الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديني .. دين الذرة

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 9 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صديق لي يسألني على الخاص في حوار صريح ومكشوف، هل أنت ملحد أم تتوسم الكفر فيما تكتب خاصة وأننا نعرف أنك بالمجمل فكريا محسوب على دائرة التنوير الفكري الديني؟ .
ألا يشكل هذا نوعا من الأنفصام الشخصي الذي يجعل بعض من قراء ما تكتب في حيرة من أمرهم؟ هل تعتقد أنه يمكنك أن تكون ملحدا وكافرا في الوقت الذي تدعو فيه لأن يحمل كل منا راية الإصلاح الديني للنهوض بمسئولياتنا أمام الله وأمام أنفسنا؟.
وسؤال أخير ما بين ما كنت تكتب قبل سنوات قليلة وما بين ما تجهر به الآن مسافة فكرية لا تجسر ولا يمكن تجاوزها إلا إذا كان قرار الإلحاد قد تبلور متأخرا عندك؟.
في تبرير مني وليس دفاعا عن ما أكتب وما أفكر به لا بد من بيات قضيتين مختلفتين أجمعهما معا في كل ما افكر به وأكتب:
القضية الأولى أنا ومن سنين وصلت لقناعة شخصية متأخرة بعض الشيء ولكنني وجدتها بعد بحث وأدلة يقينية وتجربة نقدية عميقة هي أن كل الأديان بمختلف توصيفاتها ومفاهيمها هي جزء من فلسفة المعرفة التي أنتجها العقل البشري، لا علاقة لله فيما نفكر ونتفلسف به، بل نحن نبحث دوما عن أي سبب يربطنا بالله لنقول أن فكرنا جزء من تفكير الله، السبب لأننا نجهل الله تماما بما لا يقبل تبرير ولا يمكن له التمرير، وأشد الناس جهلا بالله هم أهل الأديان من بداية أول مبشر بالدين إلى أخر قائمة المؤمنين بأن الله كلم الناس وحيا أو من وراء حجاب.
الله بالنسبة لي أكبر من أن يكلم بشرا وأعظم من أن يتدخل بجزئيات الإنسان وكأنه شرطي مرور في تقاطعات المدينة يتعرض للبرد شتاء وللشمس صيفا ينتظر أخر الشهر ليقبض معاشه، أي فكرة سخيفة تلك التي زرعوها في عقولنا بأن الله ينتظرنا كي يقبض ثمن رحمته وعطفه وإحسانه شكرا وحمدا وتمجيدا، ومن لا بدفع لا ينفع معه إلا الجحيم القادم من أعماق روح الإنسان الشريرة التي لا تسامح الضعيف وتنتقم منه أشد الأنتقام.
القضية الأخرى التي أعمل عليها والتي أساسها أحترام الرأي الأخر ولو كان مخالفا أو نقيض لما نؤمن به، هو أنني أنظر وأكتب ما أفكر فيه من قضية إصلاح الوعي البشري دون أن أتسلط على أحد بفكرة أو رأي، نعم أكتب في النقد الديني العام أقارن بين الأفكار الدينية في محاولة للتقريب بين العقل الديني والنص الديني، ليس من حفي أن أقول لمؤمن أنت مغفل أو أنت لا تفهم هكذا وهكذا، أحاول أن أقوده برفق ويسر للبحث عن أفضل ما موجود في عقيدته لتنمية عوامل الخير والعقلانية، ثم أشجعه للتفكير المنطقي، تماما مثل طبيب يعالج مريضا وهو يعلم أنه لا أمل من العلاج، ولكن أحيانا يركن فيها لإنسانيته وإيمانه أن من حق المريض أن تقدم له أي مساعدة لتحفيف الألم، أو لكسب الوقت لعل في لحظة ما يكتشف علاج لا نعرفه أو لا نعلمه.
هذه هي قضيتي إذا.
لست متدينا تقليديا ولكن لا أنكر الإيمان بالله أيدا ولا يمكن أن ينكرها عاقل مطلقا، لكنني لست ضد الدين بأي حال فهو واحدة من منجزات البشر نحو التنظيم والأنتظام، ولا حتى ضد من يؤمن بالخرافة فهو المسئول عن إيمانه لكن علينا أن نطرح ما نرى في عالم يقرأ ويكتب ويناقش ويفهم ويحاور ويعاند ويصر على الصح كما يصر على الخطأ ، هذا طبع الإنسان وهذه ميزته الفريدة.
مع كل ذلك قلست داعيا دينيا ولا فقيها ولا عقائديا ولا راويا لمفاصل الفكر الديني.
أنا نبي لنفسي فقط.
وإمام لنفسي فقط.
وشيخ لنفسي فقط.
عندي إيمان حقيقي بدين أخر دين كتبه الله للوجود وسطر أصوله وفروعه وقوانينه وخيره كما شرح فيه ما يريد أو يجب أن يكون متحديا أي كائن أن يعصي هذا الدين أو يخرج عن أحكامه، دين ليس فيه جنة ولا نار ولا شفاعة ولا حور عين ولا جحيم ولا عذاب القبر ولا رحلة البرزخ لا في مكان ولا زمان.
دين كل ما فيه نظام محكم وقدرة عالية لكل الوجود لأن ينصاع لعظيم أحكامه، لم يرسله بيد ملك مقرب ولا وحي منزل ولا عن طريق نبي ولا بكتاب يقرأ، دين أودعه في أصغر أجزاء المادة في الذرات وأجزاء الذرات ووضع في كل ذلك القدرة على البقاء والثبات والديمومة وحفظه من كل أنتهاك أو تحريف أو تزييف.
دين لا يفرق بين مؤمن وكافر ولا بين حجر وبشر ينظر للجميع على أنهم وجود مخلوق على قاعدة التساوي والأختلاف بالوظائف فقط، لا يفتي بقتل أحد ولا يؤمن بغير قانون الوجود تحرك للأمام فكل ثانية محسوبة والزمن لا يعود للوراء وأنك مجرد حركة واحدة من مليارات المليارات من الحركات التي تحدث في نفس الجزء المتناهي من الصغر من الثانية، لا يكتب لك الملائكة الكرام حركاتك، ولا يسجل الرقيبان تصرفاتك، ولا أحد يشهد على أحد، لأن الجميع مشترك في حركة لا نهائية تضطرب ولا تفتر ولا تتوقف ولا تنتهي في نقطة ما لأنها لم تبدأ من نقطة أصلا.
ديني الخاص يفرض علي أحترام كل ما يجري بالوجود بعالم الأكوان بالعقائد كلها بالأفكار كلها ما عدا أمرين محرمين علي وفق ما أفهمه من ديني، أن لا أكون سلبيا في موضع الإيجابية وبالعكس، ولا أقبل بفرض سلبية أحد على الوجود لأنه يتمته بقدر غير متساو مع الأخر بأي قوة ممكنة، الجميع لهم الحياة في الحياة بالتفكر بالتدبر بالتسابق نحو المستقبل، لكن وأبدا لا أقبل بفكرة الرجوع للوراء مهما علت وأستعلت أو تعالت فكرة الرجوع، لأنها أنتكاسة للحركة الطبيعية وإعادة للوراء عكس عقارب الساعة الكونية، التي هي ساعة الله ودينه ومذهبه.
أظن يا صديقي عرفت حدود إيماني وكفري وإلحادي، قد تقول أنك دهري لا تؤمن إلا ما يفعل بنا الدهر، وهذا ليس بجديد بعالم الفكر والأديان، لكن يا صديقي الدهريون لا يؤمنون بالنظام مثلهم مثل العبثيون ولا يؤمنون بخالق وأنهم مجرد زائدة دودية في الوجود، ما عليهم سوى قطع المسافة بأي شكل وبأي طريقة المهم عليهم أن ينتهوا من هذا الحال، يظنون أنهم لم يخسروا شيئا لأنهم أصلا لم يربحوا شيئا.
صديقي الوجود ليس عبثا أيدا والدهر ليس خالقا ولا مخلقا ولا قانونا ولا حكم يحكم، الدهر بمعناه الحقيقي هو زمن كائن ويكون وهو جزء من قانون الدين الطبيعي، الزمن هو مظهر وليس جوهر الحقيقية، فجوهر الحقيقة يكمن بأننا جزء من منظومة إن أردنا أو أمتنعنا فهي سائرة بنا نخسر حين لا نفهمها ونربح حين نعيي معادلاتها فنعيش ونساهم بأن غيرنا يعيش بأفضل حال.
هذا معيار الخير والحق والعدل والجمال والسلام وأحيرا الحلال في ديني، وكل ما يخالف ذلك يمكن أن أفهمه على أنه عكس ما أدركت.
صديقي إذا كان إيماني إلحاد في دينك فليكن بعلمك أن هذا الإيمان محترم عندي لا أناقشك فيه ولكن أدعوك لأن تنظر كل يوم في معنى إيمانك، تنظر نظر الناقد المصحح الجاد المتفلسف الذي لا يهم عنده أن يقول عنه الناس غير ما يعرف نفسه بنفسه....
ستجدني صديقي يوما ما مثالك وربما لم تنجح ولكن إياك وأرجوك أن تعتبرني عدوك أوو كاره لك أو أن تكرهني على قضية لا أنت تعرف تفاصيلها ولا أنا قادر أن أقدمها لك أكثر وضوحا من هذا، وهي قضية الله الذي يرسل للناس رسلا مثنى وثلاث ورباع ويطلب منهم أما العمى أو الجحيم، والأمر لك صديقي... كن بخير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل