الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو إصلاح الحركة الليبرالية السودانية

الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي

(Altaib Abdsalam)

2022 / 9 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نحو اصلاح العمل الليبرالي في السودان
ورقة مقدمة للرفاق في الحزب الليبرالي.

بتحريض من الأخ محمد البدري اكتب هذه الورقة للرفاق في الكيان الليبرالي و هي خلاصة تجربتنا الفكرية و النقدية منذ إنشقاقنا عن الحزب الليبرالي قبل ستة اعوام و سدرنا طريقا ظل طريقا ليبراليا في صميمه و جوهره لكن بتفسيرات و إستكناهات تختلف كثيرا عن تصورات الرفاق "في المؤسسات الليبرالية" و قد قادتنا هذه التجربه لنتيجتين اساسيتين هما :
اولا تصحيح وعينا بالواقع و إشكالياته و تحدياته و بالتالي تصحيح وعينا بمعنى الليبرالية نفسه و قضاياها الحقيقية و اسئلة الواقع الصعبة.
ثانيا الإنفتاح الكبير على المجتمع السوداني و من ثم المجتمعات العربية و المسلمة و الشرق اوسطية و الإنخراط معها و في قلب شوارعها و لياليها و نهاراتها لخلق حساسيات التغيير و تنشيط شيم و شمائل الحرية و التحديث من داخل ذات المنطوق الشعبي و الديني.
إن أزمة الليبراليين في السودان هي أزمة "نخبة جامعات غردون و اخواتها" مع قرى "المرغني و كلتوم و بناتها".
و هي أزمة يلعب فيها الوعي النخبوي المتعالي بالواقع و إنعزاله عنه و إنجذابه الأعمى للغة و وعي الغرب الوصفي دون إدراك او معرفة لصيرورات تلك الحيوات الغربية و العمل على عملية "نسخ/لصق" تلك التصورات و تطبيقها على الواقع فكانت ان حلقت تلك التصورات على متن الطائرات و هي تقصف الجزيرة ابا.
و من جهة أخرى هي ازمة "كلتوم و المرغني" نفسها كونها تركن للتصورات الجامدة الموغلة في رفض الظروف المنطقية و الموضوعية و الأسباب الفعلية للفلاح و النهوض.
امام هذا المأزق المزدوج وقف قلة من العقول النيرة في تاريخنا السياسي السوداني لوضع محاورات و تقاربات أخصب بين التحديث و التراث لا تغبن واحدا ضد أخر او تقودهم لمساومات و تكتيكات سهلة تجعل من الأزهري رئيسا للوزراء و من المرغني اية لله،بل لتوافق حقيقي بين المخيال الديني الشعبي و توفيق فعلي في الإقتصاد و المعاش.
على هذه الربوة صعد عبد الخالق محجوب في "اصلاح العمل وسط الجماهير" و وقف ابو القاسم حاج حمد في "المأزق التاريخي السوداني و افاق المستقبل" و وقف المثقف الأول الشريف الهندي الذي عاش تلك المنازلة و اصلت جسده تلك الاسئلة.
و وقف الخاتم عدلان في ربوة اوان التغيير، و وقف اركون في جبل نزعة الأنسنة في القرن الرابع الميلادي.
كل تلك الهموم "الحقيقية الكبرى" و التساؤلات العظام و العمل الجاد طرحت نفسها على الليبراليين و مع الأسف لم يعها الليبراليون او حتى يفكروا في فهم أسباب عزلتهم عن الواقع و الجماهير و "اختباؤهم في الجخانين" و تدوير مشكلاتهم التنظيمية العبثية البئيسة.
فلم يتحركوا إزاء ذلك الواقع ليعيدوا فهمه و يعيدوا فهم أنفسهم في ضوءه فغلبت عليهم النزعة النتائجية و وعود بابا نويل الإقتصاديه و تدبيج المدونات الأكاديمية الباردة و تشييد مدن اوروبية على حطام مجتمعاتهم المحلية.
فكانت تلك حصيلتهم طيلة ما يربوا على العشرين عام من الردح و التخاصم و الجدال و تفويت الفرصة الكبرى و التنبيهات القوية لتطوير مشروعهم و تعديله في صميمه.
و حتى لا يكون الكلام تدبيجا للوم فإنني لا أعفي الواقع الصعب و المر الذي واجهته الحركة الليبرالية من نظام الإستبداد و الطغيان الكيزاني و الذي إضطرهم للمزالق المدلهمة و عزلهم عن الشعب، لكن و مع الأسف فهم لم يستثمروا تلك العزلة القسرية في تطوير وعيهم و مفاهيمهم نحو الواقع لخلق "سلام داخلي" بين ذواتهم الثقافية و الإجتماعيه و تطلعاتهم التحديثية التجديدية، و إستسهالهم للاحكام الوصفية شأن الغردونيين و الأفنديه و الحافظين المقدسين "للإجابات النموذجية" المنسوخة نسخا عن الغرب الأوروبي، فتحولوا لمجرد نشطاء حقوقيين و هتيفة مظلومية بدلا عن ان يكونوا فاعلين حقيقيين في مجتمعهم و فاهمين و مدركين لتاريخ ذلك المجتمع و صيروراته الثقافية.
إن الليبراليين اليوم إن اردوا إصلاح مشروعهم مطالبين بالتوجه لتلك المضامين الليبرالية الموجودة في الثقافة الشعبية و إحياءها في الثقافة المحكية و تطبيعها مع تصوراتهم عن التحديث بدلا عن تلك المصادرة الغربية الجاهزة التي يتبنونها عن الغرب عن ان "الشعب جاهل" و نحن "القلة المستنيره"، و هذا لن يتم إلا بتوجيه النقد المزدوج لتصوراتهم عن الليبرالية عبر دراسة تاريخ الغرب دراسة حصيفة تجعلهم ينزلون مفاهيمهم تلك عن عروش القداسة و الأحكام الجاهزة و بالتالي التمكن من تطويعها و نقدها و تجاوزها و ذلك لن يتأتى إلا بمراجعة المشاريع الفلسفية النقدية الناصعة التي وجهت للغرب من داخله و في ذلك يقف نيتشه و فوكو و هايدغر و أركون في طليعة ذلك النقد الحي الذي سيؤدي لإحياء الروح النقدية في العقلية الليبرالية السودانيه.
و من جهة فهم مطالبون بالتوجه إلى مجتمعهم و إفتراش تبروقته و الإستظلال تحت سمائه و الإنكباب على تاريخه و أستيعاب ثقافاته و مشاربه و تداول كلامه و منطوقاته، و من ثم تنزيل تلك الأشواق النهضوية التحديثية التي هي مقصد الله و غاية توجيهه في الخلافة على الأرض و ذلك لن يكون إلا بكسر ذلك الحاجز النفسي الذي تسبب فيه طغيان الترابي او المهدي في نفوسهم تجاه الدين الذي هو مجمع لباب الوعي الشعبي، و هذه النقطة هي عينها ذكرناها و بالنص في الوثيقة التأسيسية لحركة الليبراليين الخضر.
و على الليبرالين في أرض الواقع إن ارادوا فلاحا و كسبا أن يتجهوا نحو قوى الوسط و اليمين المعتدل فهم الأقرب لمضامين توجهاتهم الإقتصادية في السوق الحر و تمكين الطبقة الوسطى، و هو أمر لن يتأتى ما لم يتخلى الليبراليون عن نرجسيتهم السياسية و توصيفاتهم المتعاليه للأخر و بالتالي يستكشفوا نقاط إلتقائهم القوية مع ذلك الأخر، لينتصر مشروع التحديث من داخل القناعات المحلية و التصورات الشعبية لا فرضا بإلانقلابات العسكرية او التشريعات القانونية.
إننا اليوم في لحظة إنتصرت فيها معاني التحديث و العولمة و بتنا في هذا التيار الجارف إزاء هذين الموقفين المتعنتين بين ليبراليين بإيمان أعمى و محليين بتصورات إنعزالية عقيمة، في حين أن تلك المصالحة واردة و ممكنة عبر فهم و إستكناه الإشارات التي طرحتها هذه الورقة او المقالة، و إرجاع البصر كرة و هو حسير.
على الليبراليين ان "يفيقوا" و يكفوا عن البحث عن الحلول الجاهزة فكرية كانت ام عقلية و ينخرطوا في "جرد مطول" لتصوراتهم و واقعهم و تاريخهم و ذلك ليس "فرض كفاية" بل فرض عين على كل ليبرالي، يعد نفسه لقيادة مجتمعه و التأثير فيه.
و هم مدعوون لمطالعة نقدنا الباكر هذا و المفصل تفصيلا عميقا في مدونات "حركة الليبراليين الخضر" عبر مشروعها الفكري "الموجة الثالثة" فهناك "كان اول هذا الأمر".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد