الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الميل الأخضر.. ستيفن كينج

وليد الأسطل

2022 / 9 / 27
الادب والفن


"لقد تعبت من الإضطرار إلى الركض على الطرقات وأن أكون وحيدا مثل عصفور تحت المطر. تعبت من عدم وجود صديق لأتحدث معه، ليخبرني إلى أين نحن ذاهبون؟ ومن أين أتينا؟ ولماذا؟ لكن قبل كل شيء، تعبت من رؤية البشر يتقاتلون، لقد تعبت من كل الألم والمعاناة التي أشعر بها في العالم". (جون كوفي.. الميل الأخضر).

إذا كان علي أن أتذكر فيلما واحدا فقط من كل الأفلام التي شاهدتها في حياتي، إذا كان علي أن أوصي بفيلم واحد فقط لمشاهدته، فيلم واحد يقدم درسا حقيقيا في الحياة، فسيكون فيلم "الميل الأخضر". من بين جميع الأعمال التي رأيتها، يبرز هذا العمل. إن أهميته الرمزية تتجاوز أي محاولة للتفسير. إنه قوي بشكل إستثنائي.

يشعرك بأنه رحلة. ستتوقف عن أن تكون من المتفرجين. لقد استوعبت القصة تماما، وها أنت هنا في نفس رحلة الشخصيات، تعيش ما تعيشه، وتشعر بما تشعر به، وهذه هي أكثر أنواع الأفلام التي أحبها.

لم يخطىء ستيفن كينج حين قال "إن فيلم الميل الأخضر هو إلى حد بعيد أفضل تجسيد لرواية شوهدت على الإطلاق".

يبدأ الفيلم بالفعل عندما يجلس الشيخ الهرم بول إدجكومب، المقيم في دار للمسنين، محدثا سيدة مسنة، تقيم معه في نفس الدار، عن ما حدث له في يوم من أيام عام 1935، أو عام جون كوفي، كما يسميه، حين كان قائد حرس سجن "كولد ماونتن" Cold Mountain، في لويزيانا، جنوب الولايات المتحدة الأمريكية. سيؤرخ ذلك اليوم لبداية انقلاب ستشهدها حياته وحياة فريقه، إنه يوم وصول سجين جديد، هو، جون كوفي، الذي حُكم عليه بالإعدام لارتكابه جريمة قتل مروعة.

إذا كانت هناك شخصية واحدة يجب تذكرها في الفيلم بأكمله، فهي جون كوفي. إنه يمثل الأرواح غير العادية التي تعبر تاريخ البشرية والتي يسعى البشر العاديون إلى إبادتها. يمثل جون الخير بكل أشكاله: لا غضب، لا تلميح بالكراهية، فقط الألم والكثير من الحب.

يؤكد الميل الأخضر على التالي: نحن نقتل بعضنا البعض، رافضين رؤية الشيطان والشر الموجودين في كل واحد منا. وأن التغلب على الشر يتطلب الرأفة والفهم والمحبة. ليس لنا أن نعاقِب، وليس لنا أن نحكم. نعم، فللميل الأخضر أهمية روحية ودينية، تبين لنا أن أشياء معينة، وأحداثا معينة، تأتي بلا شك من كائن متفوق علينا نحن البشر. ومن هنا تبرز حقيقة تقودنا إلى التفكير في أن هناك في مكان ما، قوة متفوقة، غير مرئية للعين البشرية، تراقبنا، وتتخذ القرارات، تتصرف دون علمنا، بينما تمنحنا الإرادة الحرة وتأمل أن نقوم بالخيارات الصحيحة. هذه القوة هي الله.

إن قتال الخير ضد الشر، والنور ضد الظلمة، ومسألة الإيمان، والمعجزات، لها مكانة أساسية في هذا العمل. يقول بول إدجكومب:" في يوم دينونتي، عندما أقف أمام الله، ويسألني لماذا؟ كيف أمكنني أن أقتل إحدى المعجزات التي خلقها؟ ماذا عساي أن أقول له؟ هل أقول له إن هذا كان عملي؟"

مثل الرواية، تُظهر لنا النسخة السينمائية من "الميل الأخضر" أن الروح البشرية يمكنها البقاء على قيد الحياة حتى في أقسى الظروف، حتى في طابور الموت. كلما كان الوجود أكثر صعوبة، زادت قدرة الروح على النهوض، وقد تتمكن أحيانا من القضاء على الشر الموجود فينا لإفساح المجال للخير.
فيلم الميل الأخضر شأنه شأن فيلم الخلاص من شاوشانك The Shawshank Redemption، لا يوجد فيه ما عودنا عليه ستيفن كينج: لا كلب مجنون، لا سيارة شريرة، ولا مهرج قاتل. يُظهر سيد الرعب جانبا جديدا من شخصيته. إن هذا المؤلف العظيم هو إنساني عظيم. لدى ستيفن كينج موهبة إنشاء شخصيات لها أخطاؤها، لكنها طيبة بشكل عام.

يقدم "توم هانكس" في هذا الفيلم أحد أفضل عروضه، ويحدث هذا أحيانا دون أن ينبس ببنت شفة، إن نظرته تقول كل شيء: الطيبة، الدقة، والأصالة. كان فريق الميل الأخضر محظوظا بوجود توم هانكس في صفوفه.

لم يبق إذن سوى المجسد المثالي لشخصية جون كوفي.
في أعماق الفنان الكبير "مايكل كلارك دنكان" يكمن "جون كوفي": بريء، ساذج، مندهش من كل شيء، يمتلك موهبة تشبه المعجزة، لكنها ملعونة في نفس الوقت لأنها تجعله يشعر بشكل مؤلم ومبرح بانحراف الإنسان، هذا الكائن المسؤول عن طوفان من العنف والهمجية. وعلى الرغم من معاناة جون كوفي الداخلية، إلا أنه يجلب شيئا من الوداعة إلى عالم المتوحشين هذا، مبرزا ما يمكنني أن أسميه رقاقة من الأمل. هناك رمزية كاملة حول هذه الشخصية. جون كوفي المحكوم عليه بالإعدام بسبب جريمة لم يرتكبها.

كيف يمكنني أن أنسى ذلك المشهد المؤثر جدا، حين يذهب جون إلى سرير زوجة هال موريس(مدير السجن) المحتضرة. عندما يتحول اليأس أمام أعين الأبطال والمشاهد إلى درس حقيقي نقي من الحب والتسامح. لم يسبق أن وُجِد مشهد بهذه القوة في تاريخ السينما بأكمله، من وجهة نظري.

إن مبنى المحكوم عليهم بالإعدام أسوأ مكان في العالم بالنسبة لإنسان ينتظر أن ينفذ فيه حكم الإعدام. ولكن عند وصول جون كوفي إلى هذا المكان سوف يضيئه، يخفف من قسوته، يلطف جوه الكئيب، ويضفي شيئا من الفرح على حياة هؤلاء الرجال الذين ينتظرهم مصير كارثي.

في فيلم الميل الأخضر، يمكننا رؤية الشر يتجسد في عدة أمور:

المجتمع الذي يصنف الناس اعتمادا على لون بشرتهم (كان السود في ذلك الوقت يستعبدون، ويعاملون مثل الوحوش)،
ضابط السجن "بيرسي ويتمور"، الشرير، الجبان، الخبيث، والنذل، الذي جسده بشكل رائع "دوغ هاتشيسون"، الذي جسد كذلك شخصية "يوجين تومز" الذي لا يُنسى في X-Files. "بيرسي ويتمور" الذي ينفس عن أعصابه من خلال إيذائه النفسي والجسدي للسجناء. إنه شخص محبط لا يطيق أحدا، شخص مقيت إلى أقصى درجة. لا يستطيع بول ولا حتى هال موريس(مدير السجن) اتخاذ إجراءات ضده، لأنه محمي من طرف عمته، زوجة حاكم ولاية لويزيانا.

وأخيرا، لدينا من سيفوز بالجائزة الأولى في مسابقة أفظع وأقذر إنسان، إنه "ويليام وارتون". متعجرف، عنصري، بغيض، سيصيب فريق بول كله بالإرهاق. "ويليام وارتون" الذي أجده أحيانا يشبه أشرار الرسوم المتحركة، ذلك أن مغامراته(الأصلية والمطلوبة) التي تتم معاقبته عليها ستؤدي إلى لحظات قصيرة من المرح. شخصية لا تُنسى، لُعِبت ببراعة من قِبَل "سام روكويل".

في قلب هذه القصة الرائعة التي مدتها ثلاث ساعات، سيأخذ المخرج "فرانك دارابونت" الوقت الذي يحتاجه لتطوير شخصياته وحبكاتهم الفرعية، حتى نتعلق بهم. لقد نجح، فها نحن نحب الحراس الذين يواجهون ما لا يمكن تفسيره، وحتى السجناء في سعيهم للخلاص. مع تقدمنا ​​في الحبكة، ستبدأ قطع الأحجية في الإنسجام، وستنسجم بشكل رائع، بشكل مليء بالعاطفة والمفاجآت والالتواءات والصدمة.

يحتوي الفيلم على بعض المشاهد التي قد تكون غير محتملة بالنسبة للأشخاص ذوي الحساسية الشديدة. التعذيب الجسدي والنفسي، ينبغي أن لا ننسى أن هؤلاء السجناء سينتهي بهم الأمر إلى الجلوس على الكرسي الكهربائي. وهنا لفتت انتباهي مسألة دعتني إلى التأمل: لماذا لا يراجع الإنسان نفسه ويسائلها بشدة إلا وهو يعيش أقرب اللحظات من الموت؟

إذا كان المخرج "دارابونت" قد ركز في هذا الفيلم - تماما مثلما فعل ستيفن كينج في روايته - على وجوب أن يعامل حراس السجن السجناء معاملة إنسانية، فإنه لم يشكك أبدا في عقوبة الإعدام. هذا ما اعتبره الكثيرون أمرا صادما وغير مفهوم، إلا أنه ينسجم مع الرواية، ومع رؤية ستيفن كينج.

بفضل الإعداد الرائع والمؤثر للمبنى إي (Block E) مبنى المحكوم عليهم بالإعدام، والمشي في الأماكن الهادئة والريفية في لويزيانا ثلاثينيات القرن الماضي، أصبح فيلم الميل الأخضر أبعد ما يكون عن الملل والأجواء الخانقة. إنه فيلم يقول: لا للملل، نعم للمتعة وللاستثنائية.

وأخيرا يمكنني تلخيص الميل الأخضر في التالي: الأمل، الفداء، القسوة، المعاناة، العنف، البربرية، الظلم، المعجزة، العنصرية، عقوبة الإعدام، الروحانية، التسامح، الحب، الإنسانية، إضافة إلى الحوارات المؤثرة، والموسيقى الجميلة ل"توماس نيومان"، وجرعة جيدة من الفكاهة. هذا ما يقدمه الميل الأخضر The Green Mile. إنه تحفة خالصة من الثراء المذهل والعاطفة القوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با