الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العروج إلى الله دراسة في المعنى اللغوي ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 9 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


العروج في اللغة كمفردة لها معاني عدة مشتركة تفيد الصعود أو الأعتلاء أو الرفع، فقد وردت في المعاجم على الشكل التالي: عرَجَ على، عرَجَ في يَعرُج، عُروجًا، فهو عارِج، والمفعول معروج عليه، فالعروج إذا هي عملية أنتقال مكاني للموضوع يفهم منه في الغالب الأرتقاء، ولكن هل هذا هو كل المعنى المطلوب أو المعروف الوارد في نصوص القرأن وخاصة الآية التالية (تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَیۡهِ فِی یَوۡمࣲ كَانَ مِقۡدَارُهُۥ خَمۡسِینَ أَلۡفَ سَنَةࣲ) المعارج٤، نعود للمعاني إذا ورد الفعل عرج مع فاعل واحد أو مفعول به واحد فهو يفيد معنى الأرتقاء والصعود والأنتقال كقولنا عَرَجَتِ الطُّيُورُ أي اِرْتَفَعَتْ، عَلَتْ، لكن هذا الأمر الحكمي ينطبق على حالة أشتراك أكثر من فاعل أو مفعول به كقول النص " تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ"، من تصفحنا للمعاجم اللغوية هنا العروج يفيد الأستصحاب الحالي ولا يفيد المعنى الأول الصعود أو المسير المنفرد، أي أن التفسير الذي يقول أن الروح تصعد إليه في يوم مقداره كذا سنه هو تماما نفس الوقت الذي تستطيع الملائكة فيه العروج سواء بالصعود أو النزول منه أو إليه، التفسير هنا أت الملائكة حينما تستصحب الروح في العروج إليه تحتاج خمسين سنه كمقدار وليس كتحديد نهائي.
النص هنا يتكلم عن واقعة ذكرت أكثر من مرة في القرأن الكريم وهي خلاف التفسير المشهور عند عامة الناس، ففي تفسير الطبري لأبن جرير ما نصه (يقول تعالى تصعد الملائكة والروح، وهو جبريل عليه السلام إليه، يعني إلى الله جلّ وعزّ، والهاء في قوله: ﴿إِلَيْهِ﴾ عائدة على اسم الله، ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ يقول: كان مقدار صعودهم ذلك في يوم لغيرهم من الخلق خمسين ألف سنة، وذلك أنها تصعد من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره، من فوق السموات السبع) وفي تفسير أخر للإحاطة أكثر وإن كان مقاربا في المعنى والدلالة والهدف، قال السعدي في تفسيره (الله ذو العلو والجلال والعظمة، والتدبير لسائر الخلق، الذي تعرج إليه الملائكة بما دبرها على تدبيره، وتعرج إليه الروح، وهذا اسم جنس يشمل الأرواح كلها، برها وفاجرها، وهذا عند الوفاة، فأما الأبرار فتعرج أرواحهم إلى الله، فيؤذن لها من سماء إلى سماء، حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله عز وجل، فتحيي ربها وتسلم عليه، وتحظى بقربه، وتبتهج بالدنو منه، ويحصل لها منه الثناء والإكرام والبر والإعظام، وأما أرواح الفجار فتعرج، فإذا وصلت إلى السماء استأذنت فلم يؤذن لها، وأعيدت إلى الأرض).
في التفسيرين وما سار على شاكلتهم يربطون القضية بصعود الأرواح من الأرض إلى الله الذي هو في العلو أو في السماء التي هو فيها على تفسير السعدي، هذا التصور وإن كان مشهورا بيم الناس لكنه تفسير نخالف للحقيقية الربانية كما هو مخالف لما يريد النص أن يقوله للناس، ووفقا للنقاط التالية سنرى عظيم التجني التفسيري على النص:.
• يصر التفسيران على أن الله في مكان واحد ومحدد سواء كان في الأعلى كما في تفسير الطبري أو في السماء التي هو فيها كما في تفسير السعدي، ومن المسلمات البديهية عند المسلمين أن الله لا يحتويه مكان ولا يسعه زمان، فهو معكم أينما كنتم بل هو قريب من الإنسان بل أقرب إليه من حبل الوريد، فالله الذي لا تحده حدود لا يمكن أن نشير له بصعود ولا بمكان في السماء التي هي جزء من مخلوقاته.
• قبل هذه الآية وردت كلمة أو مفهوم لم يتكرر من قبل وفد أعتبره البعض من أسماء الله الحسنى وهو (اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ)، الله اسم الجلالة معروق ولا خلاف فيه أو عليه لكن لماذا ذي المعارج؟ وهب هو نثله مثل ذي الطول وذي الرحمة مثلا، الطول من صفات القدرة المطلقة والرحمة ما كتب الله على نفسه فكلاهما لا شيء ملفت للنظر في التسمية، أما ذي المعارج فهذا ما يثير السؤال هنا، فالمعارج كما بينا في البحث اللغوي تفيد معان عدة منها الطرق وهنا نشير للمعارج وليس للعروج، أو الميلات أو الميول أو التوجهات عندما نقول مثلا عرجنا على الموضوع الفلاني، أو لتعرج على بيت فلان، فالمعارج بهذا المعنى الميل أو التوجه الذي لم يكن من أصل الشيء، وترد المعارج أيضا بمعنى الشيء المنحرف أو المقوس كما في أستخدام كلمة العرجون القديم وبقصد بيه ما يعرف بعذق النخيل كما يفسره المفسرون، وفي جميع الأحول نرجع لكلمة معارج التي هي جمع لكلمة معراج، وبالأدق من الأستخدامات هو الصعود إليه بديل ورود النص موضوع البحث بعده (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)، فهل يتفق المعنى هنا مع مفهوم ومعنى "مصاعد"، أي الله ذو المصاعد أو صاحب الطرق التي تصعد إليه، مع العلم أن النص القرآني عندما يشير لدلالة ما لا يشير لها مرموزه ما لم تكن بحاجة إلى الرمز وقد ذكر الصعود صريحا في أكثر من موضوع ويعني فيه الأرتفاع كقوله (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)، فالمعراج ليس صعودا ولا إرتفاعا بالمرة، ولو أراد هذين المعنيين لم يتكلف النص بالإشارة لغير المعنى، فالعروج إذا هنا حالة خاصة بدلالة خاصة تعني الطريق المتعرج وليس الطريق المستقيم الذي يتخذ مسارا ذا شكلية واحدة أو وفق حط سير واحد، فالعروج هي محطات في الطريق، يعرج أحدهما على الأخر ليشكلا بالمجموع ما يعرف بالمعراج.
فالله ذو المعارج أي الله الذي تصله الأشياء عبر طرق أو مراحل متعددة لكل مرحلة أو طريق صفة ووصف وحال وماهية تختلف عن الأخرة لكن تبقى بدايتها ونهايتها في غير معلومة، والدليل أن المعارج هي درجات حالية أو مراتب أو مواقع مختلفة ما ورد في النص التالي (وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) الزخرف 33، فالمعارج هنا تدل على المراتب والدرجات ولا تعني غير ذلك، وبهذا المعنى جعل الله السماء مثر محطات لمن يعرج إليه لا يمكن أن تخترق بالمباشر دون أن يكون المعروج أو العارج مؤهل لها، لذا قيل الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا، فالشيء الذي يعرج عليه لا بد أن يقطع الرحلة من خلال العروج من طبقة لطبقة حتى يصل مراده دون أن يجعلها رحلة واحدة مستمرة من غير إنقطاع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران