الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة الرئيس الروسي فلادمير بوتين من تعبئة ثلاثمائة الف جندي احتياط

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2022 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


ما هي الرسالة المستخلصة من دعوة الرئيس الروسي فلادمير بوتين ، لتعبئة ثلاثمائة الف جندي احتياط ، لمواجهة الاخطار المحدقة بروسيا الاتحادية ، بسبب الحرب على اكرانيا ؟
ان جميع ساسة الدول الغربية ، والخبراء العسكريون الاستراتيجيون الغربيون ، وحتى القيادة الأوكرانية ، اعتبروا ان دعوة الرئيس الروسي فلادمير بوتين لتعبئة ثلاثمائة الف جندي روسي ، هو دليل ساطع على الورطة التي سقط فيها بوتين في المستنقع الأوكراني ، ودليل ساطع على المصاعب التي يعاني منها الجيش الروسي ، ومنهم من ذهب بعيدا عندما اعتبر ان روسيا في هذه الحرب لم تكن تتوقع المسار الذي ستدفع به الحرب ، والذي يبدأ بالاستنزاف ، ثم بالإرهاق والملل اللذان سينتهيان بفرار الجنود الروس من المعركة ، وخلصوا في النهاية بحتمية خسارة روسيا للحرب ، وليس فقط خسارتها لمعركة من المعارك التي تخوضها على جبهات مختلفة ..
قبل ان نسترسل في التحليل ، يتعين أولا اثارة بعض الملاحظات التي تضع الصراع في دائرته الحقيقية ، بربط الحرب بضمان الامن القومي لروسيا الذي يهدده الحلف الأطلسي باقترابه من الحدود عند ضمه الدولة الاكرانية ضمن المجال الاستراتيجي للحلف ، الذي يعني في خاتمة المطاف ، تطويق الجيش الروسي من جميع الممرات والحدود ، ومن ثم خنقه لإرجاع روسيا الى الوضع الذي كانت عليه بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ، واستقلال العديد من جمهورياته ، واغلبها اتخذ موقفا عدائيا من موسكو ومن الشعب الروسي .
فبعد سقوط الاتحاد السوفياتي ، ستطفو على السطح النزعة الاثنية والعرقية، وستبزغ الوطنية الشوفينية التي تنتصر للجنس وللخصوصية ، مهما كانت نتائج هذا الانتصار .اي ولو بالتصدي لروسيا التي لم تعد كبيرة كما تراء لهم ..
وفي الوقت الذي كان الغرب يعتقد ، واعتقاده تحوّل مرات الى ايمان بفكرة نهاية قوة وعظمة روسيا كما كانت في التاريخ ، سيخرج من بين قادة روسيا شخص اسمه فلادمير بوتين ، الذي خدم لمدة خمسة عشر سنة كمدير عام لجهاز الاستخبارات الروسي Le KGB ، وما ادراك ما Le KGB ، يهضم جيدا الاعيب الغرب ومخططاته ، والمدرك بحقيقة مواقفه من الامة الروسية ، وبما فيها الموقف المتعارض بين الكنسية الأرتودكسية الشرقية ، والكنسية المسيحية من كاتوليكية وبروتستانية ، فانكب على إعادة البناء ، لإرجاع روسيا الى سابق عهدها دولة قوية مهابة ، يحسب لها الف حساب قبل اقدام منافسيها على اية خطوة يخطونها ولو صغيرة . فتمكنت الدولة الروسية بفضل هذا المارد الخارج من تحت الرماد من إعادة بناء قوتها الاقتصادية والعسكرية ، حتى طفا على السطح مجددا ثلاثية القطب وليس ثنائيته كما كان من قبل ، أمريكا ، والصين وروسيا الاتحادية .. وقد بلغ التحدي والتهديد خاصة من قبل حلف الناتو ، عندما بدأ الحلف يخطط لضم أكرانية ، ولتصبح حدوده متلاصقة مع روسيا .. وبعد تهديدات متكررة من قبل الكرملين ، وتجاهل الغرب والحلف الأطلسي لتكل التهديدات ، ستحصل الازمة الأكرانية بكل ابعادها العسكرية والاقتصادية التي انعكست سلبا على العالم ، وبدأ الصراع كما في الحرب الباردة ، يأخذ له طابعا جيواستراتيجيا ، وجيوسياسيا .. ولأول مرة يتم التهديد باستعمال الأسلحة النووية ، والهيدروجينية ، والأسلحة الأكثر تدميرية اذا كانت سلامة الدولة الروسية محط تهديد خطير ..
لكن هل فعلا ان جوار الحلف الأطلسي لحدود روسيا من الجهة الاكرانية ، هو سبب الغزو الروسي لأكرانية ، ام ان الغزو كان حلما باسترداد أمجاد روسيا القيصرية ، خاصة وان اقتصادها تعافى جيدا ، واضحى منافسا لاقتصاديات مماثلة بالعالم ..
قبل الإجابة يتعين اثارة بعض البديهيات التي لا تقبل التوسع في الشرح ، وهي من المسلمات التي تعاملت معها القيادة الروسية بنوع من التجاهل واللاّمبالاة ..
أولا . ان اكرانية بلد كامل السيادة ، وهو عضو بالأمم المتحدة . من هنا يستحيل التشطيب على اكرانية بجرة قلم ، او بسبب نزوة عابرة للرئيس فلدمير بوتين ..
ثانيا . انطلاقا من هذه الحقيقة ، عضوية اكرانية بالأمم المتحدة ، وبالمنتديات الدولية ، فان دخول الجيش الروسي للأراضي الاكرانية ، يعكس الحالة العراقية عندما دخل صدام حسين الى العراق .. فالأمم المتحدة اعتبرت دخول القوات العراقية للكويت غزوا ، وكذلك فالعالم باستثناء روسيا البيضاء ، وحاكم الشيشان ، وكوريا الشمالية ، اعتبروا ما قامت به موسكو في اكرانية ، غزوا بما تحمله كلمة غزو من معنى .
ثالثا . قبل الغزو الروسي لأكرانية ، وبسبب التضخيم الإعلامي للجيش الروسي الذي تعافى ، وللصناعة العسكرية الروسية التي أضحت منافسة لمثيلاتها الصينية ، والأمريكية ، والاوربية ، فان كل التحليلات ذهبت الى ان دخول روسيا الى اكرانية سيكون نزهة ، ولن تمر أربعة وعشرين ساعة حتى تكون القوات الروسية قد احكمت سيطرتها على كل اكرانية الصغيرة في حجمها ، والكبيرة بشعبها الذي يقاوم .
رابعا . يعتبر الغزو الروسي لأكرانية ، انتكاسة للجيش الروسي ، وتعرية لحقيقته كجيش باسل مغوار عجز ان يركع دولة اكرانية الصغيرة ، فأحرى ان يبلي البلاء الحسن ضد الجيش الأمريكي او ضد حلف الناتو .. وكان من مخلفات النكسة الاوكراينة ، تطاول رئيس قرغيسيا كما اردوغان ، عند إهانة الرئيس بوتين لمّا تركه ينتظر اكثر من ربع ساعة . وهذا الأسلوب في الممارسة الذي يرجع بالأساس الى المدرسة الشرقية ، ايْ الإهانة ، تعوّد الرئيس الروسي ممارستها مع المنافسين لتصغيرهم وإرباكهم ، وإعطائهم صورة مغلوطة عن حقيقة قوة الجيش الروسي الذي لا يقهر ، ولإبراز مكانة روسيا كدولة قوية امام العالم .. استعمل الرئيس الروسي سلاح الإهانة ليتمكن من الطرف المنافس مع الرئيس طيب رجب اردغان ، واستعملها بنوع من التعالي مع الرئيس الفرنسي Emanuel Macron عندما زار موسكو بسبب الازمة الاكرانية ..
خامسا . سيتم تعرية الجيش الروسي الذي لا يزال يعتمد التقنية الشرقية في الحرب ، عندما عجز الجيش من احتلال عاصمة اكرانية Kiev ، التي تحولت امام الروس الى Staline grade ، امام القوات النازية لهتلر Hitler ، فبدأ الروس بعد شعورهم بخيبة الامل في تبرير عجز اقتحام Kiev ، بإعادة الانتشار ، وبان الجيش الروسي يواصل عملياته طبقا للأجندة التي رسمتها القيادة السياسية العسكرية ، وهو من يختار تكتيك الحرب الذي يناسبه في الزمان والمكان ..
سادسا . امام سقوط ضحايا ويُعدّون بالمئات ، وامام خسارة العتاد العسكري ، وسقوط الطائرات الحربية ، وانعكاس ما يجري على الأوضاع العامة بروسيا الاتحادية ، خاصة اغراق اكبر باخرة حربية روسية ، وكانت إهانة للأسطول الروسي الحربي ، ونظرا لتعقيد المسألة الاكرانية التي أضحت علقما في حلق الجيش الروسي.. حتى بدأ الرئيس فلادمير بوتين والقيادة الروسية ، يفكرون في استعمال السلاح الاستراتيجي لحسم حرب الأقاليم الاكرانية ، وهي Donbas ، Lugansk ، Donetsk ، و الاقليمين Zaporijia ، و Korsoun .. مهددين باستعمال كل الإمكانيات المتاحة في الازمة الاكرانية . فتفكير القيادة الروسية لم يعد هو كل اكرانية ، بل اصبح مع اشتداد المقاومة الشعبية الاكرانية التي اخلطت بين العقيدة الشرقية القتالية وهي نفسها العقيدة التي يقاتل بها الجيش الروسي ، واستعمال أسلحة غربية متطورة وذكية ، وتتفوق على الأسلحة الروسية ، مع تمازج العقيدة العسكرية الشرقية والعقيدة العسكرية الغربية ، بفضل وجود مستشارين عسكريين غربيين من مستوى جد عالي ومتخصص ، حتى بدأت القيادة الروسية تبرر هذا التراجع بالتحامل الغربي والحلف الأطلسي ضد الشعب الروسي ، وضد الدولة الروسية ، فبدأت ترسل الإشارات الغامضة التي وحدها تسهل حسم المعركة باستعمال الأسلحة المحرمة التي لم تعد محرمة .. فبدل الاستمرار في الاستنزاف للجيش الروسي ، وللدولة الروسية في الحرب التقليدية التي تجابه بمقاومة شعبية قوية ، وتبرير الانتكاسة التي تجلت في عجز الجيش الروسي في السيطرة السريعة على كل أكرانية ، خاصة فشل الدخول الى العاصمة Kiev .. أضحت خطورة الحرب التقليدية تنذر بالشئم ، وكأيّ الحروب التي تخضوها الشعوب وليس الجيوش ، حتميتها انتصار الشعوب وخسارة الجيوش ( الفيتنام ) ، ادركت القيادة الروسية خطورة المستنقع الذي سقطت فيه ، والذي يخدم على الأمد القريب وليس المتوسط او البعيد ، أمريكا والحلف الأطلسي جيدا ، على حساب روسيا التي فقدت كبريائها وشموخها ، عندما عرت عن حقيقتها الازمة الاكرانية ، التي لو كان الرئيس فلادمير بوتين يعرف نتائجها ما دخل فيها .. فتحول الهدف من السيطرة على كل اكرانية ، الى مجرد الدفاع عن الأقاليم المهددة بالانفصال ،ن بدعوى حماية شبه جزيرة القرم التي احتلها الروس امام انظار العالم الذي التزم الصمت .. فموقف العالم السلبي من شبه جزيرة القرم ، هو من شجع الروس على غزو كل اكرانية ، لكنها استعصت عليهم بفضل المقاومة الشعبية للشعب الأوكراني ..
ان حرب اكرانيا لن تحسمها الحرب التقليدية التي بدأت تنفلت من يد موسكو ، لكن انّ حسمها سيكون باستعمال السلاح الاستراتيجي ، وبما فيه النووي والهيدروجيني .. وحتى يشرعن الرئيس فلادمير بوتين لاستعمال هذا السلاح ، سيقول قولته المشهورة في اجتماع امام الكتل البرلمانية الروسية ، حين اجتمع بهم في موسكو في السابع من يوليو الماضي " .. ان موسكو لم تبدأ الحرب بعدُ لأشياء جدية " .. فظن الغرب وخبراءه العسكريون الاستراتيجيون ، ان حديث الرئيس الروسي يدور عن التصعيد العسكري الوشيك من قبل الجيش ، الذي يبدو ان الحرب الأوكرانية ارهقته كثيرا ، بسبب عدم نجاحه في حسمها ..
فهل دعوة الرئيس الروسي الى التعبئة الجزئية بتعبئة ثلاث مائة الف جندي ، هو دليل على الخوف من خسارة الحرب اذا طالت ، ودليل على عجز الروس في حسم حرب اكرانية التي لا تزال تدور ، وفي اتجاه ليس في صالح القيادة الروسية ..
ان اكبر واخطر سلاح سيعطي للروس إمكانية حسم حرب اكرانية ، ليس هو الدعوة الى التعبئة الجزئية ، وليس هو استمرار الحرب التقليدية التي يبدو ان روسيا بصدد خسارتها ، لأنها تحولت الى حرب تحرير شعبية اكرانية ، ولم تبق حرب جيوش نظامية .. وبما ان الروس البارعين في الحروب الشعبية ، متأكدين من نصرة حرب الشعب الاوكراني التحريرية ، وليس حرب الجيش الاوكراني الذي تضرر كثيرا .. فان آلية قلب موازين القوة لربح الحرب حتى قبل نهايتها ، هي استخدام سلاح الاستفتاء وتقرير المصير ، لإلصاق قرار الخيار والاختيار بشعوب الأقاليم المتمردة عن الحكم المركزي في Kiev ، والذي تراوحت مطالبهم بين الانفصال وتأسيس دول جديدة ، وبين الانضمام الى روسيا الاتحادية ، لتصبح تلك الأقاليم بعد نتائج التصويت روسية الأصل والمنبع ..
فإذا كانت نتيجة الاستفتاء الذي سيجري في تلك الأقاليم ومنها Zaporijia ، و Korsoun ، و Lugansk ، و Donetsk ، لصالح الانضمام الى الاتحاد الروسي ، فان تلك الأقاليم وتلك الأراضي ، ستصبح روسية الأصل بحكم قرار شعوب تلك الأقاليم ..
هنا تكون روسيا قد أمنت نصرها ، وتكون قد حسمت المعركة ، لان عند اعتبار تلك الأقاليم روسية ، فان أي هجوم عليها ، ولو من جيش التحرير الأوكراني الشعبي ، ومدعميه من الولايات المتحدة الامريكية ، ومن الحلف الأطلسي ، سيكون هجوما على روسيا التي هدد رئيسها ، بان روسيا لن تتردد في استعمال أسلحتها الاستراتيجية اذا كانت حوزة التراب الروسي مهددة للخطر ، او تعرضت لهجوم من قبل دول أعداء ...
السؤال الآن . بما ان الأقاليم الأوكرانية ستصبح روسية ، اذا اكد هذا الانتماء نتائج الاستفتاء ، فان هذا يعني ان الهجوم إذا حصل ، سيكون ضد الأراضي الروسية . وبما ان الرئيس الروسي ، هدد باستعمال الأسلحة النووية والهيدروجينية ، اذا تعرضت الأراضي الروسية للخطر ، وهو لن يتردد في ذلك كما يلزمه الدستور الروسي .. فالسؤال الخطير : هل الحلف الأطلسي الذي يعرف حقيقة استعمال الروس للأسلحة النووية ، اذا تعرض التراب الروسي لهجوم ، سيتجرأ على مهاجمة روسيا ، خاصة وان من سيتضرر بدرجة أولى هي اوربة التي ستمدر عن اخرها ... فهل الاوربيون وحتى الامريكيون سيقبلون الانتحار عن اخرهم اذا هاجموا الأراضي الاكرانية التي أصبحت روسية ؟
اذا كانت نتيجة الاستفتاء لصالح الانضمام الى الاتحاد الروسي ، تكون روسيا قد سيطرت بالكامل على ربع الأراضي الاكرانية .. وستصبح اكرانيا الضعيفة اطماعا لدل مجاورة تطالب باسترداد أراضي تعتبرها ملكا لها ، وسيطرت عليها اكرانية ، وهي رومانية ، وبولندة ، وهنغارية .. واذا وقف الحلف الأطلسي عاجزا مع روسيا التي تكون قد وضعته امام الامر الواقع ، فان نفس هذا الامر الواقع سيصبح حاضرا لفرض التغيير لصالح رومانية ، وهنغارية ، وبولندة .. لأنه هناك سابقة روسية في الامر ..
الغرب والحلف الأطلسي لن يقامر في حرب نووية وهيدروجينية لتدمير الغرب ، مقابل عيون أكرانية التي أخلّ بها هذا الغرب الذي تاجر بها لحسابات ضيقة انقلبت عليه ..
ان أقاليم Donbas ، و Lugansk ، و Donetsk ، و Zaporijia ، و Korsoun أراضي اكرانية ، استولى عليهم الروس بالقوة ... ففي قانون الغاب القوي يأكل الضعيف ..
والاستفتاء اضحى وسيلة للضم المباشر وبالقوة ، واضحى في نفس الوقت وسيلة لتمزيق وحدة الدول ووحدة الشعوب ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟ • فرانس 24


.. إدانات دولية للهجوم الإيراني على إسرائيل ودعوات لضبط النفس




.. -إسرائيل تُحضر ردها والمنطقة تحبس أنفاسها- • فرانس 24 / FRAN


.. النيويورك تايمز: زمن الاعتقاد السائد في إسرائيل أن إيران لن




.. تجدد القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة