الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
هل سيندلع الشتاء الأوربي ؟
علي فضيل العربي
2022 / 9 / 14مواضيع وابحاث سياسية
أزمة الطاقة في أوربا الرأسمالية - و بالخصوص نقص الغاز الطبيعي أو شحّه - غير مسبوقة ، و غير محمودة العواقب ، لا تضاهيها سوى أزمة الطاقة في السبعينات ، ( 1973 و 1979 ) .
إذن ، فما هي البدائل التي ستسدّ هذه الفجوة الطاقوية ؟ هل ستلجأ أوربا إلى مواد ما قبل اكتشاف الغاز ؟ هل سيكون الفحم الحجري و الحطب و الطاقة الشمسية حلولا بديلة لمواجهة الأزمة الخانقة ؟ كيف ستواجه أوربا ، في الأشهر القادمة ، برد الشتاء و صقيعه و عواصفه ؟ و كيف ستقنع المواطن الأروربي - المتعوّد على الدفء – بوجوب تغيير نمط حياته الشتويّة ؟
لقد فضحت الحرب الروسيّة الأوكرانيّة هشاشة النظام الاقتصادي العالمي . و أبطلت نظريّة الاقتصاديّة البراغماتية ، المبنيّة على الأحاديّة القطبيّة . و فشلت آليات العولمة الاقتصاديّة . كما كشفت هذه الحرب المجنونة ، القذرة ، عورات المنظمات الحقوقيّة و الهيئات و المجالس السياسيّة العالميّة ، كهيئة الأمم المتّحدة ، و مجلس الأمن ، و الاتحاد الأوروبي ، و الجنائيّة الدوليّة ، و غيرها من الهيئات القاريّة و الجهويّة .
فقد أكدت تقارير عديدة ، و منها سي أن أن العربية ، أنّ أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي قد ارتفعت " بنسبة 28 ٪ صباح يوم الاثنين لتصل إلى 274 يورو (272 دولارًا) لكل ميغاواط / ساعة في اليوم الأول من التداول بعد أن أوقفت شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم التدفقات عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 الحيوي إلى أجل غير مسمى ، معللة ذلك باكتشافها تسربًا للنفط في المحركات "
و هذا ما يعني ، بكل وضوح ، و دون مجاز لغوي ، أنّ المواطن الأوربي لن ينعم بدفء الغاز القادم من روسيا ، بل سيعاني من برد الشتاء و صقيعه في المناطق الشمالية من دول أوربا ، و من اشتداد موجات الصقيع و قسوتها ، ليلا و نهارا .
و لكن هل بمقدور للإنسان الأوربي التأقلم مع الظروف المستجدّة . كأن يلجأ إلى الفحم الحجري و الحطب ، لوقاية نفسه من لسعات البرد القادم من مناطق القطب الشمالي ؟ لا ، أظنّ ذلك ، لكونه أنّه ترعرع و شبّ و شاخ على أنوار فلسفة حضارية ، ربّته على الأنانيّة و النفعيّة الذاتية و روح التفوّق و على التميّز عن غيره من البشر .
و ربّ ضارة نافعة ، كم يقال ، فربّما يستفيق الإنسان الأوربي من غفلته ، و يتطهّر من رعونته و عنجهيته . و يدرك أن ما ينفقه من أموال طائلة ، و ما يبذله من جهود مضنيّة في ميدان التسلّح التقليدي و النووي و البيولوجي و الكيماوي ، لا يعود بالنفع عليه في العاجل أو الآجل ، بل كلّه ، يصبّ في قناة التطرّف العلمي و العبث الفكري و الجنون العقلي ، و الرعونة السياسية .
إنّ كوكبنا الأرضي في حاجة ماسة إلى إنسان عاقل ، يعيد له اخضرار غاباته و مروجه و فيافيه ، و صفاء أنهاره و بحاره و محيطاته و نقاوة فضائه . و في أمسّ الحاجة إلى إعادة صياغة مواثيق إنسانيّة رحيمة ، تصون كرامة الإنسان و حقوقه و عزّته و حريّته . فهو ليس في حاجة – أبدا - إلى أسلحة الدمار الشامل .
إنّه لمن العجب العجاب ، أن يضرم السياسيّون المعاصرون ، الحمقى نيران الحروب المدمّرة ، و يهدرون من أجلها التريليونات من الدولارات و الأوروات ، و يعرّضون ملايين المدنيين و العسكريين لأخطار الموت و الإعاقة الجسديّة و النفسيّة ، و يحرقون الأخضر و اليابس ، و يدمّرون عمائر المدن و القرى ، و يشوّهون الطبيعة ، دون شعور بالذنب و الندم ، بل ، يخرجون على الجماهير المنخدعة ، من أجل أن يزفوا لها أنباء النصر المبين .
ما أحوج كوكبنا الأرضي إلى السلم الأهلي العام ؛ إلى هواء نقيّ ، و مياه خالية من التلوّث ، و طبيعة عذراء ، خضراء ، لا تشوبها شوائب الحروب المدمّرة ، ينعم في أحضانها كلّ من الإنسان و الحيوان و الطير و الحشرات و الأسماك بالحياة الفطريّة السليمة .
متى يتخلّى الإنسان المعاصر - مالك القوّة المادية - في الكيانات المتطوّرة ، عن رعونته السياسيّة و العسكريّة ؟ متى يتوقف عن إنتاج الأسلحة التقليديّة و غير التقليديّة ، و يوجّه تلك المبالغ الماليّة الطائلة إلى تطوير ميادين التعليم والصحة و الغذاء في دول الجنوب ؟
و قد يتذكّر الإنسان الأوروبي ، عندما يلسعه برد الشتاء ، إخوانه في جنوب الكرة الأرضية ، كيف ويعيشون معيشة ضنكى . فلا الغذاء متوفر لهم ، و لا الكساء ، و لا السكن اللائق ، و لا التبريد في فصل الحر ، و لا التدفئة في جحيم القرّ .
سيكون الشتاء الأوربي القادم ، من أصعب الشتاءات على أوروبا الغربيّة ، بسبب أزمة قطع تدفق الغاز الروسي . و هي أزمة ستتولّد عنها أزمات نفسيّة و اقتصاديّة و اجتماعيّة و أخلاقيّة أخرى في المجتمعات الأوروبية . و قد بدأت – فعلا - تلوح في الأفق ، إذا لم تجد أوروبا حلولا ناجعة لها و عادلة. سيزداد قلق الإنسان الأوروبي على حياته اليوميّة ، و يتزعزع إيمانه بالنظريّة الرأسمالية ، و الفلسفة البراغماتية التي بشرته بجنّة الأرض ، و سيفقد ثقته بالمدنيّة الأوروبيّة المعاصرة ، القائمة على الأنانيّة المفرطة ، و على الاستئثار لمحو الآخر بدل الإيثار و الرحمة .
لقد عاش الإنسان الأوروبي المعاصر ، منذ انفجار الثورة الصناعيّة و الرقميّة في بحبوحة من الأحلام الورديّة ، معتقدا أنّه سيطر على الأرض و السماء . معتمدا في ذلك على القوّة الماديّة الضاربة . لكنّ الحقيقة الدامغة – التي يحاول البعض طمسها - هي فقدان السلوك الإنساني الأخلاقي السامي ، و ضياع بوصلة التفكير الراشد .
إنّني أحلم – بصفتي مواطن من الجنوب – بكوكب أرضي عامر بالسلام و الأمن و التعاون و التعايش و التراحم . كوكب أرضي خال من أسلحة القتل و الدمار و الكراهيّة و الأسلاك الشائكة .
إنّ الاقتتال بين البشر بالشكل الذي نعيشه في هذا العصر النووي النمرودي ، القذر ، المتعجرف ، المتفرعن ، ليدل – بوضوح - على المستوى الأخلاقي المتدني ، الذي أوصلتنا إليه الفلسفة الماديّة ، البراغماتيّة المعاصرة .
و ليعلم الساسة العقلاء و المثقفون و المفكّرون و الفلاسفة و رجال الأديان السماويّة و العسكريّون ، في الشرق و الغرب ، أنّ الحروب المشتعلة في شرق أوربا ، و في أيّ بقعة من كوكبنا – مهما كانت – أسبابها و دوافعها و غاياتها – هي وصمة في أجبنهم ، و لن يكون حصادها سوى الندم ، يوم لا ينفع الندم . ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فرنسا.. عمل أقل، حياة أفضل؟ • فرانس 24 / FRANCE 24
.. جنوب لبنان جبهة -إسناد- لغزة : انقسام حاد حول حصرية قرار الح
.. شعلتا أولمبياد باريس والدورة البارالمبية ستنقلان بصندوقين من
.. رغم وجود ملايين الجياع ... مليار وجبة يوميا أُهدرت عام 2022
.. القضاء على حماس واستعادة المحتجزين.. هل تحقق إسرائيل هدفيها