الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وطن يعطينى مرتبا شهريا على تمردى

منى نوال حلمى

2022 / 9 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


----------------------------------------
لا أعرف ما هذه اللذة التى يستشعرها البعض فى ممارسة الكذب والتضليل وتنبادل الاشاعات ؟؟.
ما هى المتعة التى يتشبث بها البعض ، عندما يرجعوننا الى الوراء ، حيث أزمنة ، وعواطف ، وأفكار ومواقف ، مسرطنة بالعفن ومتقيحة بالصديد، وطافحة على الجلد ، بالبقع والدمامل ؟؟.
أهؤلاء البعض من كوكب آخر ، كائنات فضائية تغزونا ، لتلتهمنا ، وتكسر عظامنا ، وتسحقنا لتعيد تشكيلنا من جديد ، حسب قواعد وقوانين الكوكب التى هبطت منه ؟؟.
أهم من سكان هذا الكوكب ، أهم من سكان مصر ، الوطن الذى ليس لدينا غيره ، وليس لديه غيرنا ؟؟.
هؤلاء البعض المتحمسين لكى نبدأ من الصفر ، وننسى الثورة المصرية ، وننسى الشهداء الذين حلموا بمصر أقوى ، وأعدل ، وأجمل ، لماذا يفضلون الهدم بدلا من البناء ، والظلام على النور ، والخذلان على الكرامة ، ولن يهدأوا حتى " يخربوها ويقعدوا على تلها " ؟؟.
من المؤكد أن هؤلاء لديهم أوطان بديلة عن الوطن المصرى ، وكل ما يشغلهم هو منافع شخصية ضيقة الأفق ، لا ترى أبعد من قدميها . ولأن المنافع الشخصية مغرية جدا ، فان قلائل على مر الأزمنة وفى كل مكان ، هم الذين استطاعوا مقاومتها ، وفكروا ألف مرة قبل الانقياد لها ، والغرق فى أوهامها .
ومن التاريخ ، نعرف أن هؤلاء القلائل نساء ورجالا ، هم الذين بنوا الأوطان ، وحافظوا عليها ، بالفكر المنفتح ، والعمل الجاد ، والتشبث بالحقيقة ، وبحب الوطن الذى هو دائما فى حاجة اليهم . حتى لو كتم الوطن أنينه ، وضم أحزانه الى قلبه ، كانوا قادرين على سماع صراخه الكامن ، وتلبية النداء فورا ، كل حسب طاقته وقدراته ومواهبه .
من التساؤلات التى تلازمنى دائما ، هى ما هو الوطن الذى أريده أن يحمل اسم " مصر " ؟؟.
ما هو هذا الوطن ، الذى يتحدى ليس فقط هؤلاء البعض الشغوفين بتأخره ، وشده الى أزمنة تنفر منها الانسانية ، ولكن يتحدى كلمة المستحيل نفسها ، والتى ألغاها الامبراطور الفرنسى نابليون بونابرت 15 اغسطس 1769 - 5 مايو 1821، من أبجديته ، وقد كان من رموز واحدة من أعظم ثورات التاريخ ، وهى الثورة الفرنسية 5 مايو 1789 - 9 نوفمبر 1799 ؟؟؟.
ماذا أحب لمصر وطنى ، ووطن أقدم الحضارات ، ومعلمة وملهمة حضارات وأمم ؟؟.
ما هو الوطن الجميل الذى يداعب يقظتى ونومى ؟؟.
أهو الوطن الرحب ذو الأذن الموسيقية الراقية ، الذى لا يجد تناقضا ، بين الاستماع الى موسيقى " القصبجى " ، وموسيقى " موتسارت "؟.
يتذوق " أسمهان " ، و " فايزة " مثلما يتذوق " اديث بياف " ، و " شيرلى باسى " ؟. يصفق لصوت " فريد " ، كما يفعل مع صوت " فرانك سيناترا " ؟.
أهو الوطن المؤمن بضرورة تقليص الفوارق الطبقية بين الناس ؟. أيكون هو الوطن الذى يصنع أرغفة الثقافة ، والفن ، والأدب ، والسينما ، والمسرح ،
والغِناء ، والصحافة ، بوفرة وجودة رغيف الخبز ؟ . أو ربما يكون ، هو الوطن الذى ينسف دون رجعة ، ضوضاء مكبرات الصوت ، الشرسة ، المتنمرة ، المنتهكة ، للخصوصية ، والهدوء ، وحُرمة المسكن ، المتسببة فى التلوث السمعى ، والحضارى ؟. الجاهلة بشئ بديهى اسمه " الحساسية للأخرين "؟.
أيمكن أن يكون الوطن ، اليقظ ، الذى يقطع الطريق ، على وسطاء ، وأوصياء الدين ، والثقافة والأدب والأخلاق والأحوال الشخصية ، يفسدون العلاقة بيننا ، وبين عقولنا وأجسادنا ، يغطون النساء بالأقمشة والطاعة المقدسة للذكور ، يضعفون مناعتنا الذاتية بالخرافات والأكاذيب والاشاعات والتضليل ؟؟.
أهو الوطن الذى يتكلم عن الحرية ، بالوقار ، والهيبة ، والانبهار ، الذى يتكلم به عن لاعبى الكرة ، وزوجات رجال الأعمال ونجمات السينما ، وملكات جمال الحجاب ؟.
أم تراه الوطن ، الذى يكفل خدمة طبية فاخرة ، لمنْ لا يملك الا اعتلال جسمه ، وقوت يومه ؟. الوطن الذى يحترم حرية الاعتقاد ، واللاعتقاد ، وحرية الابداع ، وحرية التعبير ، وحرية الصمت ، وحرية العنوسة ، والعزوبية ، وحرية خروج الزوجات دون الاذن العبودى من الأزواج ، وعدم انجاب الأطفال " أحباب الله "؟؟.
هل الوطن المصرى الذى لا يفارق خيالى ، هو الوطن الآمن من
الارهاب الدينى المسلح والارهاب الفكرى غير المسلح ؟. هل هو وطن ، لا
يمارس التجريحالشخصى ، والشتائم ، والبذاءات ، والمزايدات الفجة ، باسم
الوطنية والفضيلة ، والسلف الصالح ؟.
أم هو الوطن الذى يأكل من عرق جبينه ، وينتج من دوران ماكيناته
مطتوب عليها بعزة وفخر : " صُنع فى مصر " .. وطن يجرم قمع النساء ، وشرب الأطفال من ترع البلهارسيا ؟. وتنتشر فيه مقاهى البكاء والحزن ، قدر انتشار مقاهى المرح والرقص والغِناء ؟؟. مقاهى مختلطة الجنسين فى الهواء الطلق ، يتبادل فيها الشابات والشباب والنساء والرجال ، أنبل المرح وأرقى الأمسيات التى تغنيهم عن التدخين ، وحمل السكاكين ، وشرب المخدرات ، وادمان الحبوب ضد الأرق والاكتئاب واليأس ؟؟.
أيكون وطنى الجميل ، وطن ينتصر لوسائل نقل عام ، تحترم انسانية الناس ، بسلام ، وأمان ، تنقلهم من مكان لآخر ، دون حوادث ، دون أن تنقل لهم أمراض تسرب العادم ؟ .
وطن ، توجد فيه العدالة ، داخل قلوب البشر ، قبل أن توجد فى
كتب القانون فى كليات الحقوق ، ومكاتب المحامين ، و منصات القضاء ؟.
وطن ، لا تستخدم فيه النساء الماكياج ، والمجوهرات ، والأزياء الفخمة ، ولا تلجأ الى أليات التجميل التى تمحو بصمات الزمن ؟؟.
وأكيد هو وطن يفض الاشتباك الموروث المضحك المخزى غير العادل ، غير الشريف ، بين غشاء البكارة ومفاهيم الشرف والرجولة .
وبدون أدنى شك ، هو وطن لا يضايقه غضبى ، وانتقاداتى ، تسعده أحلامى المتشبثة بكل الخير له . وفى آخر كل شهر ، يعطينى مرتبا سخيا ، على مشاكساتى ، وتمردى . لسبب بسيط ، أنه وطن كبير ، واثق فى
نفسه ، وفى حضارته الثابتة فى عمق الأرض . وهو يعلم من التاريخ ، أن
الأوطان ، تزدهر بالتمرد ، والتساؤل ، وأن الوطنية المخلصة تبدأ ، وتنتهى ،
بالاحتجاج . بل انه يعتبر الصوت المتمرد ، من ضرورات الصحة الوطنية ،
والعافية الحضارية ، وضرورة لا غنى عنها ، للانتصار ، والتألق .
-----------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة جديدة من برنامج السودان الآن


.. أطباق شعبية جزائرية ترتبط بقصص الثورة ومقاومة الاستعمار الفر




.. الخارجية الإيرانية: أي هجوم إسرائيلي جديد سيواجه برد إيراني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي حانين وطير حرفا جنوبي لبنان




.. إسرائيل وإيران لم تنتهيا بعد. فماذا تحمل الجولة التالية؟