الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمال عبد الناصر كان صادقاً ومناصراً لقضايا الفقراء في بلادهِ وعلى الفضاء الدولي

عصام محمد جميل مروة

2022 / 9 / 25
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


ما زال يعصف برأسي ذلك المشهد المُهيب عندما خرجنا صباح ذلك اليوم الموافق في 28-ايلول - سبتمبر - سنة 1970 وكنت برفقة اخي ""جميل "" الذي يكبرني بعامين ومعنا اخي "" نظام "" الذي يصغرني بعامين ، ولم نكن ندرى ماذا يحدث على الإطلاق ،
وفجأةً رأينا الأولاد تتجمع وتهرج وتمرج بكل سعادة الطفولة وبالمناسبة كانت مجموعات الاطفال تلك قد اتت للتو او حديثاً الى منطقة "" حي السلم "" في ساحل المتن الجنوبي ، للعاصمة اللبنانية بيروت، الضاحية الجنوبية اليوم ، وكانت مدارج مطار بيروت الدولى الشرقية مكشوفة كاملة لأن الأبنية لم تكن مشيدة او لا يحق لأصحابها تشييّد مباني مرتفعة حسب قوانين حماية الملاحة الجوية وقربها من المطار . لكن ما اتذكرهُ كان بمثابة صاعقة تفوق توقعاتنا كأولاد ليس لنا برامج او امكنة محمية تضم امكانية اللهو او اللعب فيها كما كانت سائدة في مناطق مختلفة في بلدنا لبنان ، بحيث كانت المفارقة والتباين واضحة ما بين سكان جيران المطار المحاذي للبحر من الغرب ،والسفوح من الشرق . كما كان غير مقصود سماعنا اصوات غير معتادة في لعلعة وأختلاط الهتافات والرصاص في آنٍ واحد . وإذا بأحدهم يرفع صورة الزعيم جمال عبد الناصر بالأبيض والاسود مع تبيان بعضاً من إبتسامتهِ المشهورة المتواضعة وشعرهِ الابيض الميال الى الرمادي ، هكذا كانت الصورة ولم تزال الى اللحظة كلما يحدث شيئاً يذكرني لإستعادة حضور تلك اللحظات لموت زعيم الفقراء جمال عبد الناصر . لم نكن نعرف كثيراً عن الرجل ولم نكن ندرى ماذا كان ينتظرنا في ذلك الصباح الممزوج بالطفولة البرئئة وبالمواقف الرنانة التي سمعناها حينها عن القائد الذي تم تمجيدهُ وتقديمه للحضور بلا مناسبة او مواعيد او حتى بلا تنظيم ، وكان كل شيئ مفتعل من قبل اهل وسكان حي السلم الفقراء . الوافدون الى المنطقة من الجنوب اللبناني ،ومن مناطق البقاع وبعلبك ، هروباً من الفقر المدقع ، وبحثاً عن امل جديد ومستقبل موعود في عاصمة الثورة بيروت .
لكن ما يحز في النفس المصرية والعربية التي وُلِدَت ما بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر ، هي تشويه تلك الصورة الغير حقيقية ولا تمت للواقع بأية صلة مهما كان مهماً او بغير ذلك ، يتفوه بهِ اعدائهِ وخصومه ، في جمهورية مصر العربية او في قلب الوطن العربي الكبير الذي صدح طِوال حياتهِ من اجل إحياءهِ وإعادة رسم طريقاً ودرباً قومياً محتوماً لكل شعوب تلك الدول الواقعة ما بين النهر والبحر ، وبرغم أنشاء دول محايدة ومغايرة ، وربما يتم تصنيفها فوق العادة .ما بين نفطية وتحت اراضيها تقع ثروات . وما بين دول لا تستطيع سد رمق معيشة ابنائها ، وخاصة ما بعد وصول العدو الصهيوني الى مرادهُ في فلسطين المحتلة .مباشرة بعد فقدان قائد الشعب الذي جاء من الشعب ووِلِدْ وترعرع في احياء فقيرة . ولم ينسى تبيان ايام طفولتهِ حينما كان يقطن احياءاً تُعتبرُ افقر من الفقر نفسهُ !؟.
لا يمكن ان يتغير نمط النهج والتفكير الوطني والقومي والثوري والعربي الأصيل الذي تربي عليه جمال عبد الناصر. لكن ما يعجز البوح بهِ علانية هو سياق التشويه المُراد مِنْهُ جعل البطل الشاب الممتلئ عنفواناً وغضباً إنحيازاً الى وقوفه مع شعبه البطل ، وكان طموحه رفع ودفع ودمج الشعب العربي كافة الى مستوى روح عالية من التطلع الى الرفاهية والعيش الكريم والتخلص من اثار تراكم الإستعمار والإستعباد والديكتاتورية التي سادت طويلاً .
هذا ما كان يتضح من خطب واقوال وافعال القائد جمال عبدالناصر قبل وبعد واثناء توليه مهام كبيرة في بلادهِ . وإنغماسه الثوري وتطلعهِ لتطوير وتنمية شخصية وفريدة عبر ومن خلال قيادة ثورة الضباط الاحرار الي سادت منذُ تموز 1952 تحت شعارات التغييّر من الملكية الى الجمهورية الشعبية .
برغم دفنهِ في مدينتهِ وعاصمتهِ التي احبها القاهرة وكرس عمره لتكون عاصمة العنفوان والقوة ضد اعدائها . مع كل تلك المشاهد والظروف حينها الا إنهُ شُيِعّ وكُفِنْ ودُفِنْ في قلوب العشرات من الملايين الذين ساروا في جنازتهِ وبنوا وصنعوا نعوشاً من خشب كانوا قد زعموا انهُ يسكن هنا على أكتافهم في توابيتهم المصنوعة من عرقهم ودموعهم ودمائهم وبقايا العابهم المتواضعة ، في القرب من بيوتهم الصفيحية التي كانت انظارهِ متجهة نحوها . ومنها تنبع وتخرج الثورات ، والإنتفاضات ، والتظاهرات ، التي تُنتجُ تحرراً وطموحاً نحو الحرية وتنبع وتموا اجيالاً تعشق الحياة الفاضلة في مدائن على مدى التاريخ .
اللآلئ الأخيرة التي لمعت في حياتنا كانت تنغمِرُ من بهرجة وفوضوية قيمتها وزهوها عندما أغتيل المعلم ، نعم عندما قُتيِل أخر فرسان العصر الذهبي وصاحب قيم قل نظيرها في زعيم اخر .
لماذا نستحضرك اليوم يا اخر العقلاء واخر ابناء الكلمات والخطب والشعارات التي كانت صادقة ونابعة من القلب ، الى قلوب الملايين المستمعين اليك بكل دهشة وحُب ورغبة في التزود من حلاوة وبرائة عِبرك الرنانة التي اخافة خصومك !؟. في بلاد حفرت شعوبها طويلاً وسعياً من اجل الحرية والتخلص من براثن الاستعمار ، والفوارق الطبقية في آنٍ واحد ، وربما من يتذكرك اليوم يا سيادة الرئيس الذي تربع واكل مع الجنود، ومع ابناء المناطق النائية التي تعاني من تركها في نواحي بعيدة ولا تستحق المجازفة من اجل تطويرها !؟. نعم اليوم قد تبدلت اشياء ومراحل مهمة في كل شئ حتى في السيادة والقيادة ، ولم تترك بصمات كالتي ارخيتها على ظِلال الجماهير التي كانت تحتشد في مجرد سماع انباء مواعيد حديثك العذب للناس في مصر وفي دول الجوار . عن القومية العربية ، عن الوحدة ، عن الاشتراكية ، عن التشارك في التعليم ، وعن كل تجدد وتحديث من اجل المقاومة وإنتقالها من الحرب الى التحرير ثم الى السلم ، جمال عبد الناصر قَرّب قضية فلسطين الى الشعوب العربية ، وجعل من مقاومة الإستعمار في الجزائر صيغة علنية في تضامن جماهيري رافض للخنوع ، وكان الى جانب مد يد العون الى حداثة النظام الجمهوري في اليمن، وجعل مكانتها في اولويات لقاءاته العامة والخاصة في الداخل وفي الخارج ، لذلك تآمروا عليك وسموّك وقتلوك وإغتالوك . لأنهم خافوا من أراءك الحرة وإنفتاحك على الجميع ،
بعد 52 عاماً على فقدانهِ ما زالت الجماهير المتوالدة تعشق ظهورهِ على المنابر وفي المصانع والمعامل والمدارس والمسارح والجامعات وعلى جبهات القتال وفي المؤتمرات العربية والاقليمية والدولية في تجمع دول عدم الانحياز ومع قادة من طينة تشي غيفارا وفيديل كاسترو وتيتو وياسر عرفات ونيكروما ومانديلا وقادة لهم تاريخ مشرق ومُشرف في العمل المشترك من اجل تحرير العبيد من عبودية طالت آمادها.
هناك من قال عنك وشبهك بالهرم الرابع وعرف عنك وصورك بأنك الميت الحىّ الدائم ما دامت الأمة تحتاج لك عند انينها وبكائها من الذل والسخط والفساد المستشرى في شرايين الطامحين الذين سُعِدوا لسرعة ترجلك عن الفرس ِوالذهاب الى العالم الأخر .
جمال عبد الناصر انت حياً وموجود برغم رحلتك الطويلة التي إبتدأت في "" 28- ايلول - سبتمبر - 1970 "" والعودة الى حلاوة روحك ومرحك اثناء الخطب متربعة في افئدة من يحلموا لإستعادة امجادك التي كانت قصيرة مع كل الحزن المتراكم .

عصام محمد جميل مروة ..
اوسلو في / 25- ايلول - سبتمبر / 2022 / ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا