الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطية الولايات المتحدة - غسيل الأدمغة، أحد دعائم القوة

الطاهر المعز

2022 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


الدعاية الأمريكية، واحدة من جبهات الحرب
من "غزو الغرب" إلى "الحرب على الإرهاب"
رافقت الدّعاية السياسية والإيديولوجية المُكثّفة نُشُوء الولايات المتحدة على جُثَث السّكّان الأصليين، وكانت تلك الدّعاية مصدر إلهام للقادة الصهاينة الذين ادّعوا كما ادّعى الغزاة الأوروبيون إنهم شعب الله المُختار، وإنهم يُعَمِّرون أرضًا قَفْرًا كانت خالية ومُهْمَلَة قَبْل احتلالهم... أما بعد الحرب العالمية الثانية فقد رسّخت الدّعاية الرّسمية كذبة "إن الجيش الأمريكي حَرّرَ أوروبا"، بينما دَحَرَ الجيش السوفييتي المُحتلِّين النّازيين الألمان وحلفائهم، من ستالينغراد إلى برلين، وحرّر الأسْرى من مُحتشدات ألمانيا وبولندا وغيرها، وراح حوالي 25 مليون سوفييتي ضحية هذه الحرب، أي أكثر من ضحايا البلدان الأوروبية مُجتمعة، وتميزت الدّعاية الأمريكية بترويج أكاذيب عديدة مثل سلاح الدّمار الشامل في العراق وتنفيذ جيش سوريا هجوما كيماويا سنة 2018، ومجزرة بنغازي المزعومة سنة 2011، وما إلى ذلك من أكاذيب يُصدّقها الناس بفعل إقصاء وسائل الإعلام (التي تمتلكها شركات عابرة للقارات) أي رواية مُخالفة للرواية الرسمية الأمريكية.
الجيش في خدمة الشركات الكبيرة (الأمريكية) متعددة الجنسيات
أعلن الجنرال سميدلي بتلر ( 1881 – 1940 )، سنة 1933، خلال إحدى الفعاليات الرسمية التي نظّمتها الأكاديمية العسكرية في واشنطن: "لقد أمضيت 33 عامًا في الجيش، وخلال هذه الفترة كرّستُ معظم وقتي لدعم مصالح رجال الأعمال والمصارف، فكنت بمثابة قاطع طريق، أمارس الإبتزاز خدمةً للرأسمالية، وساعدت شركات النفط في الإستيلاء على نفط المكسيك، سنة 1914، وساعدتُ المصارف على الإستقرار وجني الأرباح في هايتي وكوبا المُحْتَلَّتَيْن، وساعدت في اغتصاب جمهوريات أمريكا الوسطى لصالح وول ستريت ".
بعد سبعة عُقثود، وخلال العدوان على العراق واحتلاله، روجت الدّعاية الأمريكية الأكاذيب حول "أسلحة الدّمار الشامل"، في بلد مُدَمَّر ومُحاصَر منذ 12 سنة، وتمكّنت الإمبريالية الأمريكية من تجنيد السياسيين، الغربيين وحتى العرب، والمثقفين والإعلاميين لدعم العُدوان السافر وقلب نظام الحكم واحتلال البلاد.
بعد هذا الإعلان بنحو تسعة عُقُود، لم تتغير الأساليب كثيرًا، رغم تطور التقنية التي تأقلمت معها أساليب الدّعاية، فقد أشْرَفَت المُؤسّسات الرّسمية الأمريكية على إنشاء حسابات مُزيفة في وسال التواصل المُسمّى "اجتماعي" ( فيسبوك وتويتر وإنستاغرام...)، بمعظم اللغات، منها العربية والفارسية والروسية والصينية والإسبانية وغيرها، لتقديم معلومات بعضها صحيح، كالبيانات الإقتصادية والديموغرافية، ومعظمها مُزّيف، مثل ترويج إن النظام في إيران يتعمد تجويع السكان وتخصيص الإستثمارات لتصنيع الأسلحة، وروّجت أخبارًا عن مظاهرات وعمليات قمع وهْمِيّة، وخلال الحرب الحالية في أوكرانيا، تروج وسائل الإعلام الأمريكية والغربية عموما أخبارًا معظمها كاذبة عن فظائع ومجازر ضد المدنيين والأطفال الأوكرانيين، وتطلق وسائل الإعلام التي تمولها أمريكا مباشرة، مثل صوت أمريكا أو إذاعة أوروبا الحرة أو المواقع التي يرعاها الجيش الأمريكي، مثل هذه الأخبار، ثم تنقلها وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية الأخرى مثل شبكات التلفزيون التي تُشغّل مُثَقّفين انتهازيين وجواسيس وخبراء عسكريين ( مثل سميركونيش الذي يقدّم برنامجًا أسبوعيا على شبكة سي إن إن )، ولا تُفصح عن هويتهم الحقيقية، بل تُقدّمهم كمُحلّلين أو مُعلّقين مُحايدين، وعندما تستضيف الشبكات شخصًا يُقدّم رؤيا مختلفة، يتم حذف التعليقات المُزعجة، وتشير شركة "غرافيكا" المتخصصة في تحليل الشبكات الاجتماعية التي اكتشفت العديد من الحسابات المُزيّفة، إلى أنها لا تستطيع تحديد منشأ هذه الحسابات، وتُرَجِّحُ أن مؤسسات تابعة لوزارتَيْ الخارجية الأمريكية أشرفت على إنشائها وإدارتها، وعملت هذه الشبكات على ترديد وترويج الخطاب الحكومي الأمريكي وتشويه من يختلف معه، وتصنيف روسيا على أنها "العدو الرئيسي الذي وجبت محاربته والقضاء عليه"، والإدعاء بأن الصّين "تحاول السيطرة على العالم" بينما يمثل الإنفاق العسكري الأمريكي 39% والإنفاق العسكري الصيني 3,1% فقط من الإنفاق العسكري الإجمالي العالمي.
منطق القُوة:
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تدخلت الولايات المتحدة في انتخابات ديمقراطية في ثلاثين دولة مُستَقِلّة، وأطاحت أو حاولت الإطاحة بأكثر من خمسين حكومة، وحاولت اغتيال قادة خمسين دولة ، وألقت قنابل على سكان ثلاثين دولة، معظمهم من المدنيين العُزّل والفقراء، كما قامت الولايات المتحدة أيضًا بقمع حركات التحرير في عشرين بلد، بالإضافة إلى العديد من الإغتيالات والمذابح غير المُبلَّغ عنها والتي تم إنكارها.
لَخّصَ الكاتب والمخرج البريطاني هارولد بينتر (1930-2008) السياسة الخارجية الأمريكية خلال خطابه أمام اللجنة التي منحته جائزة نوبل للآداب (2005) قائلاً: "تهيمن الولايات المتحدة على هياكل التضليل والكذب والتشويه وتزوير الحقائق، باستخدام المال والتكنولوجيا وكل الوسائل التي تمكّنها من الإفلات من العقاب... تميزت جرائم الولايات المتحدة بالتّخطيط المنهجي وبنشر الفوضى الهَدّامة على مستوى عالمي، لكن قلة قليلة من الناس علموا بهذه الجرائم وتداولوا الحديث عنها، بل إن الولايات المتحدة تدّعي أنها قوة تعمل من أجل رفاهة شعوب العالم !!! تمثل الدّعاية الأمريكية نموذجًا ناجحًا للغاية من التّخْدِير التنويم وغسل الدماغ بدرجةٍ جلعتنا مُبَرْمجين لتصديق هذه الأكاذيب، فمن لم يتعلّم التّمْيِيز بين الدّعاية والإعلام، لا يتمكّن من التّمييز بين الحقيقة والكذب... "
"الديمقراطية الأمريكية" هي ديمقراطية مؤسسية تضفي الشرعية على دعم المصارف والشركات بالمال العام، بحيث تحقق تلك الشركات نفسها أرباحًا توزعها على المساهمين، لتزداد الهُوّة اتساعًا بين الأثرياء والفُقراء، بفضل المال العام، وتعتبر "الديمقراطيةُ الأمريكيةُ" الحربَ ضرورةً اقتصاديةً، ففي أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، ابتهج المُضاربون بالبورصة، ومالكو أسهم شركات الصناعات الحربية التي ارتفعت أسعار أسهمها، مباشرة بعد الحدث، لأن مُجمّع الناعات العسكرية يعتبر دم الإنسان جيّدًا لرأس المال ومُدِرًّا للأرباح، ولذلك تُرَوّج هذه الشركات الكُبرى ووسائل الإعلام والحكومة الأمريكية الأساطير والأكاذيب التي تُيَسِّرُ إطلاق الحروب، أو استمرارها لِعُقُود، فكل الحروب الحالية قامت على أساطير أو أكاذيب، لكي تحظى بقبول بل ودَعْم مواطني الدّول الإمبريالية، سواء في فلسطين أو العراق أو سوريا أو أفغانستان أو ليبيا أو اليمن أو أوكرانيا، وغيرها، لأن هذه الحروب تُشكّل مصدر ربح ضخم للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي...
أسّست الولايات المتحدة، مع أوروبا المُنهكة من الحرب العالمية الثانية، حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ليصبح أداة حرب تحت سيطرة الولايات المتحدة التي تدعي في دعايتها أن توسيع الناتو كان نجاحًا تاريخيًا، وصادقت دول الحلف في قمته في مدريد (28-30 يونيو 2022) على وثيقة إستراتيجية تعمل على عسكرة القارة الأوروبية وتزيد من احتمالات الحرب مع روسيا والصين، وتقترح حربًا نووية ضد المنافسين (روسيا والصين). على الجانب "الإعلامي" (الدعائي)، حُرِمَ المواطنون الأوروبيون والأمريكيون، منذ بداية الحرب في أوكرانيا، من الإطّلاع على مصادر متنوعة من الأخبار والمعلومات والدراسات والتّحاليل، ويتوجّبُ عليهم الإكتفاء بالدّعاية الرّسمية والرّواية الواحدة التي تنضح منها الشوفينية والتشويه وإخفاء الحقائق، من ذلك أن القليل من المواطنين الأوروبيين والأمريكيين يعلمون بوجود مُقترحات قدّمتها حكومة روسيا في كانون الأول/ديسمبر 2021، لحل الخلافات بشأن أوكرانيا، لكن رفضت حكومة الولايات المتحدة المقترحات الروسية (دون استشارة حُلَفائها، أو حتى حكومة أوكرانيا)، وسخرت منها أو تجاهلتها بعض وسائل الإعلام الغربية.
زار وزير الحرب الأمريكي الجنرال لويد أوستن، يوم الخامس والعشرين من نيسان/ابريل 2022، مدينة كييف، عاصمة أوكرانيا، وأكد أن هدف الولايات المتحدة هو تدمير الاتحاد الروسي، فالحرب هي أمريكية إذًا، لكنها حرب بالوكالة، يُنفذها وكيل أمريكي (نظام أوكرانيا) يلعب دور البيدق الذي تُمَوِّلُه وتُسلّحُهُ وتُدرّب جنودَه الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، ولا يقوم الإعلام بدوره المُفترض والمَرْجُو منه لتوضيح أي من هذه الوقائع للجمهور "الغربي" الذي لا حق له في الإطلاع على وسائل إعلام أو دراسات أو تحليلات أخرى، كما تحجب وسائل الإعلام الوقائع التي حصلت قبل الحرب، خصوصًا بين سنتَيْ 2014 و 2021، حيث هاجم النازيون الجدد الأوكرانيون بشكل منهجي السكان المدنيين في "دونباس" (منطقة ناطقة بالرّوسية) وقتلوا 14000أربعة عشر ألف شخص، وفقًا للأمم المتحدة، بل قال "أندريه بيلتسكي"، مؤسس كتيبة النازيين الجدد "آزوف" في شريط وثائقي أمريكي، في أيار/مايو 2022: "إن المهمة التاريخية لأمتنا في هذه اللحظة الحاسمة هي تكريس سيادة العرق الأبيض في العالم، وشن الحملة الصليبية الأخيرة ضد الأعراق الدّنيا (نطقها بالألمانية = Untermenschen التي تعني دُون منزلة البَشَر) من أجل الحفاظ على تفوقنا..."
الحرب على الجبهة الإعلامية
قَلّلَت وسائل الإعلام "الغربية، منذ شهر شباط/فبراير 2022، من أهمية أعضاء ميليشيات النازيين الجدد الذين نفذوا - بدعم أوروبي وأمريكي وصهيوني- انقلاب شباط 2014 ضد نظام منتخب، وفرضت الولايات المتحدة اندماجهم في الجيش الأوكراني، وأصيحوا يمثلون حوالي 30% من القوات المسلحة الأوكرانية، ولا تزال وسائل الإعلام الغربية تزعم، بدعم من الحكومات، أن النازيين الجدد الأوكرانيين غير موجودين وأن حكومة روسيا وقواتها المسلحة هي الفاشية.
إنها عملية غسيل الأدمغة التي تتخذ أشكالاً عديدة، منها إهمال أو حذف بعض الأخبار أو الوقائع، وهو ما حاول "جوليان أسانج" (ويكيليكس) الإشارة له عندما نَشَر وثائق حقيقية لم يشكّ أحدٌ في صحّتها، لكن الحكومة الأمريكية كانت تُخْفيها عن الجمهور والصّحافيين والباحثين، وترفض نَشْرَها، ما أدّى إلى مُلاحقة "جوليان أسانج" وسجنه في بريطانيا التي أقَرّ جهاز القضاء بها ترحيله إلى الولايات المتحدة حيث يُواجه الإعدام أو السجن المُؤبّد، لا لشيء سوى إنها نَشَرَ وثائق رسمية مُسَرّبه، فأصبح عدوًا وصفه الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن بأنه "إرهابي التقنيات الدّقيقة". أما هيلاري كلينتون (وزيرة خارجية باراك أوباما) فدعت علانية إلى اغتياله، ربما باسم "الدّيمقراطية" !!!
تهيمن الولايات المتحدة على العالم وعلى وسائل الإعلام التي تحوّلت إلى أداة أيديولوجية في خدمة استدامة هذه الهيمنة، إذ تتخذ تسع من أكبر عشر شركات إعلامية من أمريكا الشمالية مقراً لها، كما يمتلك أثرياء أمريكا الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي - غوغل وتويتر وفيسبوك – ويُسيْطرون على محتوى ما يُنْشَرُ بها، فلم تعد وسائل الإعلام وشبكات الإتصالات تهدف نشر الأخبار وإحاطة الجُمهور عِلْمًا بما يحدث، بل أداة دعاية وإشهار، تُؤَدِّي وظيفةَ غسيل مستمر للأدمغة، ما يُيَسِّرُ عملية تصفية مَلَكَةَ الإدراك والتّمْيِيز، والإقتصار على نَشْر مادّة إعلامية و"ترفيهية" و"ثقافية" تستجيب لمخططات سلطة الدولة التي تُمثِّلُ مصالح المصارف والشركات الكبرى، ما حَوّل عبارات العولمة ومجتمع المعلومات والمجتمع الإعلامي إلى مرادف لغسيل الأدمغة بأكاذيب أجهزة الدولة والشركات، بشكل يضاهِي الدّعاية التي كانت سائدة بألمانيا النازية.
عدم المساواة الهيكلية في الولايات المتحدة التي تهيمن على العالم
قال وارن بافيت سنة 2011: "كانت هناك حرب طبقية على مدار العشرين عامًا الماضية وقد انتصر صفي وطبقتي". أما "إيلون ماسك"، مُؤسّس ومالك شَرِكَتَيْ ( Tesla ) و ( SpaceX )، والذي تُقَدَّرُ قيمة ثروته بنحو 254 مليار دولارا، فقد زَعَمَ في أيار/مايو 2020: "إن أمريكا هي أرض الفرص ولا يوجد بلد آخر يُوفِّرُ لي فُرَصًا مماثلة"، ويُمثّل هذان الثّريّان شريحة صغيرة تُقَدّرُ نسبتها بواحد بالمائة من سُكّان الولايات المتحدة، تهيمن على السلطة السياسية والإقتصادية وعلى الإعلام الذي تحوّل إلى دعاية (برُوبَغَنْدَا)، لِطَمْسِ التفاوت الطّبقي المجحف...
يظهر عدم المساواة بأشكال عديدة في الولايات المتحدة، لكن حجم التفاوت الهيكلي أعلى بكثير منه في البلدان الرأسمالية المتطورة الأخرى، ويستمر في الارتفاع.
كان خط الفقر الرسمي، سنة 2020، لأسرة مكونة من أربعة أفراد هو 26496 دولارًا، وعلى هذا الأساس، كان هناك 37,2 مليون فقير، أو 11,4% من السكان الأمريكيين (20% بين الأمريكيين السود، بينما يمثلون 13,5% فقط من السكان) ، وفقًا لمكتب الإحصاء الأمريكي (يناير 2022) وهي إحصاءات دون الواقع.
توضح مقارنة الأرقام بين ثروة الأثرياء مثل "إيلون ماسك" أو "وارن بافيت"، من جهة ومُعدّل الفقر، من جهة أخرى، عدم المساواة في الدخل والثروة، فبين عامي 1979 و 2007 زاد الدخل الصافي لأغنى 1% من الأمريكيين بنسبة 275% أما بالنسبة للـ 20% الأقل ثراءًا في المجتمع، فقد ارتفع دخلهم، خلال قرابة ثلاثة عُقُود بنسبة لا تتجاوز 18%، أي أقل بكثير من ارتفاع تكلفة المعيشة (إيجار المسكن والطاقة والغذاء والصحة وتعليم الأبناء وما إلى ذلك) وفقًا للخبيرة "كيمبرلي أماديو" التي تصف عدم المساواة بأنها مشكلة "هيكلية"، ففي العام 1989، كان 1% من أثرى الأثرياء يسيطرون على 23,5% من الثروة الوطنية، وبحلول عام 2022 نمت حصتهم إلى 31,8% أو قرابة 45 تريليون دولارا، وفقًا البيانات الرّسمية لمجلس الاحتياطي الإتحادي الأمريكي.
إن كلمات "وارن بافيت" هي انعكاس "لعدم المساواة الهيكلية الناتجة عن نظام الإمتيازات الذي أوجدته المؤسسات الأمريكية، والقانون وممارسات الأعمال والسياسات الحكومية في مجالات التعليم والصحة والإعلام... يكون عدم المساواة هيكليًا عندما تمنع السياسات الرسمية مجموعات معينة من الناس من الحصول على الموارد اللازمة لتحسين ظروف حياتهم، فهؤلاء ليس لديهم فرصة لتحقيق رغباتهم ومشاريعهم لأن التفاوتات الهيكلية تلقي بظلالها على حياتهم، وتحول دون تحقيق مشاريعهم ومشاريع أبنائهم وأحفادهم، وتحد من النمو الاقتصادي للمجتمع ككل. إن الولايات المتحدة الأمريكية هي دولة رأسمالية يتوسط السوق فيها جميع العلاقات الاجتماعية تقريبًا، وللأسف، تتزايد اجتياح السوق لجميع جوانب الحياة الشخصية للمواطنين..." وفق "كيمبرلي أماديو" ، رئيسة (World Money Watch )، وهي ليست ثورية ولا حتى يسارية، بل "خبيرة" في مجال الإقتصاد والمالية
التعليم، أداة حشو الأدمغة منذ الصّغر
عندما نتفحّصُ المناهج التربوية تتأكّد أهدافها القمعية، فهي تحول المدارس إلى مصانع لإنتاج الدعاية وإلى مؤسسات مراقبة أمنية، ما يُشكّل نمطًا خطيرًا من الإستبداد الذي يُترجَمُ إلى هجوم على حرية التعبير وعلى الحريات الأكاديمية، وصَحِبَ سياسة التعليم القمعية هذه خطاب كراهية عنصري وسياسات قمعية تجاه الشباب السود وأبناء الفُقراء أو المهمشين، قبل توسيع نطاق هذه الهجمات إلى المُدَرِّسِين وأولياء الأمور والشباب والمجموعات التي ترفض وتُقاوم خصخصة التعليم العام، ضمن سياسات خصخصة المرافق الحَيَوِيّة، كما تُشكّل هذه السياسات الرسمية استمرارًا (وإن اختلفت الأشكال) للعنف الهستيري المناهض للشيوعية خلال الحقبة المكارثية في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما تم تسريح الآلاف من وظائفهم بسبب الإشتباه في تبنِّهم أفكارًا يسارية، وسُجن العديد منهم، وغادر آخرون الولايات المتحدة نحو أوروبا، كما أن هذا النموذج من السياسة التعليمية الرجعية مستوحى بشكل مباشر من البرامج التعليمية لألمانيا النازية التي حوّلت التعليم إلى آلة دعاية، تَفْرِضُ الطاعة العمياء للقائد، من خلال فرض الرقابة على كتب التاريخ والفلسفة أو كتب علوم التربية التي تحث المُتَعَلِّمين على التفكير والتّمْحِيص والمُناقشة وطرح الأسئلة...
انتشرت نظرية "استبدال البيض" ( أي أن البيض مُهدّدون بغزو الأجناس الأخرى لأوروبا وأمريكا الشمالية) في الولايات المتحدة وأوروبا، بالتوازي مع انتشار أفكار اليمين المتطرف، وترويجها من قِبَلِ وسائل الإعلام والهيئات المنتخبة وجهاز الدولة، وتؤيدُ الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة الأمريكية والأوروبية شرعية، بل ضرورة سيادة البيض على أرجاء العالم "لِنَشْر الحضارة والقضاء على الهمجية"، عبر "حُجَج" وتعليلات تذكرنا بتمجيد "العرق الآري" في ألمانيا النازية، وصاحَبَ هذا التوجه الأيديولوجي والسياسي لليمين المتطرف، تبرير الإستعمار في الماضي والحاضر (تبرير احتلال فلسطين، على سبيل الذّكر) وشَرْعَنَةِ استغلال ونهب ثروات شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، ضمن حملة لإدراج تمجيد الإستعمار في كُتُب تعليم التاريخ التي تميّزت منذ القرن التاسع عشر بتزوير تاريخ الأمم والشعوب...
خاتمة:
تُشكّل الولايات المتحدة، بصفتها أعْتى قُوّة امبريالية عالمية، خطرا على البشرية جمعاء على المستوى العسكري، وكذلك على المستوى الإيديولوجي والإعلامي والتعليمي، فقد فرض النظام التعليمي الأمريكي نفسه في أوروبا ثم في جميع القارات، بمساعدة وسائل الإعلام والدعاية، ما يُشكّل خَطَرًا على الديمقراطية وعلى التّنَوُّع الثقافي، خصوصًا منذ حوالي أربعة عُقُود، حيث تجلّت بوادر الانزلاق نحو الاستبداد والفاشية من خلال الخطاب السّائد والسياسات التعليمية القمعية التي تدعم الرقابة الاجتماعية، وسيادة الإيديولوجا الفاشية، خصوصًا تلك التي يدعو لها وينفّذها الجناح الأكثر يمينِيّةً وتطرُّفًا داخل الحزب الجمهوري، الذي حَوَّلَ التعليم إلى أداة دعاية لإنتاج وإضفاء الشرعية على النظريات والممارسات العنصرية الدّاعية إلى إقصاء وتهميش الفُقراء والسّود والسّكّان الأصْلِيِّين وأبناء الكادحين، وأصبحت منظومة التّعليم مُجَرّد ثكنة تُعلِّم الإكراه والامتثال وتُرسِّخُ الأصولية الدينية والسياسية والاقتصادية، ما يُهدّد التعليم والبحث العلمي الذي يتطلب هامشًا واسعا من الحرية، وأصبحت المؤسسات التعليمية، في العديد من الولايات الأمريكية، مختبرات لنَشْر الفكر الفاشي، ولِإعادة إنتاج الأساليب التّربوية القمعية التي كانت سائدة في ألمانيا، خلال ثلاثينيات القرن العشرين، وتَمثّلت مظاهر السياسات التعليمية الرجعية في خَلْقِ شَرْخ بين طاقم التّدْرِيس من جهة والطلاب وأولياء الأمور، من جهة أخرى، من خلال السماح للطلبة بتصوير محاضرات المعلمين دون موافقتهم، مع احتمال العبث بمحتواها لتوريط المُدَرِّسِين، فيما حَظَرَتْ بعض الولايات الكتب التّقدّمية في مؤسسات التعليم وكذلك في المكتبات العمومية، ومطالبة المعلمين بتوقيع قسم الولاء للمُؤسّسة، وإجبارهم على نشر محتوى دُرُوسِهم عبر الشبكة الإلكترونية، وما هذه الممارسات سوى جزء من حرب أكبر ضد التفكير الحُرّ والنقد، بهدف رَدْعِ أي مُحاولة للمقاومة، أو حتى التشكيك في جَدْوى النظام القائم ...
يمكننا إدراك عواقب غسيل الأدمغة الذي قام به النظام التعليمي الأمريكي والأوروبي والدعاية الإعلامية التي تُقْصِي أي رؤية نقدية للحروب العدوانية التي يَشُنُّها حلف شمال الأطلسي أو الإمبرياليات الأمريكية والأوروبية، وتقتصر على الرؤى التي تُمَجِّدُ السياسات الاستعمارية والعنصرية، وتحجب تاريخ السكّان الأصليين بأمريكا، شمالها وجنوبها، فضلا عن الدعم غير المشروط للكيان الصهيوني، والدعاية الكاذبة التي تشوه الحقائق التاريخية، والتي تُشَيْطِنُ أي معارضة للنظام الرأسمالي، خُصوصًا من قِبَلِ حركة التحرر الوطني والشعوب المستعمَرة والمضطَهَدة ...
لا تختلف منظمات الإسلام السياسي في انتهاج أُسْلوب الدّعاية الفاشية، فهم (خلافًا لليسار في البلدان ذات الأغلبية المسلمة) يتمتعون بمحلاّت مجانية (المساجد) ليعقدوا بها اجتماعات دورية (خمس مرات في اليوم) لنشر دعايتهم، بالإضافة إلى تجمُّع كبير كل جمعة، وأيام الأعياد الدّينية، فيما يُحْرَمُ التقدميون والشيوعيون في بلدان العرب والمسلمين من مثل هذه الوسائل "القانونية"، ما يفرض علينا كتقدّميين واشتراكيين إيلاء اهتمام خاص بالتربية والتعليم، سواء في البرامج المُستقبلية أو في المُمارسة اليومية، بدءًا بنقد الأيديولوجية السائدة والسياسات التعليمية، كخطوة للتفكير في إنتاج الأدوات التعليمية والأنشطة الترفيهية وألعاب فيديو، وإنشاء مجموعات نقاش وأدوات أخرى لمكافحة الجهل وتعزيز الانفتاح والمعرفة والتفكير النقدي والعقلاني وتعزيز الأفكار والقيم التقدمية المتعلقة بالفرد والمجتمع، ويمكن للمدرسين والطلاب التقدميين المشاركة بنشاط في تطوير التفكير التحليلي والتنويري، في كافة مراحل التعليم، خاصة بالجامعة (وكذلك خارج مؤسسات التعليم)، لتزويد الطلاب بالمعرفة الأساسية والمهارات والقيم والشعور بالمسؤولية الاجتماعية التي تمكنهم من أن يكونوا مواطنين مطلعين وناقدين ومشاركين مع العمال و الكادحين والفُقراء في عملية بناء مجتمع يعزز العدالة الاجتماعية والمساواة.
إن نقد المنظومة السائدة يفترض تقديم بديل أو بدائل لها، منها تعزيز الثقافة الجماهيرية (على عكس الثقافة النخبوية)، في إطار برنامج سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي يلبي احتياجات الناس، ونحن (كتقدّميين أو اشتراكيين) لدينا الإمكانيات والقدرات لإنشاء المؤسسات الأهلية (بدون تمويل أجنبي، أو حتى حكومي محلي) التي تحاول خلق شكل من أشكال "الهيمنة الثقافية" (على رأي أنطونيو غرامشي 1891 – 1937) في إطار مع الإجابات على سؤال "في أي نوع من المجتمعات نريد أن نعيش" وفي إطار التفكير في أدوات ووسائل تحقيق أهدافنا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لولا امريكا لكنا جميعا نعيش في نظم العبودية
منير كريم ( 2022 / 9 / 18 - 18:54 )
السيد الطاهر المعز المحترم
المنجزات العلمية والتكنلوجبة والطبية الراهنة ما كانت لتكون وينعم بها البشر لولا امريكا
فاين الوفاء والاعتراف بالجميل ؟
على الجانب السياسي امريكا انقذت العالم من الهمجيتين الفاشية والشيوعية ولولا ذلك لكنا نعيش الان في دول عبودية مطلقة مثل كوريا الشمالية محمية الصين
شكرا

اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان