الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدارة القوة، وخبايا الضعف! أين تتجه إدارة بايدن؟

طلال الحريري
سياسي عراقي

(Tallal Alhariri)

2022 / 9 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


إدارة القوة، وخبايا الضعف!
أين تتجه إدارة بايدن؟
أن تتبع سلوك الإدارات الديمقراطية يقودنا الى نتيجة واحدة وهي أن الديمقراطيين هم أفضل من يستثمر الثورات الشعبية لتغيير الانظمة الشموالية!
إذا جعلنا العقدين الاخيرين معيارا لهذا الإستنتاج الموضوعي سنرى، ان بإستثناء العراق استطاع الديمقراطيين اسقاط معظم الانظمة الشموالية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا بالاضافة الى النظام الشمولي في اوكرانيا!.قد تبدو هذه المقاربة كنوع من الاشارة الى الفاعل المباشر من الناحية الجيوسياسية لكن في الحقيقة لم ينجح الديمقراطيين في مسألة كونهم لاعب رئيس في هذه اللعبة وإنما نجحوا في توظيف مخرجاتها خاصة الانتهاكات والجرائم التي مارستها الأنظمة الشمولية بحق الشعوب من خلال القيام بسحب الشرعية الدولية والوطنية من تحتها من ناحية، وتنظيم العقوبات القاسية خاصة العقوبات الاقتصادية والسياسية مع توفير اعلى مستويات الدعم الاعلامي والمدني للشعوب المنتفضة بما في ذلك تسخير التقنية الرقمية وتسهيل خدماتها للشعوب كوسيلة تتفوق على تأثير ونتائج استخدام القوة المباشرة!
لقد كان العراق طيلة هذه المدة تحت تأثير منطقة جيوسياسية معقدة تمثلت بسحب القوات الامريكية بالتزامن مع الاحداث والمتغيرات الكبرى التي بدأت بالربيع العربي وعلى الرغم من تأثر العراق بهذه الموجة السريعة واندلاع احتجاجات شعبية مماثلة غير ان المعادلة السياسية لم تكن مشجعة ليكون العراق جزء من الأولوية الامريكية كما حدث في عدة بلدان عربية ويعود ذلك لاسباب عديدة منها عدم وضوح الحراك الشعبي وغموض اهدافه خاصة بعد رفع شعارات تختلف بالطبيعة عن جميع الثورات العربية المشتعلة التي كان شعارها اسقاط الانظمة في حين ركزت شعارات التظاهرات العراقية على الإصلاحات فقط، ومن ناحية أخرى لم تكن واشنطن مدركة بعد لفشل النظام السياسي الذي ساهمت بتأسيسه وبالتالي لم يكن لديها الإستعداد للتضحية بتجربة ديمقراطية فتية مقابل مظاهرات شعبية لاتحمل ايدولوجية واضحة، وبالإضافة الى ما تقدم ساهمت المتغيرات الامنية التي تعقدت نتيجة عودة الخطاب المتطرف واندلاع أزمة في المناطق الغربية مصحوبة بتغلغل ايراني على المستويين العسكري والسياسي بشل قدرة الادارة الديمقراطية في حينها على تبني سياسة واضحة في العراق تلبي متطلبات التغيير على المدى القريب وبالتالي نتج عن هذه الأخطاء الفادحة إبتلاع العراق من قبل ايران وتحويل النظام الى فاعل ساهم برفع مستوى الخطاب الطائفي والتحشيد لحرب طائفية في الساحتين العراقية والسورية ومارافق ذلك من فشل شبه تام للنظام وتبعية الطبقة السياسية بالكامل للمشروع الإيراني.
قد تكون الصورة ضبابية في الشرق الاوسط فيما يخص سياسة ادارة بايدن الديمقراطية خاصة في هذا الوقت تحديدا الذي يمثل اكبر ازمة دولية--شرق اوسطية، فالى جانب االحرب الاوكرانية تتضخم ازمة النظام الأيراني في المنطقة واستعادة السيطرة مجددا عبر وكلاءه لقمع الشعوب المنتفضة وتصدير الارهاب ومواصلة التهديدات لدول الخليج وإسرائيل وعدم رغبته بالسلام والتفاهم كروؤية بديلة. وعلى هذا الأساس والى جانب هذه المخرجات الصعبة التي يمثل التهديد الايراني رأس الهرم فيها، ترى الشعوب والنخب السياسية فيي المنطقة أن ادارة بايدن عاجزة عن ردع النظام الايراني بالوسائل الصحيحة والتمسك باحياء اتفاق نووي لا يساهم الا بتعزيز قدرات ايران وتمويل الارهاب والمشاريع التخريبية في المنطقة ترافقا مع اهمال مظاهرات الشعب الايراني التي تطالب بإسقاط النظام ومحاسبة رموزه الى جانب احتجاجات عراقية لم تتوقف منذ ثلاث اعوام تطالب بهدم الوصاية الايرانية وتفكيك الميليشيات الموالية لايران والأمر ينطبق على لبنان ايضا التي تشهد احتجاجات يتم اهمالها رغم اهمية لبنان التي لا تقل عن العراق من الناحية الجيوسياسية.
ربما هذه المعطيات مقنعة للوهلة الاولى قياسا بالخطاب الاعلامي والسياسي لكن من الناحية الجيوستراتيجية فان النتائج تشير الى عكس ذلك في حين تستمر طبيعة الوسائل الناعمة في اعطاء صورة نمطية عن بايدن والديمقراطين بشكل عام رغم أن الاتفاق النووي مازال في طور المفاوضات وان أدارة بايدن قدمت دعم كبير ساهم بعرقلة روسيا وأضعافها في حين صعدّت واشنطن من دعمها للثورة الإيرانية من خلال توظيف التكنولوجيا في هذه المعادلة وبالتالي السماح للأنترنت الفضائي بان يكون متوفرا في ايران بالأضافة الى التشديد على ان المفاوضات وأن نجحت في لن يقود الاتفاق النووي الى ايران القوية بل الى إيران الضعيفة المنصاعة للإرادة الدولية!
تشير التقارير الاستخبارية على ان النظام الايراني بحاجة الى عامين ونصف على اقل تقدير ليصل الى مرحلة انتاج اسلحة نووية وقد لا تكفي العقوبات لردعها في ظل رؤية لا تستخدم الحرب كوسيلة مباشرة وبالتالي لابد من استخدام الوسائل الدبلوماسية لكسب الوقت وخلق مساحة عمل لأجهزة الاستخبارات بتقييم الاوضاع التقنية والوصول الى آلية تمنع ايران من انتاج وحيازة اسلحة نووية حتى لو اقتضت الضرورة التوقيع على اتفاق نووي جديد للتخلص من أعباء مجازفة قد لا تحقق أهدافها بوجود دعم روسي-صيني للنظام قادر على عرقلة أي جهود أخرى تقوم بها امريكا وحلفائها في ظل حرب متوترة في اوكرانيا قد تجر العالم الى حافة الهاوية وعلى هذا الاساس تتجلى بوضوح آليات الادارة الديمقراطية كونها لا تنفصل عن الوسائل الدبلوماسية كالمعتاد حتى في اشد الاوضاع اشتعالا.
ربما تقود هذه الاستنتاجات لروية تدور حول اولوية أمن اوربا وتراجع الاهتمام بالشرق الأوسط اذا تم النظر لها بسطحية دون قراءة المجال الجيوستراتيجي لخارطة الصراع لكن بالحقيقة كلا المنطقتين على قدر من الأهمية القصوى بالنسبة للمصالح الامريكية اللتي اصبحت تحت تأثير تداخل معقد على المستوى الجيوأمني والاقتصادي في مرحلة حساسة اصبح فيها التحالف الصيني-الروسي يمثل خطر وجودي لقيادة العالم الأمريكية ومع ذلك تستمر الوسائل الناعمة بتراجع ثقة الحلفاء بإدارة بايدن وعدم الإنسجام مع رؤيتها رغم الضمانات التي تبدو واثقة منها.
لن تتخلى امريكا عن حليف مهم يملك اكبر مصدر للطاقة في العالم والمتمثل بدول الخليج، ولن تتراجع واشنطن بإلتزامها القوي بالنسبة لأمن إسرائيل، ولا تستطيع واشنطن أن تُهمل الاهمية الجيوسياسية بالنسبة للعراق كفاعل في التوزنات الجديدة ومن هذه المنطلق الذي يمثل شراكة حيوية تعمل اسرائيل جاهدة على ايقاف المفاوضات مع ايران وعدم اعطاء النظام فرصة اخرى للتوسع والمخاطرة بأمن الاسرائيليين ودول المنطقة وتضغط بإتجاه اجراءات اشد قوة لاحتواء النظام الايراني وردع محاولاته في نشر الارهاب والفوضى والى جانب هذا الموقف تقف دول الخليج بصمت مع الموقف الاسرائيلي في مسألة التهديدات الايرانية ومخاطر الاتفاق النووي.
لقد ساهمت اتفاقيات السلام(السلام الإبراهيمي) بين العرب واسرائيل بخفض مستوى الواجبات الامريكية في المنطقة وهبوط مستوى الاعتماد على الوجود الأمريكي العسكري في مسألة صد التهديدات الايرانية فأصبح اليوم هنالك شبه تحالف-عربي اسرائيلي في طريقة الى التبلور نحو حلف عسكري استراتيجي قادر على مواجهة التهديدات الوجودية في المنطقة وهذا مايجعل الادارة الامريكية تندفع نحو التعامل مع ايران بالإعتماد على هذه المتغيرات الجيوسياسية لكن الحلفاء في الشرق الاوسط من دول وقوى سياسية ومعارضة لديهم مخاوفهم المستمرة من سياسات بايدن الناعمة والغامضة خاصة تراجع الدعم الأمريكي في عهد ادارته لدعم توسيع رقعة الاتفاقيات الابراهيمية والتباطئ في التعامل مع الأزمة السياسية في العراق وتجنب لعب دور محوري لتصحيح المسار السياسي للعراق!
بالمحصلة يتفق الجميع على ان التغيير في العراق يمثل حجز الزاوية خاصة بعد تبلور الموقف الشعبي من المشروع الايراني وجهوزية المجتمع العراقي على المستويين الموضوعي والذاتي لاحداث تغيير عميق في العراق وهنا تكمن المفارقة بالنسبة لموقف الإدارة الديمقراطية حيث لم تتحرك ادارة بايدن ليس بدعم تطلعات العراقيين نحو تنظيف العراق من وكلاء ايران وانما بتتجاهل تطلعات العراقيين للتغيير والسلام وهذا موقف غريب وغامض يخالف القيم الديمقراطية التي كانت ومازالت شعاراً للحزب الديمقراطي منذ نشأته وآداة دائمة في السياسة الخارجية.
لايمكن أن تكون هذه النتائج نهائية في عالم مضطرب ونظام عالمي مُهدّد ومتغيرات في الداخل تثير مخاوف الديمقراطيين بسبب موقفهم المتذبذب خاصة في الازمتين الاوكرانية والايرانية، وبناءُ على المخرجات الجيوساسية والمواقف الأخيرة فمن المؤكد أن ادارة بايدن ستتجه نحو قرارات اكثر واقعية وصلابة في الملفات الاستراتيجية خاصة الملف الايراني لأنها تُدرك أن التراجع عن هذه الأولوية من خلال اختيار سياسة أقل فاعلية وقوة سيقودها نحو خسارة الولاية الرئاسية الثانية في ظل تراجع شعبيتها في الداخل وتضخم الأزمة الاقتصادية التي اصبحت عائقا أمام طموحات الديمقراطيينن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان