الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العاشرة عشقا - 5

ريتا عودة

2022 / 9 / 27
الادب والفن


العاشرة عشقا-5
بدأ الليل يتربص بي.
وقفتْ.
أحسستُ انّ أيّ هبّة ريح قد تكسر ساقي أنا الوردة الهشَّة.
بدأتُ أسيرُ بإتّجاه المنزل.
القيتُ التحيّة على والدي.
كان يجلس في مقعده المعتاد كما لو أنّه أبو الهول مقرفصا فوق ظلّه.
أردت أن أعودَ لغرفتي لكنّه اعترضَ طريقي:
- تعالي .
أقعدي هُون!
بدّي أحكيلِك شي!

شعرتُ بموجة اشمئزاز تسيطر عليّ. أنا لا أطيق هذا الرجل. يبدو لي كالمارد بجثته الضخمة وبطنه المنتفخة وعشقه لإقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج وصمت أمّي التي لا ملاذ لها سواه!
انا لا أطيقُ هذا الرجل الذي جعل حياتنا جحيما بتواجده ليل نهار في البيت. لا أطيق ميله الدائم للشّجار وكأن الشجار لغته الوحيدة.
كم كنتُ أشفقُ على والدتي من جبروته.
والدتي الجميلةُ العينينِ.
كانتْ محطّ أنظار كلَ شباب المدينة.
هي لم تبادله حبّا بحُبّ.
هي أحبّت ابن عمتّها وابن عمّتها أحبّها لكن جدتي سعت لإقصائه عنها فقد كانت تمقت والدته مريم.
ثمّ ..
سعت لتزويجها من أبي فقط لأنه صائغ.
ضحّت بابنتها لأجل حفنة من النقود.!
كتبتْ على ابنتها الشقاء مع رجلٍ ساديّ تلذذ بتعذيبها وافتخر برجولته فأتى لها بالنساء إلى عُقرِ بيتها وكان لا بدّ أن تصمت وإلا كانت الإهانات بانتظارها وأحيانا العنف الجسدي أيضا.
كان يأخذ أخي البكر معه للخمارات.
حين كانا يعودان فجرا وهما يترنحان من الخمر، كانت ما أن تفتح أمّي فمها لتعترضَ حتَى يجلس أبي هانئا في مقعده المعتاد قرب النافذة ويترك مُهمَّة التَّعنيف اللغوي لأخي:
-أِتْطَلَّعي عَ وجهك في المْرَاي.
قال لها أخي ذات عودة من الخمَّارة.
-أنتِ مرَة عجوز بينما أبوي بعدُه في عزّ الشباب. اتركيه يتمتع برجولته.
ما إن أرادتْ أن تدافع عن حقّها الشّرعي في ألاَّ يخونها رفيق عمرها حتّى قبضَ أخي على قيثارته وهوى بها على رأسها.
ترنّحتْ مكانها كما دجاجة طعنوا عنقها بسكين.
هَوَتْ أرضًا..
معها هوَتْ كلّ أحلامي.
في ذاتِ القبرِ الذي دفنوها فيه، دفنوا فرحي.
بدأتُ أحيا جثةً دونما رُوح.
ظلَّ العنفُ ضديّ وضدّ أختي(أمل) التي تصغرني بعدّة أعوام هو خبزنا اليوميّ. لم أجد ملاذا لقلبي المُتعب إلاّ تلك الصخرة. هناك.. حيثُ البحر أجلس وأغيب عن هذا العالَم.
قرفصَ أخي بالقرب من أبي. كان واضحا على ملامح وجْهَيْهِما أنّهما أعدَّا لي وليمةً من التَّعنيف اليومِيّ.
جلستُ على الأريكة.
انتظرتُهُ أن يتكلم.
بعد دقائق من الصّمتِ الملغومِ قال:
انتِ صُرت في الثلاثين من عمرك. رَجِعْتك للبيت بالليل بتخلِّي الناس تحكي وتُنشرالإشاعات ضدّك.
هوى قلبي.
خُيّلَ لي أنني رأيته يتدحرج فوقَ السُّجادة الحمراء أمامي.
صمتَ جلاّدي وتركَ لأخي أن يُكمل مهمة تعذيبي:
-اسمعي .
أنتِ مش طفلة.
في شاب طلب إيدك منّا ووافقنا أنا وأبوي.
حَضّري حالِك للزواج.
هكذا بمنتهى البساطة، وَقّعَا معا على وثيقةِ وأدي!
هل أنا دمية أم بقرة تُباع وتُشترى. ألا رأي لي؟ ثمّ مَن يكونُ ذلك الشهم الذي أتى لينتشلني من بؤرة الخراب هذه؟
سأرفض!
يجب أن اُعلنَ ثورتي على الصّمت.
لا فرقَ عندي بينَ أن أموت الآن أو في أحضان رَجلٍ لا أحبّه ولا أعرف من يكون ولا كم عمره ولا ما أتى به إليّ.
استجمعتُ شجاعتي وقلت بإصرار:
- بديش أتزوج!
وقفَ أخي.
صرخَ بأعلى صوته:
= يا كلبة! بِدِّك تْحُطِّي راسنا في الوحل!
- بديش أتزوج!
كررتُ باصرار.
تطايرَ الشَّررُ من عينيّ أخي. راحَ أبي يلعنني ويلعن السّاعة التي رآني فيها.
من رمادي كما العنقاء نهضتُ لأدافعَ عن حقّي في الحياةِ بكرامة.
لن أتزوج حتَى لو كان الثمنُ حياتي.
ابتعدَ أخي إلى غرفته وعاد والغضب يتطاير من عينيه فيبث شحنات سالبة من حولي.
هوى بقيثارته الجديدة على رأسي.
دَارتْ بي الدنيا.
وقعتُ مضرجةً بدمائي.
عندما استفقتُ. كنتُ في سرير في غرفة الطوارئ في المستشفى أتلقَّى العلاج. كانت الضَّماداتُ تُكفّنُ رأسي.
كانت رائحةُ دمّي تخنقني.
وكان اخي أمام سريري يتلوّى قَلَقًا.
ما أن فتحتُ عينيّ حتى قال جملته التي أعدّها باتقان:



(إذا فتحتِ تُمِّك بكلمة. بَقُتْلِكك).
__________________________

27.9. 2022
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل