الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (١_٨)

وليد المسعودي

2022 / 9 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


.نقد الدولة _ دولة النقد
البحث عن دولة حديثة ناقدة (١_ ٨)



محمد أرگون .. الطريق الانثروبولوجي للنقد




وهذا الجيل ( جيل مسكويه والتوحيدي) تمت القطيعة معه منذ الاربعينيات من القرن العشرين حين تحول المجتمع الاسلامي من كونه مصدر ثقافة وعلوم وتصوف ودين وادب الى كونه فقط ايديولوجيا نضالية تريد الوصول إلى السلطة تحت مسمى ( الاسلام ) نفسه حيث القطيعة مع مفكرين كبار مثل الرازي والتوحيدي والجاحظ وابن مسكويه وابن رشد وغيرهم الكثير (٢٠)

ولا تكفي القطيعة فحسب بل هناك التشويه المتعمد لقتل التنوع الثقافي الكبير الذي انتجه المجتمع الاسلامي خلال فترة عصره الذهبي ، ليصار الأمر الى تصدير الخرافات والاساطير والطقوس التمثيلية على الشعوب العربية الاسلامية للمفقرة من كل وعي وثفافة قديمة وحديثة على حد سواء ، فمثلما تمت القطيعة مع الماضي هناك ايضا القطيعة مع الحاضر الحديث والمعاصر واسباب تشكله وانتاجه طيلة اربعمائة عام زاخرة بالانتاج الثقافي والعلمي الانساني ، هاتان القطيعتان انتجتا مجتمعا مجيشا اسطوريا يخلو من اي اعتبار لقيمة العقل ، ولاهمية دور الانسان في صياغة المعنى وانتقال المجتمع ذاته من شكل اجتماعي معين الى اخر ، ولا يمكن ان تتم عملية الانتقال هذه دون وجود الممارسة النقدية للاطر المعرفية التي تصدرها الدولة او تلك التي تدافع عنها وتجعلها قابلة للاستمرار والبقاء ، ولا يمكن ان تتم عملية الانتقال هذه في ظل وجود المجتمعات الخائفة من النقد وفي ظل هيمنة الاصوليات الدينية التي تضع المحرمات في كل مكان ولا مجال لاي نقد للاحياء والموتى ، للافكار والثقافات ، للسياسة ورموزها ، لرجال الدين وسلوكهم وانتاجهم القروسطي الماضوي او الحديث الملتصق بذلك الماضي .

وهكذا عملية صعبة معقدة يخوضها محمد اركون ومن معه من داخل الفكر التنويري ، وما يميز محمد اركون هو الموسوعة الثقافية التي يحملها والامكانية في نقد المجالات الفكرية والسياسية القديمة والحديثة مظهرا الجانب الانساني المختفي في الإسلام (٢١) كما اسلفنا اعلاه في دراسته للإنسية العربية ضمن جيل مسكويه والتوحيدي ، والاخير مرة اخرى لا ينظر للعلاقة الدينية مع الله على انها علاقة خوف او علاقة سلطة مدججة بالاسلحة والعقاب (٢٢)
وهنا واضحة جدا النزعة الانسانية في علاقة التوحيدي مع الله وهو اقرب الى الفيلسوف الفرنسي باسكال كما يقول محمد اركون او هو " المحاور الاساسي الحر ، الضروري ، المولد للدلالات والاشارات التي لا غنى عنها للعقل الباحث عن المعنى باستمرار وبنوع من التوتر والقلق (٢٣)

بالرغم من اهمية مشروع اركون الاصلاحي الا انه يبقى مشروعا مثاليا لا يستطيع الصمود امام مد الاصوليات المتزايدة في سلطتها وقوتها من. جهة وغياب المشروعية السياسية في انتاج نسق انساني ثقافي جديد مغاير للماضي القروسطي والحاضر المشوه لاي ممارسة انتاجية ثقافية نقدية من جهة اخرى . (٢٤)


وهكذا تتعدد مصادر النقد السياسي والاجتماعي والثقافي للدولة دون الوصول إلى حل جوهري مادي تطبيقي للمشكلة المراد بحثها هنا وهي غياب وجود الدولة الحديثة الناقدة ، حيث يمكننا الاضافة والاستزادة لجميع مصادر النقد السياسي والاجتماعي للدولة عبر مفكرين ساهموا في رفد التثقيف لمادة الدولة ونقدها من خلال كثرة التجارب النقدية وعبر اكثر من مائة عام ، ولكن كل ذلك لا يلغي حقيقة هذه الدولة التي ما تزال في حالة الانصياع التام لذات سلطة الفرد اكثر من ذات سلطة المجتمع ، لذات مصالح الاقلية بشكل يقود الى اهمال مصالح الاكثرية ، وما يديم هذه المشكلة كما اسلفنا هو هيمنة وكثرة " التراثات " الدينية والاجتماعية والسياسية القديمة منها والحديثة تلك التي تؤخر وتعطل العمل المؤسساتي الجماعي ، تلك التي تحيل الانجاز والابداع الى الفرد اكثر منه الى الجماعة ، فنماذج السلطة هي فردية بالدين ( الخليفة ولي امر المسلمين ) وبالمجتمع ( شيخ العشيرة) وبالسياسة ( الزعيم والقائد والملك والرئيس.. الخ ) وهذه هي عامل مساعد على خلق الكثير من الانتهاكات في مجال الحقوق والحريات والكرامة البشرية في اكثر من بلد عربي اسلامي ، حيث لو اعددنا مخططا بيانيا تسلسليا عن مستوى حقوق الإنسان ومدى تعرضه الى الظلم والاضطهاد والحرمان فسنجد هذا المخطط لا يستطيع ضمن تسلسله استثناء اكثر الدول العربية الاسلامية من عناصر التغييب والاضطهاد والقتل وان اختلفت حدة ودرجة الفعل المباشر لحدود الانتهاكات التي تتعرض لها الذات البشرية هنا وهناك ، وذلك واضح وجلي من خلال التعامل مع حرية التعبير عن الرأي والفكر والقول والنقد بشكل حر لأثر الدولة ( المنشار) واثر الدولة ( الاستخباراتية ) الدينية التي تخطف الصحفيين من اجل ان تزجهم بالسجون والاعدام فيما بعد او تلك الدولة التي تجند الفعل " الميليشياتي " لقتل الصحفيين والمثقفين البارزين ، حيث يكثر فعل الانتهاك ولا يقل والنتيجة هناك دائما التبرير السلطوي لأثر الاعداء الخارجيين وهيمنته على سلوكيات الاجرام والتخوين السياسي لاي فعل ثقافي صحفي نقدي ، وهذا التبرير يدعم ويعبأ المجتمع المؤدلج والمساند لهذه الدولة ضد اي فعل نقدي مغاير ومخالف لها ، والنتيجة بقاء الحال وزوال المحال في تبدل وتغيير هذه الدولة واثرها السلطوي

المصادر

٢٠_ أرگون، محمد / نزعة الانسنة في الفكر العربي / دار الساقي ، بيروت ، ص ٨ .
٢١ _ يستخدم محمد اركون كلمة الاسلام ليس بوصفه دينا او مجتمعا متجانسا بل بوصفه جامعا لثقافات واعراق ولغات انصهرت في انتاجها الثقافي المتنوع كتابة وابداعا في اللغة العربية باعتبارها لغة السلطة المهيمنة انذاك .
٢٢_ عندما اقتربت ساعة وفاته اي التوحيدي قال بعضهم " اذكروا الله فان هذا مقام خوف وكل يسعى لهذه الساعة ، ثم جعلوا يذكرونه ويعظونه فرفع ابو حيان رأسه اليهم وقال كأني اقدم على جندي او شرطي !!!! انما اقدم على رب رحيم .
٢٣ _ وهنا تختلف اشد الاختلاف صورة الله لدى التوحيدي عن العامة او الواردة في النصوص الدينية بين سيد وعبد بين سلطة واجبة وطاعة مستحقة ، هي علاقة محبة وترابط انساني وثيق ، اركون ، النزعة الانسانية في الفكر العربي ، ص ١٩
٢٤ _ لقد اصبحت الاصوليات ذات رغبة ودعم دولي كبير بشكل مباشر او غير مباشر ، وهنا لا ننسى وجودها وعودتها المتزايدة في ايران والعراق وافغانستان والعالم العربي اجمع وان اختلفت مصادر التطيف الديني والهوياتي الفرعي اصوليا وثقافيا ، ولكن تبقى هذه الاصوليات خادمة للرأسمالية وبقائها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس وإيطاليا توقعان 3 اتفاقيات للدعم المالي والتعليم والبحث


.. #إندونيسيا تطلق أعلى مستوى من الإنذار بسبب ثوران بركان -روان




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار التي خلفها الاحتلال بعد انسحابه من


.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش صفقة التبادل والرد الإسرائيلي عل




.. شبكات تنشط في أوروبا كالأخطبوط تروّج للرواية الروسية