الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية العقل والأيمان – الجزء الثاني – إجابة على أسئلة وجودية

نافع شابو

2022 / 9 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"أحكامك عظيمة أيُها الربُّ ويصعب تفسيرها ، ولذلك ضلَّت من جهلها لها كثيرٌ من العقول " يشوع بن سيراخ" 17:1

منذ أن وعى الأنسان العاقل طرح ويطرح تساؤلات وجودية و فلسفية مثل:
من أنا ؟ لماذا خُلقت ؟ ماهو مصيري بعد الموت؟
لماذا ينوجد شيء ما بدل من لاشيء ؟ولماذا أوجد هذا الشيء ؟ ما الحياة والوعي والعقل والذكاء والتفكير ؟
لماذا الأنسان في طبيعته يُفتّش عن الحقيقة ويحاول طرح أسئلة عن وجوده ومصيره النهائي؟
لماذا يكون تفاعل عقل الأنسان مع الواقع ممكنا في الوقت الذي كان بامكان هذا العقل البشري أن يبقى أعمى أمام الأضطراب ألأعظم والفوضى الكونية ، أو غائصا في عالم يتعذر كليا فهمه وتوقّعهُ ؟
كيف نفسِّر أعتقاد وجود الله عند الغالبية من البشر وعبر التاريخ ؟
هل الأنسان –كما يقول بعض العلماء الملحدين- ماهو سوى حيوان متطور؟. أليس في هذه الفكرة تأثير كبير ، حول كيفية نظرنا الى الحياة والموت ؟
هل الأنسان عبارة عن جسد (ماء +فحم +اوكسجين+ معادن)؟ أم أنَّ قيمة ألأنسان معنوية لأنَّه يمتلك عقل يفكر يعي ، ومشاعر ، وأحاسيس ، وارادة حرة ؟
كيف يمكنني أن أحيا وأعمل دون أنّ تشُلِّني فكرة الموت ؟
لو كان الموت نهاية لكلِّ شيء ، وبالتالي ان كانت حياة الأنسان عبثا فلماذا يعيش؟ ولماذا كان الوجود من ألأصل ؟ لماذا تكون هناك حياة لو لم يكن لها هدف؟ . كيف يمكن التحرر من الشعور بالأثم في الوجود؟

في كتابه "الولادة في الموت" يقول الأب هنري بولاد اليسوعيّ:
"يواجهنا الألحاد المعاصر الذي يطرح على المؤمنين هذه ألأسئلة: هل نستطيع أن نبرّر فضيحة الموت أمام محكمة العقل والخبرات البشرية ؟ لماذا نؤمن بحياة بعد الموت؟ وهل علينا ان نقرُّ بأنّ الأيمان تجاه ما وراء الموت قد لايكفي أحيانا لمنحنا الطمأنية والسلام؟ . ويضيف فيقول سأنحِّي جانبا ، الى حدّ ما ، جميع المُسلّمات ألأيمانية والكتابية ، على أن ّاطرح تلك القضية من زاوية فكرية(عقلية) فلسفية إنسانية وجودية بحتة .
ويحاول الأب هنري بولاد اليسوعي في كتابه "الولادة في الموت" أن يجاوب على هذه ألأسئلة ، وغيرها ، من خلال حقيقة راسخة هي انّ النظرة الأيمانية لاتتنافى مع النظرة العقلية والأنسانية ، والعكس صحيح أيضا.
مسألة الوجود ألأنساني لايمكن ان نقول إنّ المسير الى العدم ، ذلك أنّ التطلُّع البشري منذ البدء لم يقنع بهذه الصورة من الحياة لو اقتصرت على ماهي عليه ، حيث تفقد معناها ، لذا يلزم استمرارها في صورة أخرى لاستكمال هذا المعنى ، ومن هذا إتّجه التطلُّع البشري الى تصوّر إمتداد لهذه الحياة من وراء ستار الموت الذي لم يقبل الأنسان بأن يكون هو النهاية ، بيد أنّ العقل البشري لم يكن يجري وراء أمل واهم او سراب ، او رغبة كاذبة اعترته ، بل مضى في هذا ألأيمان باحساس لايُخطئ يُسمّى "الوجدان" . إنّ تصوّر ألأنسان منذُ فجر التاريخ بشأن وجود حياة بعد الموت ، والأقتناع الوجدانيّ هذا بضرورة استمرارها يُعَدُّ دليلا في حدّ ذاته على وجودها .فنشأة الحياة وظهورها على ألأرض يُحتّم استمرارها ، ويكون من الصعب قبول أن ينتهي الوجود الى العدم( الطاقة لاتفنى ولايمكن خلقها من العدم وهذا قانون فيزيائي). فيمكننا القول: إنّ ظهور الوجود من العدم أسهل بكثير من تحوّله الى العدم ، وإلاّ فلماذا كان من الأصل؟! وبما أنّ الحياة هي بطبيعتها نموّ وترعرع ومسير دائم الى الأعلى والأسمى ، يتحتَّم ألّا يتوقّف هذا المسير حتى يصل الى المطلق ، فكُلّما تقدّم الوجود وأرتفع ، فمن الصعب بل من المستحيل أن يتراجع . وكما يقول الأب اليسوعي "تيّار دي شاردان ":"إنّ الحياة بمجرّد أن ارتفعت الى درجة الفكر ، لايمكن إطلاقا أن تستمر من دون أن تطلب ألأرتقاء الى المزيد من العلو". لذا فعلى من يرفض تصوّراستمرار الحياة بعد الموت أن يُقدّم تصوّرا آخر أشدُّ استساغة غير العدم .
إنّ الحياة ارتقاء مستمر نحو ألأفضل ، ولا بدّ من ان يكون لتلك الحركة غاية ، وإلاّ فتكون سخفا أو عبثا . هناك بُعد فوقيّ في الأنسان يدفعه نحو الكمال ، نحو المطلق والوصول اليه وألأتحاد به. وكما تؤكِّد مقولة فلسفية :"لايمكن أن تكون رغبة ألأنسان قائمة على باطل.
وأقوى هذه المعاني وأعظمها هو الحُبّ ، فهو في أيّ صورة من صوره ، وعلى الأخص أعلاها ، يرفض الفناء ، ويفرض علينا حتما افتراض استمرار الحياة
يقول بولس الرسول
"لأنّنا (نحن المؤمنون)لاننظر الى ألأشياء التي نراها ، بل الى ألأشياء التي لانراها . فالذي نراهُ هو الى حين ، أمّأ الذي لانراهُ فهو الى ألأبد "2كورنثوس 4: 18"...لأننا نهتدي بايماننا لا بما نراه "2كورنثوس 5 :7
يقول احد الحكماء: "حاجة العقل الى الحقيقة وحاجة ألأرادة الى الخير والجميع يصبون الى السعادة ويتوقون اليها توقا هو ملئ القلب البشري . حاجة الى شيء غير متناه(لامحدود) . وهذا الشعور زرعه فينا كائن غير متناه وهذا اثبات لوجود الله
سعادة الأنسان لن تكتمل في هذه الحياة الاّ بحياة دائمة ،لأنَّ الموت يؤرق الأنسان فيشعر بالتعاسة مهما تظاهر أنَّه سعيد.
إنّ احتياجات المؤمنين توكِّد انهم يشعرون بسلام ونعمة الفرح والسعادة لكونهم يعرفون أبديتهم ، بغض النظر عمّا يعانون منه في هذه الحياة
البحث عن الحقيقة ضرورة كالخبز والماء ولايجدها الأنسان الاّ بعلاقة مباشرة مع الله الخالق . وكُلِّ دين او معتقد او فكر لايقبل حريّة الأعتقاد والبحث عن الحقيقة هو يخالف ما يريده الله..
في الحقيقة إنّ من يراجع تاريخ البشرية سيكتشف انّ الغالبية المطلقة من الشعوب كانت تعبد الخالق بطرق ووسائل مختلفة ولكن المبدأ واحد ألأ وهو أنّ الأنسان مثل ألطفل الذي لايشعر بالأطمئنان الاّ في احضان امّه هكذا هناك توق الى الخالق الأعظم عند كل انسان . ألأنسان على مدى التاريخ آمن بأمتداد الحياة بعد الموت ، والبشرية باسرها ، ومن دون استثناء قد آمنت على مر التاريخ بوجود الخلود وأستمرار الحياة بعد الموت . اليس ذلك برهانا لايختلف قوة عن أي برهان علمي تجريبي ؟
قد يُخطئ إثنان أو مجموعة من البشر في التفكير ، لكن أن تخطأ البشرية بأسرها وعلى مرالتاريخ فهذا مستحيل
الغيبية العلمية الجديدة"، التي تزعم لنفسها احتكار الحقيقة المطلقة، تلك الغيبية التي أسستها التوجهات المادية المسيطرة في الحضارة الغربية والتي تنسب إلى نفسها القدرة على تحقيق الفردوس الأرضي، إذ يؤكد هذا المنطق أهمية السعادة الدنيوية المباشرة، في حين ينكر أن الإنسان مركب فريد، وصانع البيئة التاريخية التي تشكل وجدانه.
يقول رائد الشخصانية "ايما نويل مونييه : "اذا كانت ذرة من الحديد أو جزيئ من الماء لايعودان الى العدم ، بل يستمران في الوجود ، فكيف تريدون لحياة ألأنسان ، بكل ما فيها من ألرغبات وحُبّ ، وبكُلِ مافيها من أفكار ، كيف يمكن هذه الحياة أن تتلاشى تماما "؟
فكلما أرتقى الوجود وجب أن يستمر أكثر ، وأستحق أن يبقى . الحب لايقبل الموت ، الكتاب المقدس يقول الحب اقوى من الموت . ومن جرَّب هذه العلاقة مع محبوب يعرف معنى ذلك . فالشخص الذي يُحبُّ يرفض فناء المحبوب
يقول جون لنكسن في مناظرة مع العالم الملحد ريتجارد دوكنز:
الله هو "المحبَّة " بحسب الأيمان المسيحي ، والأنسان أصله من الله ، وهو صورة الله ، ومثاله على هذه الأرض ماديا ، وهو ابن السماء روحيا لأنَّه روح وجسد وهذا منطقي تمام
الملحدون – من ضمنهم ماركس – يجاوبون على سؤال هام ألا وهو : كيف نشأت فكرة الله عند الأنسان عبر التاريخ . ولكنهم لم يجيبوا على السؤال ألأهم ألا وهو : لماذا تظهر هذه الفكرة في الأنسان ( أي فكرة وجود الله )؟
لماذا يتَّجه ألأنسان نحو الله ؟ ماهو مصدر هذا الحل الغريب لمشاكله في الحياة ؟ . ماهو سر قفزة ألأنسان هذه فوق كل إختبار بشري باتجاه عالم الله ؟
اليونانيّون توصَّلوا الى الله عن طريق العقل (ومنهم افلاطون) وقالوا يجب ان يكون هناك مُثل عليا مصدر كلِّ المثل في العالم ، ويجب ان يكون هناك مهندس للكون (ومنظّم ) وخالق وهو جميل وهو الحقيقة المطلقة . ولكن لايمكن فهم الحقائق الألهية دون الأيمان وعيش هذا الأيمان بعلاقة مع هذا الخالق وليس فقط المعرفة عنهه . فالأيمان قبل العقل ولكن لايعارض العقل بل ألأثنان متلازمان ،لأنّ الأيمان يسلّط الضوء على العقل ألأنسان حكيما في حياته ورأس الحكمة ، كما حاء في الكتاب المقدس ، هي مخافة الله

يقول الأب دولوباك: "يُقال لنا أنَّ الأنسان قد الَّه السماء . فليكن ! ولكن من أين أخذ ألأنسان فكرة ألألوهية ليطلقها على السماء؟ . لماذا هذه الحركة العفوية التي تلاحظ في النوع البشري في كل مكان ، وعبر التاريخ ؟ . لماذا حركة التأليه هذه ؟ أكان تاليه السماء أو تأليه أي شيء آخر ؟" . فكرة ألألوهية هي مرادفة لفكرة المطلق . فمن أين للأنسان فكرة كهذه ؟ . لماذا لايكتفي ألأنسان بما هو ناقص ونسبي فيه وحوله ، بل يتَّجه الى كائن كامل ومطلق؟ . ماركس والملحدون لم يُبيّنوا لنا ماهو مصدرها العميق في الكيان البشري .
ألأجابة على هذه ألأسئلة هي:" إنَّ الله موجود بالفعل وإنّه خلق ألأنسان متجها اليه في الصميم وجعل فيه هذا الشوق الذي لايرتوي الا بلقاء الخالق الذي يناديه من خلال ظروف الحياة ، حسبما كتب اوغسطينوس : "يا رب لقد خلقتنا متجهين اليك ولذلك لن تجد قلوبنا راحة الا اذا استقرت فيك".
ويقول مايكل نوفاك:
„"كُلٍّ من أرسطو وأفلاطون إعتقدا أنّ معظم البشر بالطبيعة عبيد ومناسبين فقط للعبودية . ومعظمهم ليست لهم طبيعة تستحق الحرية. اليونانيون استخدموا "الكرامة" مجرد لقلة من البشر وليس لكل البشر . وعلى النقيض أصرَّت المسيحية ان كل انسان محبوب من قبل الخالق "، ومخلوق على صورة الخالق ، ومحدّد له ألصداقة ألأبدية وألأشتراك معه".“
هذا الشعور العام عند الأنسانية لايمكن تفسيره الاّ بأن الذي خلقنا زرع فينا التوق الى الأبدية والى الكمال ومشاركة الخالق ملكوته الأبدية كما يفعل الأبوين بالجسد مع ابنائهم في هذه الحياة فما بالنا بمن زرع في هذا الجسد الروح التي تشتاق الى خالقها وهي لاتفنى ولاتموت .. انَّ الأشرار الذين اختاروا عمل الشر وجعلوا الظلام نورا والنور ظلام وأختاروا الموت بدل الحياة وجهلوا أسرار الله ، هؤلاء الذين ضلّوا طريق الحق وكما يقول الحكيم:
" هؤلاء الناس لم يعرفوا طرقي " فقد ضلّوا وتاهوا بسبب اصرارهم على الشر ورفضهم لشمس البر".
انّ سر الله وعمله وحكمته تنبع من اعماقنا اذا تاملنا واصغينا لهذا السر في عمق اعماقنا ، فإن الله الخالق سيكشف هذا السر للذين يطلبونه من كُل قلبهم ومن كُل عقلهم ومن كُل نفسهم
ألأنسان يعرف انّ سعادته ليست خارجية بل تنبع من داخله ، وهذه السعادة لن تكتمل في هذه الحياة الاّ بحياة ابدية ، لأنَّ الموت يقلق ويزعج ويؤرق ألأنسان مهما حاول الأنسان دفن هذا الخوف.
يقول الباب الراحل "يوحنا بولس الثاني":
نوّه الرسول بولس بحقيقةٍ ما برحت الكنيسة تستفيد منها، وهي أن الله قد زرع في عمق قلب الإنسان التوق والحنين إلى الله
في ليترجيا الجمعة المقدّسة تذكرنا الكنيسة أيضاً بذلك وتشدّد عليه وتدعو المؤمنين إلى الصلاة لأجل الذين
لا يؤمنون، بقولها: «أيها الإله الأزلي القدير، لقد خلقت البشر ليبحثوا عنك بكل قلبهم ويستريح قلبهم عندما يجدونك هناك. إذن طريق يستطيع الإنسان أن يسلكه إذا أراد: وينطلق هذا الطريق من قدرة العقل على الارتقاء فوق الزائل والوثوب نحو اللامتناهي“.
يقول الفيلسوف واللاهتي ار سي سبرول: (محاظرة علم النفس الخاص بالألحاد حلقة 25)
انّ كلام الفلاسفة الملحدين عن انَّ العقل وليس الأيمان هو فقط من يحدد معرفتنا لله غير صحيح بسبب تناقضه مع شهادة وجدان البشر (نفوسهم وقواها الباطنة او ما يسمى الوعي .) فكُل الأمم يشعرون أنّهم ملزمون بالأعتراف بوجود اله قادرعلى كل شي يعتني بكل أمور العالم
ان كل البشر كانوا يتوقعون في كل القرون إعلانا أو وحيا من الله ، ويظهرون استعدادهم لقبول كل من يدّعي ذلك حتى صاروا عُرضة للغش من أنبياء كذبة كثيرون . برهان ذلك أن الكتب الدينية ليست عند المسيحيين فقط
عبّرَ الكاتب والمفكر المعروف "ألكسيس كاريل" في كتابه "ألأنسان ذلك المجهول إذ يقول:
"إنَّ نُظم الحكومات التي أنشاها أصحاب المذاهب(ألأيدولوجيات) في عقولهم عديمة القيمة .....إننا قوم تعساء لأننا ننحط خُلُقيا وعقليا...إنّنا ضحايا تأخُّر علوم الحياة عن علوم الجماد ....إنَّ العلاج الوحيد الجائز لهذا الشر المستطير هو معرفة أكثر عمقا بانفسنا .....فمن هذه المعرفة ستمكننا من أن نفهم ما العمليات الميكانيكية التي تؤثر بها الحياة العصرية على وجداننا وجسمنا ....إنهمك ألعلماء إنهماكا شديدا في النواحي العضوية وألأخلاط والجانب العقلي للأنسان ، ولكنهم لم يغفوا أي قدر كبير من ألأهتمام لتكوينه العقلي المؤثر ، وحياته الداخلية ، وأخلاقه ومطاليبه الدينية ، والعلاقات الوثيقة العامة بين وجوه النشاط العضوي والفسيولوجي والعلاقات الوثيقة بين الفرد وبيئته العقلية والروحية
العلاج الذي يخلّص الأنسانية من متاهات الحياة المعاصرة ،بحسب رأي هذا المفكر العظيم ، هو مرتبط بعودة الأيمان الى القلوب الفارغة ...إنَّ الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب لأنّها لاتلائمنا . فقد أُنشئت من غير أية معرفة بطبيعتنا الحقيقية .....فلو أنَّ "جاليليو" أو "نيوتن " أو "لافوازيه " وجَّهوا قواهم العقلية نحو دراسة الجسم والوجدان لكان من المحتمل أن يختلف عالمنا عما هو عليه الان . لأنَّ رجال العلم لايعرفون الى أين هم ذاهبون وإنَّما تقودهم المصادفة والتفكير الحذق ونوع من التبصُّر المغناطيسي . وبالجملة إنَّ ألأكتشافات تتطور من غير ايُّ إدراك سابق لنتائجها
باسكال من الذين أقرّوا بالأفكار الفطرية المركوزة في ذواتنا غير المادية .. يقول باسكال : ( إن الحواس تخدع ، والعقل يخطئ ، ولكن بالقلب وحده نعرف الحق .. فبالقلب نعرف المبادئ الأولى ، ومعنى الزمان والمكان والحركة .. والعقل إنما يؤسس إدراكاته على هذه المعارف ، التي هي قضايا أولية ، لو أردنا البرهان عليها لوجب أن نفرض وجود قضايا أخرى سابقة ، ولو قلنا بذلك لذهب بنا إلى التسلسل ، ولما أمكن الوصول إلى قضايا أولية ، فبالقلب ندرك هذه الحقائق ، وبالقلب ندرك وجود الله )
يؤكد الكتاب المقدس، بعد وقوفه على فكر الفلسفة الإغريقية، التي يبدو أنـه يستشهد بها في هذه القرائن، أن الإنسان إذا أعمل فكره في الطبيعة، بإمكانه أن يرتقي منها إلى الخالق: «إنه بعظم جمال المبروءات يُبصر فاطرها على طريق المقايسة» (سفر الحكمة 13، 5). نجد إذن ههنا اعترافاً بأن المرحلة الأولى في الوحي الإلهي هو «كتاب الطبيعة» في روعة جمالها
فرنسيس شيفرا في كتابه "الله غير صامت " يقول:
"...دعونا نبكي على جيلينا ،ألأنسان المخلوق على صورة الله والمفروش فيه أن يكون على علاقة رأسيّة بالأله (الخالق) الذي هناك – الإله غير الصامت – وعلى علاقة أُفقية بِبَني جنسهِ ، وصلَ الى هذه الحالة نتيجة كبريائه الفكري وإعتقاده أنَّه خالق نفسهِ".
أمّا ديل كارنيجي في كتابه الشهير "دع القلق وأبدأ الحياة " يقول:
" ألأيمان بالله يمدُّني بالثقة وألأمل والشجاعة ، ويبعد عنّي المخاوف وألأكتئاب والقلق ، ويزوِّدني بأهداف وغايات في الحياة ويفسح أمامي آفاق السعادة ، ويعينني على إنشاء واحة خصبة وسط صحراء حياتي)
أمّا الدكتور كارل يونج، وهو أعظم الأطبّاء النفسيّين في كتابه (الرجل العصريّ يبحث عن روح)يقول: "استشارني خلال الأعوام الثلاثين الماضية أشخاص من مختلف شعوب العالم المتحضّرة، وعالجْتُ مئات المرضى، فلم أجد مشكلة من مشكلات أولئك الذين بلغوا منتصف العمر إلاّ وكان سببها ضياع الإيمان والخروج على تعاليم الدين. ويصحّ القول بأنّ كلّ واحد من هؤلاء المرضى وقع فريسة المرض لأنّه حُرم سكينة النفس التي يوفّرها الإيمان بالله. ولم يبرأ واحد منهم إلاّ حين استعاد إيمانه واستعان بوصايا الله ونواهيه على مواجهة الحياة"
الخلاصة:
هناك قول لأحد الحكماء :"إنّ الأنسان عقل وقلب (وجدان ) ، والظن بأنّ يقظة القلب ما تتم الاّ مع خمول الفكر وازدراء الدنيا ، خطأ فاحش. وكذلك الظن بأنّ سيادة العقل ما تتم إلاّ بتضحية الأيمان وإيحائه خطيئة كبيرة.
أن الإنسان يبلغ الحقيقة بالعقل لأنه إذا استضاء بنور الإيمان يكتشف في كل شيء معناه الأعمق ، وخصوصاً معنى وجوده.
ولأنّ الموت مرحلة من مراحل تطوّر الوجود يحقّق رغبة الحب التي لا تتمّ الاّ من خلاله في القيامة ، وبهذا يتخطى الحبّ الموت ويخلد.
وهناك قول اخر لأحد
يقول الرب يسوع المسح :
" «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا،"
(يو 11: 25).
«أنا هو نورُ العالَمِ. مَنْ يتبَعني فلا يَمشي في الظُّلمَةِ بل يكونُ لهُ نورُ الحياةِ»
(يوحنا 12:8)
"وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ.
" (يو 17: 3).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53