الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل إيران حليف حقيقي أم مصاص دماء؟

عباس منعثر
شاعر وكاتب مسرحي عراقي

(Abbas Amnathar)

2022 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


في العراق ولبنان وسوريا واليمن، أماكن تواجد الشيعة، حاولت ايران ان تقيم تحالفاً مذهبياً لا على مستوى القادة فحسب، ولكن على المستوى الشعبي أيضاً وبذلت في ذلك الأموال والجهد؛ لكنها اكتشفت وقت الحصاد أنها قد تخسر كامل ما بنته طيلة السنين الماضية.

إن العلويين السوريين، كما هو معروف، والحوثيين اليمنيين كانوا يُعتبرون كفرة خارجون عن المذهب، ويمكن مراجعة الرسائل العملية لمراجع الشيعة الاثني عشرية لمعرفة ذلك، ناهيك عن الوعي المتتشر والداعم لهذا التصور حتى قبل سقوط صدام. لكن بعد 2003 اختلف النظر اليهما، بل وصل الامر الى ان الشيعي العراقي يستشعر الروابط الاصيلة مع الحوثي والعلوي اكثر مما يستشعرها حيال أبناء المناطق الغربية في بلده، لأن الطائفة قد توسعت وشملت اليمن وسوريا بشكل سلس لم يشعر به أحد.

وفي حين كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يُهدد بنقل التفجيرات الى عمق دمشق وبتقديم شكوى الى الأمم المتحدة على بشار الأسد بعد تزايد الإرهاب او الجهاد القادم من سوريا؛ تغير الوضع تماماً بعد سنة او سنتين فصارت المليشيات العراقية وبغطاء حكومي تقاتل الى جنب قوات الأسد، لكي تحمي النظام البعثي في سوريا من الانهيار. وهي مفارقة ان يتم تخويف الناس من البعث العراقي الصدامي؛ بينما يتم الدفاع عن البعث السوري بحجة ان زينب لن تُسبى مرتين.

يبدو أن محور المقاومة (ايران، العراق، سوريا، لبنان، اليمن) قد وحّد نفسه بإيجاد عدو مذهبي سني وهابي متمثل بدول الخليج فتحولت نقاط الافتراق الى نقاط التقاء: لنترك مجالات الخلاف جانباً ونركز على ما يجمعنا لكي نواجه اعداءنا المذهبيين العرب بالإضافة الى الاستكبار العالمي والكيان الصهيوني.

من أجل ذلك، كان يجب ان يكون هناك خطر فادح يعمق الهوة بين الشيعة والسنة ويجعل من ايران هي المنقذ الوحيد من الإرهاب والملاذ الآمن من المؤامرات، فكانت داعش. سبق ذلك خطوات قامت بها الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي وكأنها تنفذ مخططاً مرسوماً: إذ ألحت على رحيل القوات الأمريكية بطريقة تشبه الطرد المذل، وأعلن رئيس الحكومة وقتها أنه قادر على حماية الدولة من أي اعتداء، بالإضافة الى القيام بتصرف غريب لا ينم عن أيّ فهم سياسي وهو التصريح بالبحث عن حلفاء جدد (ايران وروسيا والصين) والذي ناقشته محطة سي أن أن الامريكية باستفاضة واستغراب من قبل المحللين الأمريكيين وصُنّاع القرار.

كمراقب لتصرفات حكومية طائشة مثل هذه، لن تقف أمريكا مكتوفة الأيدي إزاء تدمير مخططها بالكامل وتسليم منجم الذهب الى أعدائها التقليديين.

واستمراراً بالمخطط المرسوم، كانت إيران، إعلامياً، هي السند أو الداعم المجاني الذي لولاه لما بقي الشيعة والتشيع، مما اكسبها شيئاً من التعاطف الشعبي. فمن، غير إيران، دعم الحشد وجهّزه بالسلاح للدفاع عن الأرض والعرض؟ ومن، غير سليماني، كان يشرف بنفسه على العمل العسكري لتحرير الأرض واستشهد من أجل الحفاظ على العراق الشيعي من كيد الإعداء؟

صار هناك لوبي عراقي شعبي يدافع عن ايران مؤمناً بذلك، ويتحسس من ذكر ايران بالسوء في حين انه لا يمانع من سب العرب خاصة الخليج، بل الانتقاص من الجيش العراقي والحكومة العراقية؛ لكن هذا الشخص (الذي سيُسمى لاحقاً ذيل) لا يقبل أيّ مساس بمن ساهموا في الحفاظ على المذهب.

غير أنّ تحولات الوعي الإنساني المرافق للمنعرجات الكبرى عادة ما تتسبب في قلب الصورة.

أهم الأحداث، وإن كان تسلسلها التاريخي يأتي متأخراً هو القمع الوحشي لانتفاضة تشرين الشبابية من قبل ايران وحلفائها بشكل مباشر وباستخدام قناصين إيرانيين. لكن الامر لم يبدأ عام 2019 بل قبل ذلك. فالنفوذ الإيراني كان قد تعدى التدخل الى الاستعمار. ولنا في قصة احد الوزراء خير دليل على ذلك. ففي حكومة المالكي تمت اقالة وزير عراقي عن طريق سفير ايران في العراق بطريقة مثيرة: لأنه رفض تقديم مصالح طهران على بغداد بمشاريع خاسرة، فما كان الا ان يتهم هذا الوزير انه بعثي ويعفى من منصبه قبل سنتين من إتمام فترة استيزاره. وكان هذا احد نتائج هيمنة ايران على رئاسة الوزراء. فأكبر تكتل في البلاد والذي يمكن ان يشكل الحكومات ويقرّ القوانين مدين لها بالوجود والدوام. لكن المصيبة أنّ الحكومات هذه والتي حسبت على ايران لم تحقق أي نجاح يذكر، وأوصلت الوضع خاصة في الوسط والجنوب الى حافة الانهيار في كل شيء. ولكي يزداد الطين بله، انتشر حينها أنّ النفط الإيراني يباع بسفن عراقية رغم الحصار الأمريكي وان الأسلحة والدولارات تهرب من الخزينة العراقية الى سوريا وحزب الله والحوثيين بينما تعتاش نسبة كبيرة من العراقيين على المزابل او على الإحسان. حتى استخدام الأجواء العراقية والطائرات جاء لخدمة استراتيجية ايران العابرة للحدود، مما أدى الى ان يربط المواطن العراقي مأساته بإيران واتباعها، فصارت كراهيتها مقترنة بكراهية الأحزاب والساسة الفاشلين المدعومين إيرانياً.

العنجهية الإيرانية والفرح بالمكاسب غير المتوقعة وسوء التقدير أضحت أهم أسباب تدهور موقع ايران في العملية السياسية في العراق.

ففي خضم المكاسب التي انهالت على ايران بسبب تساهل حكومة أوباما وسعيها الى الاتفاق النووي مع ايران، وفي خضم النجاحات التي جلبتها مخططات سليماني، ازداد العراق ارتكاساً بالمستنقع ولم تفلح الالف مليار دولار التي أنفقت في العشرين سنة من تحسين الوضع عما كان عليه أيام صدام السني، فكانت الانتفاضات المتتالية من 2005 حتى 2019. في الأخيرة، أي ثورة تشرين، أصبح المطلب الذي لم يجرؤ أحد على التصريح به إلا وراح وراء الشمس: (ايران بره بره، بغداد تبقى حره)، تتناقله ألسن الصبية في مناطق انتشار شيعة العراق.

الخوف الذي قيّد العراقيين لسنوات اختفى، وصار الوعي العام يتهم حلفاء ايران بكل فعل سلبي مضرّ بالعراق؛ لأن الناس أدركت ان بلدها أصبح بقرةً حلوب، وأنّ من مصلحة إيران أن يبقى العراق رجلاً عليلاً كي يتغذى القراد الإيراني على دمه الدسم بالنفط والموقع الجغرافي.

لكن الوسيلة ارتدت على من استخدمها، وفعلاً تمّ خروج ايران (بره) على يد من أراد ايغالها (جوه). إنه العنف الساحق في 2019 الذي مارسته أحزاب السلطة على العراقيين الذين خرجوا بحثاً عن وطن هو من غيّر المعادلة. فما عاد من الممكن لصورة ايران وحلفائها ان تعود كما كانت، بل ان هناك أشياء تكشّفت عن خدعة لا علاقة لها بالمذهب ولا بالتشيع من قبيل:
- إعلان جنرال إيراني ان سعر الأسلحة المقدمة للعراق قد أخذ مضاعفاً.
- قطع الماء وقطع الغاز عن العراق تبعاً لموقف ايران من حكومة العراق.
- ايران تساند دولة مسيحية في حربها ضد دولة شيعية.
- العراق ورقة تفاوضية في التفاهمات النووية مع أمريكا.
- سلسلة من الإجراءات الإيرانية التي تسخط الشارع العراقي أكثر فأكثر.

وآخر الحالات التي قضت على أي أمل بإعادة الصورة السابقة لإيران جماهيريا هو موقف مقتدى الصدر والتيار الصدري من ايران وشعار الصدر الخطير: لا شرقية ولا غربية، وكذلك إعادة مصطلح (تبعية) الى الاستخدام بالإشارة الى الجهات السياسية الموالية الى ايران والتي كانت الى حين هي المسيطرة في صياغة السياسة العراقية. بإعلان التيار هذا انهدمت آخر معاقل ايران في العراق، وصار الامر واضحاً حتى لو لجأت ايران الى قتل الصدر وتنفيذ مجزرة أخرى ضد الشباب المنتفض في السنين القادمة فإن ايران ستضل مرتبطة بسلسة من السياسيين الفاشلين سراق المال العام الذين نشروا الموت والدمار وحولوا حياة العراقيين الى جحيم كامل.

لكن ما نجحت به ايران نجاحاً دائماً، بالإضافة الى نجاحاتها الكثيرة الوقتية، وهو نفسه نجاح يحسب لأذرعها في العراق، هو ذلك الشرخ الطائفي العميق أو الكائن الطائفي الراسخ الذي ايقظته في داخل كل شيعي والى الابد.

إنّ الانقسام الطائفي في العراق لم يكن مرتبطاً بالساسة وتكتيكاتهم فيما بينهم، بل امتد الأمر الى أفكار الفرد الذاتية والخاصة. فالتاريخ بكل ما يحمل من عبء ثقيل تم استثماره وإعادة تفريخه لنصل الى نتيجة ان ورقة المذهب والدفاع عن المذهب تبقى مؤثرة في الوعي حتى جاءت انتفاضة تشرين 2019 حينما سقطت الطائفية على يد شباب كانوا نتيجة الرؤية غير الحصيفة لطبقة سياسية طارئة، مدعومة إيرانياً، ستذكر من بين أنجح النماذج العالمية في الوصول الى الفشل الكامل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكران


.. متظاهرون يحتشدون أمام جامعة نيويورك دعما لاعتصام طلابي يتضام




.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان