الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل وإفريقيا : دبلوماسية برامج التجسس

بوياسمين خولى
كاتب وباحث متفرغ

(Abouyasmine Khawla)

2022 / 9 / 18
السياسة والعلاقات الدولية


هذه الورقة مكملة لورقة : "تصدير السلاح، آداة إسرائيل لتوسيع شبكة علاقاتها عبر العالم" السابقة.

اقتنت بعض الدول الإفريقية برامج التجسس الإسرائيلية. فاشترت غانا برنامج التجسس "بيغاسوس" (1) -Pegasus - من المجموعة الإسرائيلية " NS0" في ظل ظروف مريبة جدا. وغالبا ما ينظر لمثل هذا الاقتناء من طرف دولة من القارة السوداء على أنه نموذجي في إفريقيا ويؤكد أن صناعة الأسلحة الإلكترونية والمراقبة الإسرائيلية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بدبلوماسية تل أبيب وبرنامج التطبيع في إفريقيا ، من توغو إلى المغرب.
_______________________
(1) - برنامج تجسس مصمم لمهاجمة الهواتف الذكية التي تعمل بنظام - iOS و Android - تم تصميمه وتسويقه منذ 2013 من طرف شركة - NSO Group - الإسرائيلية ولم يتم اكتشاف الآثار الأولى لاقتحاماته إلا في 2016. يتم تثبيته على الجهاز ، حيث يتمكن من الوصول إلى الملفات والرسائل والصور وكلمات المرور والاستماع إلى المكالمات ويمكنه تشغيل التسجيل الصوتي أو الكاميرا أو تحديد الموقع الجغرافي بدقة. من المفترض أن يُباع هذا البرنامج التجسسي رسميا فقط للمنظمات الحكومية لمراقبة الإرهابيين المشتبه بهم أو الجرائم الخطيرة الأخرى. لكن من الناحية العملية ، يتبين أيضا أن الأنظمة الديمقراطية والسلطوية الاستبدادية – على حد سواء - تستخدمه لمراقبة الصحفيين والمعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان. ويتم بشكل افتراضي استبعاد الهواتف في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو الصين أو روسيا أو إسرائيل أو إيران من فرص الاستهداف الفرص.
__________________________

في مايو 2021 ، أكد "أوليفر باركر- فورماور" - أحد مؤسسي حركة غانية تطالب بالمساءلة والحكم الرشيد وظروف معيشية أفضل للغانيين - إن وزارة الأمن القومي تمكنت من مراقبة هاتف أحد أعضائها بشكل غير قانوني. و بدأ تحويل المكالمات الموجهة إلى هاتفه إلى رقم غير معروف بعد أن التقى قادة الحركة بمسؤولي الأمن القومي في مايو 2021. لكن مسؤولو الحكومة الغانية اعتبروها مجرد مزاعم لا أساس لها من الصحة" وأنكروا أي مراقبة غير القانونية.

ومع ذلك ، بعد مرور ستة أشهر فقط ، كشفت مجموعة الصحفيين الاستقصائيين - Forbidden Stories - أن هواتف المواطنين الغانيين تخضع بالفعل للمراقبة بشكل غير قانوني. وغانا هي واحدة من 26 دولة حيث تم استخدام نظام "بيغاسوس" الإسرائيلي للمراقبة الإلكترونية ، للتجسس على الاتصالات الخاصة للأفراد.
إذ يمكن لـ "بيغاسوس" الوصول إلى الاتصالات المشفرة من أي هاتف ذكي ، وتحويلها إلى أداة تجسس. علما لا يمكن بيع برنامج التجسس هذا إلا بإذن من الحكومة الإسرائيلية ، وفقط للحكومات ووكالاتها. وقد أبلغت شركة - Apple - المستهدفين في غانا أن أجهزتهم عرضة للهجوم من قبل الأشخاص الذين يتصرفون نيابة عن الدولة. صدم هذا الكشف غانا ، التي غالبًا ما قدمت على أنها ديمقراطية نموذجية في إفريقيا. يقف الاستقرار السياسي لهذا البلد الواقع في غرب إفريقيا وحكمه "الديمقراطي" في تناقض صارخ مع العديد من الدول الأخرى في هذه المنطقة التي تتميز بالاستبداد والصراع العنيف على السلطة.

في ديسمبر 2015 ، وقعت شركة – (Infralocks Development-limit-ed (IDL - عقدًا بقيمة 5.5 مليون دولار مع مجموعة – NSO - الإسرائيلية لشراء "بيغاسوس". وكان على شركة - IDL - بعد ذلك إعادة بيع البرنامج إلى هيئة تنظيم الاتصالات في غانا - الهيئة الوطنية للاتصالات (NCA) - مقابل 8 ملايين دولار. وعلى الرغم من أوجه القصور الخطيرة هذه ، وصل موظفو- NSO- إلى غانا في يونيو 2016 - بعد ستة أشهر فقط من توقيع العقود - لتثبيت "بيغاسوس" وتدريب المسؤولين المحليين على استخدام المعدات. وعلى الرغم من إدراج - NCA – بصفة المشتري وليس ، تم تثبيت النظام في شقة مستشار الأمن القومي الغاني. في الواقع ، كانت وزارة الأمن القومي هي التي أرادت تكنولوجيا التجسس وليس الهيئة الوطنية للاتصالات. أدى ذلك إلى تكهنات بأن الحكومة ، التي كان يقودها آنذاك المؤتمر الوطني الديمقراطي (NDC) ، كانت تخطط لاستخدام "بيغاسوس" للتجسس على شخصيات المعارضة قبل انتخابات ديسمبر 2016.

في مايو 2020 ، قضت محكمة العدل العليا في "أكرا" بأن شراء "بيغاسوس" كان غير قانوني وغير مصرح به. وأدين اثنان من مسؤولي المجلس الوطني التأسيسي ومستشار الأمن القومي في ذلك الوقت بالفساد. وبذلك طفح إلى السطح – وبقوة- بشأن ما إذا كانت غانا تمتلك البرنامج أم لا، لكن السلطات واصلت إصرارها على أن برنامج التجسس لم يكن يعمل.

رفض كل من شارك في التحقيق الجنائي الرد على وسائل الإعلام. وظلت الأسئلة الموجهة إلى مركز الدفاع الوطني ووزارة الأمن القومي دون إجابة. يفسر هذا الصمت من قبل القادة السياسيين الغانيين حقيقة أن حزب مؤتمر الحوار الوطني - الذي كان الحاكم عندما تم شراء "بيغاسوس" بشكل غير قانوني في 2016 - والحزب الحاكم الحالي ، الحزب الوطني الجديد (NPP) ، المتهم اليوم باستخدام برامج التجسس ، كلاهما لديه مصلحة في التستر على القضية. لا يريد أي منهما تحريك الأمور، وكان التواطؤ بالصمت المطبق. والتزمت السلطات الإسرائيلية أيضا الصمت. كأن الحكومة ووزارتي الدفاع والخارجية في إسرائيل ساندت الصمت الغاني.

كيف لا وأن السلاح و برامج التجسس تعتبر عملة صرف داخل الاتحاد الافريقي؟

إن البيع المريب لبرامج التجسس "بيغاسوس" في "غانا" ليس حالة منعزلة لشركة إسرائيلية تمارس نشاطًا مشبوهًا في إفريقيا. إذ أن صناعة الأسلحة الإلكترونية والمراقبة الإسرائيلية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بدبلوماسية تل أبيب وأجندة التطبيع الخارجية. إن برامج التجسس هي عملة دبلوماسية ثمينة لإسرائيل ، التي تسعى إلى تطبيع العلاقات ومواجهة حملة المقاطعة العالمية جراء د احتلالها لفلسطين ، ووصف ممارساتها بسياسة الفصل العنصري، كما كان الحال في إفريقيا الجنوبية.

ربما لعبت برامج التجسس أيضًا دورًا في حصول إسرائيل على صفة مراقب لدى الاتحاد الأفريقي ، وهو منصب كانت تطمح إليه منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. في يوليو 2021 ، في خطوة مثيرة للجدل قسمت الاتحاد الأفريقي ، حققت إسرائيل هدفها وحصلت على اعتماد من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد.

وكشفت مصادر حاضرة في قمة رؤساء دول الاتحاد الأفريقي المنعقدة في العاصمة الإثيوبية ، أديس أبابا ، في فبراير 2022 ، أن دبلوماسيين إسرائيليين عرضوا مساعدة عسكرية وفي مجال المراقبة والمعلومات على بعض القادة الأفارقة مقابل دعمهم لاعتماد إسرائيل كعضو مراقب ( ومنهم الرئيس الغاني).

غانا ، كانت واحدة من أقوى مؤيدي إسرائيل في الاتحاد الأفريقي وضغطت بشدة من أجل منح إسرائيل صفة مراقب. فهل استخدمت إسرائيل برامج التجسس كورقة مساومة مع غانا في الضغط من أجل الحصول على صفة مراقب من الاتحاد الأفريقي؟ وقد هذا التساؤل مطرحا بقوة في صفوف الصحفيين والحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني في ساحل العاج ورواندا والمغرب وتوغو ، وكذلك كينيا وغينيا الاستوائية ومصر والكاميرون وأوغندا وإثيوبيا ، إذ تم استخدام برامج التجسس الإسرائيلية في هذه البلدان المختلفة. وهناك تساؤل آخر على يقل أهمية، وهو هل التقارب بين هذه الدول والكيان الصهيوني ساهم في تعزيز أنظمة الاستبداد؟

يبدو أن سعي إسرائيل لنوع من "الشرعية" في إفريقيا عبر انتهى الأمر أدوات التجسس القوية - التي تم تطويرها لاستدامة وتكريس احتلال فلسطين واختبارها ميدانيا على الفلسطينيين – أضحت اليوم في أيدي جيل جديد من القادة الاستبداديين في إفريقيا. وتعتبر هذه التقنيات "مثالية"، إذ هي غير مكلفة نسبيا وسهلة التنفيذ ويمكن نشرها مع انعكاسات ضئيلة على الأنظمة التي تستخدمها.

ويعتبر المغرب أحد عملاء شركة NSO الإسرائيلية. استخدم "بيغاسوس" لاستهداف ما الكثير من الهاتف ، بما في ذلك عز الدين العثماني والصحفي عمر الراضي.

وتستخدم إسرائيل الوسطاء والقنوات الثانوية لتصريف أسلحتها التجسسية الخبيثة مقابل تحقيق اختراقات ومصالح أنية واستراتيجية.
لعقود من الزمان ، استثمرت إسرائيل رسميًا القليل جدًا في دبلوماسيتها الرسمية في القارة السوداء. إنها فضلت أن تعتمد على رجال الأعمال والوسطاء الذين يستخدمون قربهم من صناع القرار وعلاقاتهم بهم لخدمة مصالح السياسة الخارجية لإسرائيل ، والحفاظ على علاقات إسرائيل مع القادة الأفارقة. إنه شكل من أشكال "الدبلوماسية الموازية" التي تزدهر في القارة وهي خالية تماما من الشفافية وتعمل في الخفاء من حيث لا يدري أحد.

توافق وزارة الدفاع الإسرائيلية على مبيعات "بيغاسوس" وتلعب دورًا حاسمًا في توزيعها واستخدامها. فالحكومة الإسرائيلية تدرك جيدا الفوائد الدبلوماسية لتصدير برامج التجسس وترفض حظر بيعها على الرغم من "التاريخ الأسود" والموثق لبرامج التجسس. بل وهناك تحقيقات إسرائيلية جارية بخصوص استخدام برامج التجسس ضد المواطنين الإسرائيليين أنفسهم.

تقع برامج التجسس في قلب الطموحات السياسية الإسرائيلية في إفريقيا. لقد منحت لتل أبيب فرصة القبول في القارة حيث كانت غير مقبولة و مهمشة دبلوماسياً. بينما تصدر إسرائيل خبرتها في المراقبة مقابل مكاسب دبلوماسية في إفريقيا ، فهي تقوي الديكتاتوريات والأنظمة الاستبدادية وتضعف الديمقراطية في إفريقيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة