الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فضح الأكاذيب و كشف الحقائق – حول وفاة ميخاييل غرباتشاف ، القائد السابق للاتّحاد السوفياتي

شادي الشماوي

2022 / 9 / 14
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


جريدة " الثورة " عدد 768 ، 8 سبتمبر 2022
https//revcom.us /en/death-mikhail-gorbachev-former-leader-soviet--union-

في 30 أوت 2022 ، توفّي ميخاييل غرباتشاف ، آخر قادة الإتّحاد السوفياتي و الرجل الذى كان رئيسا عند إنهياره . لقد وُجد الإتّحاد السوفياتي ( إتّحاد الجمهوريّات الإشتراكيّة السوفياتيّة ) لأكثر من سبعين عاما . و قد تأسّس نتيجة ثورة و سنوات خمس من الحرب الأهليّة التي غنطلقت في روسيا لتنتشر إلى ما كان حينها إمبراطوريّة روسيّة . و مثّل الإتّحاد السوفياتي أوّل دولة إشتراكية في العالم . لكن بفعل محاصرة الأعداء من الخارج و الداخل ، مع أواسط خمسينات القرن العشرين أضحى الإتّحاد السوفياتي قوّة " تحريفيّة " – أي ، بات قوّة تدّعى الإشتراكيّة غير أنّها في الواقع أرست شكل الحكم الرأسمالي تحت قناع " إشتراكي ". و بإختصار ، لم يتمّ تغيير إسم الدولة و بعض أشكال الحكم إلاّ أنّ ما كان يحكم الاقتصاد و يحدّد إطار كلّ شيء هو المبدأ الرأسمالي للربح فوق كلّ شيء و التوسّع أو الموت .
كان غرباتشاف إصلاحيّا صعد إلى السلطة سنة 1985 في وقت كان فيه الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة على أهبة الإستعداد لتفجير حرب نوويّة شاملة قد تقضى على الحضارة الإنسانيّة . و وقتها لم ير غرباتشاف من سبيل لإنتصار السوفيات في مثل تلك الحرب - مهما كانت ستعنى – فأنجز سلسلة من الإصلاحات لتعزيز الإتّحاد السوفياتي . كما عقد إتّفاقيّات مع الولايات المتّحدة للتخفيف من تهديد الحرب بينما كان يركّز قيادته للاتحاد السوفياتي قصد تعزيزه . لكن هذه الإصلاحات أطلقت سيرورة داخل الإتّحاد السوفياتي أدّت بداية إلى محاولة القيام بإنقلاب عسكريّ ضد غرباتشاف و تاليا هُزم ذلك الإنقلاب على يد كتلة رأسماليّة سافرة في صفوف الطبقة الحاكمة السوفياتيّة و ختاما ، ادّى الأمر إلى الإنهيار التام و نهاية الدولة السوفياتيّة و الإستقالة السياسيّة لغرباتشاف نفسه .
طوال الأسبوع الفارط ، قدّم المعلّقون و أهمّ الناطقين باسم البرجوازيّة ملخّصات لآرائهم بشأن غرباتشاف . و جميعهم على إختلاف منطلقاتهم قد شوّهوا و حجبوا و/ أو أطلقوا بشكل بارز كذبا حول جوانب هامة من صعود غرباتشاف و سقوطه . و قد أكّد لينين الشيوعي العظيم الذى قاد الثورة الروسيّة في أكثر من مناسبة على أنّ تفكيك و فضح مضمون فقرة من الأكاذيب يستدعى عشر صفحات لتبيان الحقيقة . و هذا يصحّ بشأن موضوع الحال أيضا .
الكذبة الأولى : " ثورة 1917 في روسيا و تأسيس الإتّحاد السوفياتي مثّلا كوارثا و فظائع بالنسبة للشعوب هناك " :
في الواقع ، كان الإتّحاد السوفياتي أوّل دولة إشتراكية و ظلّ كذلك لما يناهز الأربعين سنة ، و كان يصارع الأعداء صراعا حقيقيّا غير مسبوق . وقتها ، تحقّق أشياء مدهشة لم يسبق مشاهدتها أبدا – شعوب بأكملها نهضت لتطيح بنير الإستغلال والأمّية و الجهل ، و إضطهاد النساء و الأقلّيات القوميّة .
أقام الإتّحاد السوفياتي أوّل إقتصاد إشتراكي في العالم و أجهزة حكم البروليتاريا في بلد دمّرته الحرب العالميّة الأولى و تاليا الحرب الأهليّة التي دامت سنوات أربع . و لقي الملايين حتفهم . غير أنّ شيئا جديدا حقّا و مذهلا ظهر : سلطة دولة تتوجّه نحو إتّخاذ الخطوات الأولى لإلغاء الإستغلال و الإضطهاد !
و سعت السلطة الجديدة إلى إجتثاث إضطهاد النساء و الأقليّات القوميّة مصدرة قوانينا راديكاليّة أعطت القيادة للجماهير و مكّنتها من إحداث تغييرات إجتماعيّة راديكاليّة . و قد ألهم ذلك الناس و دفعهم إلى المضيّ إلى الأرياف و الأحياء الفقيرة ليقدّموا دروس محو الأمّية لعشرات ملايين الناس . و شرعوا في تطوير إقتصاد إشتراكي جديد يستند إلى حاجيات الشعب و يدعم الثورة العالميّة. و قاموا بكلّ هذا في مواجهة هجمات و تهديدات لا إنقطاع لها من طرف القوى الرأسماليّة الإمبرياليّة و من طرف الذين أطاحت بهم الثورة .
و لم ينظر العالم الإمبريالي المحيط و المهيمن نظرة إستحسان لما كان يجرى . و منذ البدايات الولى ، نظّم 14 بلدا إمبرياليّا غزوا عسكريّا إلى جانب القوّأت الرجعيّة الروسيّة في خوض حرب أهليّة طوال سنوات خمس في محاولة منيت بالفشل لكنّها كانت دمويّة للإطاحة بالإشتراكية . و إثر ذلك ، اقام الإمبرياليّون حصارا للاتحاد السوفياتي و حاولوا وسعهم التسبّب له في المجاعات بينما ظلّوا يهدّدونه لسنوات .
و بلغ هذا الهجوم بلا هوادة ضد الإتّحاد السوفياتي أوجه خلال الحرب العالميّة الثانية . فسنة 1941 ، غزت ألمانيا النازية الإتّحاد السوفياتي . و في مواجهة أهمّ القوّأت التابعة للجيش الألماني ، تكبّد الإتّحاد السوفياتي خسائر بشريّة تقدّر بأكثر من 26 مليون نسمة ، و عرف دمارا كبيرا لتقريبا كلّ ما وقع إنشاؤه في العشرين سنة الأولى من الثورة . و مع ذلك ، كسب الإتّحاد السوفياتي الحرب – و لعب دورا أساسايّا في إلحاق الهزيمة بالنازيّين .
و وقفت القيادة السوفياتيّة وجها لوجه أمام الضغوطات الضخمة في تلك الفترة . و كان القائد المفتاح للثورة – ف. إ. لينين – قد غادر الحياة إثر عدّة سنوات من إفتكاك السلطة . و من حلّوا محلّه في القيادة – و بصفة خاصة جوزاف ستالين- واصلوا القتال من أجل الإشتراكيّة إلاّ انّهم تميّزوا لنواقص و هنات هامة في منهج التفكير المستخدم لفهم ما واجهوه و الوسائل المناسبة التي إختاروها للقتال ضدّه .
و كان الأمر كذلك بوجه خاص أثناء السنوات السابقة للحرب العالميّة الثانية لمّا كان السوفيات يواجهون الهجوم الممكن الألماني . و كان عليهم إدراك كيفيّة المعالجة الصحيحة للتناقض بين الإستعداد لكلّ شيء يعنيه الدفاع عن الدولة الإشتراكيّة ضد عدوّ قويّ و لدود من جهة ، في علاقة بمهام حيويّة أخرى كانت أساسيّة لكامل مسألة الإشتراكية – و على سبيل المثال ، مزيد تغيير المجتمع ( بما في ذلك تفكير الناس و العلاقات بين مختلف مجموعات الناس في إتّجاه ثوريّ و كذلك الحاجة الحيويّة إلى دعم الثورات في بلدان أخرى و مواجهة هذه التناقضات و غيرها ن و أدّت النواقص و الهنات في منهجهم لفهم الواقع إلى إرتكاب أخطاء خطيرة حتّى في كيفيّة معالجتهم للقضايا .
خارج نطاق هذا المقال التوغّل في كلّ ما سلف ذكره لكن من أجل عرض أتمّ لمكاسب و نواقص الإتّحاد السوفياتي و الدروس الحقيقيّة المستخلصة من ذلك ، ثمّة أعمال هامة تفى بالغرض منها :
" ماتت الشيوعيّة الزائفة ... عاشت الشيوعية الحقيقيّة ! " لبوب أفاكيان ؛
حوار صحفيّ مع ريموند لوتا ، "
لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون " ... الثورة الشيوعيّة و الطريق الحقيقيّ للتحرير : تاريخها و مستقبلنا " . و للمزيد بصدد ستالين بصفة خاصة – ما الذى وقف ضدّه و ما الذى أنجزه و ما هي الدروس المستخلصة من ذلك – أنظروا حوار صحفيّ أجراه برنامج ميكل سلايت ، مع بوب أفاكيان " حول الشيوعية و القيادة و ستالين و تجربة المجتمع الإشتراكي " .
الكذبة الثانية : الإتّحاد السوفياتي الذى كان في نزاع مع الولايات المتّحدة من خمسينات القرن العشرين إلى 1991 لم يكن بلدا إشتراكيّا :
في الواقع ، قبل زمن صعود غرباتشاف إلى السلطة بكثير ، تحوّل الإتحاد السوفياتي إلى إمبراطوريّة راسماليّة – إمبرياليّة في نزاع و منافسة مباشررين مع الولايات المتّحدة .
في جزء منه نظرا للضغط الجسيم من الخارج و في جانب منه نظرا للأخطاء المقترفة في التعاطي مع ذلك ، ضعُفت الإشتراكيّة ضعفا كبيرا خلال الحرب العالميّة الثانية . و في الوقت نفسه ، سُمعة و تأثير الإتّحاد السوفياتيّ إرتفعا إلى مستويات جديدة إعتبارا لدوره في إلحاق الهزيمة بالفاشيّة . و كسب التحريفيّون – الذين يدّعون الماركسيّة غير انّهم " يحرّفون " جوهرها – تأثيرا متصاعدا .
و مع وفاة ستالين ، صعدت طُغمة تحريفيّة إلى السلطة . و حافظوا على بعض مظاهر الإشتراكيّة : ملكيّة الدولة للمصانع و الموارد الطبيعيّة ، الإسم الإشتراكي و القيادة السياسيّة للحزب الشيوعي بيد أنّهم تحرّكوا لوضع الاقتصاد ذاته على سكّة رأسماليّة للتمكّن من مراكمة أكبر قدر من الرباح و يجعل من هياكل الدولة و الحزب في خدمة ذلك . و عالميّا ، وجد هذا تعبيره في التحرّك نحو تحدّى الولايات المتّحدة في مجال الهيمنة العالميّة على قاعدة إمبرياليّة .
و بدلا من تقديم الدعم للثورة حول العالم ، شجّع التحريفيّون على التعيش السلميّ مع العالم الإمبرياليّ . و وضعوا الربح كأساس للتحكّم في تخطيط الاقتصاد و التبادل في المجتمع . و روّجوا لمفهوم أنّ الإشتراكيّة يمكن أن تركّ. في البلدان الرأسماليّة عبر " الإنتقال السلميّ " – يعنى ، دون إلحاق الهزيمة بأجهزة القمع العنيف و تفكيكها بواسطة الثورة . و نشروا شبكة من العلاقات التجاريّة و افقتصاديّة غير المتساوية و الإضطهاديّة مع بلدان العالم الثالث . (1)
و إستغلّ الإتّحاد السوفياتي سُمعته لإلحاقه الهزيمة بالفاشيّة في الحرب العالميّة الثانية إلى جانب تسجيله كأوّل داعم لتحرّر الأمم و القوميّات المضطهَدَة في كلّ من داخل الإتّحاد السوفياتي و عبر العالم . و إستخدم الحكّام الجدد للإتّحاد السوفياتي هذه السُمعة في صفوف المضطهَدين و المستنيرين لخدمة ، جزئيّا ، التحوّل إلى قوّة إمبرياليّة – إشتراكيّة أي قوّة إشتراكيّة قولا و إمبرياليّة فعلا و جوهريّا .
و مع أواسط ستّينات القرن العشرين ، تنازع الإتّحاد السوفياتي و الولايات المتّحدة عبر العالم من أجل التأثير و الهيمنة في إطار ما يعدّه الناس بشكل عام و يسمّونه ب " الحرب الباردة " ، بمجالات نزاع التأثير و نزاعات بالوكالة و " حروب ساخنة " دائرة عبر العالم الثالث من جنوب أفريقيا إلى جنوب آسيا . و مع أواسط إلى أواخر سبعينات القرن العشرين ، تصاعد النزاع و صار أفق حرب عالميّة ( الكارثيّة على الأرجح ) بين القوّتين الأعظم عامل محرّك للسياسة العالميّة .
في محاولة النزاع مع الولايات المتّحدة التي لا تزال أقوى ، بلغ السوفيات بصفة متزايدة حدود قوّتهم – في هذا السياق ، وضعت النفقات العسكريّة ضغطا على الاقتصاد نسبة للولايات المتّحدة ، و على قدرتهم على السباق مع الولايات المتّحدة التي أنجزت برنامجا غير مسبوق من عسكرة " زمن السلم " . فمثّل ذلك قاعدة دخول غربتشاف مسرح الأحداث .
الكذبة الثالثة : إنهيار الإتّحاد السوفياتي جرّاء " إصلاحات " غرباتشاف يبيّن أنّ سلطة الدولة الإشتراكيّة لا يمكن أن توجد إذا وقع السماح بالمعارضة و التنوّع في وجهات النظر :
في الواقع ، كما بيّننا أعلاه ، الإتّحاد السوفياتي زمن إستلام غرباتشاف مقاليد السلطة ، قد تحوّل بعدُ إلى قوّة إمبرياليّة . و مثل جميع القوى الإمبرياليّة المشابهة ، كانت تحرّكه الحاجة الرأسماليّة إلى التوسّع أو الموت . فقد إصطدموا بقوّة أعتى في الولايات المتّحدة و أجزوا إصلاحات كبرى إقتصاديّة و سياسيّة آملين بيأس أن يجعلوا عمليّا الإتّحاد السوفياتي قادرا على رفع التحدّى العسكريّ للإنتصار في هذا النزاع الإمبريالي المتفاقم الحدّة ، حتّى و إن بلغ الأمر حربا عالميّة . و بالقيام بذلك ، صار النظام مضطربا فحدث تغيير و إضطراب كبيرين في ما كان الإتّحاد السوفياتي .
وصل غرباتشاف إلى السلطة في فترة حيويّة بالنسبة للنظام التحريفي . فقد واجهوا منافسا إمبرياليّا أقوى بكثير في الولايات المتّحدة ، هذا فضلا عن نموّ الغضب و فقدان الأمل لدي شعوب الإتّحاد السوفياتي نظرا لإنهيار الاقتصاد . و في أوج هذا، مُنيوا بهزيمة عسكريّة و سياسيّة مدمّرة في أفغانستان على يد الأصوليّين الإسلاميّين الذين سلّحتهم الولايات المتّحدة ، و كانوا كإمبراطويّة " ممتدّة الأطراف أكثر من اللازم ". و عرفوا صعوبات جمّة في ترجمة التقدّم الجغرافي – السياسي في العالم الثالث إلى ما يتناسب و القوّة الإقتصاديّة .
في الأثناء ، أجبرتهم الولايات المتّحدة على التنافس في النفقات العسكريّة على أساس إقتصادي ضعيف : فمثلا 60 بالمائة من إستثمار رأس المال وقع توجيهه إلى إنتاج الوقود و المواد الأوّليّة ، و 20 بالمائة أخرى إلى النفقات العسكريّة . و فقط 20 بالمائة خُصّصت إلى السلع الإستهلاكيّة و قد أفضى هذا إلى عذابات كبرى بالنسبة إلى الناس العاديّين .
و قد أطلق غرباتشاف مبادرات ضخمة لمعالجة ذلك . البريسترويكا ، أو إعادة الهيكلة ، كانت برنامجا من" الإصلاحات " في سير الاقتصاد السوفياتي مستهدفة معالجة بعض العوائق امام مراكمة رأس المال . و الغلاسنوست ، أو الإنفتاح ن إستهدف إحياء آليّات الحكم من خلال السماح بأكثر معارضة و مبادرة أكبر بهدف تعزيز شرعيّة الطبقة الحاكمة و هياكل الديمقراطية كما مُورست في الإتّحاد السوفياتي .
إعتقد غرباتشاف أنّه بوسعه أن يقيم هذه الإصلاحات الإقتصاديّة دون تقويض الموقع الأساسي للدولة و الحزب التحريفيّين في الإقتصاد و الشرعيّة العامة للنظام السوفياتي ل " رأسماليّة الدولة " . لكن هذه الإصلاحات الإقتصاديّة دلّلت بصفة متنامية على أنّها غير ناجحة و كان الوضع على نحو أنّه من أواخر ثمانينات القرن العشرين لم يستطع الحكّام السوفيات المضيّ نحو الحرب مع أيّ أمل في الظفر مهما كان .
و في الأثناء ، سرّع فشل البريسترويكا ( إعادة الهيكلة ) عمليّا إنهيار الإقتصاد و الفوضى السياسيّة . فكانت القوى المحوريّة تدفع الأشياء في إتّجاهات شتّى . و سعى القادة الجهويّون بشكل متنامي لتحقيق إمتيازات لهم داخل الإتحاد السوفياتي . و أخذ التأثير السوفياتي على كتلة بلدان الشرق يتداعى مع بولونيا و صعود حركة تضامن المدعومة من قبل الولايات المتّحدة ثمّ مع سقوط جدار برلين و تبع ذلك بجمهوريّات قوميّة أخرى شرعت في التفكّك إلخ .
و بلغ الأمر أوجه – قسم من الطبقة الحاكمة ، في الجيش ، حاول إبعاد غرباتشاف بإيقافه لوضع نهاية للبريسترويكا و الغلاسنوست. و تحرّك قسم آخر برئاسة بوريس يلتسين ضد المقاتلين من أجل النظام القديم ، و هدفه التخلّص من أي زعم للإشتراكية و بدلا من ذلك وضع روسيا على السكّة الرأسماليّة بصورة تالمة و جليّة . و إنتصر يلتسن – فطبعت هذه السيرورة مصير غرباتشاف بجعله أوّلا عديم الفائدة و دفعه لاحقا للإستقالة من الحياة العامة .
و مباشرة بُعيد تفكّك الإتّحاد السوفياتي و مع تحوّل الصين بصفة أوضح حتّى إلى المناهج و الأخلاق الرأسماليّة و قمع الجماهير ، نعقت الوجوه البرجوازية عبر العالم ب " موت الشيوعيّة " . و إزاء هذا الإحتفال البرجوازي ، تدخّل بوب أفاكيان تدخّلا حيويّا مؤلّفا كتاب " ماتت الشيوعيّة الزائفة ... عاشت الشيوعيّة الحقيقيّة ! " . و يواجه هذا الكتاب البرجوازيّة و يتوغّل عميقا في نقاش التجربة الحقيقيّة للشيوعيّة و الدروس الحقيقيّة التي يجب إستخلاصها . و مذّاك ، مضى بوب أفاكيان أبعد من ذلك في كلّ هذا إلاّ أنّ هذا الكتاب يظلّ وثيقة بارزة .
و بوجه خاص في ضوء نزاع المعلّقين البرجوازيّين في آن معا حينها و الآن بأن الشيوعيّة كانت مجتمعا قاتما و مملاّ ، يقف صلبا التالي من ذلك الكتاب لبوب أفاكيان :
" لا وجود لشيء أكثر ِرفعة من الشيوعيّة – لا شيء يعطى مدى أكبر لخيال الإنسان و إبداعه ، لرؤية عالم مختلف جدّا و لمبادرة الجماهير في إيجاد مثل هذا العالم . و كون حكّام الإتّحاد السوفياتي لم يستطيعوا أن يلهموا الناس بهذا المثل الأعلى إدانة لهم . لكن أكثر من ذلك ، هو إنعكاس لواقع أنّهم تخلّوا عن مبادئ الشيوعيّة و خانوها و لم يصبحوا سوى مجموعة أخرى من فارضي النظام القديم " .
و كجزء من الهجوم الراهن ، عديد المعلّقين على حياة غرباتشاف و وفاته يدّعون أنّ هذه التجربة تجلي أنّ تباين الرؤى و المعارضة لا ينسجمان مع الإشتراكية . في الواقع ، كجزء من تلخيص بوب أفاكيان الجاري للتناقضات المعنيّة في التحرّك نحو عالم شيوعيّ تام ، طوّر فهما أكثر علميّة بكثير لمصادر و ديناميكيّة تناقضات المجتمع الإشتراكي و الطرق التي من خلالها يجرى التعاطي معها . و كان هذا جزءا من سيرورة أشمل عبرها وضع بوب أفاكيان الشيوعيّة على أسس أرسخ علميّا بكثير و طوّر إطارا جديدا كاملا لتحرير الإنسانيّة .
و هذه السيرورة التي دامت عقودا مطبّقة على المجتمع الإشتراكي نجد خلاصتها و تكثيفها في " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة في شمال أمريكا " الذى ألّفه بوب أفاكيان . البنود المفردة للمعارضة التنوّع و الأشكال الديمقراطيّة من عدّة أصناف موجودة في هذا الدستور ليست ستائرنوافذ أو مجرّد " إضافات " و إنّما أساسيّة للتحرّك بإتّجاه النظرة الشيوعيّة لعالم يتجاوز الإنقاسامات إلى مستغِلّين و مستغَلّين و مضطَهِدين و مضطهَدين و جميع الإنقسامات الاجتماعية العدائيّة .
و إليكم كيف يضع ذلك بوب أفاكيان في بيان السنة الجديدة في جانفى 2021 ، " سنة جديدة ، الحاجة الملحّة إلى عالم جديد راديكاليّا – من أجل تحرير الإنسانيّة جمعاء " :
" إنّه لأمر واقع أنّه لا وجود في أي موقع آخر ، في أيّة وثيقة تأسيسيّة أو مرشدة مقترحة من أيّة حكومة ، لأيّ شيء يُشبه ليس فحسب حماية المعارضة و الحثّ عليها و على الغليان الفكريّ و الثقافي المتجسّدين في هذا الدستور ، بينما لهذا في نواته الصلبة أرضيّة من التغيير الإشتراكي للإقتصاد ، بهدف القضاء على كلّ الإستغلال و التغيير المناسب للعلاقات الإجتماعيّة و المؤسّسات السياسيّة و إجتثاث كافة الإضطهاد و التشجيع عبر النظام التعليمي و في المجتمع بأسره لمقاربة أنّ هذا " سيمكّن الناس من إتّباع الحقيقة مهما كان المكان الذى تؤدّى إليه ، بروح الفكر النقديّ و الفضوليّة العلميّة ، و على هذا النحو التعلّم المستمرّ من العالم و القدرة على المساهمة بشكل أفضل في تغييره وفقا للمصالح الجوهريّة للإنسانيّة " . و كلّ هذا يفكّ أسر و يطلق العنان للقوّة الإنتاجيّة و الإجتماعيّة الهائلة للبشر المتسلّحين و الملهمين للعمل و النضال معا تلبية للحاجيات الأساسيّة للناس – مغيّرين المجتمع تغييرا جوهريّا و مساندين و داعمين النضال الثوريّ عبر العالم – و غايتهم الأسمى عالم شيوعيّ ، خالى من كلّ الإستغلال و الإضطهاد ، بينما في الوقت نفسه نعالج الأزمة البيئيّة و الإيكولوجيّة الوجوديّة حقّا على نحو له مغزى و يكن شاملا وهو غير ممكن في ظلّ النظام الرأسمالي – الإمبريالي . " .
سخرية أخيرة : ما لا يتحدّثون عنه :
عند تلخيص غرباتشاف ، سياسيّو البرجوازيّة و مثقّفوها يمضون كذلك إلى أشياء أخرى بما فيها " الديمقراطيّة مقابل الأوتوقراطيّة " ، " البحث عن السلم و التعاون مقابل التوسّعيّة " بطرق تروّج لمصالح أيّة فئة من الطبقة الحاكمة يمكن أن يكون المعلّق المعني يعلن ولاءه لها .
لكن شيء يتناوله القليلون أو لا يتناول أيّ احد بالحديث هو شيء متّصل بالولايات المتّحدة اليوم . بوب أفاكيان وهو يكتب عن إمكانيّة ظهور وضع ثوريّ في الولايات المتّحدة اليوم ، إستخلص دروسا هامة من مروحة عريضة من التجربة التاريخيّة – و شمل هذا تجربة الإتّحاد السوفياتي في عهد غرباتشاف . في " " شيء فضيع أم شيء تحريريّ حقّا : أزمة عميقة و إنقسامات متعمّقة و إمكانيّة حرب أهليّة مرتقبة – و الثورة التي نحتاج بصفة إستعجاليّة - أساس ضروريّ و خارطة طريق أساسيّة لهذه الثورة " ، كتب بوب أفاكيان :
" هناك بعض التجربة التاريخيّة الهامة التي منه نتعلّم – أوضاع حيث تكون لم تعد الطبقة الحاكمة قادرة على الحكم ب " الطريقة العاديّة " التي ألف الناس القبول بها ، و ظهرت إلى السطح إمكانيّة حقيقيّة لوضع نهاية للنظام القائم ، حتّى لنظام كان متخندقا بقوّة كبيرة إلى درجة أنّ هكذا تغيير عميق قد كان يبدو و لفترة طويلة مستحيلا . و قد يجدّ هذا بوجه خاص عندما لا تعود الطبقة الحاكمة للنظام أو فئة منها تؤمن و تتخلّى تقريبا صراحة عن ما كان " ضوابطا موحّدة " – جملة من العقائد و السيرورات التعديليّة – لذلك النظام .
و مثال لهذا النوع من الأشياء – والذى عني تغييرا له دلالته حتّى و إن لم يفرز ثورة حقيقيّة ، هو إنهيار الإتّحاد السوفياتي في سنوات 1989-1991.فقد كان الإتّحاد السوفياتي أوّل دولة إشتراكيّة في العالم نشأت نتيجة الثورة الروسية لسنة 1917. و الحقيقة مع ذلك هي أنّ الرأسماليّة قد أُعيد تركيزها عمليّا في الإتّحاد السوفياتي أواسط خمسينات القرن العشرين – حتّى مع تواصل حفاظها لبعض الوقت على قناع " الإشتراكيّة " . لكن تاليا في ثمانينات القرن العشرين ، وقع إدخال " إصلاحات " أخذت تتسبّب في إنهيار كلّ شيء و في نهاية المطاف تخلّت فئات من الطبقة السائدة عن قناع الإشتراكيّة فشهد البلد تحوّلا نحو مجتمع رأسمالي سافر نازعا حتّى هويّته الخارجيّة على أنّه " الإتّحاد السوفياتي " ( إتّحاد الجمهوريّات السوفياتيّة الإشتراكيّة ) . و الشيء عينه حصل في بعض بلدان أوروبا الشرقيّة التي كانت تحت تأثير فعليّ للإتّحاد السوفياتي – بلدان أين وُجدت إنتفاضات جماهيريّة فإنشقّت هياكل الحكم على نفسها و بالنتيجة حصل تغيير من رأسماليّة مقنّعة إلى رأسماليّة سافرة – وهو تغيّر كبير حتّى وإن لا يسوّى بالثورة الحقيقيّة .
وهذا ، مرّة أخرى ، جزء من ظاهرة أعمّ حيث يمكن أن يصبح تغيّر كبير و حتّى تصبح ثورة حقيقيّة ممكنين( أو ممكنين أكثر) ليس ببساطة حينما توجد أزمة عميقة في المجتمع و ليس ببساطة حينما تكون القوى الحاكمة منقسمة على نفسها إنقساما جدّيا ، و إنّما حينما تكون عمليّا منقسمة ، و لا يمكن لطريقة الحكم القديمة أن تتواصل في تماسكها . "
فكّروا في هذا . قد تنتهى السخرية الأخيرة الكبرى للإحتفال بغرباتشاف إلى إلغاء ما يثبت بأكبر صورة مناسبة على أنّه وضع الولايات المتّحدة اليوم : ما يصوّره على أنّه أزمة شرعيّة تلوح في الأفق بالنسبة إلى هذا النظام و ما الذى يجب أن يعوّضه .
هناك ، " شيء فضيع أم شيء تحريريّ حقّا : أزمة عميقة و إنقسامات متعمّقة و إمكانيّة حرب أهليّة مرتقبة – و الثورة التي نحتاج بصفة إستعجاليّة - أساس ضروريّ و خارطة طريق أساسيّة لهذه الثورة " لا يوجد أساس فهم فحسب بل خارطة طريق لإغتنام أزمة الشرعيّة هذه - ليس مجرّد تعويض شكل حكم برجوازيّ بآخر( كما جدّ مع سقوط غربتشاف)، لكن لخوض نضال ثوريّ للملايين و عشرات الملايين ليقطعوا خطوة عملاقة نحو وضع نهاية لكافة أنظمة الإستغلال و الإضطهاد . و هناك في العمل الذى أنجزه بوب أفاكيان طوال عقود مفتاح القيام بثورة تستحقّ القتال من أجلها ... ثورة تقود حقّا إلى عالم جديد تماما .
إلى أين نتّجه للحصول على المزيد من المعلومات بصدد هذا الموضوع :
[ ملاحظة من المترجم : جميع هذه الكتب و المقالات متوفّرة باللغة العربيّة بمكتبة الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي ]
Phony Communism Is Dead...Long Live Real Communism! (RCP Publications, 1992 Second Edition with Appendix Democracy: More Than Ever We Can and Must Do Better Than That, 2004). Available online: Appendix - Democracy: More Than Ever We Can and Must Do Better Than That.
The New Communism: The science, the strategy, the leadership for an actual revolution, and a radically new society on the road to real emancipation, by Bob Avakian
· Part II Socialism and the Advance to Communism: A Radically Different Way the World Could Be, A Road to Real Emancipation
· Part IV The Leadership We Need
Constitution for the New Socialist Republic in North America, authored by Bob Avakian
Conquer the World? The International Proletariat Must and Will, by Bob Avakian
Bob Avakian interview on the Michael Slate Show, “On Communism, Leadership, Stalin, and the Experience of Socialist Society”
You Don’t Know What You Think You “Know” About… The Communist Revolution and the REAL Path to Emancipation: Its History and Our Future, An Interview with Raymond Lotta
Communism: The Beginning of a New Stage. A Manifesto from the Revolutionary Communist Party, USA
الهوامش :
1 ) مثّلت إعادة تركيز الرأسماليّة في بلد إشتراكي أمرا غير مسبوق و في البداية لم يقع الإعتراف به . و ماو تسى تونغ قائد الثورة الصينيّة هو الذى كشف في البداية الطرق التي بها يمكن لهذا أن يحدث و قد حدث في الإتّحاد السوفياتي . و قد حلّل ماو أنّ الإشتراكيّة أكثر من ملكيةّ الدولة لوسائل الإنتاج . الإشتراكيّة مرحلة إنتقاليّة تتأتّى ضرورتها من واقع أنّ كلّ ثورة ترث مجتمعا قائما على اللامساواة بين مختلف فئات الناس و تناقضات في صفوف الشعب و طرق قديمة في التفكير و العمل ( بما في ذلك كيفيّة إنجاز الإنتاج ) و التي يجب محاصرتها و تقليصها و في نهاية المطاف القضاء عليها و إلاّ ستنمو مجدّدا كبذور سامة لتخنق كلّ ما هو جديد . و فضلا عن ذلك ، يتطوّر المجتمع الثوري تحاصره الإمبرياليّة التي لا تزال في منتهى القوّة و تهيمن على العالم و تمارس ضغطا هائلا سواء عسكريّا أم ماديّا و إيديولوجيّا على الدولة الإشتراكيّة الوليدة . و حلّل ماو أكثر أنّ النضال بين ما إذا و كيف نلغى و نتجاوز العلاقات و الأفكار الطبقيّة الإستغلاليّة القديمة يجد تعبيره المكثّف أكثر في صفوف الناس في القيادة لأتباع الطريق الرأسمالي للتعاطي مع هذه المشاكل – و هؤلاء قادة الحزب التحريفيّين كانوا في موقع لإفتكلاك السلطة السياسيّة و الإقتصاديّة و تحويل الصين إلى بلد رأسماليّ.
و قد طبّق ماو دروس تلك التجربة على الصين و وضعها موضع الممارسة العمليّة أثناء الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى كمسعى طوال عقد لإلحاق الهزيمة بمحاولات إعادة تركيز الرأسماليّة و مواصلة التقدّم على الطريق الإشتراكيّ . و مُني هذا الصراع الهائل بالهزيمة سنة 1976 فإثر وفاة ماو ، تمّ إيقاف و قتل أتباعه و – كما حصل قبل عشرين سنة في الإتّحاد السوفياتي – وقعت إعادة تركيز للرأسماليّة فيما وقع الإحتفاظ بالواجهة على أنّها إشتراكيّة .
أمام هذه الهزيمة التاريخيّة ، لخّص بوب أفاكيان الإختراقات التي أنجزها ماو تسى تونغ و حلّل التجربة الإيجابيّة منها و السلبيّة في الصين في محاولة لمنع إعادة تركيز الرأسماليّة و مواصلة السير على الطريق الإشتراكي . و بعد ذلك ، مضى بوب أفاكيان أبعد من ذلك في التعمّق في بحث هذه التناقضات و إقتراح حلول راهنة لتلك التي في آن معا كشفها ماو تسى تونغ أو واجهته ، و كذلك التناقضات المفاتيح التي إمّا إستطاع ماو أن يشخّصها تشخيصا صحيحا أو تشخيصا خاطئا . من أجل المزيد بهذا المضمار، أنظروا :
- " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة ، خلاصة أساسيّة " ؛
- و " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي "، لا سيما القسمان 2 و 4 ، و كلا الكتابان من تأليف بوب أفاكيان ؛ و " الشيوعيّة : بداية مرحلة جديدة - بيان للحزب الشيوعي الثوريّ " .
+++++++++++++++++++++++++








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي