسفير دبلوماسي بمقر الأمم المتحدة بنيويورك New-York ، وهل كان ان يأتي المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة Stefan de Mistura مرفقاً ومصحوباً بسفير الجمهورية الصحراوية في نفس الطائرة التي جاءت من New-York الى تندوف الجزائرية ، ويستقبلهما إبراهيم غالي كرئيس لدولة الجمهورية الصحراوية .. ؟ ..
-- ولو لم تكن الولايات المتحدة الامريكية تعترف بالفن وبالسلاسة ، بالجمهورية الصحراوية ، هل كان انْ يكون لها مكتب دبلوماسي بواشنطن معتمد لدا الإدارة الامريكية ، وله قيمة واعتبارا يفوق بكثير مكتب منظمة ( التحرير الفلسطينية ) الذي سبق ل Tump اغلاقه ، وأهان محمود عباس اكثر من مرة .. وهي نفس المعاملة يتلقاها مكتب ( منظمة التحرير ) الفلسطينية ومحمود عباس من إدارة Jan Biden الديمقراطية ، التي انتصرت للجمهورية الصحراوية عندما رمت باعتراف Trump المقلب بمغربية الصحراء ، ورمت به في الرف .. ؟ ..
-- ولو لم تكن دول الاتحاد الأوربي تعترف بالصحراويين كجمهورية وكحركة تحرير ، هل كان ان يكون للبوليساريو مكاتب دبلوماسية تحظى بالتغطية القانونية ، و السياسية ، والدبلوماسية بجميع عواصم دول الاتحاد الأوربي ، وبجميع مدنه .. ؟ ..
-- الا يعتبر استقبال إبراهيم غالي كرئيس للجمهورية الصحراوية بعاصمة الاتحاد الأوربي Bruxelles ، وتمتعه بنفس بروتوكول استقبال الرؤساء ، ورؤساء الحكومات الاوربيين ، والافارقة ، وعلم وراية الجمهورية الصحراوية ترفرف عاليا في سماء Bruxelles ، الى جانب راية الدولة المغربية السلطانية ، ورايات دول الاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، بمثابة اعتراف سلس وبالفن بالجمهورية الصحراوية .. ؟ ..
-- وماذا ان استقبال الرئيس الفرنسي Emanuel Macron لإبراهيم غالي كرئيس لدولة الجمهورية الصحراوية ، الى جانب حضور السلطان المغربي محمد السادس ، وبحضور رؤساء الدول الافريقية .. ؟ ..
-- بل ماذا يعني دخول سلطانة خيا رافعة راية الجمهورية الصحراوية بوفد صحراوي يقوده ممثل البوليساريو بفرنسا صباح امس 10 / 09 / 2022 ، مقر البرلمان الفرنسي ، فكان في استقبالهم رئيس البرلمان والبرلمانيين الفرنسيين .. ؟ ..
ان الرسالة من هذا الاستقبال موجهة الى النظام السلطاني المغربي ، وبالضبط الى محمد السادس ، من انه استقبال الشعب الفرنسي للشعب الصحراوي ، وهو الاستقبال الذي سيعطي للسلطة التنفيذية من حكومة ، ورئاسة الجمهورية الذين انتخبهم الشعب الفرنسي ، صلاحيات واسعة واقوى في التصرف طبقا لما يريده ، واراده الشعب الفرنسي لصالح الشعب الصحراوي الذي اعترف بجمهوريته محمد السادس شخصيا في يناير 2017 ..
-- وماذا عن Le Pérou الصدمة والاهانة ، وفضيحة La Colombie المجلجلة ؟ ..
-- وماذا عن البرتغال الذي يسير على خطوات فرنسا ، في تدعيم حق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره ، والاشتغال على هذا الموضوع المدعم للجمهورية الصحراوية بالأمم المتحدة ؟ ..
-- ثم كيف يتم تفسير استقبال رئيس تونس قيس سعيد ، لإبراهيم غالي كرئيس للجمهورية الصحراوية ، وليس كزعيم لجبهة البوليساريو ، وكان الاستقبال ضربة قاتلة للنظام السلطاني ولشخص محمد السادس شخصيا ..؟ ..
-- وحين يؤكد مسؤول موريتاني منذ أسبوع ، ما سبق للرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني ان ردده مرتين خلال هذا العام ، من ان اعتراف بالجمهورية الموريتانية بالجمهورية الصحراوية ، هو خيار استراتيجي لا محيد عنه ...
-- وعندما تبطل محكمة العدل الاوربية في قراراتها ، وفي جميع درجات التقاضي ، الاتفاقيات المبرمة بين النظام المغربي ، وبين الاتحاد الأوربي بخصوص التجارة ، وصيد الأسماك ، واتفاقية الزراعة ... بالنسبة لثروات الصحراء المتنازع عليها ، لان الاتحاد الأوربي ولا الأمم المتحدة يعترف بمغربيتها ، وتعتبرها من الأقاليم الخاضعة للاستعمار حلها سيكون عن طريق الاستفتاء وتقرير المصير .
-- وعندما تتمسك إسرائيل التي اخذت كل شيء ، ولم تعط أيّ شيء ، بالحل الاممي ، وبالمشروعية الدولية لنزاع الصحراء الغربية ، ولا تعترف بمغربيتها ، رغم ان السلطان محمد السادس اعترف بها ، وابرم معها اتفاقيات بوليسية ، وعسكرية على حساب الامن القومي العربي ، واعتراف Trump تم رميه في الرف ..
ان هذا الوضع المشفق عليه ، يبين ان النظام السلطاني المخزني في ملف الصحراء الغربية ، وملف حقوق الانسان وحده في واد ، والمنتظم الدولي كله في واد آخر .. وهذا ليس له من تفسير غير فشل النظام المغربي في ملف الصحراء من جهة ، ومن جهة بما ان فقدان الصحراء يعني حتمية سقوط النظام ، والمنتظم الدولي يحق ذلك ويعلمه ، فان استمرار المجتمع الدولي في التشبث بالاستفتاء وتقرير المصير مرة ، والاعتراف من خلال التعامل مع الجمهورية الصحراوية مرات ، وبين الربط بين الصحراء كمدخل مؤثر في الحكم ، وبين النظام السلطاني ، هو قناعة بدليل لا يحتاج الى تفسير ، هو ان المجتمع الدولي ضاق درعا بشخص محمد السادس ، وهنا يعول على ازمة الصحراء لتغيير شخص السلطان ، او تغيير نظامه ، ولما لا تغيير الدولة الذي سيحصل بمجرد استقلال الصحراء ، واعتراف الأمم المتحدة بهذه الاستقلال وبالجمهورية الصحراوية .. فمدخل الصحراء يتحكم فيه لتحديد مستقبل المغرب البلد ، ومستقبل السلطان ونظامه الحتمي السقوط عند ضياعه الصحراء ..
ان مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا ، دخل عده العكسي الذي اصبح اجله يقترب كثيرا .. وبالنسبة للغرب سيكون مدخله الصحراء لتغيير النظام ، وتغيير جغرافية البلد ..
ان التصلب الفرنسي ، وبالضبط الرئيس Emanuel Macron مع شخص محمد السادس ، له دلالاته وقراءاته الخاصة . وان وقوف المخابرات الفرنسية وراء تسريب فيدو محمد السادس ثملا في شوارع باريس صباحا ، مع تلك العينة المرافقة له ، لم يكن شيئا بريئا ، وانما كان رسالة واشارة ، مقصودة لتجريد السلطان من طقوس الامارة والامامة ، لتحريض نزول الشعب ضده ، وربما التحضير لما يخططون له عند غياب السلطان ، والحل النهائي لنزاع الصحراء ..
الدورة القادمة لمجلس الامن حول الصحراء ، سيكون فيها النظام السلطاني وحيدا ، من دون فرنسا التي رغم انها تصوت لصالح قرارات المجلس التي تنص على الاستفتاء ، الا انها تعطلها حين تهدد ولو صوريا باستعمال الفيتو .. ففي هذه المرة فان فرسنا ستكون هي اول من سيعمل متشددا على تنزيل قرارات مجلس الامن ، وقرارات الجمعية العامة التي تصوت لها كذلك ..
النزاع لن يستمر ابد الدهر ، ولن يتعدى السنتين القادمتين ، او ربما اقل ... خاصة عند حصول غياب السلطان ..فالدورة القادمة ستكون الدورة ما قبل الأخيرة في تحديد المسار النهائي لنزاع الصحراء الغربية .. وفي الدورة الأخيرة يجب انتظار استعمال مجلس الامن للفصل السابع من الميثاق الاممي ، دون اعتراض من طرف احد اطراف الفيتو ... وقد يلجأ مجلس الامن الى عرض الملف على انظار الجمعية العامة لإعطائه صفة دولية ديمقراطية ، باعتبار ان الأمم المتحدة هي برلمان الشعوب ، لتصوت لصالح الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، او عدم الاعتراف بها .. وعند عرض الملف على انظار الجمعية العامة ، سيكون التصويت لصالح الاعتراف بالدولة الصحراوية ساحقا ، وستصوت له فرنسا ، وكل دول الاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، وواشنطن ، وروسيا ، والصين ، وكندا .. والعالم ..
عند حصول هذا التصويت بالاعتراف الاممي بالجمهورية الصحراوية ، ستقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة بإحالة قرارها بالاعتراف بالدولة الصحراوية على مجلس الامن من جديد ، وهذا هنا سيتصرف كجهاز تنفيذي مسؤول عن تنزيل قرار الأمم المتحدة على ارض الواقع .. والمدخل طبعا سيكون استعمال الفصل السابع من الميثاق الاممي ..
عند حصول وانتهاء هذه المسطرة ، فما ينتظر النظام والدولة سيتحدد على ردة فعل الشعب من ضياع الصحراء .. وما سيحصل سيكون تراجيديا ... النظام سيسقط ، والدولة ستسقط بانفصال الريف الى جانب الصحراء ، ومخطط الشرق الأوسط الكبير وشمال افريقيا يكون قد حقق أولى مكتسباته للانتقال الى الجزائر التي بقيت عصية عن ( الربيع ) العربي ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال