الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحليل طبقي مكثف للأوضاع الاجتماعية في بلدان الوطن العربي عموماً والوضع الاجتماعي الطبقي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة خصوصاً.

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2022 / 9 / 18
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


إن أهم ما تتميز به الأوضاع الاجتماعية الطبقية في بلدان الوطن العربي، أنها أوضاع انتقالية، غير مستقرة وغير ثابتة، والأشكال الجديدة فيها، تحمل في ثناياها العديد من ملامح القديم ضمن علاقة التعايش بحكم ظروف أو محددات التخلف والتبعية وتشوه الخارطة الطبقية، ما يعنى استمرار بقاء هذه الأوضاع – دون أي تطور نوعي – طالما بقي تأثير تلك المحددات.
لذا فإن التحليل الطبقي لمجتمعاتنا، القائم على المقارنة الميكانيكية أو التشابه بينها وبين مسار التطور الأوروبي كمعيار، سيؤدي بنا إلى مأزق تحليلي ومعرفي عند مناقشة الوقائع العينية والأحداث التاريخية التي ميزت واقعنا الاجتماعي الفلسطيني، لأن هذه الأحداث والوقائع كانت عاملا أساسيا من عوامل تشوه وتميع الوضع الطبقي الفلسطيني، فالنكبة الأولى عام 1948، التي شردت شعبنا ودمرت قاعدته الإنتاجية (الارستقراطية شبه الإقطاعية –المنظومة الحمائلية والعائلية-العلاقات شبه الرأسمالية آنذاك) ومجمل بنيته الطبقية والمجتمعية، ثم ضم وإلحاق الضفة الفلسطينية إلى الأردن لتصبح جزءا من اقتصاده ومجتمعه، ووضع قطاع غزة تحت الوصاية المصرية، وتكريس التباعد الجغرافي والسياسي بينهما، الذي عَمَّقَ التباعد الاجتماعي-الاقتصادي بين أبناء الشعب الواحد حتى الاحتلال عام 1967 ، الذي قام بإلحاق اقتصاد كل من الضفة والقطاع بالاقتصاد الإسرائيلي .
إن هذه الأحداث والمتغيرات والتطورات التي واكبت تطور مجتمعنا الفلسطيني تفرض علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذه الخصوصية في تطور مجتمعنا، وعدم إمكانية تطابق مساره التطوري مع المعيار أو المسار الأوروبي كما شَرَحتْه بعض مقولات المادية التاريخية في تناولها للمجتمعات الأوروبية .
إلى جانب ما تقدم ؛ فإن تشخيصي لملامح التحول والتغير للبنية الاجتماعية في الضفة وقطاع غزة ما بعد قيام السلطة، ثم على أثر الانقسام والحصار العدواني الإسرائيلي، اظهر مجموعة من الحقائق والمؤشرات الدالة على طبيعة التشكل الطبقي في بلادنا :
1_ نشوء شريحة بيروقراطية- كمبرادورية نافذة في القرار السياسي ومرتهنة بالتمويل الأمريكي الأوروبي ومتساوقة مع الرؤية السياسية الإسرائيلية بهذا القدر أو ذاك، وهذه الشريحة هي حامل اقتصادي اجتماعي وليس مجرد قيادة سياسية.
2_ تزايد مظاهر الانحطاط السائد في المجتمع الفلسطيني، بسبب التبعية والتخلف والفقر وانسداد الأفق السياسي، وما ستؤدي إليه هذه الحالة من الانهيار التدريجي في النسيج الاجتماعي في ظل انحسار الآمال الوطنية الكبرى أو المأزق المسدود بتأثير مباشر للانقسام ومن ثم اشتداد الحصار وتكريسه، وتحويل القسم الأكبر من المجتمع، خاصة في قطاع غزة إلى حالة قريبة من اليأس والانهيار على الصعيدين الاجتماعي والسياسي بعد أن فرض على شعبنا أن يدخل في متاهة صراع داخلي يضاف إلى قهر وظلم الاحتلال، لن يخرج منه احد رابحاً سوى العدو الإسرائيلي المنتشي بتحقيق أطماعه تحت غطاء هذا الانقسام الذي حقق هدف العدو في تقويض أمن ومستقبل الإنسان الفلسطيني ومن ثم تقويض الأساس المادي والمعنوي لضمان حياته ومصدر رزقه .
3_ تميز التطور الاجتماعي في شكله وجوهره، بطابع تراكمي كمي مشوه، بحيث لم يستطع أن يفرز بوضوح ملموس أية أطر برجوازية تنويرية أو ليبرالية، فكرية، أو ثقافية معاصرة، وبقيت القيم والأفكار القديمة والتقليدية الموروثة سائدة في أوساط الوعي الاعتيادي (العفوي) للجماهير الشعبية بالرغم من بعض أوجه الحداثة الشكلية المستوردة التي أسهمت في تعميق حالة التبعية والتخلف الاجتماعي إلى جانب الهبوط السياسي .
ففي ضوء تكريس الانقسام وتفكك النظام السياسي، تسود مجتمعنا اليوم سلوكيات أنانية تتسم بالراهنية والتركيز على حل قضايا الأجل القصير دون أن تعطي الاهتمام المطلوب لقضايا المستقبل، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال تفاقم مظاهر التخلف الاجتماعي، وتراجع العلاقات القائمة على أساس المشروع الوطني والتعددية الديمقراطية لحساب قيم النفاق والإحباط والقيم الانتهازية والمصالح الشخصية بدلا من قيم التكافل والتضامن والمقاومة . ترافق إلى جانب ذلك، غياب المجتمع السياسي الفلسطيني ليحل محله – في الفترة الأخيرة، قبل وبعد الانقسام – مجتمع محكوم بالصراع والاستبداد والخوف والتعصب الديني اللاعقلاني، ومحكوم أيضاً بالمصالح والثروات الشخصية، على قاعدة أن السلطة مصدر للثروة وليست مصدرا للنظام والقانون والعدالة – إلى جانب الجرائم والانحرافات بكل أنواعها الأخلاقية والمجتمعية التي لم يعرفها مجتمعنا من قبل.
تفاقم النزعة الاستهلاكية لدرجة أن ينفق المجتمع الفلسطيني حوالي 4.5 مليار سنوياً فيما ينتج نصفها فقط ناهيكم عن تزايد مساحات الفقر وارتفاع الأسعار وتفاقم البطالة.
في ضوء ما تقدم بات من الواضح أن تفعيل النضال السياسي والاجتماعي الجماهيري من أجل إنهاء الانقسام ودفنه هدفاً مركزياً له الأولوية على كافة الاهداف من أجل استعادة وحدتنا الوطنية التعددية في نظام سياسي وطني ؛ وبدون ذلك سنتحول إلى هنود حمر في بلادنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإيطالية تعتدي على متظاهرين مؤيدين لفلسطين


.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب




.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا