الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إذا عجز التطبيق عن متابعة النظرية فلابد من وجود خلل في التطبيق

فلاح أمين الرهيمي

2022 / 9 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


إن تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار النظم الاشتراكية حدث بسبب خلل في تطبيق النظرية الماركسية بسبب البيروقراطية وتجاوز الخصوصية للأحزاب الشيوعية في الدول الأخرى وعبادة الشخصية ودكتاتورية ستالين الدموية وغيرها من الأسباب البعيدة عن الفكر الماركسي.
إن النظرية الماركسية وتطبيقاتها يجب أن لا تترجم بشكل كيفي أو حرفياً لأن ما يحدث عادة في التاريخ قد يأتي مخالفاً مع الأهداف والنتائج التي رسمتها القوى التي تصنعها بل حسب المستجدات والمتغيرات بما يتلاءم مع العصر وشروطه المختلفة باعتبار جدلية الفكر الماركسي يقوم على الوعي وعلى التغيير المستمر تكيفاً ومنسجماً ع ضرورات وظروف كل مرحلة جديدة من حيث الزمان والمكان والفردانية الشخصية والتي تستوحى من خلالها الغاية والمنفعة وقد يتخطى مقولات ماركس مما يستلزم ويستدعي إعادة النظر والتحليل ومراجعتها أفكاراً ونصوصاً مراجعة مستمرة كي تبقى النظرية أداة منهجية وفعالة في وقائعها ومعطياتها وأن تتخذ من النظرية الماركسية طابعاً تحليلياً عند التطبيق بدلاً من الاعتقاد المطلق بصحة نصوص ماركس التي حللت نصوص النظرية بناءً على معطيات أخرى مختلفة من حيث الزمان والمكان والفردانية الشخصية وأوصلته إلى ما استنتج من أفكار ومعطيات توقعها على الصعيد النظري والتطبيقي وهذا يعني أن الفكر الماركسي ليس قميصاً مفصلاً جاهزاً يمكن ارتداءه في كل وقت وكل زمان ولا يحتمل التعديل والتغيير بل من سمات الفكر الماركسي جاء من خلال وعي الواقع وتغييره من خلال الجدل المادي التي من خلال التراكم الكمي والتناقض ونفي النفي.

ماركس والإنسان :
إن المسألة المركزية لدى ماركس هي مشكلة وجود الإنسان ككائن فردي واقعي حقيقي يتحدد معنى وجوده من خلال عمله الذي تتجسد طبيعته وتحقق ذاتها في الصيرورة التاريخية ويرى الإنسان في حسيته الكاملة ككائن موجود في مجتمع معطى ومن طبقة اجتماعية معطاة حيث يجري تطويره من خلال المجتمع .. كما يكون في الوقت نفسه أسيراً لمجتمعه ومتعلقاً به لأن الإنسان يمتلك شعوراً واحساس تجعله جزء لا يتجزأ من المجتمع .. لذلك فإن إنسانية الإنسان وعملية انعتاقه من القوى الاجتماعية التي تقيده غير منفصل عن عملية وعي وإدراك وجود هذه القوى وعن التغيير الاجتماعي الذي يتأسس على هذا الوعي والإدراك .. لذلك فإن الفلسفة الماركسية تعتبر احتجاج وتمرد متشرب بالإيمان في الإنسان وبقدرته على تحرير ذاته وتحقيق طاقاته من أجل تغيير واقعه المؤلم .. كما أن اهتمام النظرية الماركسية بانعتاق الإنسان كفرد يتجاوز الاغتراب وبالتالي تأمين قابلية الإنسان لأن يتفاعل كلياً مع أخيه الإنسان ومع مجتمعه ومع الطبيعة ومن خلال ذلك أصبحت النظرية الماركسية تتمحور حول الإنسان ومن أجله بعيداً عن الاغتراب والحرمان والاضطهاد والاستغلال.

ماركس والعقل الإنساني :
أكد ماركس على أهمية العقل الإنساني عندما كان الإنسان الأول يعيش في الأدغال ويأكل من صيد الحيوانات ويسكن المغاور ويتكلم بنبرات صوتية تشبه أصوات الحيوانات ثم دفعته الحاجة إلى الاشتراك مع أبناء جنسه كي يشبع رغباته وشهواته ثم أدله إدراكه الفطري على أنه لن ينال ما يشبع فيه هذه الشهوات والرغبات إلا إذا سعى للحصول عليها فجعلت تنمو من جراء هذا الإدراك تلافيف دماغية أكثر فأكثر حتى أصبح يمتاز على أعلى الأنواع الحية بميزته الإدراكية التي تسمى (العقل) المدبر والمدرك والخلاق لجميع مستلزمات الحياة المادية والمعنوية للإنسان ولذلك اعتبر ماركس الإنسان (أثمن رأسمال في الوجود) وهذا العقل إذن وليد المادة الدماغية وهو الذي يستنبط الأفكار تبعاً للحاجة الضرورية وهو يتطور كلما تغيرت الحاجة وهذا العنصر الجديد في الإنسان (العقل) مستنبط كل فكرة سواء كانت دينية أم اجتماعية أم عقائدية ولذلك فإن العقل أصبح هو الذي يرشد الإنسان إلى الحقيقة والمعرفة من خلال البحث والاستدلال والكشف.

النظرية الماركسية :
ليس هنالك خلاف في جوهر الماركسية وإنما هنالك فرق في طريقة تطبيق الفلسفة الماركسية من حيث الزمان والمكان والفردانية الشخصية بما يتلاءم ومراحلها التاريخية وظروفها وملابساتها ومشاركاتها فالديالكتيك الماركسي ينبثق من جوهر واحد هو الفلسفة الماركسية والإنسان وليد التطور المادي البيولوجي والوجدان وليد نتيجة هذا التطور والقوى الإدراكية العاملة والصفات والأخلاق أيضاً هي وليدة التطور المادي .. والمعرفة ليست وليدة فكرة مثالية مطلقة بل هي وليدة تطور المادة الدماغية وصقلها وتهذيبها ويتمحور وجود النظرية الماركسية بما يلي :-
1) أن الأشياء وجدت مستقلة عن الإنسان وعن شعوره ووجدانه.
2) لا فرق بين الأشياء وما ينتج عنها.
3) الاختلاف مرهون بما يعرف عن الحقائق وما لم يصل الإنسان لمعرفتها.
4) المعرفة بنت الجدل وهي كغيرها من العلوم ليست محدودة ولا مطلقة بل نسبية وقابلة للبحث والاستكشاف.
5) لا عصمة بالمعرفة أن الجهل بالشيء لا ينفي وجوده ولا صحته.
كما أنها تعتبر المفاهيم التي تبدو ثابتة في المظهر تتغير بشكل جذري في مضمونها عندما تنتقل من سياق تجربة تاريخية اجتماعية إلى سياق تجربة أخرى ولذلك يعتبر الفكر الماركسي يقدم وجود مجتمع وتصور كامل وتام من جميع النواحي بحيث يمكن تطبيقه على كل المجتمعات في كل زمان ومكان بالرغم من أن لكل عصر متطلباته ولكل مجتمع احتياجاته المتجددة باستمرار .. ولذلك ينطلق جدل الفكر الماركسي من خلال نسبية الأفكار التي يعتبرها هي المطلق الوحيد في هذا المجال .. ولنسبية الفكر الماركسي ثلاثة أبعاد :
1) نسبية زمانية : إذ أن ما يكون اليوم صحيحاً قد لا يكون كذلك بسبب تبدل الواقع.
2) نسبية مكانية : فما يصح في مجتمع ما قد لا يصح في مجتمع آخر في الزمان ذاته وذلك بسبب اختلاف الواقع.
3) نسبية شخصية أو فردانية : كل إنسان في الوجود باحث أو مفكر أو عالم أو مجتهد كان سياسياً أن اقتصادياً أم رجل دين يفهم الفكر ويتعامل معه وفق خصائصه الشخصية وتكوينه العقلي والنفسي .. يقول عالم الاجتماع الدكتور علي الوردي : إن الإنسان الذي ينشأ في بيئة معينة اجتماعية فترة زمنية معينة ويربى على تقاليدها وعاداتها ومقاييسها الفكرية تنغرز في عقله الباطني وتصبح توجه تفكيره وعقله من حيث لا يدري وإن الإنسان في الوجود لا يفهم من الحقائق إلا ذلك الوجه الذي يلائم عقده النفسية وقيمه الاجتماعية ومصالحه الاقتصادية والسياسية التي انغرزت في عقله الباطني وأصبحت توجه تفكيره.
إن نتاج الأفكار والوعي والتصورات مرتبط بالنشاط المادي للإنسان والتعامل الذهني بين البشر الذي هو انعكاس للواقع الاجتماعي ومن خلال ذلك أصبح الإنسان يتعامل مع الأنماط والسياقات السائدة في مجتمعه.

يتبع ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254