الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الذكورة و الأنوثة في المجتمع العربي ؟ أين الخلل ؟

علي فضيل العربي

2022 / 9 / 21
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


قد يثير طرح هذا الموضوع على مائدة النقاش ، حفيظة بعض القراء ، نظرا لحساسيّته و خصوصيته و إثارته لفكرة طوباويّة ، و ملامسته لمنطقة حسّاسة في الشخصيّة العربيّة ، القائمة على الأحاديّة الذكوريّة .
إنّنا - للأسف - نعاني من أزمات شتّى ، لكنّنا نتغافل عنها ، و أحيانا نتجاوزها ، و أحيانا نخشى من طرحها و مناقشتها ، و أحيانا نخجل بمجرد الإشارة إليها ، و لو بشكل رمزيّ .
و أنا ، هنا ، لست بصدد جلد الذات ، لأنّ المجتمع العربي ، لا ينقصه الجلد ، و ليس في حاجة إلى مزيد من القدح و الهجاء .
الرجولة صفة مكتسبة ، لها صفاتها النبيلة و الأصيلة فليس كل ذكر هو رجل . فلو أحصينا عدد الرجال ، لوجدناهم أقلّ من الذكور . و قد خصّ القرآن الكريم الرجل – كما خصّ المرأة - بالمدح و التبجيل و و نعته بأفضل الصفات . قال تعالى : " مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا " الأحزاب / 23 . رجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ النور / 37 .
لنتفق ، إذن ، أنّ الرجولة ، هي صفة " الذكر الكل " . الذي يقدّم الواجبات على الحقوق ، و يطالب بالحقوق بعد إنجاز الواجبات . فهو ، اولا ، يؤمن بقدسيّة العلم ، و بضرورة التعلّم ، و أخذ ما يحفظ وجوده من الطبيعة ، و لا يكون الأخذ منها خبط عشواء ، بل يعامل الطبيعة بمبدأ لا ضرر و لا ضرار . فلا يشوّه سحرها ، و لا يدمّر كنوزها ، و لا ينزع غطاءها النباتي ، و لا يلوّث بحارها و محيطاتها و أنهاره و آبارها بالمواد الكيماويّة ، و لا يسمّم جوفها بالأشعّة النوويّة و نفاياتها .
الرجل الكلّ ، هو الذي يستغل قدراته العقليّة ، التي أودعها الله في دماغه ، و قدراته النفسيّة و البدنيّة ، في نفع نفسه و أسرته و محيطه و مجتمعه و الإنسانيّة جمعاء ، دون النظر للاعتبارات الدينيّة أو الإثنيّة أو اللغويّة أو الجغرافيّة أو الإيديولوجيّة أو المخلّفات التاريخيّة الداميّة .
إنّنا ، في المجتمع العربي ، لا نعاني من أزمة " الرجولة الجنسيّة " ، فنحن أكثر البلدان فحولة جنسيّة ، و أكثرهم إنجابا للبنين و البنات . لكنّنا نعاني ، اشدّ العناء ، من أزمة " الرجولة الفكريّة و الأخلاقيّة " . نحن متخلّفون في مناهجنا التعليميّة ، تنظيرا و تطبيقا ، و نحن مولعون بمصطلح " الإصلاح و التجارب الفأريّة " ، فكلّما نصبت حكومة جديدة نفسها على رأس السلطة التنفيذية ، لعنت سابقتها ، و ألغت ما وجدته منجزا جزئيّا أو كليّا . نحن مغرمون بالبدايات ، و سنظل نرفس في أغلالها ، و لن نبلغ النهايات ، ما دمنا نعامل الأشياء ، الماديّة و المحسوسة ، و المعنويّة ، بمنطق " الإلغاء و البداية من الصفر " . و هكذا نجد أنفسنا ندور في حلقات فارغة .
أين الرجولة ، و نحن نستورد من الأصدقاء و الأعداء ، معظم أغذيتنا و ألبستنا و أفرشتنا ، و أسلحتنا ؟ أين الأنوثة الحقّة ، و نحن نستورد حليب أطفالنا الرضع ، بعدما تخلّت معظم النساء الوالدات عن الرضاعة التقليديّة الصحيّة ؟ أين نحن من الأمن الغذائي ، بالرغم من أنّنا نملك أوسع الأراضي الفلاحية و أجودها خصوبة ، و نملك مصادر الطاقة التقليدية ، كالنفط و الغاز ، و البديلة ، كالطاقة الشمسيّة ؟
لقد أكّدت الدراسات العلميّة و البحوث الأكاديميّة ، في الشرق و الغرب ، بأنّ الوعاء الجغرافي للعالم العربي كفيل بإطعام البشريّة كلّها ، و تزويدها بالطاقة التقليديّة و الطاقة البديلة . إنّه " السلّة الغذائيّة للعالم " . أليس عجيبا أن نعاني من نقص الغذاء إلى حدّ المجاعة ، و شحّ الماء إلى درجة العطش و الجفاف ، و نقص فادح في الدواء ، و انعدام كلّي في بعض الأدويّة الأساسيّة ؟
إنّها أزمة الرجولة و الأنوثة .
لم تعد المرأة ، عندنا امرأة ذات مروءة ، بل مجرّد أنثى ، تبحث عن مساواة مع الذكر ، في اللباس و الطبخ و التسكّع في الساحات و الشوارع ، أنثى تقضي جلّ وقتها في تصفيف خصلات شعرها ، و صبغ أظافرها و وجنتيها و خدّيها و شفتيها و عينيها بألوان مختلفة ، لإغراء ذكر الشارع . و السبب في ما آلت إليه المرأة ، عندنا ، هو سلوكات الرجل ، الذي يطبّق رجولته ( المزعومة ) على المرأة ، في صورة الزوجة أو الأخت أو البنت .
حقّا ، و دون مبالغة ، نحن نعاني من أزمة رجولة و أنوثة . فمازلنا ، في مجتمعنا العربي ، منشغلين بأفكار ميّتة ، نحاول ، بشتى الوسائل ، بعثها من الأجداث ، و هي رميم . مازلنا ضحايا أنفسنا ، ضحايا فلسفة تحتفل بأفكار ميّتة و مميتة ، و تسعى ، بكل قوّة ، إلى دفع الناس إلى اعتناقها و تطبيقها في حياتهم اليوميّة . نحرم الأنثى من التعليم ، و إذا منحناها فرصة التعلّم ، ادرجناها في قائمة السلوكات الثانوية و الكماليّة . و كأنّ العلم خُلق للذكر دون الأنثى . و كأنّ الله خلق النور ليضيء درب الذكر ، و خلق الظلمة لتعتم سبيل الأنثى . إنّه منطق الجهل المركّب ، الذي فاق جهل الجاهليين و البدائيين .

إذن ، هي أزمة شاملة و عميقة ؛ أزمة الرجل المفكّر و المرأة المفكّرة ، و الرجل المتعلم و المرأة المتعلّمة ، و الرجل المربّي و المرأة المربيّة ، و الرجل المسيّر و المرأة المسيّرة ، أزمة الرجل الصانع و الزارع و المنتج ، و كذلك المرأة الصانعة و الزارعة و المنتجة . و حلولها في إعادة إنتاج فلسفة جديدة بعيدة عن سوق الاستغلال و الاستعباد . و لتكن البداية ، تحرير الذكر ، أولا ، من أنانيته الفكريّة و الأخلاقيّة . و تخليص الأنثى من وصايته الساذجة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف منين إن عملك اتقبل في رمضان؟..الداعية عمرو مهران: نجاح


.. Danai Gurira on preventing conflict-related sexual violence




.. تفاعلكم | جديد عجائب إيران.. -سفراء للمحبة- يعتدون على النسا


.. #تفاعلكم | -سفراء المحبة- بإيران يعتدون على النساء في الشوار




.. ولادة طفلة من رحم امرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة | بي