الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرديّة الخبيثة و الفرديّة الغافلة – النقطة الثانية من الخطاب الثاني من كتاب : الثورة الشيوعيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة : ضروريّة و ممكنة ...

شادي الشماوي

2022 / 9 / 27
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الفرديّة الخبيثة و الفرديّة الغافلة – النقطة الثانية من الخطاب الثاني من كتاب : الثورة الشيوعيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة : ضروريّة و ممكنة ...

الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 42 / جوان 2022
شادي الشماوي
الثورة الشيوعيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة : ضروريّة و ممكنة ...
خطابات ثلاثة لبوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعيّ الثوريّ ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة

( ملاحظة : الكتاب برمّته متوفّر للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن )
-------------------------------------------------------
مقدّمة الكتاب 42
في مستهلّ هذه المقدّمة ، نعرّج قبل كلّ شيء على الثلاث نقاط المسترسلة في العنوان الذى إصطفيناه للكتاب 42 ، العدد 42 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ، فقد عمدنا إلى ذلك عمدا عامدين بحثا منّا عن تجنّب التعسّف على الواقع الموضوعي و إضافة مرغوب فيها إلى ضروريّة و ممكنة . الثورة الشيوعيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة بالفعل ضروريّة و ممكنة كما ترشح ذلك أعمال بحثيّة علميّة مستندة إلى التحليل الماديّ الجدليّ العميق للمجتمع و تناقضاته و إمكانيّات و مسارات تطوّره في عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكية و المصالح العميقة للجماهير ليس فقط في الولايات المتّحدة بل عالميّا أيضا ، أي المصالح الأساسيّة للإنسانيّة . و هذا ما تبيّنه بجلاء أعمال بوب أفاكيان ، خطاباتا و بحوثا و دستورا ، التي يقوم عليها هيكل هذا الكتاب و فصوله . إلاّ أنّ هناك بُعدٌ آخر لا يزال غائبا بصفة ملموسة ألا وهو بُعدُ المرغوبيّة بمعنى أن تكون هذه الثورة فضلا إلى ضرورتها و إمكانيّتها مرغوب فيها جماهيريّا و شعبيّا . القيادة و الحزب الطليعي و البرنامج و الإستراتيجيا و طريق الثورة و ما إلى ذلك متوفّرين في الأساس كعنصر ذاتيّ و الوضع الموضوعيّ متفجّر و قابل للتفجّر اكثر و يحتمل حلّين راديكاتليّين ، كما يقول بوب أفاكيان ، إمّا حلّ رجعيّ و إمّا حلّ ثوريّ يمكن إنتزاعه إنتزاعا – حين ينشأ وضع ثوريّ تستغلّه الطليعة الشيوعيّة لتقود الجماهير الشعبيّة لصناعة التاريخ بالإطاحة بالنظام و الدولة القائمين و بناء نظام و دولة جديدين و غايتهما الأسمى الشيوعيّة على الصعيد العالميّ - شرط أن تصبح الثورة الشيوعيّة مرغوب فيها من قبل الجماهير الشعبيّة التي ينبغي أن يرتقى وعيها الطبقي و الشيوعي فتغدو ثوريّة و تبذل قصارى جهدها لإنجازها . و هذه المرغوبيّة في الثورة الشيوعيّة – الإشتراكية حاليّا في هذا البلد الإمبريالي – هي محور نضالات الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة و مهمّته المركزيّة راهنا . و خطابات بوب أفاكيان و كتاباته تتنزّل في هذا الإطار .
قبل سنوات في العدد التاسع من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " الذى إخترنا له من العناوين عنوان " المعرفة الأساسيّة لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ( من أهمّ وثائق الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ) "، صغنا مقدّمة عرّفنا بفضلها بإختصار بهذا الحزب و بالصراعات العالميّة حينها و نعتقد أنّ بضعة فقرات من تلك المقدّمة لا تزال مفيدة اليوم في التعريف بهذا الحزب بشكل مقتضب :
" الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية حزب ماركسي - لينيني - ماوي تأسّس أواسط السبعينات من القرن العشرين و تعود جذوره إلى الستينات و السبعينات أي هو نتيجة الصراع الطبقي فى الولايات المتحدة الأمريكية و الصراع الطبقي على النطاق العالمي لا سيما النضال ضد التحريفية المعاصرة عالميا و الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين و تأثيرها المزلزل عالميا كثورة داخل الثورة و قمّة ما بلغته الثورة البروليتارية العالمية فى تقدّمها نحو الشيوعية.
تأسّس الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي فى خضمّ صراع طبقي محتدم فى البلاد و عالميّا سنة 1975 و جاء ثمرة نضالات عدّة مجموعات ثورية أهمّها " الإتّحاد الثوري" و إمتدادا لنضالات الستينات و السبعينات على شتى المستويات ، على أنّه تحوّل نوعي بإعتبار تبنّى المبادئ الشيوعية الثورية الحقيقية ووسائل النضال البروليتارية الثورية و غاية الثورة البروليتارية العالمية ، تحقيق الشيوعية من خلال الثورة المسلّحة المتبوعة بالحرب الأهلية لتحطيم دولة البرجوازية الإمبريالية و إرساء دولة إشتراكية كقلعة من قلاع الثورة البروليتارية العالمية تعمل على السير صوب تحقيق الشيوعية على النطاق العالمي .
وقد شهد هذا الحزب فى مساره عدة صراعات الخطين منها نذكر على وجه الخصوص الصراع الكبير حول الموقف من الصين بعد إنقلاب هواو - دنك عقب وفاة ماو تسى تونغ سنة 1976 حيث عدّ البعض من القادة و الكوادر أنّ الصين لا تزال على الطريق الإشتراكي فى حين أكّدت الأغلبية إستنادا لدراسات على مختلف الأصعدة أنّ الصين شهدت تحوّلا من صين إشتراكية إلى صين رأسمالية و بالتالى وجب القطع معها و فضحها عالميّا . و خرج الخطّ الشيوعي الثوري الماوي منتصرا ما جعل أنصار دنك سياو بينغ يستقيلون من الحزب أو يطردون منه .
و مثّل ذلك حدثا جللا بالنسبة للبروليتاريا العالمية إذ أنّ الحزب الشيوعي الثوريّ الأمريكي وقد حسم الموقف لصالح الشيوعية الثورية و الماوية و الدفاع عن إرث ماو تسى تونغ و الثورة البروليتارية العالمية صبّ جهوده نحو إعادة البناء الثوري للأحزاب و المنظمات بإتّجاه الإعداد للموجة الجديدة من الثورة البروليتارية العالمية على شتّى المستويات. و للتاريخ نذكّر بأنّه بمعيّة الحزب الشيوعي الثوري الشيلي صاغا مشاريع وثائق كانت بمثابة أرضية منذ 1981 لتوحيد الماركسيين - اللينينيين الحقيقيين [ الماويّين ] بدعم هام من الحزب الشيوعي لسيلان لتنتهى هذه النضالات و النقاشات التي شملت الكثير من المنظمات و الأحزاب الأخرى عبر العالم إلى تشكيل الحركة الأمميّة الثوريّة على قاعدة الندوة الثانية و بيان 1984 و إلى إصدار مجلّة " عالم نربحه " منبرا فكريا للنواة السياسية الساعية لإعادة بناء قيادة عالمية جديدة للحركة الشيوعيّة العالميّة. و بموجب تطوّر الصراعات الطبقية عالميّا و بفعل الصراع الداخليّ للحركة الأمميّة الثورية حصلت قفزة نوعيّة أخرى فى 1993 بإعلان تبنّى الحركة جميعها للماركسية - اللينينية - الماوية علما للثورة البروليتارية العالميّة ... "
( إنتهى المقتطف )
و حدث إنشقاق صلب الحركة الأمميّة الثوريّة التي نشطت موحّدة من 1984 إلى تقريبا 2006 و إنقسمت الماويّة إلى إثنين ( أنظروا كتاب " الماويّة تنقسم إلى إثنين " ، العدد 13 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ) و أنتج الحزب الشيوعي الثوري أعمالا عدّة خائضا صراع الخطّين داخل الحركة الماوية و الحركة الشيوعيّة العالميّة تجدون أهمّها في عدّة كتب بمكتبة الحوار المتمدّن وهي موثّقة في فهارس كتب شادي الشماوي كملحق لهذا الكتاب 42 . و إلى ذلك لزاما علينا أن نذكر أبرز كتابين مطوّرين للماركسية – اللينينيّة – الماويّة : الخلاصة الجديدة للشيوعية / الشيوعيّة الجديدة لمهندسها بوب أفاكيان " إختراقات الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة خلاصة أساسيّة " ( الكتاب 35 ) و " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " ( الكتاب عدد 38 ) . و من يتطلّع إلى التعرّف على بوب أفاكيان فعليه ، على سبيل المثال لا الحصر ، بسيرته المعروضة في هذين الكتابين .
و نكتفى بهذا مدخلا و ندعو القرّاء للتمعّن مليّا في مدي أهمّية ظفر ثورة إشتراكية هدفها الأسمى الشيوعيّة على الصعيد العالمي و تحرير الإنسانيّة من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد في قلب الغول الإمبريالي الأمريكي ، بالنسبة للحركة الشيوعية العالميّة و للبروليتاريا العالميّة و لجماهير الإنسانيّة ...
و محتويات هذا الكتاب 42 ، العدد 42 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ، فضلا عن هذه المقدّمة :
الفصل الأوّل - الخطاب الأوّل : لماذا نحتاج إلى ثورة فعليّة و كيف يمكن حقّا أن ننجز ثورة
I - وحدها ثورة فعليّة بوسعها أن تحدث التغيير الجوهريّ الذى نحتاج إليه ؛
إضطهاد السود و غيرهم من ذوى البشرة الملوّنة
إضطهاد النساء و العلاقات الجندريّة الإضطهاديّة
حروب الإمبراطوريّة و جيوش الاحتلال و الجرائم ضد الإنسانيّة
شيطنة المهاجرين و تجريمهم و ترحيلهم و عسكرة الحدود
تحطيم الرأسماليّة – الإمبرياليّة للكوكب
- كيف يمكننا أن ننجز حقّا ثورة ؛II
ملاحق الخطاب الأوّل (4) ( حسب التسلسل التاريخيّ و هي من إقتراح المترجم و قد سبق نشرها )
-1- بصدد إمكانية الثورة
- ردّ جريدة " الثورة "
- رفع راية بعض المبادئ الأساسيّة :
- إستنتاجات جديدة و هامّة :
* بعض النقاط الحيويّة للتوجه الثوري - معارضة للموقف الطفولي و تشويهات الثورة
- 2-" بصدد إستراتيجيا الثورة "
- مقاومة السلطة و تغيير الناس من أجل الثورة :
- التعلّم من رئيس حزبنا ، بوب آفاكيان ، و نشر معرفة و تأثير قيادته ذات الرؤية الثاقبة ، و الدفاع عن هذا القائد النادر و الثمين و حمايته :
- ترويج جريدة حزبنا " الثورة " بأكثر قوّة و شمولية :
- 3 - مزيد من الأفكار عن " بصدد إمكانية الثورة "
- 4 - كيف يمكننا الإنتصار – كيف يمكننا فعلا القيام بالثورة
- لماذا نحتاج إلى ثورة فعليّة
- ما نحتاج القيام به الآن
- كيف يمكننا أن نلحق بهم الهزيمة
الفصل الثاني - الخطاب الثاني : أمل من أجل الإنسانيّة على أساس علميّ و القطيعة مع الفرديّة و الطفيليّة و الشوفينيّة الأمريكيّة
1- لا أمل مقابل لا ضرورة مستمرّة
2- مشكل الفرديّة / الأنانيّة
- الفرديّة الخبيثة و الفرديّة الغافلة
- الفرديّة ، هراء الانتخابات البرجوازية و وهم " التقدّم بلا ألم "
- الطفيليّة و الشوفينينّة الأمريكيّة و الفرديّة
- سياسات الهويّة و الفرديّة
- الفرديّة و " اللامبالاة "
3- المصالح الخاصّة و المصالح العامة – التمييز بين المصالح الطبقيّة و أعلى مصالح الإنسانيّة
4- مقارنة بين وجهة نظر الشيوعيّة و مقاربتها و وجهة نظر الرأسماليّة و مقاربتها لمذهب الفرديّة و الشخصيّة الخصوصيّة
5- وجهات نظر متباينة بشأن معنى الحياة و الموت : ما الذى يستحقّ الحياة و الموت من أجله ؟
- كسر قيود الفرديّة الطفيليّة
6- لا ضرورة مستمرّة و الأمل على أساس علميّ : عالم مختلف راديكاليّا و أفضل بكثير ممكن حقّا ، لكن ينبغي النضال من أجله !
هوامش
الفصل الثالث - الخطاب الثالث : شيء فضيع أم شيء تحريريّ حقّا : أزمة عميقة و إنقسامات متعمّقة و إمكانيّة حرب أهليّة مرتقبة – و الثورة التي نحتاج بصفة إستعجاليّة ؛
أساس ضروريّ و خارطة طريق أساسيّة لهذه الثورة
...
ملاحق الخطاب الثالث ( 5 )
1- ثورة حقيقيّة ، تغيير حقيقي نكسبه – المزيد من تطوير إستراتيجيا الثورة
- النضال ضد الفاشيّة الآن و النضال المستقبلي الشامل
- إلحاق الهزيمة ب " التطويق و السحق " و التقدّم بالنضال الثوري
- " عدد من جريدة الثورة خاص بالجولة الوطنيّة تنظّموا من أجل الثورة – ماي 2019 : 5-2-6 : 5 أوقفوا ؛ 2 خياران و 6 نقاط إنتباه
2- سنة جديدة ، الحاجة الملحّة إلى عالم جديد راديكاليّا – من أجل تحرير الإنسانيّة جمعاء
3- بيان و نداء للتنظّم الآن من أجل ثورة فعليّة
هذه الثورة ليست مجرّد " فكرة جيّدة " – إنّها عمليّا ممكنة
4- هذا زمن نادر حيث تصبح الثورة ممكنة – لماذا ذلك كذلك و كيف نغتنم هذه الفرصة النادرة
- أوّلا ، بعض الحقائق الأساسيّة
- لماذا يعدّ هذا الزمن زمنا تصبح فيه الثورة ممكنة حتّى في بلد قويّ مثل هذا
- ما يجب القيام به لإغتنام هذه الفرصة النادرة للقيام بالثورة
- خاتمة
5- لماذا العالم مضطرب جدّا و ما الذى يمكن فعله لتغييره تغييرا راديكاليّا – فهم علميّ أساسي
- مثال توضيحي لهذه العلاقات و الديناميكيّة الأساسيّتين : لماذا لا يزال السود مضطهَدين بعدُ بخبث ؟
- يتوفّر الآن أساس تحرير كافة الناس المضطهَدين و كافة الإنسانيّة
- من أجل التغيير الجوهريّ للمجتمع ، ينبغي إفتكاك السلطة
- هذه الثورة ممكنة و الحاجة إليها ملحّة
الفصل الرابع - دستور المجتمع البديل : دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا ( مشروع مقترح )
تقديم : حول طبيعة هذا الدستور و هدفه و دوره
يشمل هذا الدستور مدخلا و ستّة أبواب :
الباب الأوّل : الحكومة المركزية .
الباب الثاني : الجهات و المناطق و المؤسسات الأساسية .
الباب الثالث : حقوق الناس و النضال من أجل إجتثاث الإستغلال و الإضطهاد كافة .
الباب الرابع : الإقتصاد و التطوّر الإقتصادي فى الجمهورية الإشتراكية الجديدة فى شمال أمريكا .
الباب الخامس : تبنّى هذا الدستور .
الباب السادس : تنقيحات هذا الدستور .
----------------------------------------
بمثابة الخاتمة : التنظيم من أجل ثورة فعليّة : سبع نقاط مفاتيح
ملحق الكتاب 42 : فهارس كتب شادي الشماوي
--------------------------------------------------------------------------------------------------
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

أمل من أجل للإنسانيّة على أساس علميّ و القطيعة مع الفرديّة و الطفيليّة و الشوفينيّة الأمريكيّة
بوب أفاكيان – جريدة " الثورة " عدد 621 ، 11 نوفمبر 2019
https://revcom.us/avakian/hope-for-humanity-on-a-scientific-basis/index.html

المحتويات :

1- لا أمل مقابل لا ضرورة مستمرّة
2- مشكل الفرديّة / الأنانيّة
- الفرديّة الخبيثة و الفرديّة الغافلة
- الفرديّة ، هراء الانتخابات البرجوازية و وهم " التقدّم بلا ألم "
- الطفيليّة و الشوفينينّة الأمريكيّة و الفرديّة
- سياسات الهويّة و الفرديّة
- الفرديّة و " اللامبالاة "
3- المصالح الخاصّة و المصالح العامة – التمييز بين المصالح الطبقيّة و أعلى مصالح الإنسانيّة
4- مقارنة بين وجهة نظر الشيوعيّة و مقاربتها و وجهة نظر الرأسماليّة و مقاربتها لمذهب الفرديّة و الشخصيّة الخصوصيّة
5- وجهات نظر متباينة بشأن معنى الحياة و الموت : ما الذى يستحقّ الحياة و الموت من أجله ؟
- كسر قيود الفرديّة الطفيليّة
6- لا ضرورة مستمرّة و الأمل على أساس علميّ : عالم مختلف راديكاليّا و أفضل بكثير ممكن حقّا ، لكن ينبغي النضال من أجله !

هوامش
------------------------------------------------------------------------------------
يمثّل النقص الحقيقي في أمل تحقيق حياة أفضل في هذا العالم عائقا ثقيلا يشدّ إلى الأسفل و يخنق و يتسبّب في جراحات عميقة لجماهير الإنسانيّة ، بمن فيها الشباب المحتشدين في غيتوات و الأحياء الشعبيّة لهذه البلاد و كذلك في سجونها المكتظّة، الشبيهة بقاعات التعذيب . و منتهى الفرديّة الذى يلقى التشجيع عبر المجتمع وهوس التركيز على " الذات " قد عزّز الحجب الكثيفة أمام عيون الناس ، حاجبا قدرتهم على التعرّف على إمكانيّة إيجاد عالم مختلف راديكاليّا و أفضل ، يتجاوز الحدود الضيّقة و الخانقة لهذا النظام ، بكلّ فظائعه الحقيقيّة فعلا . هذه هي المسائل الكبرى التي سأتناولها بالحديث هنا .
...

2- مشكل الفرديّة

مثلما أشرت إلى ذلك في " تأمّلات و جدالات " ( و غيره من الأعمال ) تناقض وجود الناس كأفراد ، و كونهم يوجدون كذلك في إطار إجتماعي أوسع و إلى درجة كبيرة يتشكّلون بالإطار الاجتماعي ، تناقض معقّد من المهمّ معالجته معالجة صحيحة . و هذا التناقض يعبّر عن ذاته اليوم بصفة حادة في واقع أنّه بينما يوجد الناس كأفراد ، العذابات الرهيبة لجماهير الإنسانيّة و التحدّيات الإستعجاليّة التي تواجه الإنسانيّة ككلّ نتيجة تصاعد تدمير النظام الرأسمالي – الإمبريالي للبيئة و كذلك إمكانيّة أن يظلّ يخيّم كتهديد للإنسانيّة في وجودها نزاع نوويّ – كلّ هذا لا يمكن بحثه بجدّية فما بالك بحلّه حلاّ عمليّا ، من قبل كلّ فرد يسعى وراء مصالحه الفرديّة الخاصة ، و في الواقع العمل على هذا النحو يمثّل حاجزا كبيرا أمام إيجاد الحلّ الضروري . الفكر الفردي عامل هام و " عنصر توحيد " لدى الكثير من النزعات السلبيّة التي تنهض بدور كبير في منع الناس من الإعتراف بالواقع و عمق الفظاعات التي يجلبها بإستمرار هذا النظام – و الإقرار بالحاجة الإستعجاليّة للعمل ، إلى جانب آخرين ، على إلغاء و إجتثاث كلّ هذا، من جذوره عينها . و يسلّط هذا الضوء على و يشدّد على واقع أنّ الفرديّة ، الذى يقع التشجيع عليها و الذى يتّخذ تعابيرا بأقصى الأشكال في هذا المجتمع خاصة و في هذا الوقت بالذات، مشكل عميق يجب مواجهته و تغييره .
الفردية الخبيثة و الفرديّة الغافلة
ثمّة صنفان كبيران من الفرديّة / الأنانيّة لكلّ منهما ميزات خاصة مختلفة لكنّهما يشتركان في التركيز الأساسي على الإنشغال بالذات . و الفرديّة الخبيثة نوع في منتهى السمّ . إنّه في الأساس نظرة " إننّى أعمل على الحصول على كلّ شيء أستطيع الحصول عليه لنفسى و ليذهب كلّ شخص آخر على الجحيم . و إذا كان عليّ أن أدوس على كلّ شخص آخر للحصول على مرادى . هكذا هو الأمر و سأفعله على أفضل وجه ممن ، للحصول على كلّ ما أريده – أرغب في الحصول على كلّ شيء و أرغب في الحصول عليه الآن ".
و الفرديّة الغافلة فكر فردي قد لا تكون لديه الميزات الخاصة العدوانيّة و قد لا يكون حتّى موقفه عدواني عن وعي تجاه الناس الآخرين عامة ، إلاّ أنّه يعنى البحث عن المصالح و الطموحات الخاصة ، أو " الأحلام " الخاصة دون الإنتباه إلى الأشياء الأشمل التي تحدث في العالم و تأثير ذلك على الجماهير الشعبيّة عبر العالم و بالفعل على مستقبل الإنسانيّة .
لذا هناك أصناف مختلفة ، أو صنفان كبيران ، من الفرديّة ( بدرجات متباينة عديدة ، بديهيّا ) . لكن ما العامل المشترك بينها ؟ الذات. و مثلما أشرت إلى ذلك في الحوار مع كورنال واست سنة 2014 ، الصورة الشخصيّة /" السَلفي " مثال أيقوني نموذجي لكامل هذه النظرة و كامل هذه الثقافة . ليس الأمر أنّ كلّ صورة شخصيّة / " سلفي" في حدّ ذاتها سيّئة ، طبعا . غير أنّ هناك ثقافة كاملة حولها ، و يبلغ الأمر درجة أن يمضي الناس إلى مكنا جميل في الطبيعة و ما الذى ينشغلون به ؟ صورة شخصيّة /" سلفي " لأنفسهم عوض الإنتباه إلى ( و أجل ، أخذ صور ) الجمال الممتدّ المعروض أمامهم . بالنسبة إلى هذه النظرة ، أهمّ شيء هو : " أنا هنا ، أنظروا إليّ ". إنّه " أنظروا إليّ ، أنظروا إليّ ، أنظروا إليّ " أنا روح الشعب هو المهيمن في كلا هذين الصنفين من الفكر الفردي ، حتّى في ذلك الصنف الذى ليس خبيثا عن وعي و إنمّا هو مع ذلك ساهي بشكل مذهل .
قد تبدو الفرديّة الغافلة أقلّ ضررا ( و بكلمات بسيطة أقلّ " قبحا " ) إلاّ أنّه مع ذلك يتميّز بكونه يتجاهل بلا مبرّر ، أو يختار عن وعي تجاهل ما يحدث في العالم الأرحب – أبعد من الذات ( و الدائرة الضيّقة حول النفس ) و تبعات هذا على جماهير الناس في العالم ، و في نهاية المطاف على كافة الإنسانيّة – أو الإنتباه لهذا فقط حينما يؤثّر على المرء تأثيرا مباشرا و بالمعنى الضيّق.
و الآن دعونى أكون واضحا جدّا : هناك أناس في العالم ، جماهير شعبيّة في العالم ، حياتها فوضويّة و معاناتها فظيعة إلى درجة أنّه من العسير جدّا بالنسبة لها حتّى الإنخراط فما بالك بالتعرّف على ، الكثير ممّا يحدث في العالم . ليس أتحدّث عن أولئك الذين يسحقهم سير النظام و يعرّضهم إلى قدر كبير من الأهوال ، في حد ّذاتهم ، فهم حقّا محرومون من حتّى إمكانيّة معرفة و التعاطى مع العالم الأوسع . أنا أتحدّث عن الذين لديهم فرص للقيام بذلك ، سواء بذهنيّة غافلة ( أم خبيثة ) ، أو بطريقة أكثر " لطفا " لكن مع ذلك طريقة خبيثة ، يختارون عدم الإنتباه لهذه الأشياء. لست بالضرورة معارضا لمشاهدة الناس لبعض أشرطة الفيديو على اليوتيوب عن الهرر تلعب بالكمنجاة ( أو أشياء مشابهة على الأنترنت ) ، لكن إن كان ذلك الشيء شغلك الشاغل – فما بالك إن كان شغلك الشاغل هو الإعتداء على الناس و شتمهم على الأنترنت )- حينئذ ، بداهة ، هذا شيء كلّ إمرء شريف ينبغي أن يهتمّ به و يعارضه بقوّة و يناضل ضدّه بشدّة .
-----------------------
الفرديّة ، هراء الانتخابات البرجوازية و وهم " التقدّم بلا ألم "

[ ملاحظة أضافها المؤلّف ، بوب أفاكيان ، نهاية 2019 :
هذا العمل المنشور هو في الأصل نصّ خطاب ألقيته في ربيع 2019 ، و القسم الموالى ( " الفرديّة ، هراء الانتخابات البرجوازيّة و وهم " التقدّم بلا ألم " ) قد نُشر ( على موقع revcom.us) في بداية صيف هذه السنة . و في أواخر سبتمبر 2019 ، غيّرت ننسى بيلوسى ( و قيادة الحزب الديمقراطي الى هي من أبرز ممثّليه ) ، عقب تأكيد عنيد و مديد على رفض طلب إقالة الرئيس دونالد ترامب ، رأيها و أعلنت أنّه سيقع التقدّم ب " طلب إقالة الرئيس " ترامب. و هذا التغيير قد قام على – و بيلوسى و من لفّ لفّها قد حاولوا تركيز " طلب إقالة الرئيس " هذا ، بصورة طاغية و إن لم يكن فقط ، على إكتشاف ( منبعه تقرير " مبلّغ " للحكومة ) بأنّ ترامب تورّط في جهد الضغط على الحكومة الأوكرانيّة لتقدّم له " خدمة " تقصّى ( أو " طبخ " ) قذارات جو بيدن ، نائب الرئيس السابق ( في ظلّ رئاسة أوباما ) و منافس قيادي من أجل تسمية الحزب الديمقراطي للإنتخابات الرئاسيّة سنة 2020 . و قد صنّفت بيلوسى و الحزب الديمقراطي هذا على أنّه تجاوز لسلطة الرئاسة بحثا عن مصالح شخصيّة لترامب ( لا سيما بالنظر إلى انتخابات 2020 ) و شدّدا على تأكيدهما أنّ جعل هذه " الخدمة " أساس ( و مقابل ) تواصل المساعدة العسكريّة من الولايات المتّحدة لأوكرانيا في مواجهتها من القوى الموالية لروسيا ، ترامب " قوّض الأمن القومي للولايات المتّحد " ، لا سيما في علاقة بمنافسه الأهمّ روسيا . بكلمات أخرى ، بينما ، من منظور برجوازي ، إنشغالهم ب " المصالح القوميّة " الإمبرياليّة للولايات المتّحدة، وب" ضوابط " كيفيّة حكم هذا النظام المفروضة و المحافظ عليها ، و أهميّة " الإنتقال السلمي " بالنسبة إليهم، من إدارة إلى أخرى عبر الانتخابات - و الخطر الذى يمثّله على هذا تجاوز ترامب لهذه " الضوابط " - واقعي جدّا ؛ فإنّ بيلوسى و من لفّ لفّها ، بتركيزهم في " مطلب الإقالة من الرئاسة " هذا على أساس ضيّق ، قد أكّدوا على واقع أنّهم يتصرّفون وفق فهمهم لمصالح رأسماليّة – إمبرياليّة الولايات المتّحدة و سعيها إلى البقاء قوّة إمبرياليّة مهيمنة في العالم، و أنّهم يواصلون رفض المطالبة برحيل ترامب على أساس عدّة مواقف مهينة و تصرّفات شنيعة ضارة بمصالح الجماهير الشعبيّة ، ليس في الولايات المتحدة وحدها بل عالميّا : عنصريّته المفضوحة و تشجيعه لتفوّق البيض و لعنف تفوّق البيض ؛ كرهه الفجّ للنساء و هجماته على حقوق النساء و من ذلك و أبرزها حق الإجهاض ، و هجومه على حقوق المحوّلين جنسيّا ؛ و نداءاته المتكرّرة لأجل و دعمه لتشديد القمع و السحق العنيفين للمعارضة ؛ و تمييزه العنصري ضد المسلمين و إستهدافه القاسي للمهاجرين الذى يشمل وضعهم في عزلة في ظروف شبيهة بظروف معسكرات اسرى الحرب ، بما في ذلك للذين يفرّون من الإضطهاد و التهديد الحقيقي جدّا بالموت في " مواطنهم " و يبحثون عن اللجوء السياسي على ذلك الأساس ؛ و فصل حتّى الأطفال الصغار في السنّ جدّا عن أوليائهم ؛ و هجومه على العلم و البحث العلمي عن الحقيقة ، بما في ذلك إنكار علم تغيير المناخ و مواصلة التحرّك لتقويض حتّى أصغر الحمايات غير الفعّالة كلّيا للبيئة و الإنقلاب عليها ؛ و تهديداته بتحطيم دول ، بما في ذلك عبر إستخدام أسلحة نوويّة – بإختصار ، سعيه الشامل إلى تعزيز تام لحكم فاشيّ و تكريس أجندا فظيعة ، فاشيّة ، ذات تداعيات رهيبة على جماهير الإنسانيّة .
و في حين أنّه ، زمن كتابة هذا البحث ، لم يكن جليّا إلى ماذا سيؤدّى " مطلب إقالة الرئيس " هذا – هل ستقع إحالة عمليّة لترامب على مجلس النواب و ماذا سيحصل عندها في مجلس الشيوخ لتحديد ما إذا ينبغي أن يحوّل إلى القضاء و يبعد عن وظيفته أم لا – من الجليّ بعدُ أنّ الطريقة التي يبحث بها الديمقراطيّون عن التركيز الضيّق على إقالة ترامب تؤكّد بعدُ مجدّدا على أهمّية نقاط التوجّه الأساسيّة هذه :
- يبحث الديمقراطيّون ، إلى جانب جريدة " النيويورك تايمز " و جريدة " الواشنطن بوست " إلخ ، عن معالجة هذه الأزمة مع رئاسة ترامب في إطار هذا النظام ، و في مصلحة الطبقة الحاكمة لهذا النظام ، التي يمثّلونها . ونحن ، جماهير الشعب، يجب أن نخرج و نعبّأ أنفسنا بالملايين ، لمعالجة هذا في مصلحتنا نحن ، في مصلحة الإنسانيّة ، وهي مصالح مختلفة جوهريّا عن و متعارضة مع مصالح الطبقة الحاكمة .
- و هذا طبعا ، لا يعنى أنّ الصراع في صفوف السلط القائمة غير ذي جدوى أو غير هام ، بالأحرى ، طريقة فهم و مقاربة هذا ( و هذه نقطة ينبغي كذلك تكرارها أمام الجماهير ، بما في ذلك عبر النضال الضروري ، المخاض بصفة جدّية ) بمعنى كيف يرتبط و ما هي الإنفتاحات التي يمكن أن يوفّرها ، " الصراع من الأعلى "- لتعبأة الجماهير الشعبيّة حول مطلب وجوب رحيل كامل النظام ، لأنّه ذا طبيعة فاشيّة و لأنّ أعماله فاشيّة ، و حول التحدّيات التي تواجه الإنسانيّة .
بوضوح إقالة ليس ترامب فحسب بل كذلك نائب الرئيس المسيحي الفاشي مايك بانس ، و بالفعل كامل هذا النظام الفاشيّ أمر أهمّيته إستعجاليّة .لكن هذا لن يخدم سوى المصالح الجوهريّة للجماهير الشعبيّة – و ليس في هذه البلاد فقط بل في العالم بأسره – إذا تمّ بلوغ ذلك ، ليس على أساس حصر الأمور في إطار و عبر مزيد خدمة " المصالح القوميّة " للإمبراطوريّة الأمريكيّة القمعيّة بشكل وحشيّ ،و إنّما على أساس تعبأة المعارضة الجماهيريّة لنظام ترامب / بانس الفاشي الذى أفرزه وصعّده إلى السلطة " السير العادي " لهذا النظام ، وهو تعبير متطرّف عنه لكنّه ليس نوعا من الشيء " الغريب" عنه . )
[ إنتهت الملاحظة المضافة من بوب أفاكيان ، نهاية 2019 ]

كلّ هذا – حتّى الذى يبدو أقلّ " ضررا " أو الفردية الغافلة – مرتبط بالتأكيد المتكرّر و العنيد للبحث عن وهم التقدّم بلا ألم . لو جعل أحدهم الناس ينزعجون – و حتّى أكثر ، لو دافع عن أفق التضحية ، التضحية الضروريّة من جانبهم – الكثير و الكثير منهم سيديرون ظهورهم له. و كما أشرت قبلا ، هناك كامل الموقف المتّصل بمقاربة الحقيقة كما لو أنّها " بوفيه " / طعام وفير على الموائد أو مقاربتها مقاربة المستهلك : " حسنا ، هذا يزعجنى بالتالى أضعه ببساطة جانبا . لا أودّ النظر إلى ذلك لأنّه يزعجنى ".
و لاحقا سأتناول بالحديث بعض أشكال ذلك الأكثر سخافة و خزيا لكن فقط لتقديم فكرة أوّليّة ، كما أشرت في كتاب " الشيوعية الجديدة " ، قصد البعض المركّبات الجامعيّة قبل بضعة سنوات بملصقة كبيرة عليها صور الذين سُلبت حياتهم، الذين قتلتهم الشرطة ( ليس كلّهم ، بأي شكل من الأشكال ، و إنّما العشرات منهم ) ، و أتى شخص و أخذ ينتحب : " لا أودّ أن أرى هذه الملصقة ، إنّها تجعلنى أشعر بعدم الأمان ". و كما علّقت وقتها : آه ، أي أي أي ! و لنترك جانبا هذا التعجّب و لننطلق في الحديث عن و في نقاش جدّي لما يحدث للجماهير الشعبية ، و جزء منه له دلالته و تمثّله تلك الملصقة .
من أكثر الأشكال الشائعة و الإشكاليّة لهذا التأكيد المتكرّر و العنيد للبحث عن وهم " التقدّم بلا ألم " ، بصفة خاصة في صفوف الذين يعتبرون أنفسهم نوعا ما مستنيرين ( أو تقدّميّين ، أو " متيقّظين " ، أو كما يرغبون في وضع ذلك ) هو ما نطلق عليه عن حقّ هراء الإنتخابات البرجوازيّة ( باب BEB )- و ظاهرة أنّ الناس يحصرون أنفسهم بإستمرار في حدود ضيّقة لما يقدّم لهم من قبل قسم من الطبقة الحاكمة ، مثلما يتجسّد في الحزب الديمقراطي .: " هناك حدود في ما سأعتبره إمكانيّة إحداث تغيير "- لأنّ هذا هو المنوال المتّبع جدّا بشأن الأمر القائم ، على الأقلّ إلى هذه اللحظة ، وهو آمن نسبيّا بمعنى الإلتزام السياسي . و قد يغدو غير آمن مستقبلا ذلك أنّه رهن كيفيّة سير الأمور مع هؤلاء الفاشيّين الذين يعملون على توطيد سلطتهم الآن بالذات من خلال النظام الحاكم لترامب/ بانس . لكن بالنسبة إلى الوقت الحالي ، يبد نسبيّا غير مؤلم. و هو كذلك غير فعّال تماما و لا يأتي بأيّ نوع من التغيير المرجوّ بيد أنّه طريقة للشعور بأنّنا نقوم بشيء بينما نتجنّب أيّة تضحية ، و حتّى أي إزعاج حقيقي .
و من الطرق التي يُعبّر بها عن هذا ، إلى جانب هراء الانتخابات البرجوازيّة عدم مواجهة الناس بجماهيرهم ، واقع فاشيّة ترامب / بانس ، و بالتالى تراهم لا يتحرّكون بطريقة تتناسب و الخطر و الفظائع الأكبر حتّى الممكنة التي يمثّلها .
و لمجرّد العودة إلى الوراء ، و الحديث عن عنصر هام للغاية بهذا الشأن لمسته قبلا ، إنتخاب ترامب – عبر المعهد الإنتخابي ، و ليس عبر الإنتخاب الشعبي المباشر – هو ، بالمعنى الحقيقي ، إمتداد للعبوديّة : الذين صوّتوا لترامب هم صنف الناس الذين كانوا سيكونون موالين للعبوديّة ، لو كانوا موجودين زمن العبوديّة في الولايات المتّحدة. و الذين يجدون ذلك مقبولا أن يوجد تفوّق البيض المفضوح لترامب في البيت الأبيض هم صنف الناس الذين كانوا قد تجاهلوا أو كانوا سيقبلون بشكل واضح و يبرّرون أو يعقلنون العبوديّة عندما كانت قائمة . و هنا عليّ أن أذكر ما إعتقدت أنّه تعليق ثاقب النظر جدّا من قبل رونالد ريغان الإبن ( أجل إبن رونالد ريغان المستقلّ ، الذى كان ، و هذا لفائدته ، لاديني صريح) : " قاعدة " ترامب التي كثيرا ما جرى تحليلها ستواصل دعمه مهما فعل ، قال رون ريغان ( و هذه منه رؤية ثاقبة جدّا ) ، لأنّ ترامب يكره كافة ذات الناس الذين يكرهونهم هم ."
و في تعارض مع كلّ التعمية حول الصعوبات الإقتصاديّة التي يشهدها الناس إلخ إلخ و التي غالبا ما تستخدم لعقلنة لماذا صوّت الناس لترامب و واصلوا دعمه ، ما أشار غليه رون ريغان بحدّة هو جوهر " قاعدة " ترامب الإجتماعيّة . و بالمناسبة ، لاحظوا كيف أنّ وسائل الإعلام السائدة ، السى أن أن و ما شابه ، تستخدم بإستمرار مصطلح " قاعدة " ترامب. و هذه المفردة تبدو محايدة في معناها في حين أنّ هؤلاء هم حزمة من الفاشيّين ، أليس كذلك ؟ و باللجوء إلى هذه الكنايات الملطّفة في التعبير أو هذه المفردات التي تبدو محايدة من مثل " قاعدة " التي مرّ بنا ذكرها ، يتمّ حجب و ذرّ الرماد في عيون الناس كي لا يشاهدوا ما يمثّله عمليّا ترامب إلى درجة كبيرة . و قد واصل رون ريغان ليشرح أنّهم : يكرهون المتحوّلين جنسيّا ، يكرهون النساء ( النساء المستقلاّت و واقعيّا جميع النساء ) ، و يكرهون السود و يكرهون المهاجرين و يكرهون المسلمين و ما إلى ذلك . و ترامب يكره بالذات كلّ هؤلاء الذين يكرهونهم هم .
لهذا لن يتركوه أبدا ، مهما فعل . و لهذا كان بوسعه بحق أن يسوق هذا التصريح : " بإمكاني أن أطلق النار على أحد في الشارع الخامس من مدينة نيويورك و لن يدير لى هؤلاء ظهورهم ".
و في الوقت نفسه ، يجب نقول بوضوح تام : بالنسبة للملايين و عشرات الملايين ، الذين يقولون إنّهم يكرهون كلّ ما يدافع عنه ترامب و كلّ ما يفعله ، غير انّهم ، بعد كلّ هذا الوقت ، لم ينزلوا بعدُ إلى الشوارع في تعبئة مستمرّة تطالب بضرورة رحيل نظام ترامب/ بانس ، فإنّ هذا يجعل منهم متواطئين مع هذا النظام الفاشي و يجعل منهم هم أنفسهم مذنبين بجريمة مريرة هي التسامح مع هذا النظام عندما كانوا بعدُ يملكون إمكانيّة تحقيق مطلب رحيله من خلال مثل هذه التعبئة الجماهيريّة !
و حتّى نعيد بشكل تقريبي ما قاله بول سيمون : إنّهم يبدّدون مقاومتهم بحفنة من تمتمات الجيب – و أسوأ – منبعها الحزب الديمقراطي .
لقد مرّ وقت طويل – و لا يزال هناك متّسع من الوقت لكن ليس الكثير منه – لكي يتغيّر هذا ، لكي تنزل الجماهير الشعبيّة في الأخير إلى الشوارع ، و تبقى فيها بتصميم لا يتزحزح على أنّه يجب على النظام الفاشيّ أن يرحل !
و إليكم هنا بضعة أسئلة وثيقة الصلة بموضوعنا لتطرح على الملايين و عشرات الملايين من الذين يكرهون كلّ ما يدافع عنه ترامب بيد أنّهم أخفقوا في أو رفضوا تعبئة الجماهير في حركة غير عنيفة و إن كانت مسترسلة حول مطلب وجوب رحيل نظام ترامب. بانس من السلطة كما نادت بذلك حركة " لنرفض الفاشيّة " (9): إذا لم تنزلوا إلى الشوارع الآن للمطالبة بوجوب رحيل نظام ترامب. بانس ، ماذا ستفعلون إن جرت إعادة إنتخاب ترامب ( ربّما عبر المعهد الإنتخابي ، حتّى لو خسر التصويت الشعبي )؟ و ماذا أنتم فاعلون لو خسر ترامب الانتخابات ( حتّى بحساب المعهد الإنتخابي ) إلاّ أنّه بعد ذلك رفض الإعتراف بالنتائج و أكّد أنّه لا يزال رئيسا ؟!
و في الوقت نفسه ، من الضروري الإشارة إلى مشاكل جدّية للغاية متّصلة بالسذاجة الخطيرة و الموقف " اليساري" لبعض المثقّفين " التقدّميين" . فعلى سبيل المثال ، شخص مثل غلان غرينوالد الذى قام بأشياء جيّدة في فضح تجاوزات حقوق الشعب في ظلّ هذا النظام – حقوق الإنسان ، الحقوق المدنيّة و الحرّيات المدنيّة – لكنّه كلّما جرى الحديث عن الجرائم و الفظائع الرهيبة التي يمثّلها نظام ترامب / بانس ، يؤكّد في الحال أشياء من مثل ، " أجل ، لكن ماذا عن هيلاري كلينتن و ماذا عن الديمقراطيّين و ما إقترفوه من فظائع ؟ " . و كلّ هذا صحيح . مثلما أشرنا إلى ذلك : الحزب الديمقراطي آلة جرائم حرب كبيرة و جرائم ضد الإنسانيّة . ينبغي نشر هذا في أسواط الشعب . و في الوقت نفسه ، من الضروري الإعتراف بأنّ الحزب الجمهوريّ فاشيّ ، و إذا لم نفهم أنّ لهذا معنى حقيقيّا و أهمّية واقعيّة – و في كلّ مرّة يتحدّث فيها أحد عن الإعتداءات و الأهوال المقترفة من قبل هؤلاء الفاشيّين ، تؤكّدون فى الحال ، " أجل ، لكن ماذا عن الديمقراطيّين ؟ " – فلأنّكم تقودون الناس أو تذهبون بالناس بعيدا عن الديناميكيّة الواقعيّة لما يجرى هنا و عن المخاطر الحقيقيّة .
ثمّ ، هناك سلافوج تزيزاك . مثلما وضع ريموند لوتا ذلك بوضوح كبير في مقاله " سلافوج تزيزاك أحمق متعجرف يتسبّب في ضرر كبير ":
" سلافوج تزيزاك فيلسوف مخادع له تأثيره وهو غالبا ما يقدّم نفسه على أنّه " شيوعي " . على شاشة التلفزة البريطانيّة ، صرّح بدعمه لدونالد ترامب . و حسب رأيه ، إنتصار ترامب سيساعد الجمهوريين و الديمقراطيين على " إعادة التفكير في أنفسهم " ـ و يمكن أن يدفع إلى " نوع من الإستفاقة الكبرى " . و متحدّثا من البرج العاجي " ليس هناك ما يقلقنى " ، أعرب تزتزاك عن أنّ ترامب " لن يُدخل الفاشيّة " ." (10)
و كما يؤكّد لوتا بصيغة مختصرة بعد ذلك :
" هذا موقف خاطئ ، هذا سمّ ." و هذا شبيه بنوع التفكير الغالط و الخطير الذى سقط فيه أناس مثل غلان غرينوالد و هو ينشره . شأنه شأن غلان ، يشمل إستخفافا بالواقع الفعلي و بالخطر الفعلي لما تمثّله الفاشيّة ، حتّى ، مرّة أخرى ، و الحزب الديمقراطي أداة للدكتاتوريّة البرجوازيّة ، و آلة جرائم حرب كبرى و جرائم ضد الإنسانيّة .
و هذا الصنف من التفكير الخاطئ يجسّده كذلك شخص مثل جوليان آسنج الذى ، حسب كافة المظاهر ، و يبدو أنّ هذا هو الحال ، قد ساهم في المؤامرات التي الذى حثّت بحملة ترامب ، مورّطا عل ما يبدو الروس فى ذلك ، و الذى قام بتقديم ذات نوع العقلنة التي وضعها تزيزاك ، كما ذكره ريموند لوتا – أنّ كلينتون و الحزب الديمقراطي يمثّلان النظام القديم ، الطرق القديمة لفعل الأشياء ، و عن هُزما و دخل شخص من خارج النظام إلى النظام ، سيزعزع الأمور. لقد سمعت آسنج يقول ( و ليس فقط آخرين يصفون موقفه ) : لعلّه سيؤدّى إلى تغيير سلبيّ ، و لعلّه يؤدّى إلى تغيير إيجابي ، لكن على الأقلّ سيؤدّى إلى تغيير – أو سيفسح المجال لإمكانيّة تغيير .
حسنا ، أي نوع من التغيير يؤدّى إليه عمليّا ؟ لا مجال للاأدريّة / لا عرفانيّة أو الجهل بشان نوع التغيير الذى يؤدّى إليه . أجل ، الدكتاتوريّة البرجوازية مهما كان شكلها سيّئة للغاية بالنسبة للجماهير الشعبيّة ، إضطهاديّة جدّا و قمعيّة جدّا تجاه الجماهير الشعبيّة ، و من الضروري الإطاحة بها . لكن دكتاتوريّة فاشيّة تدوس أي إدعاء بالدفاع عن حقوق الشعب ليست شيئا يجب تصنيفه ضمن " لعلّه سيؤدّى إلى تغيير إيجابي أو لعلّه يؤدّى إلى تغيير سلبي".
الآن و نحن نقوم بهذا النقد الحاد ، بالخصوص في ما يتصل بجوليان آسنج ، في منتهى الأهمّية التأكيد على الحاجة إلى معارضة إضطهاد آسنج من قبل إمبرياليي الولايات المتحدة و إضطهادهم له هو كردّ فعل و إنتقام من جهتهم – ليس له صلة بالروس بل بشكل طاغي له صلة بفضح لا أكثر من بضعة جرائم وحشيّة لهذا النظام . و بهذا المضمار ، هناك مقال مهمّ عنوانه " جوليان آسنج و الحرب على المبلّغين " (11) لأدوارد واسرمان وهو أستاذ صحافة و عميد معهد الصحافة في جامعة كاليفرنيا ، بركلى . و يشير واسرمان إلى انّه مهما كانت إخفاقاته ، السياسيّة منها و الشخصيّة ، فإنّ جوليان آسنج من خلال ويكيليكس " مكّن من كشف مدهش لأسرار رسميّة "، بما فيها ، كما وضع ذلك واسرمان ذاته ، " جرائم حرب و تعذيب و فظائع ضد المدنيّين في العراق و أفغانستان " إرتكبتها الولايات المتحدة و لهذا يقع الهجوم عليه في المجال القانوني و سياسيّا من طرف الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدّة . و هذا البعد هو الذى يحتاج الناس للوحدة معه للدفاع عن آسنج ، حتّى مع حدوده و إخفاقاته . و الحاجة إلى الدفاع عن آسنج و أهمّية ذلك ، لا سيما ضد الإضطهاد السياسي / القانوني له من طرف حكومة الولايات المتحدة ، قد تصاعدت بدرجة كبيرة بفعل واقع أنّ هذا الحكم ( الذى يتراّسه نظام ترامب / بانس الفاشي ) قد راكم الآن تهما جدّية للغاية إستخباراتيّة في هذه السيرورة من الإضطهاد ، ذات تبعات سيّئة ليس بالنسبة لآسنج و حسب بل بالنسبة للكثيرين و كلّ الذين سيتجرّؤون على كشف و فضح جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانيّة التي تقترفها بإستمرار الإمبريالية الأمريكية و مؤسّسات عنفا و قمعها .
و مع ذلك ، دون أن نخفق بأيّة طريقة في إيلاء الأهمّية و التأكيد على معارضة هذه التحرّكات القمعيّة لحكومة الولايات المتّحدة ، يظلّ من الضروري و هناك أيضا أهمّية كبرى لنقد هذه النظرة و المقاربة المتجسّدة في تفكير أناس من أمثال آسنج و غرينوالد وكذلك تزيزاك . فكرة أنّ هؤلاء السياسيّون البرجوازيّون ( أو " سياسيو النظام القائم " ) ببساطة " جميعهم متماثلون " ، دون إجراء أي تحليل للفروقات الطفيفة أو حتّى الإختلافات البارزة في صفوفهم و إنعكاساتها على الجماهير الشعبيّة ، جماهير الإنسانيّة – أمر في غاية الضرر .
هنا يحسن بنا النظر في النقد الذى أثاره الشيوعيّون الألمان في فترة صعود هتلر و النازيّين إلى السلطة في ألمانيا في ثلاثينات القرن العشرين ز الشعار الذى ينسب إلى الشيوعيين الأمان : " بعد هتلر ، نحن " . بكلمات ، ، صنف التفكير نفسه – أ هتلر وهو يتراّس الحكم سيزعزع الأمور و سيفرز أزمة في المجتمع و عندها ستتوفّر فرصة يغتنمها الشيوعيّون للصعود إلى السلطة ز و قد مثّل هذا إستخفافا جدّيا للغاية بما كان يمثّله هتلر و النازيّون و إنعكاسات ذلك الرهيبة كذلك على الإنسانيّة . أجل ، كان ينبغي على الشيوعيّين هناك أن يكونوا صرحاء و أن يعارضوا بصرامة كامل النظام على أساس ثوريّ ، لكن كان كذلك من المهمّ جدّا و من الضروري جدّا الإعتراف بأنّ هتلر و النازيّين كانوا ممثّلين فاسدين بوجه خاص و متطرّفين لكافة فظائع هذا النظام ، و أنّهم سيكرّسونها بأشكال غاية في التطرّف.
و بالتالى ، في علاقة بكلّ هذا ، هناك حاجة لمقاربة علميّة لبناء معارضة للفاشيّة المتجسّدة في نظام ترامب/ بانس في الولايات المتّحدة اليوم ، على نحو يكون معتمدا على و منطلقا من فهم مكثّف في أعمال لى من مثل " الفاشيّون و تحطيم " جمهوريّة ويمار "...و ما سيعوّضها " (12) و " لا يجب أن نكون لا جيرى روبان و لا حتّى ديمتروف و إنّما عمليّا شيوعيّون ثوريّون : تحدّى الدفاع عن الحقوق الجوهريّة – من منظور شيوعي ، و ليس من أي منظور آخر " .(13)
و مثلما شدّدت على ذلك في عدّة مناسبات ، و مثلما يتكثّف ذلك في الشعار الذى تقدّمنا به : " الحزب الجمهوري فاشي، الحزب الديمقراطي كذلك آلة جرائم حرب كبرى و جرائم ضد الإنسانيّة ". و يبرز هذا أهمّية مظهري الأشياء : الإقرار بخصوصيّة ما تمثّله فاشيّة نظام ترامب / بانس و الحزب الجمهوري ككلّ ، و مواجهة طبيعة النظام ككلّ و جرائمه الكبرى، و كلّ مسيّريه و فارضيه ، و ضمنهم نهائيّا الحزب الديمقراطي .
في مقال بجريدة " النيويورك تايمز " ، " العنصريّة تخرج من الخزانة "، يسلّط بول غوغمان الضوء على نقطة أنّ دونالد ترامب و كذلك الحزب الجمهوري ككلّ قد مرّا من عنصريّة " التصفير إلى الكلب " إلى التعبير عنها بصفة مفضوحة و بفجاجة . و يختتم غوغمان هذا المقال على النحو التالي ، مشيرا إلى فسخ الحزب الجمهوري لأيّ إدّعاء حتّى بمعارضة العنصريّة :
" من المغرى للمرء قول إنّ إدعاءات الحزب الجمهوري بدعم المساواة بين الأجناس كانت على الدوام منافقة ؛ و من المغرى للمرء حتّى الترحيب بالتحرّك من التصفير للكلاب إلى العنصريّة المفضوحة . لكن إن كان النفاق هو الضريبة التي تدفعها الرذيلة إلى الفضيلة ، ما نراه الآن هو حزب لم يعد يشعر بالحاجة إلى دفع تلك الضريبة . وهذا مخيف بصفة عميقة. (14)
و هكذا ، يسجّل غروغمان نقطة هامة و مفيدة – ثمّ يمضى في حديثه . المشكل أنّه لا يمضى بعيدا بما فيه الكفاية و بالأخصّ لا يقطع مع الإطار المقيّد للتناقضات و النزاعات صلب أحزاب الطبقة الحاكمة ( الجمهوريّون و الديمقراطيّون ). موقف الادعاء موقف منافق بمعارضة هكذا فظائع على أنّها إضطهاد عنصريّ بينما في الوقاع هم يتحرّكون كممثّلين و ساهرين على سير و فارضى نظام هذا الإضطهاد مبنيّ في أسسه و ليس بوسعه الوجود دون هذا الإضطهاد – و لا ينسحب هذا على الحزب الجمهوري في الماضي ( إذا ما إنسحب أبدا على ذلك الحزب على طول الخمسين سنة الماضية أو أكثر ) و إنّما ينسحب أيضا على الحزب الديمقراطي ز ما يقع تكثفه في هذا الوضع هو الحاجة إلى الإعتراف و المعالجة الصحيحة لتناقض واقعي و حاد للغاية : واقع أنّ ، من جهة ، الحزب الديمقراطي ، مثله مثل الحزب الجمهوري ، حزب تابع للنظام الذى يقترف بإستمرار ، و ليس بوسعه عدم إقتراف ، جرائم كبرى ضد جماهير الإنسانيّة وهو يجسّد تهديدا لذات مستقبل الإنسانيّة في وجودها ؛ و من جهة أخرى ، واقع أنّ ( لإعادة ذكر تقريبي لما مرّ بنا أعلاه من مقال غرغمان ) هناك إختلاف واقعي جدّا و خطر مباشر جدّا يتجسّد في أنّ أحد أحزاب الطبقة الحاكمة هذه ( الجمهوريّون ) يتخلّى بصفة مفضوحة عن الكثير من الإدّعاء بأنّه ليس إلاّ جشعا ، و أجل عنصريّ و ناهب للبشر و محطّم للبيئة . و يتطلّب هذا تلخيصا صحيحا بالمعنى الجوهريّ ، معارضا النظام برمّته ، و الحزبين الذين يمثّلان أدواته ،و العمل بنشاط ، بطريقة مستمرّة ، بإتّجاه الهدف الإستراتيجي للقضاء على النظام برمّته ، بينما كذلك ، بذات الأفق الإستراتيجي الجوهري ، الإقرار بالخطر الشديد المباشر الذى يمثّله نظام ترامب / بانس الفاشي و اسعي بصورة إستعجاليّة لحشد الجماهير الشعبيّة في حركة غير عنيفة و مستمرّة حول طلب وجوب رحيل هذا النظام !
إنّ الإخفاق في الإعتراف الحقيقي و العمل بناءا على هذا الفهم ، بمختلف مظاهره و بكامل أبعاده ، وثيق الإرتباط جدّا بالفرديّة – خاصة في شكل البحث عن وهم التقدّم بلا ألم ، بدلا من نيّة مواجهة الحقائق غير المريحة و المزعجة و التحرّك وفقها ، حتّى مع التضحيات التي يمكن أن تتطلّبها .
مع كلّ الفوارق الدقيقة و خصوصيّات التناقضات التي ينبغي الإقرار بها يمكن لهذه الحقيقة الحيويّة أن توضع بهذه الطريقة الأساسيّة و المكثّفة :
الحزب الديمقراطي جزء من المشكل ، و ليس الحلّ .
هنا يجب رفع تحدّى أمام جميع الذين يؤكّدون على موقف أنّ " الديمقراطيين هم البديل الواقعي الوحيد " : على موقع أنترنت revcom.us
ثمّة سلسلة مقالات عنوانها " الجرائم الأمريكية " وهي تسجّل و تقدّم في خطوط عريضة أكبر جرائم الطبقة الحاكمة للولايات المتحدة بشاعة ، عائدة إلى بدايات هذه البلاد وصولا إلى اليوم الحاضر ، و التي إقتُرفت في ظلّ إدارات الجمهوريّن و الديمقراطيين. و إليكم التحدّى : إذهبوا إلى الموقع إيّاه و إقرؤوا سلسلة مقالات " الجرائم الأمريكية " ، و بعد ذلك تعالوا و حاولوا أن تشرحوا لماذا من اللائق الوقوع في أحابيل دعم الديمقراطيين .
إلى جانب جرائم أخرى ، و بوجه خاص دوره في الحفاظ على هذا النظام و تعزيزه ، في الظروف الراهنة ، الحزب الديمقراطي هو كذلك مسهّل نشيط للفاشيّة إعتبارا لرفضه ، حتّى في إطار النظام الذى يمثّله ، القيام بأي شيء له مغزى لمعارضة فاشيّة نظام ترامب / بانس . و يتجسّد هذا بصورة مكثّفة في تأكيد قائدة الحزب الديمقراطي ننسى بيلوسي ( أو بغلوسي ، كما يتعيّن تسميتها ) أن مطلب إقالة الرئيس ، مرّة أخرى ، خارج جدول الأعمال . و قد يتذكّر البعض ( إن لم يكونوا إختاروا نسيان ) ، و آخرون قد لا يكونوا يعرفون ذلك حتّى ، لكن وُجد شعور عارم بضرورة طلب إقالة الرئيس جورج بوش الإبن حوالي سنة 2005-2006 ، لا سيما جرّاء دفعه البلاد إلى الحرب ، مهاجما و غازيا العراق و متسبّبا في دمار و قتل هائلين في ذلك البلد ، على أساس أكاذيب منهجيّة كانت تصدر عن وعي و قصد عن نظامه برمّـته ، بما في ذلك عن كولين باول و كيد تشانى و دونالد رامسفيلد و كندوليزا رايس و البقيّة ، الذين كانوا عمدا و بمنهجيّة يكذبون بشأن إمتلاك العراق لأسلحة دمار شامل و تهديدها المفترض للولايات المتحدة ( و " حلفاء " الولايات المتّحدة ) بهذه الأسلحة . و كانت تلك الأكاذيب ترمى إلى عقلنة و تبرير شنّ الولايات المتّحدة للحرب العدوانيّة ضد العراق – و هذا في الواقع ، كان جريمة حرب عالميّة . وُجد شعور كبير بضرورة المطالبة بإقالة الرئيس جورج بوش الإبن ، بصفة واسعة على ذلك الأساس . و في انتخابات 2006 ، عندما كسب الديمقراطيّون التحكّم في كلّ من جلس النواب و مجلس الشيوخ ، على الفور أعلنت نانسى بيلوسى أنّ مطلب إقالة الرئيس غير وارد على جدول الأعمال . و الآن تقوم بالشيء نفسه مجدّدا – وهي تقوم بهذا ليس بإسمها الشخصي بل كممثّلة لقيادة الحزب الديمقراطي . و لإستعارة مفردة من مشهد عصابات " المنادون بالرصاص " من الحزب الديمقراطي يقولون : " لا ينبغي أن نطالب بإقالة ترامب لأنّ ذلك ببساطة سيخدم مصلحته ؛ إنّه يسعى إلى دفعنا إلى المطالبة بإقالته ". كما لو أنّه سيكون أمرا جيّدا بالنسبة لترامب أن تتمّ إقالته . و تشدّد بغلوسى : " لن نسقط في الفخّ ، سنحاسب ترامب ". أي نعم ، كيف؟ كيف ستحاسبونه و أنتم ترفضون إستخدام أحد أقوى الأدوات بيديكم ، المطالبة بإقالة الرئيس ، للقيام بشيء عمليّا له معنى في معارضة ما يقوم به ؟
لقد شاهدت معلِّقة على شبكة الأنترنت في يوم من الأيّام ، أبدت ملاحظة ( إلى جانب الكثير من الأشياء التي لا معنى لها كانت تصدر عنها ) كانت عمليّا نوعا ما ثاقبة النظر و هامة . قالت : " القوانين لا تفرض نفسها بنفسها . إذا إستطعت القيام بشيء و تمكّنت من الإفلات من العقاب ، لا معنى للقانون ". حسنا ، بغلوسى ، " محاسبتك " ( " محاسبة " ترامب ) لا معنى لها لأنّكم ترفضون إستخدام الوسائل الأكثر فعاليّة التي يمكن أن " تحاسبه ".
الآن ، يقول البعض إنّ ما تفعله بغلوسى و ما يفعله البقيّة مردّه تفكيرهم في انتخابات 2020 ، و لا يريدون تزويد الحزب الجمهوري بالذخيرة ليصرخ بأنّ هذا " عملية صيد للساحرات " ضد ترامب و الحزب الجمهوري . قد يكون هذا إعتبارا ثانويّا لدى الديمقراطيين ، لكن إن أصغيتم إلى بغلوسى ، ستجدون أنّها تقول لنا ما هي الصفقة العمليّة . إنّها تقول إنّ مطلب إقالة ترامب سيزيد في تقسيم البلاد - كما لو أنّ " البلاد " ليست بعدُ منقسمة و بعمق و منقسمة شديد الإنقسام ، في هذه اللحظة، و هذا احديدا سبب تمكّن شخص مثل ترامب من الفوز بالإنتخابات في المصاف الأوّل .
لكن هناك حقّا أسباب ثلاثة ، أو بوسعنا تسميتها " مخاوف ثلاثة " لدى بغلوسى و البقيّة . إنّهم يخشون ترامب و الجمهوريّين، لذلك يسمحون لترامب و للجمهوريّين بأن يحدّدوا إطار ما يمكن فعله . " منطقهم " يسير على النحو التالى : " بما أنّ ترامب لن يتراجع إذا حاولنا إقالته من الرئاسة ، بالتالى لا ينبغي أن نحاول إقالته من الرئاسة ". هذا هو منطق ما يعربون عنه ، حتّى و إن لم ينطقوا به مباشرة و صراحة على هذا النحو . إذن يتركون الجمهوريّين يحدّدون الإطار – و هذا طبعا ، لا يفعل سوى جعل الجمهوريّين أكثر عدوانيّة حتّى في سعيهم لتطبيق أجندتهم و في تحدّى و دوس " ضوابط " هذا النظام . و حتّى وفق " مبادئهم " البرجوازيّة الخاصة ، ينبغ على الديمقراطيين أن يتصرّفوا على أساس ما يوجد في الدستور ، و ليس على أساس ما ينوى الجمهوريّون السماح لهم بالقيام به. هذا أوّلا و ثانيا ، إلى جانب الخوف من ترامب و الحزب الجمهوري ، يخافون من واقع أنّ القوانين لا تفرض نفسها بنفسها . يخافون من كون ه لو قدّموا مطلبا بإقالة ترامب – و إذا ، بصيغة ما ، نجحوا حتّى ليس في إقالته و حسب بل عمليّا في محاكمته عن طريق مجلس الشيوخ – قد يصرّح ترامب بلا أدنى حرج : " إذهبوا إلى الجحيم ، أنا الرئيس ، لا أعترف بالإقالة " .عندئذ ، إلى ماذا و إلى من سيتوجّهون ؟ و هذا يفضى إلى بُعدٍ آخر من هذه النقطة الثانية : إنّهم يخافون من " قاعدة " ترامب. إنّهم يخافون من هذه القوى الفاشيّة الموجودة هناك و التي يشجّعها و يحرّضها ترامب لتتصرّف بشكل متصاعد بعنف و التي ( كما سأتحدّث عن ذلك بعد قليل ) تملك الكثير من الأسلحة وهي تبدى ليس فقط نيّتها ، بل إستعدادها ، لإستخدامها . لذا بغلوسى و البقيّة يسكن قلوبهم الخوف من ذلك.
و يمكن على الأقلّ بقدر ما هم – و هذا هو " ثالث مخاوفهم "- يخافون من الناس على الجانب الآخر من الإنقسام في البلاد، فإنّ الذين ينزعون إلى التصويت إلى الديمقراطيّين ، لا سيما الجماهير القاعديّة من المضطهَدين ز إنّهم يخشون ذات الناس، الجماهير القاعديّة و غيرها ، الذين يتحمّل الحزب الديمقراطي مسؤوليّة " توجيههم " إلى هراء الانتخابات البرجوازية و " ترويض " معارضتهم . إنّهم يخشون الغاضبين إزاء ما يمثّله ترامب و بانس . و لا يرغبون في خروج هؤلاء إلى الشوارع ، إلاّ إذا كان ذلك منحصرا ضمن الحدود الضيّقة التي يمكن أن يسمح بها الحزب الديمقراطي و النظام الذى يخدمه. و لا يرغبون في مواجهة بين هؤلاء الناس و الفاشيّين الذين توحّدوا وراء ترامب. هل تعتقدون أنّهم يريدون رؤية جماهير السود و المهاجرين و غيرهم ، بمن فيهم الجماهير الشعبيّة من شتّى الفئات و التي هي غاضبة جدّا ضد ترامب – هل تعتقدون أنّهم يريدون رؤيتهم في الشوارع في معارضة مباشرة و مصمّمة لما يمثّله ترامب و بانس ؟ هذا أحد أسوأ كوابيس بغلوسى و جماعتها ، ليس فحسب بسبب إمكانيّات المواجهة النضاليّة مع الفاشيّين ، بل بسبب أنّ الناس عندها قد يخرجون عن سيطرة الحزب الديمقراطي فالنظام بأسره الذى يمثّله الديمقراطيّون و مسيّرو النظام و فارضوه . فجزء كبير ممّا يمثّلونه و يفرضونه ستون عرضة للخطر بجدّية جرّاء ذلك.
هذا إذن ما يحصل مع بغلوسى و البقيّة في مقاومتهم العنيدة للتحرّك بإتّجاه مطلب إقالة الرئيس .
ثمّ ، نأتى إلى أحد أهمّ المسيّرين الفاشيّين في الحزب الجمهوري ، النائب عن لوا ، ستيف كينغ . في المدّة الأخيرة ، إلى جانب مجمل منشوراته الأخرى على الأنترنت الضارة و العنصريّة و الكارهة للنساء بوضوح ، و مواقفه المزدرية بقسوة للمسلمين و المهاجرين و ما إلى ذلك ، نشر كينغ على الأنترنت في المدّة الأخيرة صورة مصحوبة بالتعليق التالى ، على الصفحة الرسميّة لحملته :
" أيّها الأصدقاء ، واصلوا الحديث عن حرب أهليّة أخرى . فلدى جانب حوالي 8 مليارات طلقة ناريّة بينما الجانب الآخر لا يعرف أي مرحاض يستخدم ."
يجب أن نقول إنّ هناك " رؤية ثاقبة جنونيّة " في هذا التعليق . بداهة ، هذا هجوم خبيث على المتحوّلين جنسيّا و أيضا على الذين يساندون حقوقهم . لذا من ناحية ، هذا موقف مهين ، موقف رجعيّ و خبيث تمام الخبث. إلاّ أنّه يعبّر عن بعض رؤية ثاقبة مجنونة ، أو عن تصوير مجنون لبعض الحقيقة ، لأنّه بينما يساند الناس عن حقّ حقوق المتحوّلين جنسيّا ، و المثليّين جنسيّا و النساء و غيرهم ، هناك حدود و مشاكل حقيقيّة في النظرة العفويّة السائدة في صفوف الذين يوجدون على الجانب الصحيح من الإنقسام . هناك ضيق في خطوط " الهويّة " و جهل أو عدم إنتباه كاف للديناميكيّة الأوسع التي تتشكّل في المجتمع ( و العالم ) ككلّ ، و تداعيات ذلك ، كما يمثّله ، مرّة أخرى ، واقع أنّه بينما يتقاتل الناس حول أو يقاومون بعض المقاومة هذا المثال أو ذاك من الإضطهاد و التمييز العنصري و الجور ، فإنّهم لا يتوحّدون للقيام بهجوم جماهيري كامل على ما يجسّده نظام ترامب / بانس ، ناهيك عن النظام باسره الذى ولّد هذا النظام الفاشي . هناك مشكل جدّي ألا وهو أنّ الناس ككلّ الذين يعدّون أنفسهم " تقدّميّين " أو " متيقّظين "، لوضع ذلك بصيغة معتدلة ، لم يُجروا أيّة قطيعة حقيقيّة مع الشوفينيّة الأمريكيّة ( التي سأتحدّث عنها بالمزيد من التفصيل بعد قليل ) . و في إرتباط بهذا ، هناك المشكل الجوهريّ لمحاولة معالجة النزاع مع ما يمثّله نظام ترامب/ بانس و " قاعدته " الفاشيّة ب " 8 مليارات طلقة ناريّة " عبر التعويل على ( أو البحث عن العودة إلى ) ما كان " قواعدا " للحكم البرجوازي في هذه البلاد ( و من ناحية البعض ، يعنى هذا التوجّه بنداء من أجل " إعادة إرساء المدنيّة ") في حين أنّ الفاشيّين مصمّمون على دوس و تمزيق هذه " القواعد " و هم مسرورون تماما أن يتبنّى معارضوهم موقف " المدنيّة " ( التأقلم ) مع هجومهم الفاشيّ الذى لا يتوقّف . و بالرغم من كون هذا لا ينطبق بشكل مطلق ، وهو بعيد جدّا عن أن يكون الحال أنّ كلمات الشاعر وليام بتلار ييتس تصف هذا الوضع الجدّي للغاية : " الأفضل يفتقدون لأية قناعة ، بينما الأسوأ يزخرون بالحماس الشديد ". و هكذا فيما يمكن للأشياء أن تتّجه نحو حرب أهليّة ، و قد تصل إلى ذلك حتّى في مستقبل غير بعيد ، فإنّ الواقع الحالي غير مُوات بصفة كبيرة لأي شخص يمثّل أي شيء لائق في العالم .
كلّ هذا ، بنوع من الطريقة الجنونيّة ، يعبّر عنه في موقف كينغ أنّ جانبا يملك 8 مليارات طلقة ناريّة فيما الجانب الآخر لا يعرف أي مرحاض يستخدم . مرّة أخرى ، ليس أنّ مسألة أي مرحاض يُستخدم ، و القضايا الأوسع التي يكثّفها ذلك ، لا أهمّية لها . إنّها مهمّة . إلاّ أنّه هناك صورة أشمل هنا لهذا التيّار أو لهذه الحركة المتطوّرة بإتّجاه حرب أهليّة هي الآن بالذات إحاديّة الجانب جدّا بشكل سيّء جدّا ، و إن تواصلت الأمور على هذا المسار يمكن أن تكون النتيجة كارثيّة حقّا .
لذا ينبغي أن يكون هذا موضوعا جدّيا للتفكير - ليس فقط ذلك ، بل أيضا دافعا جدّيا للحركة بالنسبة للذين يهتمّون لكلّ الطرق المتنوّعة التي يتعرّض من خلالها الناس للهجوم و الإضطهاد ، وهي تشتدّ إشتدادا كبيرا ضد أقسام عريضة من الناس الذين يحتاجون للوحدة للقتال ضد الهجود الذى تشنّه هذه القوى الفاشيّة – و ، بكلمات أكثر جوهريّة ، يحتاجون للتقدّم على أساس الإقرار بأنّ النظام برمّته الذى وُلدت من رحمه هذه الظاهرة الفاشيّة ، و الذى يجسّد مثل هذا الإضطهاد الفظيع للناس ليس فقط هنا بل عبر العالم قاطبة ، يحتاج إلى أن نكنسه من على وجه الأرض.
الآن ، عنصر آخر من هذا لا يمكن أن نغضّ عنه النظر هو أنّه ، بينما الكثير ممّا يصفه كينغ ينطبق بطريقة ما جنونيّة ، لا سيما على التقدّميّين أو من يسمّون أنفسهم ب " المتيقّظين" من الطبقة الوسطى ، ثمّة مشكل من نمط آخر في ما يتّصل بالقاعديّين الأكثر إضطهادا ، لا سيما منهم الشباب – مشكل عويص هو أنّ بنادقهم موجّهة في الوقت الحاضر إلى بعضهم البعض . و دون التوغّل بصفة أتمّ في هذه القضيّة الآن بالذات ، هناك شيء يحتاج للتغيير الراديكالي في بناء حركة من أجل ثورة فعليّة . و بالتالى نأتى إلى مسألة العلاقة بين البناء من أجل ثورة فعليّة و المسألة التي لا تزال جدّ ملحّة ألا وهي ترحيل هذا النظام الفاشي . و ما يلى من القسم الثاني من خطاب " لماذا نحتاج إلى ثورة فعليّة و كيف يمكن حقّا القيام بثورة " يظلّ في منتهى الفائدة و الأهمّية :
" العلاقة بين النضال ضد هذا النظام الفاشيّ و بناء الثورة ليست علاقة " طريق مستقيم " أو " شارع بإتّجاه واحد " : لا يجب مقاربتها من قبل الذين يفهمون الحاجة إلى الثورة ، كما لو أنّ الأمر " أوّلا يجب أن نبني حركة جماهيريّة لترحيل هذا النظام الفاشيّ ، ثمّ نركّز نظرنا للعمل مباشرة من أجل الثورة ". لا . من الحيويّ توحيد الشعب و تعبئته ، من آفاق مختلفة، واسعة جدّا ، حول مطلب وجوب رحيل هذا النظام الفاشيّ ، لكن سيكون من الأعسر القيام بهذا على النطاق و بالتصميم المطلوبين لتحقيق هذا الهدف إذا لم توجد ، في الوقت نفسه ، أعداد أكبر فأكبر من الذين تقدّموا على أساس فهم أنّه من الضروري وضع نهاية ليس لهذا النظام الفاشيّ و حسب بل للنظام الذى من رحم تناقضاته العميقة و المحدّدة قد وُلد هذا النظام الفاشيّ ، نظام رأسمالي- إمبريالي بطبيعته ذاتها قد فرض و سيواصل فرض عذابات رهيبة و غير ضروريّة أصلا على جماهير الإنسانيّة ، إلى أن يتمّ القضاء عليه . و بقدر ما يتقدّم الناس ليعملوا عن وعي و بنشاط من أجل الثورة ، بقدر ما ستقوى القوّة النامية و سيقوى " النفوذ الأخلاقي " لهذه القوّة الثوريّة و بدورها ستعزّز تصميم الأعداد المتنامية على ترحيل هذا النظام الفاشيّ من السلطة الآن ، حتّى و الكثير منهم لم يُكسبوا ( و بعضهم ربّما لن يكون أبدا ) إلى جانب الثورة. (15)
الطفيليّة و الشوفينينّة الأمريكيّة و الفرديّة
و بصفة مهمّة ، في مقال حول الخصوصيّة و المشاكل التي تطرحها الأنترنت بالنسبة للناس بمعنى إقامة أي مجال خاص ( " وجه فحسب ضمن الحشود ؟ لم يعد ذلك ممكنا " ) (16) أشار مؤلّفو المقال ، وودرو هارتزوك و إيفان سلنغار ، إلى هذا على أنّه " ثقافة مهووسة بالوضع الخاص" و تحدّثوا بخاصة عن كيف أنّ هذا مشكل بمعنى عدم تمكّن الناس من مجال خاص لأنهم يرغبون في إستخدام الأنترنت لدفع مكانتهم طوال الوقت :" أنظروا إليّ و أنا أقوم بهذا الشيء ، أنظروا إليّ و أنا أقوم بذلك الشيء "، و هكذا دواليكز . و أعتقد أنّ هذه الجملة مناسبة جدّا ، جملة مواتية جدّا و ذات مغزى : ثقافة مهووسة بالوضع الخاص " . هذا ما جرى التشجيع عليه بإستمرار من خلال المؤسّسات الكبرى لهذا المجتمع ، و هذا لون خاص ، بداهة ، من ألوان الفرديّة الشائعة ، من النوعين كلاهما الخبيثة و الغافلة .
و يزاوج هذا بين الفرديّة و السلعنة وهي ظاهرة جوهرها ندركه جيّدا في التشجيع المستمرّ و الصريح و غير المعتذر على " العلامة التجاريّة "، حيثما تولّى وجهك تستمع إلى : " آه ، سيكون هذا جيّدا لتطوير " علامتى التجاريّة " ؛ آه ، لقد كانوا حقّا مبدعين للغاية في كيفيّة رفعهم ل " علامتهم التجاريّة " . و ليس بوسعنا المضيّ إلى أي مكان دون سماع كلمة " العلامة التجاريّة " مستعملة على هذا النحو. و يترافق هذا ، طبعا ، مع تعظيم فكرة إقتحام السماء – و التي تساوى موضوعيّا محاولة النجاح بإستغلال الناس ، و التحوّل إلى جزء من السيرورة العامة القائمة على درجة واسعة من أقصى الإستغلال للجماهير الشعبيّة ، بما فيها الأطفال ، في ما يسمّى بالعالم الثالث .
و كلّ هذا مرتبط شديد الإرتباط بطفيليّة المجتمع الأمريكي التى مثلما جرى شرحه ( في كتاب " إختراقات – الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعيّة الجديدة- تلخيص أساسي " ، لبوب أفاكيان ) تحيل على واقع أنّ الرأسماليّة المتنامية العولمة :
" تعوّل إلى درجة كبيرة جدّا لتنتج و تحافظ على نسق الربح ، على شبكة واسعة من المصانع الهشّة ، لا سيما في ما يسمّى بالعالم الثالث لأمريكا اللاتينيّة و أفريقيا و الشرق الأوسط و آسيا ، بينما النشاط الرأسمالي في " بلدان موطن " الرأسماليّة - الإمبرياليّة ينصبّ بصفة متزايدة في مجال التمويل و المضاربة الماليّة ، و " الهدف الأعلى المنشود " ( ليس إنتاج المواد الماديّة الأساسيّة ) هو التقنية العالية و كذلك قطاع الخدمات و مجال التجارة ( بما فيها الدور المتنامى للسوق على الأنترنت).
و مثلما أعرب عن ذلك لينين ، يسم هذا ب " طابع الطفيليّة " مجتمعات بأسرها على غرار الولايات المتحدة ." (17)
و لهذا بعدُ ماديّ و كذلك بُعد إيديولوجي . ماديّا ، توجد بصمات الطفيليّة فى كامل المجتمع لأنّ المجتمع بأسره و ذات سير الاقتصاد نفسه سيكونان من غير الممكن الحفاظ عليهما ، و بالتأكيد الحفاظ عليهما في المستوى الذى هما عليه ، دون هذه الشبكة العريضة من المعامل الهشّة . مستويات المعيشة و ذات سير الاقتصاد ما كانا ليكونا على ما هما عليه ، ما كان ممكنا الحفاظ على ما هما عليه ، دون هذه الطفيليّة و بوجه خاص الإستغلال الفاحش للغاية للملايين و عشرات و مئات الملايين و في نهاية المطاف ، مليارات البشر ، عبر هذه الشبكة الواسعة من المعامل الهشّة عبر ما يسمّى بالعالم الثالث بوجه خاص.
و في ما يتّصل بالبُعد الإيديولوجي ، بصمات الطفيليّة هذه في كامل المجتمع تلقى التشجيع وهي بدورها تعزّز بواسطة تشجيع الفرديّة ، و الظواهر الشائعة جدّا من النرجسيّة و فكر الإستحواذ و مذهب المتعة . و مرّة أخرى : " أريد كلّ شيء و أريده الآن ! " . لا يخجلون حتّى من وضع هذا في إعلان ، أكثر من مرّة - يقذفوننا طوال الوقت بهذا الضرب من التفكير. و للتذكير بمقطع من سيرتى الذاتية ( " من إيكى إلى ماو و بعد ذلك " ) (18) هذه مسألة وضع أنفك في الحوض الصغير و لحس أكبر قدر لحسها ، دون التفكير في من أين يأتي هذا . و مجدّدا ، هناك كلّ من الشكل الأخبث لهذا – " لا أهتمّ أبدا ، ليذهب هؤلاء الناس إلى الجحيم ، أريد كلّ شيء و أريده الآن ! و أريد ما أريد ! " – و الشكل الأكثر غفلة : " لا أعلم حقّا من أين يأتي كلّ هذا ، أنا أسعى إلى متابعة حياتى الخاصة و أحلامى الخاصة ، لا غير ".
لذا ، في كلّ من المجال المادي و المجال الإيديولوجي ، بصمة الطفيليّة منتشرة بكامل المجتمع وهي شيء حقيقي جدّا . و يرتبط هذا بالصلة العامة بين الشوفينيّة و الفرديّة الأمريكيّتين : المماثلة بين المصالح و الآفاق و المكانة الشخصيين مع الموقع المهيمن – و نهب العالم و جماهير الإنسانيّة من قبل – رأسماليّة – إمبرياليّة الولايات المتّحدة . و تعبير غريب عن هذا – سواء كان خبيثا أم غافلا – هو الآتى : مع الغزوات و الحروب الدائرة رحاها و الإنقلابات و قتل المدنيّين بمئات الآلاف ، و تحطيم بلدان و دفع الملايين إلى اليأس و الجوع على يد إمبرياليي الولايات المتّحدة و " حلفائهم " و دماهم المجنونة [ عملائهم من الأنظمة عبر العالم – المترجم ] ، أين هو الغضب الشعبي و أين هي المعارضة النشيطة و المصمّمة من الشعب في الولايات المتحدة ، الشعب الذى بإسمه ترتكب هذه الجرائم الوحشيّة بصفة مستمرّة - بما في ذلك أين هي معارضة الذين يسمّون أنفسهم " تقدّميّين" أو " متيقّظين " ؟!
و مظهر آخر ممّا يشمله الأمر هنا هو " النفاق المرهق للعالم " و علاقته بالفرديّة الطفيليّة . من لم يسمع بهذا ؟ - " آه ، أعلم أنّ هناك الكثير من الأشياء الخاطئة في العالم ، لكن ببساطة الأشياء هي كما هي . أجل ، طبعا ، ترتكب الولايات المتحدة جرائما حول العالم ، لكن كذلك تفعل كافة البلدان الخرى . أجل ، ترامب ليس جيّدا ، لكن كافة السياسيّين فاسدين . ليس لدى الوقت للإنتباه إلى هذا . أنا جدّ متطوّر لأنخرط في هذا ، أو لأنفعل شعوريّا بسبب كلّ هذا . ليس عليّ عدا الإعتناء بالأشياء التي تهمّنى حقّا و بدرّاجاتى في حديقتى " ( أو قد يكون أي شيء آخر).
هذا النفاق المرهق للعالم المدّعى ( أو النفاق الحقيقي لكن الوعي العالمي المدّعى ) مظهر آخر من الفرديّة الطفيليّة – تبرير رفضكم أو إخفاقكم في القيام بشيء بشأن الجرائم المرتكبة بإسمكم ، و كافة الأشياء الفظيعة التي تحدث في العالم ، على أساس : " أجل ، أعلم ، لكن ببساطة الأشياء هي كما هي " و في النهاية ، ما من شيء يمكن حقّا فعله بهذا المضمار. كلّ من يتقدّم و يدّعى أنّه سيفعل شيئا بهذا الصدد يكون مجرّد فاسد كالذين يقترفون هذه الأشياء ، لذا ليس هناك حقّا أي شيء يمكن فعله ". و مثلما وُضع ، برؤية جدّ ثاقبة ، هذا الشعور يمكن ترجمته على أنّه : " آه ، أنا مسرور لأنّه تبيّن أنّ الشيء الصائب الذى يجب القيام به هو القيام بلا شيء أصلا بشأن هذه الفظائع و الأهوال في العالم ".
في خطاب " يجب على نظام ترامب / بانس أن يرحل ! باسم الإنسانيّة ، نرفض القبول بأمريكا فاشيّة ، عالم آخر ممكن"، في إطار الصراع من أجل منع تعزيز تركيز الحكم الفاشيّ لنظام ترامب/ بانس ( و بصفة أعمّ بالنظر إلى النضال من أجل عالم مختلف راديكاليّا و أفضل )، سلّطت الضوء على هذه النقطة :
من أكبر العراقيل في الطريق ، و التي تثقل كاهل الناس ، هي الشوفينيّة الأمريكيّة – المفهوم المقيت بأنّ أمريكا و الأمريكيين أفضل و أهمّ من أيّ شخص آخر " (19).
و بالنظر إلى الطبقة الوسطى في هذه البلاد ، بالرغم من أنّ أقساما هامة اليوم من هذه الطبقة ليست في وضع جيّد كما كان عليه حالها في الماضي – و بعضها يصارع عمليّا – إقتصاديّا ، مع تواصل إتّساع الإنقسام الاجتماعي و الفروقات في المداخيل إلى درجات فاحشة ، لا يزال هناك ، في صفوفهم ، أو ضمن الكثيرين من الطبقة الوسطى ، معنى مستمرّ و واسع الإنتشار من " الإستحقاق " كأمريكيين ، و مُمثالة مصالحهم الخاصة مع ما هو في الواقع نظام جرائم حرب كبرى و جرائم ضد الإنسانيّة : الرأسماليّة – الإمبريالية الأمريكيّة . و مثلما تمّت الإشارة إلى ذلك في خطاب " يجب على نظام ترامب/بانس أن يرحل ! " ، سُمّ الشوفينيّة الأمريكيّة يمارس كذلك تأثيرا في صفوف أكثر المضطهَدين بمرارة ، حتّى و هذا في نزاع حاد مع الإضطهاد المنهجيّ الذى يتعرّضون له في هذه البلاد في ظلّ هذا النظام .
هناك حاجة كبرى لأن يقطع الناس على نطاق واسع مع هذه الشوفينيّة الأمريكيّة . و كما شدّدت على ذلك سابقا ، هناك " ثلاثة أشياء يجب أن تحدث حتّى يوجد تغيّر حقيقي و طويل الأمد من أجل ما هو أفضل " :
1- أن يواجه الناس التاريخ الفعلي لهذه البلاد و دورها في العالم إلى يومنا هذا ، و إنعكاسات ذلك الرهيبة .
2- أن يتعمّق الناس بجدّية و علميّا في كيف يسير عمليّا هذا النظام الرأسمالي - الإمبريالي ، و ما الذى يفرزه عمليّا عبر العالم.
3- أن ينظر الناس بعمق في كيفيّة معالجة هذا . (20)
و مثلما وضعت ذلك بدقّة في " المشكل و الحلّ و التحدّيات أمامنا " :
" بينما من الصائب و الضروري إقامة وحدة مع أناس بصورة واسعة لمعارضة ظلم و فظائع حكّام هذه البلاد ، و بينما يكتسى هذا أهمّية بارزة مع صعود نظام ترامب / بانس الفاشيّ إلى سدّة الحكم ، هناك حقيقة أساسيّة هي أنّه دون قطيعة مع الشوفينيّة الأمريكيّة – دون مواجهة الفظائع الحقيقيّة جدّا لما كانت و لا تزال عليه هذه البلاد ، و ما قامت به هنا و عبر العالم قاطبة ، منذ تأسيسها إلى وقتنا الحاضر – و دون التوصّل إلى الشعور بالحقد حقدا عميقا على هذا ، من غير الممكن، في آخر التحليل ، أن يحافظ المرء على إنسانيّته الخاصة و التحرّك خدمة لأعلى مصالح الإنسانيّة جمعاء " ( 21) [ التشديد مضاف من الكاتب ].
و في تعارض مباشر مع هذه النظرة المسمومة للشوفينيّة الأمريكيّة ، التوجّه الذى ينبغي الدفاع عنه بصلابة و القتال من أجله بشراسة هو المبدأ الأساسي والحقيقة البسيطة لكن العميقة ، أنّ " حياة الأمريكيين ليست أهمّ من حياة الآخرين" و " الأممية - العالم بأسره في المصاف الأوّل " و هما موجودان في كتاب" الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " 5:7 و 5:8 (22) [ الكتاب متوفّر بالعربيّة بمكتبة الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي ].
و قد جرى التبسّط بشكل أتمّ في " الأساسي ..." 8:3 (23) :
" مصالح الإمبرياليين و أهدافهم ومخطّطاتهم الكبرى ليست مصالحنا نحن – ليست مصالح الغالبية العظمى من الناس فى الولايات المتحدة و لا هي مصالح الغالبية الساحقة من الناس فى العالم ككلّ . و الصعوبات التى أوقع الإمبرياليون أنفسهم فيها فى سعيهم وراء هذه المصالح يجب النظر إليها و الردّ عليها ليس من وجهة نظر الإمبرياليين و مصالحهم و إنّما من وجهة نظر الغالبية العظمى للإنسانية و حاجة الإنسانية الأساسية و الملحّة لعالم مختلف و أفضل ، لطريقة أخرى ."
إنّ الكسب المستمرّ لأعداد أكبر من الناس إلى هذا التوجّه الجوهريّ أمر حيويّ في ما يتّصل بالتوصّل إلى أي تغيير إيجابي، و سيكون حيويّا فى إيجاد الثورة التي تضع نهاية في آخر المطاف لهذا النظام الوحشيّ الرأسمالي الإمبريالي .
سياسات الهويّة و الفرديّة
مثلما جرت الإشارة إلى ذلك في " تبيّن كلّ شيء " ، [ قصيدة لبوب أفاكيان لحّنتها و غنّتها فرقة " الأوترناسيونال " من الولايات المتّحدة – المرتجم ] هناك " سياسات " الهويّة " التي يتردّد صداها و يعود إليّ " (24)، فنرى طوال الوقت أنّه حتّى بينما هذه الهويّة مرتبطة بمجموعة ، بالمعنى الجوهري هي حقّا تتمحور حول " ذاتى " و " لى " ؛ هي معروضة على الأقلّ موضوعيّا و عادة عن وعي ، ضد الآخرين ، حتّى الآخرين المضطهَدين بمرارة ، على نحو نشتمّ منه الفرديّة المقرفة و المنافسة التافهة القائمة على تلك النظرة . و إلى جانب هذا ، ثمّة كامل ظواهر " نير " الطفيليّة و البحث عن مواقع " آمنة " ذات إمتيازات داخل ، و على أساس ، نهب و إستغلال النظام الإمبريالي للجماهير الشعبيّة للعالم و كذلك للبيئة .
" سياسات الهويّة " تشوّه و تفسد و تسيء توجيه و تقوّض عرض النضال الضروري ضد الأشكال المرعبة فعلا من الإضطهاد . وفي إرتباط بهذا ، لنعقد مقارنة بين تجربة ستّينات القرن العشرين و ظواهر اليوم من " الإثارة " و الصدمة .
قبلا في ستّينات القرن الماضي، إنطلاقا من تجربتى الخاصة ، أذكر أنّ ضمن حرة الخطاب الحرّ في بركلى سنة 1964، ذروة و أوج ذلك النضال كانت تنظيم إعتصام في مبنى الإدارة على المركّب الجامعي ببركلى . إعتصم المئات من الطلبة و رفضوا المغادرة إلى أن تلبّى مطالبهم . و في نهاية المطاف ، أُجبر 800 طالب و طالبة على مغادرة المبنى بالقوّة و تمّ إيقاف عدد منهم ؛ عندها حاكم الولاية ( من الحزب الديمقراطي ) لم ينادى الشرطة المحلّية فحسب بل كذلك الحرس و شرطة الولاية للدخول إلى المركّب الجامعي و طردنا من مبنى الإدارة . و توجّبت علينا مواجهة هذه الشرطة التي كانت تعتقل الطلبة مستخدمة العنف – ماسكة لا سيما النساء من شعر الرأس و دافعة إيّاهنّ إلى أسفل الدرج كطريقة لإبعادهنّ من مبنى الإدارة . حسنا ، يصدمنى الآن ، و أنا أنظر إلى ذلك ، أنّ الشيء الوحيد الذى غاب عنّا القيام به إزاء ذلك هو أن نقول للشرطة و الحرس " مهلا ، إنّكم تثيروننا . ليس بوسعكم فعل هذا . إنّكم تتسبّبون لنا في صدمة ". أنا واثق أنّ ذلك كان سينجح في منع الشرطة من التصرّف بتلك الطريقة العنيفة .
أو حينما نفّذ هواي نيوتن و بوبى سيل ، إلى جانب آخرين كوّنوا أوّل أعضاء حزب الفود السود ، دوريّاتهم للمراقبة المسلّحة ضد عنف الشرطة و جرائمها ، و واجهوا شرطة هدّدتهم و طلبت منهم نزع أسلحتهم ( التي كان الفهود السود يحملونها بشكل قانوني ) ، حينها ، كان يتعيّن على هوايىو بوبى أن يقولوا لأولئك الخنازير : " مهلا – ألا تعلمون أنّكم تثيروننا . ليس بوسعكم فعل هذا . إنّكم تتسبّبون لنا في صدمة ! ". و أجل أنا واثق أنّ ذلك كان سينجح في جعل الخنازير يتراجعون .
أو ، يمكن أن نفكّر في " إيقاف مشروع الأسبوع " لمّا توجّه الآلاف إلى التظاهر في مركز أوكلاند للتجنيد في أوج النضال ضد حرب الفيتنام ، في مسعى لغلق ذلك المركز ( حيث كان يجرى تسجيل الشباب – و إجبارهم – على الإلتحاق بجيش الولايات المتّحدة ) . إعتصم المتظاهرون و أوصدوا الأبواب . و تدخّلت شرطة أوكلاند المعروفة بعنصريّتها و وحشيّتها و هاجمت الحشود بعنف و أبعدتهم بالطريقة الأكثر خبثا . حسنا ، يصدمنى الآن أنّ الإخفاق الحقيقي وقتها كان أنّه ، و الناس في إعتصام و الشرطة تقترب منهم ، كان عليهم أن يخاطبوها قائلين " مهلا! إنّكم تثيروننا . ليس بوسعكم فعل هذا. إنّكم تتسبّبون لنا في صدمة ". و أنا واثق أنّ هذا كان سيوقف الشرطة و يمنعها من الطرد العنيف للمتظاهرين بعيدا عن الأبواب .
و هناك المزيد و المزيد من الأمثلة الأخرى . فكّروا في ما حصل بحديقة الشعب العموميّة ببركلى عندما، في أوج التحرّك، نُظّمت مسيرة جماهيريّة بعشرات الآلاف مساندة ما يبدو أنّه مطلب متواضع ألا وهو تحويل مكان أرادت الجامعة جعله مأربا للسيّارات إلى حديقة عموميّة . أثناء ذلك النضال ، أطلقت الشرطة النار على المتظاهرين و قتلت أحدهم ، جامس ركتور ، كجزء من هجومها على المسيرة . و إضافة إلى إطلاق النار على المتظاهرين ، وقعت دعوة الحرس الوطني . فإلتحق عدد منّا بالحواجز و أخذوا يهزّونها هزّا . حسنا ، لأنّ الحرس الوطني كان مسلّحا و تلقّى أوامرا بالإستعداد لإطلاق النار – و كان ذلك جليّا للغاية – كان السؤال المطروح : هل علينا أن نسقط الحواجز و نواجه وابل الرصاص الذى سيوجّه لنا لو قمنا بذلك ؟ و قرّر الحضور ، في تلك الظروف ، أنّ ذلك ليس الشيء الصائب الذى ينبغي القيام به . لكن ، بداهة كان توجّهنا خاطئ تماما في تلك الظروف . كان يتعيّن علينا أن نقول لقادة الحرس الوطني : " ليس مجرّد تصويبكم تلك البنادق نحونا ، بل مجرّد وجود البنادق على مقربة منّا ، يثيرنا . ليس بوسعكم فعل هذا. عليكم إيقاف هذا في الحال ! ".
الآن ، من البديهي أنّى أعتمد السخرية هنا و النقطة التي تتخلّل هذا – و هذه الأمثلة المثيرة للسخرية عمدا لإظهار النقطة – هي أنّ في أي نضال حقيقي للتعاطى مع أي إضطهاد حقيقي ، ضد فارضين أقوياء لهذا الإضطهاد ، سيترتّب علينا أن نواجه أفق التضحية الحقيقيّة ، بما فيها أفق التعرّض للهجوم الجسدي . و إذا فكّرتم أنّه بوسعكم إيجاد أماكن آمنة و أنّ هذا سيؤدّى بشكل من الأشكال إلى قيادة أي نوع من التغيير الهام للمجتمع ، فإنّكم تسبحون في الأوهام و الخيالات .
و هذا أمر من المهمّ فهمه . الصدمة الناجمة عن الأشكال الرهيبة للإضطهاد و الإخضاع و للعذاب المباشر حقيقيّة جدّا ، و لا أحد يجب أن يُنكر هذا أو يستخفّ به – لكن عوض " الإنكماش على الداخل " الفردي ، يحتاج هذا إلى التحويل إلى غضب و تصميم على المساهمة في نضال جماعي لوضع نهاية لكافة الفظائع ، في كلّ مكان ، يكون مصدرها و سببها الأساسيين هذا النظام الرأسمالي- الإمبريالي . و أجل ، سيتطلّب هذا نضالا و تضحية غير انّه يستحقّ العناء . هذا ما يجب أن يقع.
و الآن ، إلى جانب هذه النزعات السلبيّة المرتبطة ب " سياسات الهويّة " ، لدينا ما يمكن تسميته سياسات الإتّهام – إتّهام الأفراد بدلا من تغيير المجتمع ( و العالم قاطبة ) لإجتثاث الإضطهاد برمّـه . هناك ظاهرة ليس إستهداف و البحث عن تمزيق الأفراد و إلى جانب هذا و كجزء منه ، بالتفتيش عبر كلّ تاريخ حياة الناس ، و العودة إلى عقود سابقة – حتّى في سنوات قليلة ماضية لشخص ما – و رؤية إن أمكن إيجاد شيء يدينه و بالتالى إستبعاده عن أيّ دور إيجابي في أي شيء .
و مثلما شدّدت على ذلك ، في غير مناسبة ، متى إقترف أناس جرائم و فظائع حقيقيّة ، ينبغي محاسبتهم ، لكن هناك أيضا حاجة إلى النظر إلى مسار حياة المرء و ما هو المظهر الرئيسي و المحدّد لحياته. هل هو الأخطاء المقترفة أم حتّى شيء فظيع حقيقة إقترفه في لحظة ما ؟ هل أنّ ذلك هو المظهر الأساسي في حياتهم و ما يحدّدها ؟ أم هل أنّ حياته شهدت تغيّرا حقيقيّا ، أين ما صار محدّ>ا لما هو عليه هو الأشياء الإيجابيّة التي قاموا بها و المسار الإيجابي لحياتهم بأكملها ؟
المقصود هنا هو مقاربة خاطئة و ضارة جدّا ل " منع " الناس وإتّهامهم ( في مجال الرأي العام إن لم يكن قانونيّا ) و إستبعادهم – و هذا مغاير لمحاسبة الناس على تصرّفات إضطهاديّة جدّية أو فظائع أخرى إقترفوها لكن يجب كذلك النظر في جميع المسار و المضمون الأساسي لما كانت تتمحور حوله حياتهم . ( و يصبح هذا حتّى أسوأ بفعل أنّه عادة ما يوسّع عبر " محاكمة وسائل الإعلام و وسائط التواصل الاجتماعي " ، بدون أي أفق و لا حتّى أي إدّعاء بسيرورة ضروريّة أو أيّة محاولة حقيقيّة لبلوغ الحقيقة ؛ و يتغذّى هذا بمفهوم خطير عن أنّ مجرّد إدّعاء كافى لإدانة شخص و جعله منبوذا بصفة مستمرّة ، ويتميّز هذا برفض تطبيق أيّة إجراءات تنسيبيّة للفرز بين أنواع و درجات مختلفة من التصرّفات الخاطئة ) " و يمضى هذا أيضا مع وهو بالمعنى العام جزء من ذات ظواهر الإنكماش على النفس و البحث عن " فضاءات آمنة " و البحث عن " العناية بالذات " و " العافية الشخصيّة " بدلا من ، و على الأقلّ موضوعيّا في تعارض مع ، توجيه الغضب ضد الإضطهاد و الإهانة " إلى الخارج " ليغدو جزءا من النضال الجماعي المستهدف لتغيير العالم قصد وضع حدّ لكافة الفظاعات ، لكافة الإضطهاد و الإستغلال ( و هذا أيضا أفضل إطار لتجاوز الصدمة الحقيقيّة التي عرفها الإنسان ).
الفرديّة و اللامبالاة
و إليكم موقف هام لماركس ، مقتبس من الغرندريس أحد أهمّ أعماله – كما ذُكر في " تأمّلات و جدالات " :
" في العلاقة النقديّة / الماليّة ، في نظام التبادل المتطوّر ( و هذا التشابه يعشقه الديمقراطيّون )، علاقات التبعيّة الشخصيّة، الإختلافات في الدم و التعليم إلخ في الواقع تتفجّر وتتفكّك : (على الأقلّ ، تبدو كلّ الروابط الشخصيّة كأنّها علاقات شخصيّة)؛ و يبدو الأفراد مستقلّين ( و هذه الإستقلاليّة هي في الأساس مجرّد وهم ، و تسمّى بصيغة أصحّ لامبالاة ) يبدون أحرارا في الإتّحاد معا و للإنخراط في تبادل ضمن هذه الحرّية ..." (25)
يتطرّق ماركس إلى شيء عميق جدّا و ثاقب النظر حول العلاقات في صفو الناس في المجتمع الرأسمالي – العلاقات السلعيّة التي تميّز الرأسماليّة كما تمثّلها النقود ( أو اليوم القروض و تجريدات القروض ) . لاحظوا كلمة " لامبالاة " هنا . و يعيدنا هذا إلى الفرديّة . و يمكن بصفة خاصة تطبيقه على الفرديّة الغافلة . أنتم لامبالون بالناس الآخرين و تعتقدون أنّ هذا إستقلالكم ، في حين أنّكم جميعا مرتبطون معا بشبكة علاقات منها العلاقات الماليّة التي تميّز هذا المجتمع و علاقاته الإستغلاليّة الكامنة . جميعكم واقعون في هذه الشبكة ، و مع ذلك ، ضمن هذه الشبكة تتوهّمون أنّكم تتصرّفون بإستقلاليّة ، بينما إطار كيفيّة تفاعلكم يُحدّد بديناميكيّة النظام الرأسمالي و علاقات ( إنتاجه ) الإقتصاديّة الكامنة ، و كذلك بعلاقاته الإجتماعيّة ( على غرار العلاقات الإضطهاديّة بين الرجال و النساء ، مثلا ) المتناسبة مع هذه العلاقات الإقتصاديّة . تعتقدون أنّكم تتصرّفون بإستقلاليّة إلاّ أنّكم ببساطة واقعون حقّا داخل شبكة تحدّد كيف تتصرّفون ( وكيف تفكّرون ) بينما ، في الوقت نفسه ، تتّخذ هذه " الإستقلاليّة " شكل – و هنا مرّة أخرى ظواهر الفرديّة الغافلة – للامبالاة تجاه الآخرين . و يمكن أن يتمّ التعبير عن هذا في نظرة " ليس أسعى عن وعي إلى دوس الآخرين ، أنا لا أفعل سوى البحث عن مصالحى الخاصة و " أحلامى " ( ببساطة " أصنع نفسى " ) – لكن في الواقع أنت مضطرّ إلى التنافس و النزاع مع آخرين ، و أنت مجبر على أن تكون لامباليا إزاء تأثير كلّ هذا على الاخرين ب " عفويّة " كيفيّة سير هذا النظام .
و لهذا صلة بنقطة شدّدت عليها في كتاب " الشيوعية الجديدة " بصدد ملاحظة لينين بأنّ النظام الرأسمالي و علاقاته السلعيّة تفرض على الناس أن يحسبوا بحساب البخلاء . من هنا ، مجدّدا ، الناس مضطرّون لأن يكونوا لامبالين إزاء الآخرين جراء الديناميكيّة التي وضعتهم في تنافس و في نزاع مع الآخرين من أجل كافة أصناف الأشياء : من يحصل على الشغل و من يحصل على ترفيع في الأجر و من يحصل على ترقية ، و من يحصل على منحة دراسيّة جامعيّة و من يحصل على دورة تدريبيّة ( و هكذا ...) . أنتم مجبرون على أن تكونوا في نزاع مستمرّ مع الآخرين و أنتم مجبرون على الحساب بحساب البخلاء حتّى إلى درجة ، " حسنا ، أنا آسف أنّ لهذا أثر سلبيّ أو قد يتسبّب حتّى في ضرر حقيقي لشخص آخر ، لكن عليّ أن أفعل ما عليّ فعله لأجلى و لجل أسرتى ". و ما إلى ذلك . ليس أنّ الناس في صميمهم أنانيّون ، في إنسجام مع مفهوم " الطبيعة الإنسانيّة " التي لا تتغيّر . اللفظة التي يستخدمها لينين هامة جدّا – في ظلّ هذا النظام الناس مُجبَرون على الحساب حساب البخلاء. إنّهم مجبرون على أن يكونوا لامبالين تجاه أناس آخرين و تجاه كيف تؤثّر الأشياء فيهم .
و يشير لينين كذلك – و لهذا صلة بالطبيعة الأساسيّة و السير الأساسي للنظام الرأسمالي – إلى أنّ الرأسماليّة تضع بين يدي أفراد ما ينتجه المجتمع كلّه ( وفى نهاية المطاف العالم كلّه ،و هذا صحيح بصفة خاصة اليوم – العالم كلّه ). و لهذا مظهرَان إثنان ، أحدهما يتمظهر في المراكمة الخاصة للرأسماليّين ، الرأسماليين المتنافسين ، للثروة المنتجة إجتماعيّا من قبل الجماهير الشعبيّة التي تشتغل ضمن تنظيمات إنتاج جماعيّة . هذا إذن مظهر من مظهي ما يتحدّث عنه لينين حينما يقول إنّ الرأسماليّة تضع بأيدي أفراد ما ينتجه المجتمع كلّه .
و المظهر الثاني لهذا هو الإستهلاك الفردي . تضع الرأسماليّة بأيدي أفراد في يتعلّق بأشيائهم الفرديّة الإستهلاكيّة ، ما ينتجه المجتمع ككلّ – بكلمات أخرى ، إلى درجة كبيرة جدّا ، هذه الحاجيات يجب تلبيتها ، في ظلّ هذا النظام ، عبر التبادل السلعي ( على الناس أن يدفعوا مقابلا لها ) – في تعارض مع تلبية هذه الحاجيات إجتماعيّا ، و توفيرها دون كُلفة كما سيكون الحال في مجتمع شيوعي . و كي نكون ببساطة واضحين ، على عكس الإفتراءات و التشويهات السخيفة التي غالبا ما تقدّم : لا ، في ظلّ الشيوعيّة لن يكون على الجميع إستخدام فرشاة الأسنان عينها ! هذه ليست القضيّة هنا . طبعا ن في المجتمع الشيوعي ، ستوجد أشياء للإستهلاك الشخصي . لن يأكل الناس الغذاء نفسه ، سواء مجازيّا بمعنى وجوب أكل ذات الوجبات طوال الوقت ( و لا بديهيّا ، بالمعنى الحرفي أنّ أحد يقضم ثمّ يمرّر الأكل ليقضم التالى بدوره من الأكل ذاته ، و هكذا ) ! بداهة ، ليس هذا ما يجرى الحديث عنه. ما يجرى الحديث عنه هو أنّ في المجتمع الشيوعي حيث يكون تملّك و توزيع ما يقع إنتاجه وفق طبيعة قوى الإنتاج و ما يتناسب معها من طبيعة إجتماعيّة للإنتاج نفسه ، عديد الحاجيات – السكن و الرعاية الصحّية و أشياء من هذا القبيل – يمكن تلبيتها و ستتمّ تلبيتها إجتماعيّا ، عوضا عن التعويل على و الإرتباط بالنفقات الفرديّة ( و مرّة أخرى ، يختلف هذا جدّا عن فرشاة الأسنان الشخصيّة أو أشياء أخرى للإستهلاك الشخصيّ).
هذا إذن مظهر آخر أو بُعد آخر من ما يتحدّث عنه لينين . و يرتبط هذا أيضا بنقطة ماركس حول الإستقلاليّة التي يكون من الأفضل تسميتها " لامبالاة " ، و المنافسة في صفوف الأفراد المعنيّين هنا ، و الحاجة الجوهريّة لتغيير المجتمع ( و في نهاية المطاف العالم بأسره ) لتجاوز و تخطّى اللامبالاة الفرديّة تجاه الآخرين ، في التحرّك أبعد من الاقتصاد و العلاقات الإجتماعيّة و السياسيّة و الأفكار المناسبة ، و التي تملى و تعزّز التنافس و النزاع و التناقض العدائي ليس بين الأفراد فحسب بل بين كلّ الطبقات و المجموعات الإجتماعيّة .
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا