الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التناقض الفكري في منظومة الفكر التعبدي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 9 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في الفكر الإسلامي عموما ولا أقصد الدين كفكرة عقلية منطقية ما يثير الكثير من علامات الإستفهام من جهة تناقضها في عمق ما تطرحه من مسلمات أو أفكار تبدو أنها واحدة من الثوابت لمن يقرأ العقل الديني التقليدي بروح نقدية فاحصة، والأمثلة كثيرة ومتشعبة أختار اليوم واحدة منها لتطرح لنا مجالا واسعا لتسليط الضوء البحثي عليها، ليس إنتقاصا من الفكر بعمومه بقدر ما تطرح تساؤلات بحاجة إلى أجوبة مقنعة أو تصحيح لهذا الوضع الشاذ، فمثلا يتفق عموم المسلمين أن هناك رواية نسبت للرسول محمد ص حول إنقسام الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة وردت في حديث الفرقة الناجية، هذه الفكرة بعيدا عن مصداقية صدورها أو صحة وجودها تتناقض مع تسليم جزء واسع من الأمة، أن المسلمين وأقصد المدرسة المحافظة التقليدية الرسمية أستقروا على أن الفكر الإسلامي الصحيح هو ما وجد في أطار ما يسمى بالمذاهب الأربعة المشهورة.
مع تسليمنا المبدئي أو الأبتدائي بصحة الحديث وحقيقة وجود المذاهب الأربعة يدور السؤال هنا، هل هذه المذاهب الأربعة كتلة واحدة تمثل واحدة من الفرق المذكورة في الحديث؟ أم هي من ضمن العدد أربعة من ثلاث وسبعين فرقة؟ إذا كان الأمر كذلك فلا بد أن نحدد أولا ويشكل قاطع حدود الجواب بأحد الخيارين، فإن كانت هذه الفرق الأربعة كلها فرقة دينية واحدة موحدة عبى أساس متين من الروابط يختلف عن غيرها من الفرق ويتضمن ذلك الأسس العامة للعقيدة أضافة للفرعيات المشتقة من الأسس، فإن كانت كما يقولون واحدة ولكنها متميزة عن باقي الفرق الهالكة كونها تتفق جملة على القاسم المشترك الذي يجمعها بالإسلام كدين وفرق المذاهب أو الفرق الباقي عنه بنفس القاسم المشارك، فكيف نبرر للبعض من أن في أدبيات وأفكار هذه المذاهب من يكفر بعضها؟ ويرى فيها خروجا عن الإسلام المحمدي هذا إضافة إلى الأستحالة الطبيعية من أنها تجتمع مرة أخرى بمجموعة واحدة لأن ما فيها من فوارق أكبر مما بينها جميعا وما بين غيرها.
بعض الفرق من داخل هذه المجموعة لا تتورع عن تكفير شركائها المفترضين من تطبيق القاعدة السالفة، ويرى فيها وفي بعض موارد أفكارها والزوايا الرئيوية لديها تمردا على أسس الإسلام، وأنها عبارة عن خروج كامل عن مفهوم الفرقة الناجية وخاصة مع المذهب الحنبلي وتفرعاته تجاه المذاهب الأخرى، فهذه الفرقة أو المذهب تتشدد في وصف الفرقة الناجية وتعتبر بقية المسلمين أما كفار يوجب قتالهم وسبي نسائهم وأستحلال أموالهم ونفيهم خارج أرض الإسلام ولا يقبل منهم حتى الجزية، أو مرتدين عن الدين عليهم حد الموت الذي لا أساس له في دين القرآن ولكن أساسه أراء الفقهاء وروايات الرواة الذين لم يعاصروا أو يسمعوا من النبي الذي نسي أن يكتب أمر الله بحكم الردة في القرآن وربما كان ذلك مما أكله الداجن في غفلة من الله ورسوله، وبالتالي والنتيجة النهائية هي كتلة لها توجه لا علاقة له بالدين ولا مقاصد الشريعة بقدر ما له صلة بجواني الصراع على قاعدة عدو عدوي صديقي، فهي لا تؤمن بأنها كتلة واحدة ولا تسلم بالأختلافات داخل دائرة الفروع وصولا حتى المس بالأصول.
لو عدنا إلى أصل الحديث كما هو وارد في كتب الصحاح وتراث المسلمين المدون نجد أن النص يقول (تفترق أمتي على ...... فرقة)، فمع وجود الأفتراق حقيقة في النص لكن الإشارة هنا جاءت لتحدد الإطار المعنوي، إنها أمة النبي محمد تحديدا وتنصيصا على أنها الأمة المفترقة بكاملها أي أمة المسلمين عامة، وبالتالي فكل المختلفين هنا هم مسلمون قطعا بالهوية والأنتماء والوصف، ولا يمكن أن يكونوا من خارج دائرة الإسلام أو من جماعة الكفار أو المشركين أو الملحدين، والمسلمون عموما يشتركون في أساسيات الفكرة الدينية المجردة التي تجعل من الإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الأخر مبدأ عام لا يمكن الخلاف عليه "وقولوا لا إله إلا الله تفلحوا"، فالأختلاف إذا سيكون بما عدى هذه الأصول التي تبدأ من الوحيد والعدل والنبوة والميعاد وهي التي تسمى الأصول المؤسسة، وينظر كثيرا من فلاسفة علم الأديان أن البعض ممن زاد أصلا خامسا هو في الحقيقة مما يسمى الفروع التعبدية والتي لا تتناقض مع الأصول الأربعة.
وتطبيقا لمبدأ وحدة العقيدة بوحدة الأسس القائمة عليها نجد أن الأختلاف بالمعنى القصدي للتخالف والتضاد لا بد أن يكون خارج هذه الأطر الأربعة الجامعة، وبالتالي فالمذاهب الأربعة هي ولا بد خارج دائرة الأختلاف هذه، وتحديدا فيما يزعم أنه لا يفسد أصل الإيمان بالإسلام كإطار جامع لها جميعا، هنا نصل لمعنى التناقض بين أن نسلم بالحديث وأن المذاهب الأربعة هي مذهب واحد بأربع قراءات، أو نقبل بالواقع على أن المذاهب الأربعة جزء من دائرة الأختلاف وهنا لا بد أن يكون ما يختلفون عليه ضمن الأسس الأولى.
هذا التناقض يشير بمضمونة إلى حقيقتين هما:
• أما أن الحديث غير صحيح ومن وضع الوضاع والمدلسين وهذا ما يعززه الكثير من نصوص الآيات والأحاديث، أو أنه منقول بشكل محرف مقصودا به إحداث حالة من التميز لصالح من حرف وخدمة لمفهوم قاصر وجزئي.
• أو أن واقع الفرق الأربعة هو من ضمن واقعة الأفتراق وأصله ولا يمكن لأحد أن يجعل المتفرقين في دائرة متشاكلة متماثلة بما تعني وحدة في الأعتقاد وتضمينها الصحية التمثيلية للإسلام، وبالتالي لا يمكن التسليم بهذه الواقعة ونكرانها، لا سيما وأن الجميع بحسب النص مسلمون بالأصول والمبدأ الإسلامي العام.
هنا يتبادر الذهن فورا لقضية أخرى وأهم ضمن أطار الفكر الإسلامي وهي تحديد المفاهيم بدقة وتحديد وجهة الحكم فيها، مما يعني عدم محاولة الأستخدام الأعتباطي لفكرة ما وتسخيرها دون النظر إلى كونها تحمل تناقضا يخل بوحدة وموضوعية الفكر ذاته، هذا المثال واحد من عشرات المواضيع التي تنخر الفكر الإسلامي وتنخر عقائدنا تبعا لذلك، دون أن نجد من المؤسسة الدينية بتنوعاتها دورا في رفع التناقض أو توضيح للمتشابهات المتناقضة، وهذا يدلل على عجز عن مواجهة لا بد منها من جهة لا بد لها من أن تفصح عن قولها وإلا عدت شيطانا أخرس، وأنها تمارس الأنتقائية والتحيز واللا إبالية بما يخدم بالنتائج مصلحة هذه المؤسسات في عدم ممارسة الوظيفية الأساسية لها في هداية الناس نحو المشتركات العقلانية التي تتبع منهج الدين الصحيح، وتشكل لهم أطارا جامعا بدل التبشير بالفرقة والتفرق والتحزب البلاء الذي حطم المجتمع الإسلامي وشرذم المسلمين أحزابا وملل وطوائف تتقاتل فيما بينها على جزئيات موهومة لا تمس أصل وجوهر الدين.
إن التسليم بأن مبدأ الخلاف والتفرق بشارة ربانية وصلتنا عن طريق الرسول يتناقض أيضا مع مبدأ ديني ورد تحديدا في نص (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، فهذه الخيرية المشكوك في وجودها أصلا في مجتمع متمزق مكتوب عليه الفرقة والتفرق واقعا لا تتناسب البتة مع وحدة الدين وواحدية الديان، وأيضا مع كون الإنسان واحد بالأصل بلا عناوين فرعية، نجد أن النص القرآني يدعونا أصلا للعمل على نقضه ونقيضه والتبريء منه أي من الفرقة والتفرق (ولا تنازعوا فتذهب ريحكم)، التنازع والتناقض هو نتاج حتمية لقراءة وممارسة للسلطة الحزبية في الفكر الإسلامي، وهي من روجت له وجذرته وتفرقت على أساسه، ولم يكن بأي حال من الأحوال تحديد مصير من رب الأمة ولا في دستورها ولا في أخلاقيات الدين وقواعده العاملة، لقد كان الإنسان كما يقول القرآن (ظلوما جهولا) لأنه يسقط رؤيته وواقعه الفطري على فكرة الدين ويجرها وفقا لما يريد، والنتيجة التي يصل لها من الفشل دوما هي في عهدة الدين ومسئوليته، حتى دون أن يقر أنه هو أي المتدين من خلق هذا الواقع وصنعه وتمركز حوله.
النتيجة التي نخلص لها أن كلا من الحديث والواقع هما الكم من التزييف الذي مارسه الإنسان وهو من صنعه وجعله واحدا من أساسيات ممارسته التعبدية الأعتباطية، ولا صحة لكل مزاعم الناس أن المسلمون بالنتيجة عبارة عن أحزاب متناقضة ومتضادة كتب عليها الله الشقاء والتناحر كما كتبها من قبل على غيرهم، ليكون دينه دين أنتقام وشرور وبلية وليس دين رحمة وإصلاح وتعامل بالحسنى والخيرية، والحقيقة أن المسلمون ليسوا أمة واحدة بأي حال حتى ننظر إليهم من خارج الحزبيات وخارج التنازع السياسي، ولو قدر لنا أن نعزل علاقتنا مع الله عن تجليات الأنا المتضخمة ووضعنا هدفية الدين من الوجود ومع الحياة سينكشف الزيف والغرور والتدليس في تحريف الهدف وتغيير النتيجة التي سعى الدين حثيثا لها وعليها لتكون شعار "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون: أي توحيد العالمين على مبدأ وجوهرية العبادة حتى يرحمهم الله.
هذا الباب الوحيد بالإصلاح الديني الذي يتضمن إصلاح الفهم والإدراك وتصحيح المسارات الخاطئة، وليس تصحيح الدين أو الأحكام الدينية فتجربة الدين مع الإنسان لم تشهد أن الدين ونصوصه هي من سعت للفساد والخراب والأختلاف، بل كان هوى الإنسان ونزوعه الدائم نحو الأنا هو السبب الذي جعل من الدين أداة تخريب وليست مصدر له، الدين برئ من التهمة ولكن من يسعى لتشظية المجتمع ويعمل على تنمية روح الأختلاف والتناقض هو المسئول المباشر والأول عن هذا الواقع بما فيه من قباحة وبؤس، ويبقى حق مراجعة الأفكار ونقدها وتصحيح المسارات العقلية للتعامل مع قضايا الإنسان والرب، حقا مصانا ومحترما ولا قداسة لأي فكرة تتناقض مع العقل المنطقي في قراءاته وفهمه لما يدور حوله سلبا وإيجابا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان