الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ممالك وأمارات تحكمنا سقف الله وباسمه .

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 9 / 13
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


في ظاهرة غريبة عن الدين بأعتباره المقوم الإنساني الأهم لعلاقة الأرض بالسماء والمرشد الأساسي الذي يقود ويفسر ويعلل كل العلاقات بين الإنسان والإنسان على وجه الأرض فضلا عن علاقته برب السماء والأرض ،هذا المقوم الأسنى والقائم والمرشد الكامل عانى من جور الإنسان بسلوكه وسلوكياته وتأثرت صورته العامة وشوهها الكثير من داخل الدين وخارجه ، ولكن يبقى التشويه الداخلي هو الأصعب والأشد والأكثر ضررا .
تشويه الدين يبدأ من تحريف المقاصد وتحريف الأهداف ومحاولة جره إلى الزوايا التي لا تتوافق أصلا مع كونيته أو الضرورات العقلية والواقعية التي يستند إليها في وجوده، ثم يمتد الإضرار بعيدا بتشويه العلاقات البينية والعلاقات المولدة للروابط وللعلاقات المنتجة للقيم وصولا لتحطيم الرؤية الكلية الشاملة له وإخراجه من المنظومة الأخلاقية الإنسانية ككل .
إن هذه الحقائق ليست خافية ولا هي وليدة تجربة ولا نتاج طبيعي لوجود الدين في حياة الناس ، إنها طبيعة البشر الجامحة نحو التفلت والتحرر من الضوابط التي أساسا ما وجدت إلا لضبط إيقاع حياة منتظمة السيرورة متحررة في سعيها لنتائج الأحسن والأخير والأجمل ،لكن الإنسان هنا يتدخل تحت ضغطين مختلفين بالمنشأ والصورة والنتيجة والعلة ، ضغط الأنا والوهم الذي تتصارع من أجله ، وضغط قلة الرد العقلاني والعلمي على إنفعالات النفس ومجهولية هذا الواقع الكبير الذي في أحيان كثيرة يبدو للجاهل مخيف ووحشي فيتصرف بناء على ردة الفعل .
ومن أهم ضغوطات النفس والأنا الذاتية المتمركزة في أستشعاراتها هاجس الملك والأستحواذ والمنافسة والمزاحمة مع الأخر على كل شيء قد يكون تافها ليس ذا قيمة أو قد يكون ملك عضوض وسلطان ممدود ومال لا يفنى حتى وصل الحال بالكثيرين أن قارن في الميزان التفضيلي بين هذه الهواجس ونهايته وعلة وجوده وحتى مع الخالق الذي خلقه ، فهو ينظر من ناحيتي الخوف والطمع ليبرر هذا الميل المنحرف دوما وليقصي الأخر والأخرين منه .
هكذا ولد الإنسان وهو مجبول على حب الذات وحب الأنا ومدارات كل الأسباب التي يظن أنها تمنحه القدرة للتحصن من الخوف بل وفرض الخوف وسلطانه على الأخر ،ولم يتعظ بكل حديث الله وتجربة الإنسان المرة في هذا المجال ،لقد حول البعض مفردات الممارسة الدينية وخطوط العمل فيها من مدار الفرد للكل إلى مدار الكل للفرد لأنه يظن بنفسه أنه الأعلى وأنه الأجدر وأنه خليفة الله ومن حقه أن يطوع إرادة الله لما يريد ، بل لا يرى في ذلك بأسا لنفسه ولكن يعتبر ذلك من الكبائر التي تزلزل عرش الرحمن لو فعلها غيره .
ومعروف أن الله لا يمنح التزكية بالوراثة ولا يعطي العلم من خلال المواريث الطبيعية ولم يمنح الشرف في الخارطة الجنية وأن كل إنسان مسئول عن عمله أمام الناس وأمام الله وأنه يخرج الخبيث من الطيب كما أخرج أبني آدم ونوح من صلب المصطفين الأخيار ولم يكن وجود الأب أو الأم عاصم لهم من الخطيئة ،بل الإنسان رهين ما كسب وما كسب إلا بالتحصيل ، غير ما خص الله به البعض من عباده تخصيصا وتنصيصا وهذا الخيار خيار الله لأنه ذا صلة بالعلة .
أن تكون عالما مجتهدا صارخا بالحق منتميا للفضيلة وأن تعكس روحية المؤمن في كل زاوية تعيشها في حياتك هذا شأن فردي ينبع من الشعور بالمسئولية وتصديق لواقع الإيمان في القلب والصدق مع الله ومع الواقع ومصالحة بين الأنا والوجود العقلي وهو من كبريات النعم التي يستلذ بها الإنسان في حياتيه الدنيوية والأخروية ولا شك ،لحد هذه القضية التسليم بها تسليم بكلام العقل ومنتهى الصدق مع الذات ،أما أن تنتقل هذه المكانة للذرية بدون أن تبذل الأخيرة ما بذلت النفس السامية الأولى وإن حاولت وأجتهدت فهذا الباطل بعينه .
لم يورث الأنبياء عليهم السلام منازلهم لأبنائهم ولم يمنحوا صك الأستخلاف لهم دون أن يمتحنوا كما أمتحنوا هم ،لم يصرحوا أن أل موسى وأل هارون هم خير الناس وأن أل محمد كلهم صالحهم ومسيئهم هم وما فعلوا في عصمة الرب ومن عصاهم فقد عصى الله ومن عصى الله فقد باء بغضب ، نعم في حال أل محمد صل الله عليه فقد خصهم بنص محدد ولسبب محدد ولفئة محددة ولكن ليس على أساس التفضيل فقط لأنهم من أل محمد بل لأنهم في وضع وصفي أخر كما نؤمن ونعلم .
كان أل محمد أزهد الناس وأطهر الناس وأكثر الناس حلما وعلما ومسئولية ولم يكنزوا الذهب والفضة ولم يناموا على فرش الحرير ولم يركبوا غير ما يركب الناس بل أقل الناس لأنهم أصحاب رسالة وأنهم أمة مسئولة مرتين أمام الله ومسئولين مرتين أمام جدهم وأبيهم رسول الله ، لا يأكلون المال من أين أتى وكيف أتى ولم يناموا شبعانين وأتباعهم خمص البطون صفر الوجوه يعتريهم الفقر والجوع وهم قادرين أن يصلوا لما لم يصل له أبن آدم من قبل ومع هذا لم يفعلوا ولن يفعلوا.
ذهب الزمان الذي كان فيه الإنتساب لله ولرسوله يأت وفقا لما يعط الفرد للأمة ويمنحها من جد وأجتهاد وهو يشعر أنه مقصر في ذلك بل يتوارى من أسمه خوفا أن يكون قد فعل بدون علم وإرادة ما يغضب (الحسن من كل حسن، حسن ومنك أحسن ، والقبيح من كل قبيح، قبيح ومنك أقبح ،"العلة الموجبة حتما " لقرابتك منا ) التفضيل مضاعف والتقبيح كذلك للقرابة التي تستوجب الشعور المضاعف بوطأة الحق ،وجاء زمان الأمارات والدول داخل الدين وداخل الطائفة والمذهب الواحد حتى صار الأمر كدويلات المدن تتناحر على الفرعيات وتتقاتل على الموارد وكأن دين الله ملك لهم لأنهم أبناء ماء السماء .
نسوا أن محمدا لم يكن جبارا عتيا فتجبروا وصاروا هم القدس الذي لا قدس فوقه ، ونسوا أن محمدا لم يكن مختالا فخورا فلبسوا الحرير والديباج وتفاخروا على الأولين والأخرين، ونسوا أن عليا لم يشبع من قرص شعير فشبعوا وأترفوا وتمددوا على ريش النعام وكأنهم يعيشون جنة المأوى ،صار المال دولة لهم يوزعونه كما تشاء أنفسهم وتشاء البطانة ويجودون به جود الملوك والقياصرة ونسوا أن جدهم الحسن لم ينام يوما وفي بيته درهم أو دينار ،ينادون حيا على الجهاد من خلف الأسوار العالية وأبنائهم وأصحابهم خلفهم يتمترسون بالفقراء والمستضعفين ونسوا قصة الطف وعلى الأكبر وعبد الله الرضيع والقاسم بن الحسن ، هؤلاء أمراء زماننا .
كان أمير المؤمنين يخطب في مسجد الكوفة وهو إمام الأمة فقام له مسلم قال يا علي أنا لا أحبك ، قال الله غني عن العالمين ، قال ولا أصلي خلفك قال إنما يتقبل الله ،قال ولا أقاتل معك ،قال إنما الأعمال بالنيات، قال له ردا "أو تؤمن الناس شرك ،قال بلى والله ، قال أذهب فأنت حر لوجه الله " هذا علي وهذه حال من يدعون أنهم أولاد علي تقطع ألسنتهم ورقابهم إن قلت هذا أبيض وهذا أسود .
الأموال تجبى لهم والكرم منهم وليس لله حق ولا لرسوله إلا بالولاء والطاعة العمياء وكأن مال الله ورسوله نحلة مخصوصة وهبة من رب العالمين لا ينالها إلا ذو حظ عظيم ، يشترون به الولاءات والذمم والأتباع والأنصار ليس لله بل لهم ولأسمائهم ولأمجادهم ، الخطأ عندهم مغتفر وإن كان دم مباح أو فتنة لا تذر ولا تبقي ،العصمة تجري بهم مجرى القلادة على جيد الفتاة لا تفارقهم ولا يفارقونها ولسان حالهم يقول (إذا بلغ الفطام لنا صبيا ...تخر له الناس أجمعينا ) ،ما سألوا الله كما سألت عمتهم زينب عليها السلام (إذا كان هذا يرضيك ...فخذ حتى ترضى ).
أصبح أل فلان وعائلة فلان وبيت فلان هم عنوان الإسلام الحقيقي برغم أختلافهم وتعارضهم وتقاتلهم على مباهج الدنيا والصدارة على القوم ،فلو كانوا محمديين علويين حسينين لما اختلفوا في شيء فلا محمد ولا علي ولا احفاد أحفاد الحسين برغم من مرور ثلاثة قرون متتالية أن حدث وأختلفوا في مورد حكم أو فهم مسألة علمية فكلهم واحد وواحدهم كل فمتى صار الأجتهاد مدعاة للتفريق بين عباد الله وتحول نتاج الأجتهاد إلى أحزاب وملل وقواعد وقيادات.
لا ندع على أحد ولا نسيء لأحد ولا نزور الحقائق فهذه الساحة تعج وتضج بالأمثال والوقائع لا تقبل تزييف ولا تحريف، الأختلاف العلمي بابا من ابواب النجاة إذا كان بحثا عن الحقيقية فقط ورفعا للجهالة وتصحيح مسار ولا شك في هذا أبدا ،والرجوع عن الخطأ والغفلة وما يرد على الإنسان القاصر عن التمامية من جهة العلم والمعرفة افضل الفضائل، لكن التمسك بالرأي وعدم قبول الرأي الأخر خوفا من أن يقال أن فلان تبع فلان في المسألة الفلانية مما يهدم عرش الأمارة ويضعف الحجة القيصرية أمام الأتباع واحده من أهم أسباب الشتات والتناقض بين علماء ومدارس الدين وكأن الدين هو ما عند فلان ولا دين غيره.
لقد ضيعوا ديننا بكبريائهم الفارغ وتعاليهم الأناني وأنانيهم الماحقة حتى صرنا نرى الناس تخرج من دين الله أفواجا ولا من حسيب ولا من كلمة حق تقال ،يقذفون الناس بأنهم عوام جهال لا يصلح لهم أن يفكروا أو يتفكروا إلا من خلال قنواتهم ومما تجيد به عقولهم ، فكل ما عداهم زائف لا يصح التدين به ولا يقبل الله منهم إلا أن تكون بضاعة من أل فلان وبيت فلان وأسرة فلان الذين اصطفاهم الله وسيدهم على العالمين وما الله بغافل عما يعمل الظالمون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024


.. الشرطة الأميركية توقف متظاهرين بعدما أغلقوا الطريق المؤدي لم




.. اعتقال متظاهرين أغلقوا جسر البوابة الذهبية في كاليفورنيا بعد