الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسم صيد الكلاب

عذري مازغ

2022 / 9 / 20
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


يفتقد الكلب أنسه حين يفتقد أنس الإنسان، عند سقراط، الكلب محب للمعرفة وبالتالي يكتسب بحبه هذا ملكة الفلسفة، هذا بالطبع إذا جردنا الكلب من بيئته الحيوانية وادخلناه في بيئة المعرفة: معرفة سيده ثم قبيلته من الأقارب والأصدقاء، لكن في محاورات أخرى غير هذه التجريدات السقراطية يصبح الكلب صديقا للصوص أيضا، وعموما ثقافة الكلبنة هي موسوعة بحد ذاتها، لكن يبقى من أساسياتها ان معرفة الكلب هي معرفة الذي يغذيه وعلى أساسها يمكن تربيته بالشكل الذي تريد قي سياق أعمال التجويع المعروفة: "جوع كلبك يتبعك" وعملية التجويع ليس كما تفهم في سياقها الإصطلاحي، اي ان تجعله جائعا، بل أن تلقفه بقليل من الأكل ثم تجعله يطمع في المزيد، وبشكل عام تقوم عملية تدريب وتربية الكلب بشكل توليفي (من الولف)، تجعله يعتاد على حركة معينة من خلال هدية الأكل من خلال حراكات بسيطة تتعقد مع طول التدريب بإضافة حركات وأصوات أخرى وهي القاعدة التي لم نعتمدها نحن في المغرب في استثمار الكلب في قيم النفع في مستوياتها القصوى كما عند الغربيين من قبيل أن يكون الكلب عين الضرير وهكذا لجانا إلى استيراد الكلاب النفعية من اوربا نفسها وهمشنا كلابنا التي لا زالت درجة التوحش فيها قاتلة.
في الاطلس المتوسط نعتمد في القنص على الكلب الأوربي، اصبحت للكلب الأوربي ميزة منفردة في عقلنا الجمعي، ببساطة يقال عنه أنه ذكي كالقرد الأشقر الإنساني الأوربي، وأصبح الكلب الأطلسي كلبا منبوذا لا يصلح إلا للعس وأكل قاذوراتنا، لكن مع ذلك، ولنعد وراء إلى مرحلة "السيبا" حيث البلاد المنفلتة من نظام "المخزن" بالمغرب وحيث المجتمع كان مجتمعا رحاليا وقبل ظهور الملكية الخاصة بشكل رهيب مع التوغل الفرنسي: كان المجتمع الرحالي يقيم خيما على شكل دائري بفعل هاجس الأمن: الدائرة تتيح رؤية العدو في كل الإتجاهات، وسط هذه الدائرة من الخيم دائرات أخرى للمواشي، كل خيمة تتوفر على كلاب بمعنى ان أدوات الإنذار المبكر موجودة على طول الدائرة وكانت قواعد تربية الكلب العساس قاسية ولا إنسانية: الكلب ذي حاسة إنذارية قوية هو الكلب المعنف: معزول في رباط بجانب الخيمة، يقدم له الاكل من وقت لآخر ولا تترك له حرية للتبضع (يتبضع جانب مربطه) وهو بهذا الأمر نقوي فيه غريزة العدوانية. باقي الكلاب امارس العسة فطريا: تنبع على أي براني او حيوان وحشي، وحين يكون هناك فيض من مواليد الكلاب كنا ببساطة نحتفظ بالقدر المطلوب ونقتل الباقي وهم صغار.
عند ظهور الملكية الخاصة مع توغل "المخزن" في التحكم على سكان "السيبة"، في بداية الملكية الخاصة ظهرت المنازل المنفردة، كل اسرة تبني منزلا أوخيمة في ملكيتها (اتكلم هنا عن فترة كانت فيها نسبة السكان القرويين تتعدى 75% من سكان المغرب، في هذه الفترة كان عدد سكان الأمازيع بنفس النسبة وليس كما الآن بسبب التمدن يبدوا الامازيغ أقلية).. كانت حاجة هؤلاء السكان المنفردين في ملكيتهم إلى الكلاب لا تقاس (وهنا اتكلم عن كلب الأطلس المحلي) بحيث كان الناس يعرفون عن الكلبات الحاملة ويتسابقون إلى وضع طلب شفهي لصاحبها بترك جرو او جروين له، وإن لم نصل بعد إلى درجة بيع الكلاب لكن كان الطلب ملحاحا وقد تحصل قطيعة بين صديقين لأنه فضل منح الجروان لآخر دونه، كان الكلب الأطلسي المحلي ذا قيمة كبيرة برغم أنه "غير ذكي" كالكلب لأوربي.
مع توغل "المخزن" اكثر في البادية من خلال النزاعات حول الملكية الخاصة، وظهور محاكم تهتم بالعقار والماء والطرقات وهي في الأصل عبارة عن تشريعات فرنسية مؤسسة للملكية الفردية، تحول هاجس الأمن الذاتي الذي كان يتكلف به سكان "السيبة" لحماية أنفسهم إلى الإعتماد على الجهاز القضائي المخزني (ولن ادخل هنا في سياسة التطويع وتناقضات القضاء المخزني بل سنحصر الموضوع على جزء من اهمية الثروة الحيوانية وقيمة الكلب المحلي بالخصوص). مع تحول نزاعات العقار والجريمة (اللصوصية في هذا المجال) إلى القضاء المخزني (القضاء الفرنسي قبله) همش دور الكلب المحلي العساس ومع ظهور طبقة كولونيالية (رأسمالية محلية) إلى جانب تحول فئة كبيرة من السكان إلى عمال مأجورين وظهور نمط الصيد الجماعي "تاحياحت" مع ترف القتل (قتل الحيوانات فيما يسمى بالقنص الجماعي) تحول الإهتمام بالكلب المستورد وتبخيس الكلب المحلي.
في السياق وحتى لا اكون ماركسيا أكثر من اللازم، جماعات الصيد "تاحياحت" هذه كان يمارسها الكولونياليون (فرنسيون وبورجوازيون بدائيون مغاربة) وكانوا يمارسون هذا الصيد في العطل الأسبوعية مصحوبين باعوان المخزن وبعض عمالهم المأجورين ومشاركة بعض أهل المنطقة بأجر بئيس (مثلا كان يشارك في "تاحياحت" إطار منجمي كولونيالي من مناجم جبل عوام اسمه قانديلا (Kamdila) اعتقد انه كتالاني من إسبانيا، وكان يصاحب بعض الأطر المغربية الأقل درجة منه وبعض عماله وكانوا يشاركون معه بشكل مجاني للعلاقة الوظيفية في المنجم)، أذكر ايضا ان عملية "تاحياحت" تكون معلومة للسكان المحليين من خلال اعوان المخزن من حيث المكان الذي ستقام ويكون معلوما أيضا ثمن الأجر، وكون أنها هي عملية قنص جماعي للخنزير كعنوان عريض كانت تحدث هناك بعض الهدايا من عملية القنص المجاني لحيوانات أخرى، قنص طيور الحجل والأرانب وإهدائها للسكان بينما منظمي تاحياحت يستمتعون بقنص الخنزير الذي لحمه محرم دينيا على المحليين.
في هذه العمليات ظهر الكلب المستورد .. في علمنا الفطري المتوارث، المجتمعات ما قبل الالملكية الخاصة نختار في نسل الكلاب نسل الكلب الشرس المحلي، مع ظهور الملكية الخاصة والقضاء المخزني، همش دور الكلب الشرس، وكوننا مجتمعات قنص بالفترة، وفي غياب الوعي بالتحول التاريخي لم نحول كلابنا إلى كلاب صيد ذكية ولظروف الأمن المخزني المتوفر تركنا الكلب المحلي واتهمناه بانعدام الذكاء والمعرفة السقراطية.
مع ظاهرة تحول المجتمع القروي إلى مجتمع مدني، مع الهجرة القروية إلى المدينة، شردت الكثير من الكلاب المحلية، الكثير منها هاجر هو الآخر إلى المدينة والكثير منها في سياق التناسل الجماعي لها تحول موسم تناسلها إلى موسم قنص بالنسبة للسياسة المخزنية.
في الصحافة المغربية، رصدت أخيرا بعض اعتداء الكلاب الضالة لطفلة بالمغرب حتى الموت، "كلاب ضالة افترست طبيبة فرنسية بالصحراء المغربية".. عناوين كافية لإعلان موسم قنص الكلاب .
من هي هذه الكلاب الضالة؟
الكثير منها ضحية تهميش: بعض اهاليها هاجرو إلى المدينة فاكتشفو في أجوائها خيرات المزابل: معروف عن المغرب ان أكله صحي لسبب بسيط: المغاربة يفضلون الأكل بالطهي اليومي والدليل عدد وجبات الأكل في المغرب: أقصد ان اغلب المغاربة لا يجمدون اكلهم كما في أوربا بل يفضلون الأكل المطهي يوميا وهذا يترتب عنه رمي الشائط من الأكل (نعم هو نوع من التبذير)، ظاهرة الحيوانات الضالة توجد في المغرب اكثر من البلدان الأخرى (بدت هذه الظاهرة في إسبانيا، ظاهرة التخلي عن الكلاب والقطط وظهور "الحيوانات الضالة"، في الازمة الإقتصادية 2008 وبعدها أزمة كورونا وآنيا أزمة الحرب الروسية الأوكرانية)، أي ان الازمات الاقتصادية تسبب في التخلي عن الحيوانات الاليفة غير الصالحة للتغذية الإنسانية وبالتالي تتسبب في ظهور حيوانات أليفة ضالة. لن أدخل هنا في تفاصيل أخرى بالقول ان الكلاب الأوربية هي ضحية إشهار عولمي يفرض على مربيها شراء أكل خاص، ليس مثلا كالكلب المحلي المغربي يأكل اي شيء نتركه في مائدة الطعام، اي فتات .
في سياق علمي لن ادخل في تفاصيله لأني لست متخصص، لكن من خلال المعرفة العامة، وجود كلاب ضالة في تجمع هو دليل وجود كلبة او كلبات مستعدة للتناسل ومعروف أيضا أن ظاهرة التناسل عند الكلاب تحظى بحماية اكثر من القطيع: لا تقبل وجود مهددين لسلامة التناسل غيرهم: يهاجمون اي حيوان غريب ومنه الإنسان. قتل طفلة وطبيبة بالمغرب، هذه صدفة وجود هاتين الحالتين قرب تجمع كلبي يحتفل بالوجودية من خلال التناسل المقدس عند الكلاب . نعم سيبدو الامر مستصاغا بالنسبة لي وكأني احتفل بقتل الإنسان من طرف كلاب، ليس الأمر كذلك، معرفة طبيعة الكلاب تجعلنا نتجنب سوءهم.
بعد قتل الطفلة والطبيبة من طرف الكلاب بدأ موسم صيد الكلاب الضالة، نسي المجتمع أن الثروة الحيوانية مهمة إلى حد ما هو استثمارها في صالح الإنسان: السجن في التشريع الحديث المتمدن هو إعادة تأهيل الإنسان إعادة تهذيب حيوانيته وتربيته وفق قوانين المجتمع: الكلاب الضالة أيضا تحتاج إلى هذا العمل من التهذيب وإعادة التربية وليس إعلان موسم قنص ضدها.
ضد كل البلديات في المغرب التي أعلنت موسم قنص الكلالب على خلفية ضحايا وجدوا بالصدفة في المكان غير المناسب.
ضد قتل الكلب المحلي الاطلسي "أيذي" بسبب انه ليس "ذكي" لأن "الذكاء" عند الكلاب تربية وتوليف وليس قدرة تعقل سقراطية حبا في المعرفة.
ضد انقراض الكلب المحلي "أيذي" الأطلسي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال