الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمياء

سلوى لإدريسي

2022 / 9 / 14
الادب والفن


ظل الحاج "بن عيسى" ،عمرا يعيش وحده في بيت صفيحي في أطراف المدينة العتيقة" بفاس "، قبل أشهر جاءت امرأة عمياء ، سكنت في المنزل المجاور له ،.. كان كثير التنقل بين بيته وبيت "مي فاطمة "جارته العمياء ، يتردد عليها ليساعدها في بعض أعمال البيت....
في إحدى الصباحات المكتظة بضجيج السيارات القادمة من قلب فاس والمتجهة إلى المدن المجاورة ، خرج الحاج بن عيسى للتبول خارجا ، فلمح بعض الرجال يخرجون من بيت جارته ترافقهم نحو الباب الصفيحي المتهالك امرأة شابة فاتنة، تودعهم بابتسامة ساحرة، رفع الحاج سرواله بسرعة مخافة ان تلمحه الشابة ، أصابه الفضول ، توجه نحو بيت العمياء ، دخل كعادته دون طرق الباب ، وجدها تجلس في مكانها المعتاد، وتراقب السقف بعينيها المنطفئتين ، بدأ يحرك رأسه يمينا وشمالا ،عله يلمح تلك الفاتنة ، نادته مي فاطمة ،"
هل أنت هنا ...وااا الحاج..؟؟؟!!
ارتبك من سؤالها ، وأجابها نعم ...نعم...أحضرت لك بعض الشاي الساخن..
خرج الحاج من المنزل حيران أسفا ، والعمياء تنتظر أن يصب لها الشاي ...
لم ينم ليلته وهو يراقب منزلها ، وكله شوق لرؤية تلك الفتنة التي تمشي على الأرض ، بدأ النوم يتسلل إلى عينيه المتعبتين من قلة النوم وأيضا من جور الزمان...قبل أن يغط في نومه العميق ، سمع ضحكات رقيقة! ، تنتشر في ذاك الهدوء القاتل ، صفع وجهه ليستفيق ، ويركز على مصدر الصوت ..
بدأ يتجسس ويتحسس ذاك الصوت الذي لم يحلم يوما بسماعه بعد مرور كل هذا العمر ، كان الضوء المنبعث من منزل العمياء يوضح كل شيء ، تسلل باتجاه المنزل ، ليراقب ذاك الملاك الساحر الذي سلب عقله، كان الباب مواربا على غير عادته ، حاول إدخال رأسه فيما تبقى من الفراغ الذي بين الحائط والباب ، فأتته ضربة مباغتة على رأسه ، فخر على الأرض كالصريع، بعد مرور بعض الوقت أفاق الحاج "بن عيسى" على صوت الزغاريد ، كان يلبس ثيابا ناصعة البياض و"بلغة فاسية "من الطراز الرفيع ، وطربوشا أحمر ، فتح عينيه و اغلقهما بسرعة ،كانت الفاتنة ترقص بثياب شفافة ، لم يستطع تصديق رؤياه، أو ربما ظن أنه يحلم ، فتح عينين مرة أخرى ، وجد العمياء فوق رأسه تبتسم له ، وتقلب عينيها نحو الأعلى ، صرخ الحاج في وجهها ، وهو يقول :أين هي الحسناء ، ردت عليه في ذهول " ارجع إلى لله آ الحاج" ، حاول النهوض من مكانه ،لكنه لم يستطع ، أحس بوخز أسفل بطنه ، كأن أحدهم استأصل شيئا من أعضائه... خطابها : ماذا فعلتم بي "؟؟ ضحكت ضحكة تشبه تلك التي سمعها قبل أن يضرب على رأسه ....بدأت العمياء تنزع ملابسها الرثة ،...و دقات قلب "الحاج بن عيسى" تتسارع ، وهي تنزع ذاك القبح وترتدي ثياب الصبى والجمال ، حتى بدت له كما رآها أول مرة وهي تودع الرجال ...
خاطبته بكلمات لم يستوعبها ، او ربما لم يمهله الوقت لسماعها جيدا ....ودخل "الحاج " منزله الأبدي ، بالقرب من منزله الصفيحي ، تزوره كلاب الخلاء ، تتبول على قبره كما كان يفعل هو في نفس المكان...

أشرقت شمس يوم جديد على فاس والنواحي ، تعالت أصوات الباعة ، وطرقات النحاسين ، وأصوات حوافر البغال داخل الحواري الضيقة. ...كل هذه الأصوات والألوان طمست حكاية "الحاج بن عيسى" ، وجعلته في الغابرين ، كأنه لم يكن يوما








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج