الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوايلي بتاع زمان.. وداعاً أحمد عبدالوهاب

إلهامي الميرغني

2022 / 9 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


بوفاة الدكتور أحمد عبدالوهاب طبيب الغلابة والكادحين تطوي صفحة من تاريخ الكفاح الاجتماعي في مصر منذ السبعينات. مسيرة نضالية ممتدة من منتصف اربعينات القرن الماضي وحتي الأن.
الوايلي حي شعبي ذو طابع عمالي كان في اربعينات وخمسينات القرن الماضي منطقة زراعية ثم حط بها الرحال الكثير من الصعايدة الذين رحلوا للقاهرة بحثاً عن الرزق . ومع التطور تكونت مجموعات من المباني العشوائية التي شكلت حي الوايلي الكبير الذي يفصله شارع ولي العهد عن حي حدائق القبة المتميز بسكانه من الطبقة الوسطي. ويفصله شريط المترو عن كوبري القبة ومصر الجديدة. والكثير من شوارع الوايلي كانت ترع في فترات سابقة وتم ردمها مثل شارع الخليج المصري وشارع ترعة القبة وشارع ترعة الجندي كمؤشر للتاريخ الزراعي للمنطقة.
غالبية سكان الوايلي من عمال المصانع المجاورة ومصانع الوايلي الممتدة من غمرة وشارع المصانع إلي شارع الأميرية وأحد أهم المناطق العمالية في الستينات والسبعينات. وكان شارع المصانع الذي يمتد من الشرابية وسوق السمك القديم إلي شارع الأميرية ملئ بالمصانع والورش الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، بل وفضل بعض عمال مصانع شبرا الخيمة السكن في الوايلي الذي اختفت منه المزارع والمساحات الخضراء ليحل محلها غابات من الخرسانة المسلحة التي انتشرت بعد عودة الجنود من حرب اليمن وهجرة المصريين للعراق ودول الخليج.
ويمتد تاريخ العمل السياسي في الوايلي منذ منتصف أربعينات القرن الماضي فكانت ضمن مناطق تركز مصانع الغزل والنسيج وتشكلت بها " نقابة الضاهر لعمال النسيج الميكانيكي" وكان يرأسها عمنا فكري الخولي صاحب رواية الرحلة وكان عم محمد عبدالعزيز شعبان سكرتير عام نقابة الضاهر. واعتقلت قيادات عمال الوايلي عدة مرات منذ الأربعينات وضمن حملة اعتقال الشيوعيين في 1959وحتي اضراب الحديد والصلب في 1979. وكنت دائما أقول للزملاء أن محمد شعبان ظل لأكثر من 34 سنة يعمل كنقابي وقائد عمالي في الحي حتي قرر ان يخوض انتخابات البرلمان وفشل ثلاث مرات في الوصول لعضوية البرلمان في أعوام 1979، 1984، 1987. ثم نجح في عضوية البرلمان وظل يمثل الوايلي والحدائق منذ عام 1990 وحتي وفاته.
قدم محمد شعبان واحمد عبدالوهاب ومحروس سرور تجربة نضالية ثرية جداً في الربط بين الحركة النقابية العمالية والعمل في الاحياء الشعبية وبناء النفوذ السياسي وبلورة تجربة سياسية وجماهيرية فريدة ستظل تتناقلها الأجيال.
مطلع الثمانينات من القرن الماضي كلفني حزب العمال الشيوعي المصري بمسئولية لجنة شرق القاهرة التي كانت تضم الحدائق ومصر الجديدة ومدينة نصر والمطرية وعين شمس. وكنت وقتها اسكن في عين شمس.ونزلت مستعيناً بالتراث الجماهيري الثوري إلي بحر الوايلي الكبير لإشارك في صنع أحد أهم تجارب اليسار الاشتراكي في مصر.
كان الدكتور أحمد عبدالوهاب عضو في لجنة القسم ولكنه غير مواظب علي الحضور وعندما اقتربت منه عرفت نموذج للمثقف العضوي الذي وصفه جرامشي. فهو أبن الوايلي الذي دخل كلية الطب ليتخرج كطبيب ولكن لم يفكر في عمل عيادة في الحدائق بل صمم علي عمل عيادة شعبية لخدمة سكان الحي وكان الكشف وقتها 50 قرش ( نصف جنيه) أضافة لرد الكشف للكثير من الفقراء واعطاء ادوية مجانية لمن يعرف انهم لن يستطيعوا شراء الأدوية. وأذكر في مرة انقطع الاتصال بيننا فذهبت للعيادة ودفعت كشف لمقابلة الدكتور وحين دخلت انفجر احمد في الضحك الهستيري وسألني انت جي تعمل ايه. قلتله انا دفعت كشف علشان محدش يلاحظ حاجة، قالي بس انا اصلا طبيب أطفال قلتله وانا عيل ومش عارف اشوفك نادي الممرضة واعاد لي الكشف واتفقنا علي ميعاد لاحق.
التحق أحمد عبدالوهاب بالعمل كطبيب في عيادة شركة مصر حلوان ( مصنع شوشة سابقاً) بشارع سكة الوايلي.وكان أحمد سهير ليالي يقضي النهار في عيادة مصر حلوان ويعود للمنزل ظهراً ليتناول الغذاء وينام بضع ساعات. نوم الظهيرة كان مقدس عنده لأن عمله يبدأ بعد المغرب في العيادة وقد يمتد لما بعد منتصف الليل. وكنا نفترق احيانا في الرابعة صباحاً واتساءل كيف سيذهب للمصنع في الصباح ولكنه كان نموذج في الانضباط.
كان الوايلي حي سياسي له تاريخ عريق وكان لحزب العمال به تجربة سلبية تركت انطباعات سيئة لدي قيادات الوايلي. وكانت توجد مجموعة تابعة لحزب العمال ومجموعة أخري تابعة لتنظيم المطرقة بقيادة الرفيق محروس سرور ثم بعد 1985 اصبح هناك تمثيل لحزب الشعب الاشتراكي عن طريق طلاب جامعة عين شمس في الوايلي ومن خارج الوايلي.
كان يسكن الوايلي عدد من قيادات الحركة العمالية في الاربعينات مثل عم فكري الخولي ومحمد شعبان وسيد ندا وأحمد أبوريا ورشاد الجبالي وآخرين. وكانت هناك مجموعة عمال الحرير( مصر حلوان) مثل إبراهيم شكر والحاج يوسف هلال ومجموعة من القيادات الطبيعية التي كانت ركيزة الحملات الانتخابية لمحمد شعبان.إضافة الي مجموعات من طلبة جامعة عين شمس من مختلف كلياتها.
وعندما خاض محمد شعبان الانتخابات في 1979 كان أحمد عبدالوهاب علي رأس الحملة الانتخابية لشعبان. ثم التحق عبدالوهاب بحزب التجمع وخاض انتخابات 1984 و 1987 علي قوائم التجمع ثم كمستقل وقرر عدم خوض الانتخابات البرلمانية مرة أخري واكتفي بدوره في المصنع والعيادة.
كان لمحمد شعبان وأحمد عبدالوهاب معارك نقابية مميزة سواء في النقابة أو مجلس ادارة الشركة مع المرحوم نبيل عبدالغني.
وقررت منذ اللحظة الأولي ان أحاول بناء جسور الثقة مع قيادات العمل وللمطرقة (الحركة الشعبية فيما بعد) كامل الحرية في التجنيد بل وكنا نتبادل التقييم للمرشحين للعضوية بيننا، إضافة لعدم تجنيد عمال من المصنع الا بالاتفاق والتنسيق مع محمد شعبان. ونجحت في ان أكون واحد من فريق العمل في هذه التجربة النضالية المتميزة. واكتسبت ثقة محمد شعبان واحترام قيادة المصنع.
وما بين بيت محروس سرور وبيت محمد شعبان وبيت احمد عبدالوهاب وبيت يوسف هلال وبيت عم فكري الخولي كان يتم التخطيط لكل المعارك السياسية التي شهدها الحي. اضافة الي قهوة محمد شعبان وقهوة العمال وقهوة زعتر المواجهة لبيت محروس ونقطة إرتكاز المخبرين. كنت متواجد وسط الرفاق علي مدي 24 ساعة لدرجة ان بعض سكان الحي لم يعرفوا الا مؤخراً أنني لست من سكان الوايلي.
كنت تجربة الوايلي والتي شملت فصول التقوية ومحو الأمية والمكتبة وحل المشاكل الصحية للعمال والأهالي بل وحل الخلافات العائلية والتحكيم في قضايا الفلوس والطلاق تجربة حولت الوايلي إلي أكاديمية لتخريج أفواج من المناضلين الذي انتشروا في مختلف بقاع الأرض مثل الدكتور هاني شادي والدكتور أشرف الصباغ في موسكو والمخرج المبدع باسل رمسيس في أسبانيا والعديد من اصحاب التجارب المميزة في العمل السياسي والعمل الأهلي.
بغياب الدكتور أحمد عبدالوهاب تطوي صفحة هامة من تاريخ الوايلي الذي هتفت له في المظاهرات والمسيرات التي كانت تطوف شوارع الوايلي " أدي الوايلي بتاع زمان". اعتقد ان من واجب كل من شارك في هذه التجربة أن يكتب ويؤرخ لتعرف الأجيال الجديدة فكري الخولي وسيد ندا ومحمد شعبان واحمد أبو ريا ومحروس سروروأحمد عبدالوهاب.
كانت تجربة الوايلي من أهم التجارب التي تعلمت فيها ومنها الكثير علي يد قيادات عمالية وقيادات طبيعية صنعت تجربة سياسية متميزة كانت مصر كلها تتحاكي عنها. رحم الله كل الراحلين. ورحم الله رفيقي ورفيق المسيرة العسيرة الدكتور أحمد عبدالوهاب واتمني ان تسمح الظروف لمعاودة الكتابة عن نماذج نادرة من القيادات الاشتراكية التي جمعت ما بين خبرات لجنة العمال والطلبة في 1946 وخبرة نقابة الضاهر وخبرات الحركة الطلابية.
هتوحشنا يا رفيق ونلتقي قريباً.
13/9/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في