الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقام العشق

كمال التاغوتي

2022 / 9 / 15
الادب والفن


(هذه سطور من رقْعَةٍ يزعُم بعضهم أنها من كتابِ الأغانِي لأبِي الفرج الأصفهانِي، عُثِرَ علَيْها فِي دَيْرٍ بِضاحيَةٍ منْ ضواحِي بغدادَ. ويرْوِي فيها كاتبها خبرَ لِقاءٍ مُختَلَسٍ بيْنَ قيْس ولُبنى فِي أثناء الحجِّ. يقُولُ: حدّثَ المَدائِنِي عن عيسَى بن دأب أنه قال: "اجْتَمَعَ لَيْلَةً قيْس ولبنَى فِي شِعْبٍ منْ شِعابِ مكَّةَ والقوْمُ فِي طوافِهِمْ. وترَكتْ لبنى جارِيتَها خارِجَ الخيْمَةِ رَصَدًا. وكان قيس قد مهّد لها وِطاءً فيها. فظلاَّ ساعةً يتشاكَيَانِ ويتعاتَبانِ، إلى أن أخذَ الوجْدُ منهُما مأخَذَهُ، فَنَضَتْ لبنى عنها القَمِيصَ فُصُعِقَ قيس حتى كاد يُغمى عليْهِ، فَكَسَتْهُ بِقُبُلاتِها ثُمَّ ضمّتْهُ إلى صدْرِها. وطَفِقَتْ تُحدّثُهُ وتُداعِبُهُ حتّى اشْتعلَ. يقولُ: حدثت الجارِيةُ قالتْ: "إنّي وربِّ البيْتِ أسمعُ أنِينًا فِيهِ غُنَّةٌ سَرَى فِي دمِي حتّى أنْعظْتُ. ولمّا حانت ساعة الفراق أطلاّ من الخيمة واللألاء في وجهيهما. فتعانقا ثم انصرفنا وتركْناهُ يَمُوجُ كلِسانٍ منْ رمْلٍ." )

قُلْتَ لِي مرَّةً:

ليْسَ لِي قِبْلَةٌ عَلَى هذِهِ الأرْضِ

لِتَكُونِي لِي مَوْسِمًا للاغْتِسَالِ،

ودَفَعْتَ لِي نَبْضَكَ عَارِيًا مِنَ الأقَاوِيلِ

وَدَفَعْتَ لِي قَلْبَكَ صَافِيًا مِنَ الهَذَيَانِ

ودَفَعْتَ لِي لَحْمَكَ خَالِيًا مِنْ وَجَعِ النَّايِ،

قُلْتَ لِي:

مَلِّحِي هذَا الجَسَدَ

مِثْلَ جِلْدِ ماعِزٍ

وانْشُرِيهِ تَحْتَ تَنُّورِ نَهْدَيْكِ

علَى مَدَى عَاصِفَةٍ

أوْ فَرَاشَتَيْنِ

ثُمَّ شُدِّيهِ بِجَدِيلَةٍ إلى جِذْعِ غَزَالٍ

مُجَوَّفٍ ثُمَّ صُبِّي علَيْهِ سُخْطَكِ

(قَرْعُ طَبْلٍ. زَلْزَلَةٌ فِي الماءِ. تَرْجُفُ أشْجَارٌ وأحْجَارٌ وأسْمَاكٌ وغَارُ)


أرْقُصُ فَوْقَ الرِّمَالِ

عَرُوضُ الخيْمَةِ يترنَّحُ

والجَسَدُ-الطَّبْلُ يَكْسِرُ الأبَدَ

دَفْقَةً تِلْوَ دَفْقَةٍ!

يَشْرَبُ فَخْذَايَ صَهِيلَ النَّخِيلِ

والطَّبْلُ-الجَسَدُ يَعْصِرُ الكَبِدَ

سَلاَسِلَ خَمْرِيَّةً تتَسَلَّلُ

بيْنَ فَخْذَيَّ، تَنْهَضُ الفَلاَةُ

تنْفُضُ عنْ وَحْشِهَا غُبَارَ الغِيَابِ؛


قُلْتُ لكَ:

إنِّي أهْوِي فِي حَلْقِ ذِئْبٍ؟

قُلْتَ لِي:

ابْلَعِيهِ قبْلَ أنْ يَمَضغَكِ!

ويَثُورُ الزَّغَبُ العابِدُ

وتَمُورُ أشْلاَءُ نِيرَانِ العِشْقِ

فِي سُرَّتِي،

الجَسَدُ الطَّبْلُ يَقْرَعُ حَبَّةَ التِّينِ

يَفْتَحُهَا – تَفْتَحُهُ

يَنْفُذُ فِيهَا تنْفُذُ فِيهِ

يُيَــمِّــمُ وَقْعُهُ مَهْجَعَ الغِيلاَنِ؛

قُلْتُ بَيْنَ اليَقْظَةِ والغَرَقِ:

إنِّي تُمَزِّقُنِي النُّجُومُ

وأفاعٍ تَهُزُّ صَدْرِي!

قُلْتَ لاَ أدْرِي كَيْفَ:

اجْمَعِي شَتَاتَ أحْزَانِكِ

وامْتَدِّي جِسْرًا مِنَ اللوْزِ

لِلْقَمَرِ السَّاهِي

للبَرْقِ

للإلَهِ الوَاهِي

ولْنَعْبُرْكِ مَعًا

مِثْلَ صَلاَةٍ!

وانْهَمَرْتَ غُرُوبًا أبْيَضَ

مِنْ حَلَمَتِي.


قُلْتَ لِي:

رَايَتَكِ. أيْنَ رَايَتُكِ؟

تَسْألُ وأنتَ تَدْرِي

أنَّ دَفْنَكَ مَوْتَكَ رَايَتِي

تَسْأَلُ وأنْتَ تَدْرِي

أنَّكَ أنْتَ المَرْفُوعُ الوَحِيدُ

فَوْقَ أسِنَّةِ أهْدَابِي

والمِشْنَقَةُ عِطْرِي،


قُلْتَ لِي: أشْتَهِيكِ

كمَا يَشْتَهِي سُلْطَــانٌ جَائِرٌ

رَعِيَّتَهُ: سُجَّادًا مِنَ الدَّمْعِ

والأَنِينِ،

أشْتَهِــيكِ أَقَالِيمَ مُقَسَّمَةً

بَيْنَ مُلُوكِ الطَّوائِفِ والمَخَاوِفِ،

جُزُرًا تَدْعَكُهَــا ألْسِنَةُ الرُّوَاةِ

يُقَطِّرُونَهَا أحْلاَمًا فِي شُرْيَانِ اللّيْلِ،

قُلْتُ مُغْضَبَةً:

مَتَى يَصِيرُ الاشْتِهَــاءُ مِثْلَ المَوْتِ

فِعْلاً لازِمًا

فَنَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الأقْفَاصِ؟


أمْتَلِئُ كالسُّنْبُلَةِ

أرْحَلُ فِي نَبَاتِكَ الوَحْشِيِّ

أبْحَثُ فِيهِ عَنْ نَبْعِ الكَبْرِيتِ:

مِنْ أيْنَ تَأتِي بِهَذَا اللَّهِيبِ؟

قُلْتَ لِي:

لَسْتِ لِي وَطَنًا

لَسْتُ لَكِ جِدَارًا

نَحْنُ سَحَابَتَانِ

كَفَلَتْنَا الرِّيَاحُ

قَسِّمِي إذَنْ البَرْقَ المُكَدَّسَ

فِي شَفَتَيْكِ

بَيْنَ بَابِلَ وَسَدُومَ

وذَرِينِي وحُطَامِيَ المُقَدَّسَ

أتَفَتَّتُ فِي وَجْنَتيْكِ.

طُوبَى لِلطُّيُورِ الغَرِيقَةِ

فِي غَيَاهِبِ نَجْوَاكِ!؛


أَتَحَطَّمُ فَوقَ صَدْرِكَ الصَّخْرِيِّ

مِثْلَ حُلْمٍ يَائِسٍ،

أَسِيلُ بَيْنَ أرْوِقَتِهِ الرَّطْبَةِ

كَثَعَابِينِ المِيَاهِ الهاجِدَةِ

أتَهَجَّى حَشَائِشَهُ المَدَارِيَّةَ

أرْشُفُ رَحِيقَ الزَّعْتَرِ والعُودِ

وأغُوصُ فِي كأْسِ الخَشْخاشِ

وأنْتَ تَنْزِفُ تَحْتَ شَفَتَيَّ

قُلْتَ: نَحْنُ؟

قُلْتُ: نحْنُ.

وانْتَحَلْنَــا صِفَةَ النَّرْجِسِ

فأنْكَرَنَـــا وَجْهَانَا،

هَــا نحْنُ كالعَجِينِ الطَّرِيِّ

ذَبْذَبَاتٌ كوْنِيَّةٌ

تَمْتَدُّ تَمْتَدُّ تَمْتَدُّ

تَمْتَدُّ

تَمْتَدُّ

تَمْتَدُّ

تَمْتَدُّ تَمْتَدُّ تَمْتَدُّ

مِثْلَ حَرِيقٍ

لِنَكُونَ ذِرْوَةَ الألْوانِ

فِي مَدْرَجِ الكَمَانِ؛

نَغَمًا يَتَرَدَّدُ يَتَمَدّدُ

أُحِبُّكَ

وصَدًى يَتَحَدّدُ يَتَجَدَّدُ

أُحِبُّكِ

والأمْواجُ طُبُولٌ زِنْجِيَّةٌ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و